رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(مطربات لا ينتظرن ماكرون)

بقلم : محمد شمروخ

في زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الثانية إلى لبنان كان حريصا على زيارة المطربة الكبيرة (فيروز) في بيتها والتقى معها كرمز من رموز الفن اللبناني – وليس الفن العربي بالنسبة له – لكن هذا ليس موضوعي الآن.  فإثر تلك الزيارة الماكرونية كتبت تعليقا قصيرا على بوست كتبه على صفحته على موقع فيسبوك الزميل الكاتب الصحفي “علي بريشة” الذي يقيم ويعمل في دولة الإمارات الشقيقة، تساءل فيه عن الشخصية التى تستحق أن يزورها الرئيس الفرنسى لو جاء إلى مصر وتكون في قيمة فيروز.. (ربنا يكفينا شر طلته البهية).

وكاد الحزن يدهمنى إثر السؤال لولا تذكرت نجاة الصغيرة وعفاف راضي فهبط ذكرهما بردا وسلاما على قلبي.

وقد أشرت في التعليق القصير إلى أن فيروز صوت عبقري صحيح، ولكن العبقرية الفيروزية ساهم فيها الرحبانية بقدر كبير وأن نجاة الصغيرة التى مازالت تعيش بيننا ذات صوت أجمل وأكثر دفئا من فيروز، ولا أدرى لماذا غصتنى المقارنة بين القمتين المصرية واللبنانية ففيروز لا نظير لها ولا يجوز مقارنتها بغيرها ولو كانت نجاة الصغيرة بكل ما في صوتها من دفء وحياة وحيوية!

هكذا؟!

فكلا من فيروز وأم كلثوم قد بلغتا من القمة والقيمة أن صارت كل واحدة منهما على حدا غير قابلة للجدل  ولا حتى مجرد الاقتراب من هيكلها المقدس.

حقا هذا؟!

لكن لماذا كل هذه القدسية تجاه أم كلثوم وفيروز؟!

حقا لكل منهما رهبة وهيبة ولكني أقرر بكل ارتياح أن هذا وهم كبير مع إقراري بأننى كلثومى الهوى والهوية وفيروزي النزعة الفنية، ولكن كذلك مع نجاة أذوب في صوتها عشقا، أما عفاف راضي فقف وأضرب أمامها تعظيم سلام لأنها بكل بساطة تقترب عندي حتى تلامس منطقة المقارنة وتدخل فيها بقوة.

ثم ألم يكن في العهد الكلثومي نفسه من يقارن بينها وبين الست منيرة المهدية؟!

 لقد أدركت من ذلك الجيل من لم يعدلوا بصوت أسمهان أحدا ومنهم كوكب الشرق نفسها مع اعترافهم بعبقرية الصوت الكلثومي.

نعم يا سيدى فنجاة التى لم يكلف أحد من وزارة الثقافة نفسه – مع أن العجيب أن السيدة وزيرة الثقافة المصرية من المنتسبات إلى الفنون الموسيقية – أن يطمئن عليها بعدما أثير عن تصدع العمارة التى تقطنها في حي الزمالك أو المجاورة لها.

يكفي أن نجاة قد فرضت نفسها بقوة وحنان ودفء صوتها وأهدت الموسيقى العربية عقدا طويلا من الجواهر.

ومنذ وقت قريب كنت كتبت عنها في هذا المكان مذكرا بأنها لم تشد بأغنية إلا وجاوزت بها الآفاق، فقدمت لنا الأغنيات القصيرة والطويلة والقصائد التى لا تزال تتردد حتى الآن وكأنها غنتها بالأمس القريب، واتحفتنا بباقة خالدة من الأغانى الخفيفة والاستعراضية والوطنية والدينية.

كذلك عفاف راضي التى تلقى التجاهل نفسه والذي تقابله بتجاهل أكبر منه اعتزازها بمكانتها وتاريخها لأن لها قيمتها التى تدركها جيدا ولها عطاؤها البارز في تاريخ وحاضر الأغاني العربية فاغانيها يرددها الجميع من سن ٨ إلى ٨٨.

قلت إن الرحبانيين صنعا باقتدار عبقرية فيروز بألحان فائقة واستدعاء متمكن وواع للتراث المحلى اللبنانى بدون تنميق ولا تعديل إلا بما يتناسب مع روحه وعشقنا مع صوت فيروز لهجة أهل لبنان، وذقنا معهم حلوهم وتجرعنا مرهم في مزيج عبقرى صاغ كأسه الرحبانية باقتدار عجيب فصنعا أسطورة مجسدة فى حنجرة فيروز عكست روح لبنان وروح العرب بل وروح الشرق كله.

وليس هما وحدهما بل وقف كل أهل لبنان وراءهم بكل ما يملكونه من فنون الدعاية وهم أباطرة في هذا المجال فرفعوا فيروز مكانا عليا ومازالوا رافعيها إلى العنان، ولم ينقص اعتزال فيروز الغناء من قدرها عندهم قدر حبة من خردل بل ازدادت عندهم قيمة وبريقا كالجواهر النفيسة.

أما عندنا في مصر فقد انزوت نجاة ومثلها عفاف راضي، فحتى في المناسبات الكبرى ولو كانت مناسبات فنية لا يخطر على بال السادة المسئولين عن الثقافة والفنون أن يوجهوا الدعوة بشكل يليق بأي منهما.

لهذه الأسباب لن يجد السيد (ماكرون) اسما ذا بريق في مصر لمطربة مثل فيروز أقول إنه لن يجد اسما ذا بريق مثل بريق فيروز ولم أقل اسم له قيمة مثل قيمتها، فهناك في مصر وغير مصر من البلاد العربية الأخرى من يضارع فيروز بل ويفقنها صوتا وإمكانات – مع حفظ الاعتراف بالحقوق العبقرية لها – لكنهن لم يجدن  اختيارا من عيون الشعر الغنائي العربي أو التراث المحلى مثلما اختار الرحبانية لفيروزهم ومن ورائهم شعب ودولة بقدر قيمة رموزه الفنية

لهذه الأسباب لن يقترح أحد من مستشاري (ماكرون) أو اي رئيس لدولة كبرى اسم مطربة مصرية ليشرب قهوته في صالون بيتها.

وسامحينا يا فيروز

وسامحينا يا مصر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.