رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

فيروز (٢) .. الموسيقا السريانية السورية

بقلم : فراس نعناع

قبلِ الخوض في تاريخ وتأثر وتأثير الموسيقا السريانية، لابد لي من الإشارة بأن أحد الأصدقاء، كتب على صفحته عبر منصة ” الفيس بوك” بأن السيدة فيروز “فلسطينية الأصل”، ومع كل الاحترام لفلسطين الحبيبة وأهلها. معتمداً بذلك على لقاء متلفز مع الفنان “زياد رحباني” بأنه قال ذلك .

وكوني أتابع بدقة كل لقاءات “زياد الرحباني” وأذكر سؤال المذيعة حرفياً حيث سألته : هل فيروز فلسطينية

أجاب : العيلة منتشرة “أي عائلة حداد” وذكر بأنها أوقفت بأحد مطارات أمريكا سنة ٢٠٠٤ حينما كانت تقوم بإحياء حفلة بلاس فيغاس الأمريكي . كون اسم  والدها (وديع حداد) على اسم المناضل الفلسطيني (وديع حداد) أحد مؤسسي “الجبهة الشعبية” والمولود في صفد الفلسطينية ١٩٢٧، والذي انتقل الى لبنان بعد نكبة ١٩٤٨، فصححت للصديق المعلومة بعد أن قال لي: أنت لا تعرف أكثر من ابنها زياد؟.

فأجبت “ع الراس والعين أنت وزياد”، ولكنني أتبع في تصحيح المعلومة بأن أصول

جدها وأبيها من ماردين “السورية”، حسب توثيق وحركة الكنيسة. فعند إنشاء أي

كنيسة لا بد أن يكون هنالك مؤمنين، حيث يعود تاريخ إنشاء “الكنيسة السريانية الارثوذكيسة” في بيت لحم الفلسطينة لعام ١٩٢٢، وكل رعية الكنيسة يعود أصولها الى المدن السورية قبل الضم “معاهدة لوزان – ١٩٢٣”م، هذا بالنسبة لوجود السريان الأرثوذكس في فلسطين.

أما السيدة “فيروز” فهي من السريان “الكاثوليك” ومعظم السريان الكاثوليك هاجروا إلى لبنان تحت حماية “الموارنة الكاثوليك”، وبرعاية وطلب باباوي من بابا الفاتيكان لأنهم يتبعوا الكنيسة الغريبة.

على العموم لكي أوضح أكثر “السريان الأرثوذكس” يتبعوا الكنيسة الشرقية والتي كان الكرسي الرسولي في “أنطاكية” السورية، ثم دير الزعفران بالقرب من ماردين، وبعدها نقل لحمص ثم استقر في دمشق حتى الآن. لذلك غالبية السريان الأرثوذكس بقوا في مدن سورية الداخلية كونهم سوريين وسورية بغالبيتها تتبع الكنيسة الشرقية.

أما السريان السوريين الكاثوليك الذين ذهبوا الى لبنان، تشير وثائق الكنيسة الكاثوليكية، بأنهم لم يحصلوا على الجنسية اللبنانية حتى مطلع العام ١٩٧١، ولست هنا بصدد إثبات نسب، بينما اتبع منهج التوثيق الكنسي، لذا وجب التنويه.

الموسيقا السريانية السورية: نقل السريان السوريين مهم لغتهم وثقافتهم وتراثهم حيثما استقروا، وخاصة موسيقاهم، حيث يقول الصديق “غسان الشامي” عن الموسيقى السريانية في لقاء متلفز مع الموسيقار السرياني “نوري إسكندر” المختص بالموسيقا السريانية والبيزنطية: الموسيقا السريانية هى عمود موسيقا الشرق برمته، تطورت في القرن الرابع الميلادي، على يد “كنارة الروح القدس” مار آفرام، ذلك الطالع من ثنايا ماردين والرها.

هذه الموسيقا أعطت روحها وفواصلها للمدائح والأناشيد والأذكار الإسلامية. وأن دبكات أفراحنا وهناهين آهاتنا تطلع من هذا الإرث العظيم. كما أعطت الطقس الغريغوري الغربي شحنته الكبرى، وتركيبة الورع الذي يمتلكها، والموسيقا السريانية السورية والبيزنطية توأمة الروح في إنطاكيتها، تشكل إرثاً ما قبل مسيحي اغتنى بالمسيحية وأعطى قده للمسلمين.

سأبحث هنا كالعادة، في أرشيف بطريركية إنطاكية وسائر المشرق. لأجد أقدم الوثائق التي تتحدث عن تلك الموسيقا وهو كتاب” بيت كاز”، أي مستودع الألحان أو المخزن أو المستودع أو بيت الألحان، والذي يتحدث عن الألحان الكنسية السريانية الإنطاكية منذ تأسيسها في القرن الأول الميلادي، وحتى القرن الثاني عشر، والتي بلغت ٢٥٠٠ نشيدا، حيث ضاع الكثير منها وبقيت قرابة ٥٥٠ نشيداً على أقل تقدير.

