رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

السقا مات .. فيلم الخلود لكل العاملين فيه

فريد شوقيس وعزت العلايلي بطلي الفيلم

* محمود علي: العمل نموذجا لكيفية التعامل السينمائي مع نص أدبي

* خيرية البشلاوي: فيلم الفنان الذي يجمع بين النقائض والفنانيين كانوا في أفضل حالاتهم

* سعيد مراد: (السقا مات) هو كفاح الموت في السريرة الشعبية بقوة استمرار الحياة

* سامي السلاموني: الفيلم كان رائعا في كل تفاصيله باستثناء الموسيقى

تحية كاريوكا

كتب : أحمد السماحي

حول فلسفة الموت والحياة والتشاؤم والتفاؤل، دارات أحداث رواية (السقا مات) لأديب الرومانسية (يوسف السباعي)، ورغم صدور الرواية عام 1952 إلا أن أحدا من المخرجين أو المنتجين اقتربوا منها، خوفا من فكرة الرواية، وعدم تقبل الجمهور لمضمونها، وظلت الرواية فى الأدراج، حتى تحمس لها في بداية السبعينات مخرج الواقعية (صلاح أبوسيف) لكنه لم يجد ترحيب لحماسه، وفي أحد الأيام كان يحكي مضمون الرواية لصديقه المخرج الكبير (يوسف شاهين) الذي طلب الرواية وقام بقراءتها وأعجبه مضمونها، وقرر إنتاج الفيلم لصديقة (صلاح أبوسيف) بالاشتراك مع الشركة التونسية (ساتبيك) عام 1977.

(ناهد جبر) .. آمنة زوجة شوشة
شوشة يودع زوجته بالدموع

قصة السقا مات

تدور الأحداث في حي الحسينية حوالي عام 1921، حول (شوشة) الذي يعمل كسقا، وفي كل يوم يدور على تلك الحارة ليبيع الماء ويعود إلى البيت طالبا الصلاة والراحة، و(شوشة) يخاف من الموت خوفًا شديدًا لأنه بالنسبة له يسلب الأحبة، وقد أخذ منه زوجته، ويحاول (شوشة) أن يخلق نوع من العلاقة بين ابنه وبين شجرة التمرحنة، وهى الشجرة التي تذكره دائما بزوجته الراحلة كما يحاول أن ينشئه ليتحصل على المنصب الذي لم يستطع الحصول عليه طيلة حياته وهو منصب المسئول عن صنبور المياه.

ويتقابل (شوشة) مع (شحاتة) الذي يعلم فيما بعد أنه مساعد تربي فيتشائم منه، لكن بعد فترة تتوطد علاقتهما، ويموت (شحاتة) فجأة ليحزن عليه شوشة حزنًا شديدًا وتنتابه حالة عصبية وهو يساعد في دفنه.

بعد فترة يستعيد المعلم (شوشة) عافيته ويأتيه خبر سار بتعيينه شيخاً للساقيين في المنطقة، إلا أن البيت ينهار فوق رأس المعلم وتنتهي حياته في مشهد قوي ومؤثر.

صلاح أبو سيف

سينما صلاح أبوسيف

عبرت سينما المخرج (صلاح أبوسيف) في كثير من أفلامه عن مشكلة الظلم، ومشكلة الإنسان المطحون الذي يتعرض لضغوط وتيارات قوية، الإنسان الذي يجد نفسه مدفوعا بقوة أكبر منه، تدفعه بعيدا عن مكانه، وترغمه على السير فى طريق لم يختره، إلتقينا بهذا الإنسان المطحون ــ كما يقول الناقد سعد الدين توفيق ــ في (الأسطى حسن، شباب إمرأة، الفتوة، الطريق المسدود، بداية ونهاية، القاهرة 30، الزوجة الثانية) وفيلمنا اليوم (السقا مات).

 وتبدو رومانسية الرواية كما يقول ناقدنا ـ سمير فريد – من خلال مفهوم الكاتب للحياة والموت والحب والجنس والدين والعلاقات بين البشر، والذي يتضح من خلال حكاية بائع المياة (شوشة) الذي أحب (آمنة) حبا نقيا خالصا، ولكنها تموت وهى تلد ابنها سيد، فيعيش حزينا على الذكرى عشر سنوات، وفي مقابل (شوشة) هناك (شحاته مطيباتي الجنازات) الذي يعيش حياته بالطول والعرض ولا يبالي بالموت، ويموت وهو يحلم بممارسة الجنس مع (عزيزة ) عاهرة الحي الشعبي الذي يعيش فيه (شوشة) حيث تسود الرحمة في العلاقات بين البشر.

