رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حسن عابدين ..عاد من الموت و(كليبر) أحبطه (1)

مثل دور الخيديو على المسرح

* والده كان فلاحا ويعقد صالونا سياسيا وثقافيا كل خميس فى القرية يجمع فيه أعيان بنى سويف

* والدته كانت تتمتع بروح مرحة وخفة ظل تقابل بها أشد الكوارث قسوة فأورثت ابنها هذه الروح الفكاهة

* في طفولته كان يقوم بحفظ حوار كل الحيوانات الموجودة فى كتاب المحفوظات ويقوم بإلقائها بطريقة تمثيلية على زملائه

* كان يقوم بتقليد الخطابات السياسية التي يلقيها السياسيون على الناس بجدارة

* والده منعه من استكمال دراسته فى القاهرة خوفا عليه من التمثيل

 * عمل كفلاح فى أرضهم، ووالدته شاهدته وهو يقتل

* الملك فاروق يعفو عنه ويضحك من سخريته منه

* شارك فى صباه في حرب فلسطين وقرر الأعداء إعدامه

* قام بتمثيل مسرحية من تأليف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

في حجرته يضع اللمسات الأخيرة قبل صعود الخشبة

كتب : أحمد السماحي

نحيي هذه الأيام ذكرى فنان كبير أعطى للفن بكافة مجالاته من وقته وجهده وتفكيره الكثير، فعلى الرغم من أنه لم يكن من نجوم الصف الأول، ولم يكتب اسمه على أفيشات السينما أو المسرح أو التليفزيون منفردا أو كبطلا مطلقا، إلا أنه استطاع بأدواره المتميزة التى جسد فيها شخصية الأب، والموظف المطحون، والإنسان الحريص على القيم، أن يحفر اسمه فى تاريخ الفن العربي كأحد أبرز نجوم الكوميديا والتراجيديا على مدار تاريخها.

 لم يكن (حسن عابدين) يعلم أنه خلق كي يصبح فنانا، صحيح أنه كان خفيف الظل، ويقرض الشعر ويهوى الأدب فى طفولته، لكن نشأته الصعيدية الصارمة كانت تشير إلى أنه سوف يصبح خليفة لوالده ــ أحد أعيان بني سويف ــ فى حرث الأرض الزراعية، غير أن تشجيع أساتذته له فى المدارس وتصفيق زملائه جعله يعشق الفن.

ولد (حسن عابدين) فى الواحد والعشرين من أغسطس 1931، فى محافظة بنى سويف، وفى سنوات نشأته الأولى كان لعاملين مهمين أثرهما البالغ فى تكوين شخصيته، أولهما والدته – ست البيت البسيطة – التى كانت تحتل مكانة خاصة فى نفسه، وكثيرا ما تحدث عنها بإعجاب وفخر مؤكدا أنها بثت فيه روح الاعتماد على النفس، ولم تكن تظهر خوفها عليه، فنشأ غير هياب للحياة ذا شخصية مستقلة يمكن أن تواجه كل المصاعب، فضلا عن أن هذه السيدة كانت تتمتع بروح مرحة وخفة ظل تقابل بها أشد الكوارث قسوة، فأورثت ابنها هذه الروح الفكاهة، وأورثته معها تلك النظرة البسيطة للحياة.

 أما التأثير الأخر فكان من جهة والده هذه المرة فوالده الحاج (عبدالوهاب عابدين) كان يعمل فلاحا ومن أعيان بنى سويف، وكان يتمتع بشخصية جادة جداً تهابه كل الأسرة، ولديه خمسة أولاد، وكان حسن ترتيبه الرابع وسط هؤلاء الأشقاء، وكان الحاج (عبدالوهاب) رغم كونه فلاحا إلا أنه كان يهتم بالثقافة والفكر والسياسة، ويعقد صالونا سياسيا وثقافيا كل خميس فى القرية، يجمع فيه أعيان بنى سويف وفى هذا المناخ تربى الطفل (حسن عابدين).

