رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إسعاد يونس تتأمل وتسخر وتبدع في (حلم الحريم كلهم)!

صاحبة السعادة التي تشع بهجة على الشاشة

* كتبت مجموعة قصص رائعة تصلح كأعمال درامية مختلفة

* دافعت عن زعامة “عادل إمام” رفيق الرحلة والمشوار

* أنصفت عبدة الشيطان وأكدت أن الزمن سيثبت براءتهم وقد كان!

* كتبت مرثية حب حزينة في صديقها المخرج “محمد شبل”

عقل واعي مهموم بقضايا الشارع المصري

كتب : أحمد السماحي

آمنت بمقولة الكاتب والأديب الكبير “إحسان عبدالقدوس” التى يقول فيها: “الكاتب  الذي لا يحس مجتمعه وهمومه ومشاكله وواقعه، هو كمن يضع على عينيه نظارة سوداء يهرب بها من الواقع”، ولقد امتلأت الفنانة  والكاتبة الساخرة “إسعاد يونس” بمشاكل مجتمعها وعبرت عنها جميعا، سواء فى أعمالها الفنية أو برامجها التليفزيونية أو كتاباتها الأدبية والنقدية الساخرة التى تبدعها الآن على فترات متباعدة بعد أن ظلت سنين تكتب بصفة دائمة ومنتظمة في مجلة “الشباب” مع أستاذنا وكاتبنا المبدع “عبدالوهاب مطاوع”، وحولت كثير من هذه المقالات والخواطر إلى كتب.

في كتابها “حلم الحريم كلهم” الذى سنتوقف عنده هذا الأسبوع فى باب “نجوم لكن أدباء”، تداعب “إسعاد” القراء فى بعض الحكايات التى تقصها، حتى تنفرج أساريرهم ويظنوا أن هذه الملاغاة الحنون ستستمر واذا بها تبدأ فى الاصطدام وإيقاظ أقصى طاقة عقولهم، ودفعهم دفعا إلى التفكير والحركة، وعندما تحس أن قراءها قد بدأوا ينتبهون إلى خطورتها تعود إلى مماحكتهم والهزر معهم، وإطلاق الدعابات من كل نوع وكأن شيئا لم يكن، وهى على هذا الحديث صاحبة أكبر خطة خداع تعبوى واستراتيجي نفذها كاتب مع قرائه بعد “أحمد رجب وأحمد بهجت”.

في مقتبل العمر ممثلة تتالق في اللون الكوميدي

ليلة تكريم نونو

بحكم أن المرأة خبيرة في النميمة لهذا فقد نقلت الكاتبة فى بعض القصص الموجودة فى الكتاب تفاصيل التفاصيل، وهذا يجعلني أتساءل أين المنتجين من هذه القصص خاصة وأننا نعاني من فقر شديد فى الكتابة أوفي “الورق” على حد تعبير العاملين في الوسط الفني، فقصة “ليلة تكريم نونو” غاية في الرقة والشفافية والواقعية، مليئة بالشجن، ومطرزة بالحب، عن سيدة نسيت نفسها وأحلامها وطموحها بعد الزواج، وتفرغت لزوجها وأولادها رغم تفوقها الدراسي وحصولها على امتياز مع مرتبة الشرف فى آخر سنة دراسية جامعية، ولم تشعر”نونو” بمرور الزمن أو بالتحديد لم تشعر بمرور 25 عاما على تخرجها، إلا أن تلقت مكالمة تليفونية من زميلها “أحمد رفعت” وفجأة انتبهت لمرور 25 عام فقالت وكما جاء فى القصة : ” استنى هو فات خمسة وعشرين سنة من يوم ما اتخرجنا؟، طبعا يا نونو يااااااااااه خمسة وعشرين سنة؟!، راحوا فين دول؟، فاتوا إمتى؟، اسمعى بس .. التكريم النهاردة بعد الضهر،

الساعة السابعة مساء فى مبنى الكلية نفسه، أنا آسف إني بكلمك متأخر كده، بس والله غلبت على ما عرفت أجيب النمرة، نونو الساعة سبعة النهاردة إوعى تتأخري أو ما تجيش، والنبي يا نونو، أحسن أنا قلتلهم إنك جاية باي!!.

وضعت “نونو” السماعة ووقفت ذاهلة لا تحرك ساكنا، قام جميل زوجها يسألها مين اللي كان على التليفون؟ لم تره ولم تسمعه، ظلت تردد خمسة وعشرين سنة؟، خمسة وعشرين سنة؟، استدارت ذاهبة إلى المطبخ بشكل أوتوماتيكي ودون شعور أمسكت بالكبشة وقلبت البطاطس فى الطاسة وأشعلت النار تحتها، وقفت تحملق في النار وتقلب البطاطس ومع لهيب وحركة الكبشة، قلبت الذكريات فى رأسها”.