فالحياة مقضي عليها بالموت، ولحظة الميلاد هى لحظة الموت كما في موت آمنة بعد ولادة ابنها سيد، ولذلك فالحزن هو قدر الإنسان، والحب غير الجنس، وأسمى بما لا يقارن كما يبدو فى التقابل بين آمنة وعزيزة.

شرف صلاح الدين
الأب يتطلع لمستقبل أفضل لإبنه

…………………………………………………….

محمود علي يكتب… روح السخرية تسيطر على الفيلم

أبوسيف يعود إلى جوه الأثيري الحارة المصرية والجو الشعبي من خلال بطله (شوشة) الذي عاش حياته ميتا منذ وفاة زوجته حتى يتعرف على (شحاته مطيباتي جنازات) الذي يعيش حياته طولا وعرضا رغم تعامله يوميا مع الموت، إنه الصديق الذي يفتح له الطريق للدنيا، لكن بعد فوات الأوان، ورغم كأبة الموضوع فإن روح السخرية وحب الحياة تشع طوال الفيلم عبر شخصية (شحاته والابن الصغير)، لقد استطاع السيناريست (محسن زايد) أن يدرك روح الرواية، وأن تحب أبطاله، والأهم أن تدرك لغز الموت بأن نتعامل معه بلا رهبة، وذلك بتكثيف أحداث الرواية، خاصة في توزيع (الفلاش باك) على امتداد الفيلم، ثم في تحول (شوشه) الدرامي من سلبيته في الرواية إلى الإيجابية في الفيلم مع النهاية، بحيث يعتبر العمل نموذجا لكيفية التعامل السينمائي مع نص أدبي، و(صلاح أبوسيف) يقدم لأبطاله (عزت العلايلي وفريد شوقي وأمينة رزق، وحسن حسين) في أفضل أدوارهم، بل ويعيد اكتشاف طفله (شريف صلاح الدين) ومدير التصوير (محمود سابة) ومهندس الديكور (د.محمد عبدالجواد) في عمل سيبقي فى الذاكرة كثيرا.

حوار عاصف بين شوشة وشحاتة
صراع داخل الحارة

…………………………………………………….

الحكمة الشعبية في السقا مات

تحت هذا العنوان كتب الناقد السوري (سعيد مراد) مقال طويل فى كتاب السينما العربية بسوريا فقال: على جدران الحارة كتبت شعارات بخطوط ساذجة (الإنجليز أعداء الأمة)، و(يعيش سعد زغلول زعيم الأمة)، (عاشت ثورة 1919)، إشارات عابرة تلمع فى سياق الحكاية تذكرنا بالمناخ السياسي والاجتماعي لمرحلة مجيدة من مراحل الكفاح الوطني فى مصر.

أجل لتذكرنا فقط، فالحكاية التى يسوقها صلاح أبوسيف في فيلمه (السقا مات) ليست عن هذا الكفاح الوطني، بل عن كفاح من نوع آخر، هو كفاح الموت في السريرة الشعبية بقوة استمرار الحياة، وليس مصادفة أن ينقل أبوسيف حكاية فيلمه عن رواية (يوسف السباعي) التى ربما تكون أفضل ما خطه هذا الكاتب الراحل، فالرواية تنبض بحس شعبي أصيل، وتطرح إشكالية العلاقة بين الموت والحياة فى إطار من الحياة الشعبية البسيطة فى مظهرها والعميقة في حكمتها.

شوشة يجلس حزينا ينعي حظة العاثر
شوشة يكافح من أجل لقمة العيش

…………………………………………………….

السقا مات : فيلم الفنان الذي يجمع بين النقائض

وتحت هذا العنوان كتبت الناقدة الكبيرة (خيرية البشلاوي) فى جريدة المساء، اخترنا من مقالها الجزء الذي يتعلق بأداء النجوم حيث قالت: يحقق (عزت العلايلي) فى هذا الفيلم دورا من أحسن أدواره، لعله أحسنها عموما، فهو هنا يبرز كفنان خالق يوجه بشحنة الانفعالات وحزمة الأعصاب المرهفة، والمشاعر الفياضة فى الإتجاه المطلوب تماما، وبتحكم شديد بحيث تبدو طبيعية ومقنعة إلى أقصى حد.