في شبابه مرتديا جلبابا بلديا ليجسد دور فلاح

أبله فاتن

فى سن الرابعة التحق (حسن) بالروضة أو رياض الأطفال، وكان مولعا باللغة العربية والمحفوظات ولديه قدرة كبيرة على الحفظ، مما جعل (أبله فاتن) مدرسة اللغة العربية تعتمد عليه فى كل المحفوظات التى كانت تتحدث عن الحيوانات، فكان يقوم بحفظ حوار كل الحيوانات الموجودة فى كتاب المحفوظات، ويقوم بإلقائها بطريقة تمثيلية على زملائه، الذين كانوا يشجعونه بالتصفيق الحاد، وعندما وصل الى المرحلة الابتدائية التحق بمدرسة (الأقباط الإبتدائية للبنين) وكان يحفظ الكثير من الشعر الجاهلي ويجيد التحدث باللغة العربية بطلاقه، وكون مع بعض زملائه جمعية الخطابة وكان رئيساً لها، وكان ويقوم بتقليد الخطابات السياسية التي يلقيها السياسيون على الناس بجدارة.

إنقاذ علي عليوة

أحب (حسن) حفظ وقرض الشعر فى المرحلة الثانوية على يد الأستاذ (على عليوة) مدرس اللغة العربية، وكان رجلا محبا للشعر وشاعرا، و يساعد (حسن) على تذوق الشعر، ويهديه الدواوين الشعرية، ويسمعه آخر انتاجه الشعري، لكي يحفظه ويردده، وفي يوم من الأيام حضر إلى المدرسة مفتش اللغة العربية، وقد أرسل من وزارة المعارف لتفقد مدرسي المحافظة، ودخل المفتش الفصل ولسوء الحظ – ورغم أن (حسن) كان يجلس فى آخر الصفوف – فقد اختاره المفتش لكي يسأله عن ما يحفظه من شعر(حافظ إبراهيم) الذى كانت أشعاره مقررة عليهم، فقال له ببساطة: لا أحفظ شيئا! ولاحظ (حسن) حين قال ذلك أن الأستاذ (عليوة) بدأ يهتز من الخوف، ونظر المفتش إلى (حسن) وسأله ماذا تحفظ من أشعار (المتنبي أو أحمد شوقي أو خليل مطران) فقال له لا شيئ أيضا، وكانت حالة الأستاذ (عليوة) تزداد سوءا، ثم قال له المفتش فى نهاية المقابلة وهو فى منتهى (القرف) ماذا تحفظ إذن؟! فقال له أحفظ قصيدة رثاء فى خال الأستاذ (علي عليوة)

وأضاف: وخاله هذا بالمناسبة كان ضابطا فى الجيش المصري وخدم فى السودان ومات هناك، فقال له المفتش قلها إذن، فقال القصيدة بشكل تمثيلي جيد جدا إلى حد أنه وجد الأستاذ (علي عليوه) يبكي، وتأثر المفتش بالشعر، وأعتقد أن خال الأستاذ (عليوة) حديث الوفاة وبدأ يطيب خاطره، ويقول له: معلش البقية فى حياتك،على أن خال (عليوة) كان قد مات من زمن طويل، والأستاذ(عليوة) لم يكن يبكي على خاله، بل خوفا من المفتش، وبهذه القصيدة أنقذ (حسن) نفسه وأنقذ أستاذه من مصير لا يعلم إلا الله ما هو.

مع أمينة رزق يجسح أحد الأدوار في منتصف الرحلة

مشكلة مع الملك فاروق

فى هذه الفترة قدموا مسرحية شعرية بعنوان (أعياد الفاروق) تأليف (عباس الخردلي) مدير المنطقة التعليمية فى بني سويف، وحصلت هذه المسرحية على المركز الأول بين مدارس وفرق المحافظة، ووصل صيت المسرحية إلى المسئولين فى دار (الأوبرا الملكية) بالقاهرة، فقرروا عرضها فى عيد ميلاد الملك (فاروق ملك مصر والسودان) فى هذه الفترة، وسافر (حسن) وزملائه لعرض المسرحية التى حضرها (الملك فاروق) وجلس فى (بنواره) الخاص، وكان  (حسن) يجسد شخصية والد البطل وهو رجل عجوز، يدخل عليه ابنه فيسأله ما الذى يجري يا ابني؟! فينشد الأبن قصيدة تتغزل بالملك (فاروق) تقول:

مصر التى شغفت حبا بطلعته

لم تال أيامه شدوا وترتيلا

صنعنا له الحب تاجا من جوانحنا

وضفرنا له الإخلاص أكليلا

النيل يجري على الوادي بنضره

وقد جرى هو فى أرواحنا نيلا

فقال له (حسن) ساخطا: يا شيخ جتك نيلة على هذا الشعر والوزن، وقهقه (الملك فاروق) بضحكته المعهودة.

