رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(المنصة) وصراعات اليوم وحروب الغد

بقلم: محمود حسونة

الإرهاب لا يستهدف فقط هدم الدول، بل أيضاً تفتيت الأسر وزرع الفتن بين الأهل وأبنائهم والأشقاء وبعضهم، ليجعل ممن ينبغي أن يكونوا مؤلفة قلوبهم وموحدة أهدافهم ومتشابهة آمالهم وطموحاتهم، أعداءً يتربصون ببعضهم ويسعى كل منهم لتدمير الآخرين، بل ويصل الأمر أحياناً إلى حد القتل الصريح أو على الأقل تدبير الفخاخ المدمرة لبعضهم البعض.

انظر حولك، لا بد وأن تجد نفسك تعرف أسرة أو عائلة أصاب على الأقل أحد أبنائها فيروس التكفير والإرهاب، ليتهم أقرب الناس إليه بالكفر، ويستخدم مع أفرادها العنف لرفضهم السير خلفه في درب التضليل أو الارتماء في أحضان جماعة من جماعات القتل والخراب والاتجار بالدين وبكل القيم والمبادئ التي أرستها الديانات السماوية الثلاث.. وهذا هو ما يتناوله مسلسل (البصمة) في أحد محاوره، بجانب الصراع على المعلومة والخوف من تسريب معلومة تفضح المستور وتشعل حروباً ومعارك لا تبقي ولا تذر.

“المنصة” مسلسل عربي في رداء غربي، عرضته مؤخراً منصة (نتفلكس) ليكون من أوائل المسلسلات العربية التي تعرضها المنصة العالمية، والأكثر مشاهدة عليها، والأكثر إثارة للجدل والأكثر خروجاً عن المألوف الذي عهدنا عليه الأعمال الدرامية العربية، كما عرضه أيضاً تليفزيون أبوظبي.

(المنصة) مسلسل تعاونت فيه عدة جنسيات، فهو من تأليف السوري (هوزان عكو) صاحب مسلسل (الهيبة) وإخراج الألماني (رودوريغو كريشنار)، ويجمع في بطولته فنانين من سوريا والإمارات والسعودية وأمريكا، على رأسهم (مكسيم خليل وعبدالمحسن النمر وسلوم حداد وسامر اسماعيل ومعتصم النهار وأحمد الجسمي وياسر النيادي وسعود الكعبي وخالد القيش وجيني إسبر ولين غرة ويارا قاسم وسمر سامي)، وإشراف عام وفني للمخرج والمنتج الإماراتي (منصور اليبهوني الظاهري).

المسلسل حقق أعلى مشاهدة على (نتفلكس) لعمل عربي، وتدور أحداثه بين الإمارات وأمريكا ودولة ثالثة لم يتم تسميتها صراحة في السيناريو وأطلق عليها المؤلف “البلد”، ولا يخفى على أي من المتابعين أن البلد هي سوريا، وقد يكون تجنب ذكرها صراحة لأسباب سياسية أو رقابية أو تتعلق بأمان العاملين في المسلسل، خصوصاً وأن “البلد” هي مركز التطرف والجريمة وملتقى عناصر الارهاب، رغم الجهد الذي يبذله جهاز مخابراتها في مطاردتهم، ولعل عدم تسمية سوريا هدفه التعميم على كل بلد عربي تمكن منه الارهاب وسيطر عليه التطرّف وما أكثرهم.

الشخصية المحورية في المنصة هو الشاب السوري كرم (مكسيم خليل) الذي عاش داخل أسرة تمكن فيروس التشدد من عائلها (سلوم حداد) وهو أب لطفلين كرم وشقيقه آدم ( سامر إسماعيل)، حيث نجح في تضليل الأب، صديقه الإرهابي (ناجي) وسيطر على عقله حتى أصبح عدوانياً مع أولاده وزوجته، وبالصدفة يعلم الطفل (كرم) بتكليف ناجي لأبيه بتفجير باص مدرسي فيذهب لإبلاغ الشرطة ويودع أباه السجن، وبعد قفزة زمنية يظهر كرم شاباً يعيش في أمريكا، حيث أصبح خبيراً تقنياً ومؤسساً لمنصة اليكترونية هدفها جمع المعلومات السرية الخطيرة ونشرها، لتحقق المنصة شهرة كبيرة وتصبح هدفاً لجماعات الإرهاب والجريمة والمخدرات والحكومات الداعمة للإرهاب، ويلتقي كرم في أمريكا بالمستثمر الإماراتي (منصور) الذي يعرض عليه الانتقال بالمنصة إلى أبوظبي ليكونا شركاء فيها، أما الأخ آدم والذي كان قد اغتصبه ناجي وهو طفل، فقد ظل في البلد مع والدته المغلوبة على أمرها وأصبح طبيباً، وبعد خروج الأب من السجن وهو أكثر تشدداً تموت الأم ساقطةً من بلكون البيت المرتفع مخلفة سر موتها وراءها؛ وانطلاقاً من هذا السر يبدأ صراع (كرم مع ناجي) الذي أصبح قائداً لجناح عسكري في تنظيم إرهابي، أما (آدم) فيصبح ضحية الصمت الذي أصابه بعد الاغتصاب والإحساس بالعجز والذل والمهانة، والأب ضحية نفسه وضحية الصديق الذي ضلله.. تتفتت الأسرة، ويتحكم في جميع أفرادها ناجي، ويسير كل منهم في طريق يؤدي بكل تفرعاته إلى خلايا إرهابية.

الإرهاب لم يفتت فقط أسرة كرم، بل جعل سارة  (لين غرة) الفتاة التي أحبته منذ كانا طفلين، تعيش حالة من الغربة عن الذات والشرود الذهني والضياع العاطفي، وبدلاً من أن تحمي حبيبها وهي التي تحمل مفاتيح سر وفاة والدته وعلاقة ناجي بذلك، قبلت أن تتجسس عليه وتلحقه إلى أبو ظبي للايقاع به.

المسلسل فيه الكثير من المتعة والإثارة والقليل من المبالغة في الديكور وخاصة ديكور مقر المنصة، ولعل من مصادر المتعة فيه الصورة والكادر المعبر والمباراة الفنية التي انتصر فيها العنصر الرجالي وضاع العنصر النسائي وبشكل خاص شخصية سارة التي تاهت خيوطها من ممثلتها لين غرة، وكذلك جاء أداء المذيعة الإماراتية مهيرة عبد العزيز فجاً رغم أنها تؤدي شخصية لا تختلف عن شخصيتها الحقيقية كمذيعة تليفزيونية.  

انتهت الحلقات ولم ينته المسلسل، فهو عائد بأكثر من جزء، وننتظر متابعة أحداثه المشوقة، خصوصاً أنه يسلط الضوء على حروب العصر الحديث، والتي تستخدم فيها التكنولوجيا والإعلام الالكتروني، ويستغلها الإرهاب الذي لا دين له ولا وطن، وهو الراعي الرسمي للجريمة والمروج الأكبر للمخدرات والمفتت للأسر والمعتدي على الطفولة والقاتل للأبرياء، وهو آفة آفات حياتنا، ولن تستقر حياة الأفراد والأسر والمجتمعات إلا بتعاون الجميع في القضاء عليها ونبذ كل ممول لها أو متعاطف معها.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.