وأيضا (فريد شوقي) الذي نراه هنا ممثلا حقيقيا، وليس مجرد نمط محفوظ يؤدي شخصية تختلف تماما عن نوع الشخصيات المعتادة التى ميزت أدواره فى أفلامه الأخيرة، وبنفس القدر من التمكن والبساطة يرسم الفيلم شخصياته الثانوية التى تفوق بعضها إلى درجة من الإبداع الرائع.

وفى ذهني (حسن حسين) الذي قدم شخصية ممتازة فى هذا الفيلم، شخصية الأفندي الذي يسير أمام جنازات الموتى مع زملائه كنوع من المباهاة، وهو تقليد قديم اختفى من حياتنا فى حدود علمي، وفى ظنى أنه كان تقليدا منقولا من صورة الجنازات الأفرنجية فى الغرب.

ويقدم صلاح أبوسيف كعادته مجموعة من الوجوه الجديدة، أهمها الطفل (شريف صلاح الدين) الذي قام بدور ابن السقا، و(بلقيس) التونسية التى قامت بدور زكية.

عزت العلايلي وشويكار
شويكار تداهب أحد أفراد الحارة
عزت العلايلي وأمينة رزق .. مشهد تراجيدي

…………………………………………………….

فيلم عظيم لأبوسيف الذي نعرفه

تحت هذا العنوان كتب الناقد الراحل (سامي السلاموني) مقالا طويلا في مجلة (الإذاعة والتليفزيون) سنتوقف عند جزئية الإخراج فيه: إن أسخف شيئ عند التعرض لفيلم ما هو التحدث عن الإخراج، فهى كلمة مدرسية لا تعني شيئا بقدر ما تعني كل شيئ، لأن إخراج أي فيلم ببساطة هو الفيلم نفسه، وبالنسبة لمثل فيلم (السقا مات) بالذات لا يمكن الحديث عن الإخراج إلا بعرض الفيلم كله وتحليله على (المافيولا) مثلا، فمثلا كل حديثي السابق عن السيناريو هو حديث عن الإخراج فى الوقت نفسه، ليس فقط لأن تأثير صلاح أبوسيف واضح في كل لقطة وفي كل عبارة حوار، وانما لأن أي مخرج في العالم مسئول عن كل همسة في فيلمه.

ومع ذلك فمن السهل جدا التدليل على المستوى التكنيكي الممتاز لصلاح أبوسيف فى كل تفصيلة صغيرة فى (السقا مات)، إنه لا يعود هنا إلى عالمه القديم العظيم الذي نعرفه ولكنه يتجاوزه بكثير، فى اختيار تكوينات الصورة، في حركة الممثل وإدارته تمثيليا، في توظيف حركة الكاميرا والديكور، فى الإيقاع والتدفق من لقطة إلى لقطة ومن مشهد إلى مشهد، بحيث ينتزع من مونتاج (رشيدة عبدالسلام) أفضل مستوياته، وفى التصوير الذي يوظف فيه (محمود سابو) إضاءته توظيفا دراميا مقتصدا تماما فى استخدام الإضاءة بما يتناسب تماما مع الجو الحزين (الكآبي) المسيطر على روح العمل، في الديكور الجيد والمقنع تماما لـ (مختار عبدالجواد) الذي عكس الجو الشعبي الفقير بلا أي بهرجة، ولكن مع فقر واضح فى الإنتاج، وهو اسم جديد يكسبه ديكور السينما المصرية، ويستحق أن يلمع، ومثل كل أفلام (صلاح أبوسيف) تظل الموسيقى هى أضعف العناصر لأنه مخرج لا يريد طوال ثلاثين سنة من الأفلام أن يخرج عن الإطار التقليدي لموسيقى أفلامه ربما من باب الكسل.

…………………………………………………….

أفلام عام 1977

قدم عام 1977 مجموعة كبيرة من الأفلام وصل عددها إلى 51 فيلما سينمائيا هى (سونيا والمجنون، عندما يسقط الجسد، جنس ناعم، فتاة تبحث عن الحب، إمرأة من زجاج، بص شوف سكر بتعمل ايه، 13 كدبة وكدبة، كفاني يا قلب، التلاقي، زهرة البنفسج، كباريه الحياة، طائر الليل الحزين، خطايا الحب، من أجل الحياة، هكذا الأيام، جنون الحب، إبنتي والذئب، إلى المأذون يا حبيبي، كان وكان وكان، البنت الحلوة الكدابة، حرامي الحب، نساء فى المدينة، أين المفر، شقة في وسط البلد، الأزواج الطائشون، ألف بوسة وبوسة، الحب في طريق مسدود، الحب قبل الخبز أحيانا، دعاء المظلومين، عذراء ولكن، ليل ورغبة، الولد الغبي، أفواه وأرانب، أونكل زيزو حبيبي، الشياطين، وسقطت في بحر العسل، الحلو والغبي، الدموع في عيون ضاحكة، صانع النجوم، حافية على جسر الذهب، الزوج المحترم، مع حبي وأشواقي، ميعاد مع سوسو، العذاب إمرأة، شيلني وأشيلك، آه يا ليل يا زمن، همسات الليل، حلوة يا دنيا الحب، قطة على نار.