وتذهب “نونو” للحفل ويستقبلها الكل بترحاب وتسترجع معهم الذكريات وتقول لهم أو تلقي عليهم مونولوجا مؤثرا وجميلا تقول فيه: “شاكرة لكم جدا هذا التكريم فأنا الأولى على دفعتي التى كانت أولى دفعات الكلية، أنا التى توقع الجميع لي مستقبلا باهرا فى سلك التعليم العالي الأكاديمي، أنا التى انتظرتني شهادة الدكتوراه طويلا، وحار زملائي وأساتذتي فى البحث عني، أنا النابغة التى اختفت من مجال الرؤية والسمع، وسوف تسألونني أين كنت؟ وماذا حققت أثناء هذه السنين؟!، أنا كنت فى البيت أنا (مدام جميل وأم مها ومروة وأشرف)، أنا فقدت مستقبلي الباهر وكينونتي الخاصة بي، وضعتهم تحت أقدام هؤلاء الذين تعلقت أهدابهم بي منذ الصغر، بسطتهم كبساط علاء الدين الطائر فحملهم إلى سماء طالما اشتقت أن أحلق فيها بنفسي، وكان البساط يرتفع بهم وأنفاسي معلقة به، أخاف عليهم من السقوط ولكنهم والحمد الله لم يسقطوا، بل رفرفوا ونجحوا ونجحت معهم.

كوميديانة لها حضور خاص في التمثيل

أشكركم على هذا التكريم الذي عاد بي إلى الوراء وذكرني بكينونتي الخاصة جدا، والتى قد لا تهم الآن أحدا من أبنائي، ولكن ما يهمني الآن هو الدكتوراه التى نلتها فى تربيتهم، أنا فخورة بما أنجزت، سعيدة به حتى لو تحقق على حساب نفسي، أشكركم وأعدكم أن أتفرغ للعلم وأحاول اللحاق بما فاتني لكن على شرط انتهائي مما وهبت له نفسي الآن، وسوف أحصل على الدكتوراه، وسوف أصل ما أنقطع، فقط أرجو من الله أن يسمح لي ببعض الوقت فهل يمنحه، أرجو.

وتهدى “إسعاد” القصة إلى صديقة عمرها “نيللي عبدالرحمن فهمي” وأرجو مثلها!

تنظر في مرآتها قبل إطلالتها على الشاشة

صاحبي السمين الجميل

هذا البورتريه الخاص جدا الذي كتبته “إسعاد يونس” فى نفس الكتاب عن المؤلف والمخرج الراحل “محمد شبل” أبكاني حقيقي،  ووجع قلبي، وجعلنى يومين فى حالة نفسية سيئة، لأنني كنت أعتقد أنه لا يوجد على الأرض ناس بهذه الطباع الجميلة والوفاء، وتقدير لمعنى الصداقة  تقول الكاتبة فى بداية البورتريه ” صاحبي مات!، صاحبي السمين الجميل مات!، فجأة كده ومن غير أي مقدمات، وبدون أي مناسبة، سهوت عنه يومين فقط لا غير، يومين لم أكلمه لأسأله عمل إيه فى الشغل أو في صحته أو في كل مشاكله الأخرى “هما يومين” .

صاحبي السمين الجميل كان كتلة من خفة الدم الشقية الناقدة الساخرة ذات الطعم المميز، كتلة من النضارة والمظهر الصحي، آه والله كان منظره يمتلئ صحة مع أن جسمه كان عليلا مريضا يئن من إهمال صاحبه وشقاوته وعينه الفارغة فى الأكل والحلويات، صاحبي كانت متعته فى الدنيا أنه يأكل لأنه لم يكن يملك أن يتمتع بأي متعة أخرى سوى الفن، ظروفه هكذا حتمت عليه، صاحبي لم يمت من كتر الأكل، صاحبي انسحب من الحياة بشياكة.

تعرف قيمة ضيوفها وتحاورهم بلتقائية رائعة

صاحبي هو “محمد شبل .. شبيبه” كما كان يحلو لنا أحيانا أن نسميه، ابن السفير “فؤاد شبل” ابن الحسب والنسب الذي لف ودار مع أبيه فى الدول المختلفة لينهل من ثقافاتها المتنوعة وليتحدث بلغاتها، كان يتحدث ويكتب ويقرأ وأحيانا يرطن بلغات غريبة مثل الصينية والأندونيسية والروسية، بخلاف الفرنسية والإنجليزية التى كان يتحدث بها أجدع من أهلها، كان يكتب المقالات الصحفية والسيناريوهات السينمائية والنقد الموسيقي والنقد السينمائي باللغتين العربية والإنجليزية بمهارة فائقة وأسلوب لاذع”.

وتتحدث “إسعاد” بشكل حميمي دافئ عن ذكرياتها معه وكيف ساعد ابنتها فى بحثها، وغيرها من الذكريات التى مستني جدا وأتعبتني، لأنني عشت عصر “محمد شبل” ولم أكتشف ما أكتشفته صاحبة السعادة!