وأقفلت الستارة، وحدث (هرج ومرج) فى الصالة، وفى الكواليس جاء اثنان من رجال القلم السياسي، لكي يسألوا (حسن)عن الذى حرضه على السخرية من (الملك فاروق) وقول هذه الجملة، وخاف (حسن) وبدأ يبكي (فساح) مكياجه واكتشفوا انه (عيل) وليس رجلا عجوزا فتركوه وخرجوا، وعندما علم (الملك فاروق) بهذه المشكلة ضحك عاليا وطلب تكملة العرض!.

وفي يوم حدث معه موقف آخر مضحك جداً، حيث قام باصطحاب والدته لتشاهده وهو يمثل على مسرح قصر ثقافة بني سويف، وهى الوحيدة التي كانت تعلم ان ابنها يمثل، وعندما شهدته على المسرح وقام الممثل الآخر بطعنه ونزل من بطنه حبر أحمر، قامت من بين الجمهور تصرخ وتقول بهستيرية: (ابني مات، ابني مات)!، الشيء الذي جعله يترك خشبة المسرح ونزل إليها وقال لها انه تمثيل وهذا الدم غير حقيقي فهو حبر أحمر!

استراحة بين الفصول مع أحد زملاء المسرح

ثورة الأب

فى نهاية المرحلة الثانوية انضم (حسن) إلى قصر ثقافة (بني سويف)، وهناك قدم مسرحيات كثيرة جداً لكبار الكتاب المصريين والعرب والأجانب، وذاع صيته في المدينة على أنه الطالب الموهوب، ولكن لم يعرف بذلك والده، وفى أحد الأيام زار صديق والده (الحاج عبدالفتاح) قصر ثقافة (بني سويف) وشاهد (حسن) وهو يمثل فى إحدى مسرحيات (شكسبير) وأعجب بموهوبته جدا، وفى نهاية الأسبوع وأثناء عقد الحاج (عبدالوهاب) صالونه الثقافي طلب (الحاج عبدالفتاح) أن يحضر (حسن) الصالون ويقوم بأداء دوره فى المسرحية التى يقوم بها فى قصر الثقافة، وهنا جن جنون الأب، حيث لم يكن فى ذهنه أبدا أن ابنه سيكون (مشخصاتي) وسيحترف الفن.

فقد كان (الحاج عبدالوهاب) يرى أن التمثيل عيبا جدا، ولا يليق باسم العائلة، لهذا قرر أن يعمل حسن في حرث الأرض بمجرد انتهائه من المرحلة الثانوية، وبالفعل عمل الطالب الموهوب كفلاح رغم أن كل أشقائه فى الجامعات وبعضهم انتهى من دراسته الجامعية فى القاهرة، لكن الحاج (عبدالوهاب) خشى أن يسافر ابنه إلى القاهرة فيهمل دراسته ويتجه إلى العمل فى فرق التمثيل المنتشرة فى هذا الوقت مثل (فرقة رمسيس) للفنان يوسف وهبي، وفرق (ذكي طليمات، وعلي الكسار، ونجيب الريحاني) وغيرهم من الفرق.

المشاركة فى حرب فلسطين

بعد عمله كفلاح قامت حرب فلسطين عام 1948 ونظرا لأنه صاحب ميول سياسية، انضم إلى جماعة الفدائيين وسافر الى فلسطين وظل هناك عاما كاملا لم تعرف عنه العائلة أي أخبارعنه إلى أن ظن الجميع أنه استشهد، وهناك حكم عليه بالإعدام ومعه أربعة من رفاقه لأنه قام بأكثر من عمليه استشهادية ضد اليهود، منها عملية لم ينساها وظل يحكي عنها : وهي إنه دخل مخبأ لليهود ووجد اثنين من الجنود اليهود فتعامل معهم بالسلاح الأبيض وقتلهم، وعند خروجه وجد باقي الجنود قادمين فظل مختبئاً مع الجيش إلى اليوم الثاني حتى لا يجده أحد ويقومون بقتله.