والموسيقا السريانية هى امتداد للموسيقا التي سبقتها في المعابد الوثنية والتي كانت مقدسة في تلك المنطقة، حيث كانت الموسيقا الوثنية درامية الشكل والمحتوى  “مثل صراع الآلهة”، في العصر المسيحي خفت الحالة الدرامية وركزت على أسبوع آلام المسيح بعد الصلب، وقبل الفصح حيث بقيت بقايا درامية في الشكل واللحن، حيث تقوم جوقتين “جودو” بالسريانية بروي الأحداث مثل “خميس الغسول، وأحداثها، حيث العشاء الرباني مع تلامذة المسيح، وقبل أن يذهب الى الجلجلة، حيث يصعد القسيس ممثلا دور “المسيح) أرضياً إلى المذبح ويلف قطعة قماشية على خصره وينادي للتلاميذ الأرضيين اسما اسما، ليغسل أرجلهم، حيث تأتي بعدها مجموعة التراتيل الفرحة، هذا ما يشير له الموسيقار “نوري إسكندر” ١٩٣٨ والمولود في حلب السورية “الرهاوي الأصل” نسبة الى الرها السورية ” أورفة” في تركيا الآن.

*الألحان الثمانية :

وُضع السلم الموسيقي السرياني السوري تاريخياً ،والذي مازال الى الآن في  الكنيسة السريانية الإنطاكية، ومنها انبثقت جميع الألحان الموجودة في العالم، والذي تحدث عنها “الفارابي”، والذي قدرها بحوالي (٣٠٠٠) لحن وبُنيت تلك الألحان على القيثارة السومرية حسب رُقيم مكتشف في”اور” بلاد ما بين النهرين، ذات الاوتار السبعة، والوتر الإضافي.

يقول “ابن العبري”: المقامات الأصلية الأساسية كانت إثني عشر لحنا، وقد اختصرت إلى ثمانية ألحان في كتابه “الإيثيقون” ونقلت تلك الألحان للعرب القادمين، ومع تقادم الزمن أصبحت على الشكل التالي:

١-المقام الأول “بيا” بالسرياني مقام “البيات” بالعربي، وكلمة بيات مشتقة من كلمة “بات” أي نزل ليلاً أو أدركه الليل وهي لا تعطي صفة موسيقية واضحة، وهى محرفة من السريانية “بَيَا” وتعني سلى أي فرّج الهم، سرور، وهو يعطيها صفة موسيقية حسب ما يشير اليه “جبران أسعد” في كتابه (الموسيقا السريانية عبر التاريخ) ضمن أرشيف الكنيسة السريانية الشرقية.

٢- المقام الثاني”حاوسونو” بالسرياني ويعادله بالعربية مقام “الحسيني”، ومشتقة من الحسن بمعنى “الجمال”، وهى لا تعطي نفس الدلالة الموسيقية كما تعني بالسريانية “الترفق، الرأفة، الحنان، الرحمة، العطف، الشفقة”، وتلك الدلات تنسجم مع هذا المقام.

٣- المقام الثالث”أُور- أق” بالسرياني ويعادله بالعربية مقام “عراق”، ومنها جاءت كلمة (العراق) كما تلفظ اليوم، وجاءت من السريانية عن اسم مدينة مغمورة كانت عاصمة الدولة في العهدين السومري والأكادي، وبها تم العثور على الرقيم المسماري، والذي يتحدث عن قيثارة سومر والالحان الثمانية.

٤- المقام الرابع “رزد” بالسرياني وبالعربية مقام “الرصد” وبالفارسية “راست”، وتعني المستقيم، والكلمة ليس لها معنى حيث تم تحويرها من قبل الأتراك، ولا تعطي كلمة “المستقيم” أي صفة أو دلالة موسيقية، أما بالسريانية فمناها “أدرج، قرر،ثبت، مكن، أصلح”، وتظهر الدلالة الموسيقية المميزة لهذا المقام.

٥- المقام الخامس”أوجو” بالسرياني و”أوج” بالعربية أي الأعلى أما معناه بالسريانية فيعني “الزهور ، الريحان.

٦- المقام السادس”أجام” بالسريانية وبالعربية “مقام العجم”، ويعني الغريب من بلاد فارس”، أما بالسرياني فمعناه رجوع، هبوط.

٧- المقام السابع”صبا” بالسرياني ومقام الصبا بالعربية، وتعني النسيم الشمالي الرقيق، وفي السريانية تعني “فرح ، سرور”.

٨- المقام الثامن”حاجو” بالسرياني و”حجاز” بالعربي، والتي تعني الحجاز نسبة إلى “السعودية” وفي السريانية تعني الحج.

 إن الموسيقى السريانية مبنية على أجناس لحنية مستعملة في منطقة سوريا وبلاد ما بين النهرين، واستمرت إلى الآن، وهى حصيلة من الموسيقا الوثنية والشعبية والألحان التي وضعها الآباء  في الكنيسة ، وبعض من الموسيقى اليونانية، اضافة إلى التوأمة مع الموسيقى البيزنطية التي اهتمت بالألحان والابتهالات الطويلة  وتدعى”التخشيفات”، والتي تشبه إلى حد بعيد “الموشحات الحلبية”، فهي صارمة وقورة، إنها موسيقا عظمة الأباطرة.

بينما الألحان والموسيقا السريانية هى موسيقا وألحان الأرياف السورية القديمة والبسطاء من الشعب إضافة إلى ألحان الكنيسة التي وصلت لمعاني “الروح القدس”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.