…………………………………………………….

أحداث عام 1977

هذه الأحداث رصدها الناقد السينمائي الكبير (علي أبوشادي) فى كتابه (وقائع السينما المصرية) وجاءت كالتالي:

* أقامت وزارة الثقافة مسابقتها السنوية للأفلام المصرية التى عرضت خلال عام 1976 ، وحصل فيلم (المذنبون) على جائزة أحسن فيلم إنتاج إيهاب الليثي، وجائزة أحسن سيناريو، وجائزة أحسن ممثل مساعد، وأحسن قصة، وحصل (سمير سيف) على جائزة أحسن مخرج عن (دائرة الإنتقام).

* أقيمت الدورة الثانية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي تقيمه جمعية كتاب ونقاد السينما المصرية في سبتمبر 1977 ومنحت الفنانة (فاتن حمامه) جائزة أحسن ممثلة ، والفنان (نور الشريف) جائزة أحسن ممثل.

* أصدرت دار التحرير للطباعة والنشر جريدة (السينما والفنون) وهى أول جريدة سينمائية أسبوعية، ورأس تحريرها الناقد السينمائي (سمير فريد)، وصدر العدد الأول في يناير 1977، واستمرت لخمسة وثلاثين أسبوعا، حيث توقفت بعد العدد 35 الصادر في 29 أغسطس 1977 .

* حصل فيلم (بعيدا عن الأرض) إخراج حسين كمال على جائزة أحسن فيلم من المركز الكاثوليكي، كما حصل فيلم و(وبالوالدين إحسانا) لحسن الأمام على جائزة جمال عبدالناصر التذكارية.

قدم ثلاثة مخرجين أفلامهم الأولى وهم محمد فاضل، وأحمد يحيي، وسيمون صالح.

* تم عرض فيلم (التلاقي) إخراج صبحي شفيق وهو آخر أفلام القطاع العام، وأول أفلام مخرجه.

* قدم صلاح أبوسيف فيلمه العذب (السقا مات) عن قصة ليوسف السباعي، واستمرت موجة أفلام مراكز القوى مثل (إمرأة من زجاج) لنادر جلال، (طائر الليل الحزين) ليحيي العلمي، و(آه يا ليل يا زمن) لعلي رضا.

* توفى المطرب والممثل (عبدالحليم حافظ) مطرب ثورة يوليو وأكبر مطرب عربي خلال ربع قرن.

* في 18 و19 يناير قامت الجماهير المصرية بانتفاضة الطعام، وعمت المظاهرات جميع أنحاء مصر، وفرض حظر التجول.

* في 19 نوفمبر قام أنور السادات بزيارته المفاجئة لإسرائيل.

بوستر الفيلم

…………………………………………………….

بطاقة الفيلم:

إنتاج : أفلام مصر العالمية (يوسف شاهين وشركاه) والشركة التونسية للتنمية السينمائية والإنتاج ساتبيك (تونس)

مدير الإنتاج : فؤاد صلاح الدين

قصة : يوسف السباعي

سيناريو وحوار : محسن زايد

مدير التصوير : محمود سابو

كبير مهندسي الصوت : نصري عبدالنور

مونتاج : رشيدة عبدالسلام

مهندس المناظر: د . مختار عبدالجواد

تصميم ملابس : د .سامية عبدالعزيز

الموسيقى التصويرية : فؤاد الظاهري

إخراج : صلاح أبوسيف

تمثيل : فريد شوقي، عزت العلايلي، شويكار، أمينة رزق، تحية كاريوكا، ناهد جبر، بلقيس، حسن حسين، إبراهيم قدري، والطفل شريف صلاح الدين

تاريخ العرض : 20 / 11 /1977 ، سينما مترو ورومانس وأوديون.

حصل على جائزة أحسن فيلم مصري من جمعية النقاد المصريين عضو الإتحاد الدولي، جائزة الإخراج من جمعية الفيلم، كما عرض في مهرجان برلين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.