وفي أثناء المحاكمة بالمحكمة في غزه دخل إبن عم المطرب الراحل (عبداللطيف التلباني) المحكمة بحزام ناسف وطلب الإفراج عنه ورفاقه وإلا سيقوم بنسف المحكمة، وبالفعل تم إطلاق سراحهم وبذلك انقذ (حسن) من الإعدام واستطاع أن يعود إلى مصر، وبعد عودته إلى مصر انضم لمسرح جماعة (الإخوان المسلمين) حيث كانوا يقدمون مسرحيات إجتماعية وسياسية!، لكنه لم يجد نفسه مع هذه الجماعة فعاد للعمل في حرث الأرض مرة ثانية.

في الكواليس مع عبد الرحيم الزرقاني ورشوان توفيق

المسرح العسكري

أثناء عمله كفلاح فى أرضهم علم أن فرقة (المسرح العسكري) المسرحية ستأتي وتعرض مسرحية (كرباج أفندينا) على مسرح قصر ثقافة بني سويف، وسعد جدا بهذا الخبر، وذهب إليهم فى ليلة العرض الأولى وشاهد مسرحياتهم، ونالت المسرحية إعجابه، خاصة إنها كانت تتناول قصة كفاح الزعيم الوطني (أحمد عرابي) مع الاحتلال، وبعد انتهاء عرضها ذهب إلى أعضاء الفرقة وهنأهم، وعلم منهم أن هذه الفرقة تتكون من مجموعة من الموظفين، وطلبة وخريجي المعاهد الفنية المتخصصة، وإذا كان يحب الانضمام إليهم فعليه أن يأتي إليهم بشهادة تدل على أنه يعمل موظفا، ويجتاز الاختبار الذى سيجريه له الأستاذ (محمود صبحي) رئيس الفرقة، ونظرا لعشقه للفن، تحدى والده وترك العمل فى الأرض كفلاح، وعن طريق قريب له عمل موظفا فى محكمة بني سويف.

عبدالرحيم الزرقاني

في عام 1952 إنضم الى المسرح العسكري، وكان هذا المسرح يضم نجوم كبار أمثال (إبراهيم الشامي)، وعمل معهم لكنه فى البداية لم ينل فيه أي فرصة، وبعد شهور من العمل ككمبارس صامت، لعب دورا قصيرا جدا يستغرق على خشبة المسرح ثلاثين ثانية فى مسرحية (مافيش تفاهم)، وشاهده المخرج والفنان الكبير (عبدالرحيم الزرقاني) فى هذا الدور، وشعر أن موهبة كبيرة تكمن وراء هذا الممثل، فرشحه لبطولة مشتركة فى مسرحية (الوقت) لفرقة المسرح العسكري، وحققت المسرحية نجاحا كبيرا، استقطب مشاهدة جماهيرية ضخمة وكتابات نقدية مهمة.

يمثل من تأليف جمال عبدالناصر

 فى إحدى الأيام شاهده المخرج (نبيل الألفي) على المسرح فى أحد الأعمال، ويومها كان مطلوبا منه إخراج مسرحية عن عيد الثورة الأول، وكانت هذه المسرحية من تأليف الرئيس (جمال عبدالناصر) وتحكي كفاح المصريين ضد الاحتلال الفرنسي، شاهد جنود الثورة المسرحية قبل عرضها، والتى كان يجسد  فيها حسن عابدين دور( كليبر)، ولكن للأسف ألغي العرض فأصيب الفنان الصاعد (حسن عابدين) بالصدمة وعاش حالة من اليأس.

جعلوني مجرما

فى هذه الفترة أي عام 1954 أحب أن يجرب حظه فى السينما فعمل مع الفنان (فريد شوقي وهدى سلطان) في فيلم (جعلوني مجرما)، لكن نظرا لقصر دوره الذى كان أقرب إلى الكومبارس لم يشعر به أحد، فعاوده اليأس مرة أخرى، خاصة مع قلة موارده المالية، وكثرة الديون عليه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.