غلاف كتاب “حلم الحريم كلهم”

حلم الحريم كلهم

نأتي إلى القصة التى أخذت منها عنوان كتابها وهى “حلم الحريم كلهم”، فى البداية وقبل قراءاتي لهذه القصة سألت نفسي يا ترى ما هو حلم الحريم كلهم؟ وجاوبت نفسي أيضا قائلا : طبعا “إس إس” تقصد الزواج وإنجاب الأولاد والبنات، هذا هو حلم الحريم كلهم، وتركت هذه القصة إلى نهاية الكتاب، قرأت قصص “إبرة وفتلة،  البطل، ثرثرة في الترب، ولو بعد حين، في صالون تانت عنيسة”، ومقالها عن خوفها من الحيوانات الضالة، ومقالها الجميل “زعيم أونطة أنا” عن الزعيم عادل إمام، وكل المقالات الخاصة بعبدة الشيطان الظاهرة التى انفجرت فى نهاية التسعينات وكتبت عنهم الكاتبة فى الكتاب أكثر من مقال رائعا، والسنين أثبتت صحة وجهة نظرها، وانتهى الكتاب وبقيت قصة “حلم الحريم كلهم” وبدأت أقرأ القصة القصيرة وكل صفحة أنتهي من قراءتها تؤكد صحة توقعي، إلا أن وجدت يد من النوع ذي اليد الطرشاء تلسعني على قفاي!! وتفوقني مع نهاية القصة غير المتوقعة، فحلم الحريم كلهم لم يكن الزواج

كلمة للقارئ في الغلاف الأخير

أو الإنجاب ولكن تعالوا بنا نقرأ مقتطفات من هذه القصة البديعة:

“وقف حسين فى المطار فى طابور الجوازات ينتظر دوره، فقد كان المطار مزدحما لوصول أكثر من طيارة فى وقت واحد، وما أن بدأ يشعر بالضجر حتى آنسته رائحة أنثوية عطرة لم يبحث كثيرا عن مصدرها، فقد كانت تنبعث من تاج من الشعر الكستنائي كان يكسو رأس السيدة التى تقف أمامه في الطابور، لم تكن مباشرة أمامه ولكن كانت تفصلهما سيدة فى منتصف العمر وكان من الواضح أنها فى صحبتها، فقد كانتا تتحادثان وتميلان على بعضهما البعض وتسلى حسين كثيرا بمراقبة السيدة من الخلف، فقد كان القوام ممشوقا والظهر مستقيما والشعر منسدلا فى سلوك كستنائية حريرية والعطر يفوح.

استشعر حسين أن السيدة مصرية وأنها كانت تقيم فى الخارج منذ فترة طويلة وغالبا ما كانت فى أمريكا، فالطيارة الأخيرة التى استقبلها المطار قادمة من هناك، وبالفراسة فهم أن السيدة الأخرى يجب أن تكون أمها، فقد تبادلتا ألفاظ الدلع فيما بينهما، الكبيرة تنادي الصغيرة نوشي والأم ميماية، لابأس فلم تعد الموضة أن تنادي البنات أمهاتهن بـ “ماما” خصوصا اذا كانوا يعيشون في الخارج مثل هؤلاء.

الطابور طويل أنهما متقاربتان فنوشي فى حوالي السادسة والثلاثين، وميماية في حوالي الخمسين، لأ معقولة ؟ أنجبتها في سن الرابعة عشرة؟ يعنى خمسين، خمسة وخمسين، أنه يسلي نفسه بالاستنتاجات هو وراه حاجة؟، ولكن والله عفارم ميماية فنوشي خلفة متميزة وإنتاج مشرف.. ما هذا؟ ليس فى اليد خاتم زواج لا عفارم عفارم يعني يا مطلقة يا أرملة زي حالاتي يعني، على الله ما يكونش فيه أولاد، اقترب الطابور من ضابط الجوازات، ووصلت نوشي وقدمت جوازي سفرها هي وميماية ومالت على الشباك بكاملها، نظر الضابط فى جواز سفر ميماية وقال ياااااه غيبة طويلة، ابتسمت ميماية وختم الضابط ثم تناول الباسبور الخاص بنوشي، وكاد أن يختم ولكن استرجعته معلومة فنظر مليا ثم رفع عينيه ونظر إلى نوشي مليا أيضا، مالت أكثر على الشباك فغمغم حسين آااه هناك عطلة، همس الضابط الذي يبدو والعلم لله أنه كان يتمتع بكثير من الذوق وهمس لنوشي مشيرا إلى خانة في الباسبور “يبدو أن هناك خطأ ما في الحتة دي، آمنت نوشي علي كلامه “نعم نعم حتى موظفي الجوازات الأمريكان يرتكبون الأخطاء، سأصلحه فور دخولي البلد” ابتسم الضابط وختم.

تكتب حروفا ساحرة بنبض القلب

وابتسم حسين، فقد هانت.. بلا مبرر وقف حسين على سير الشنط واستلم حقائبه وعاون نوشي وميماية فى حمل حقائبهما وتبادل الجميع الابتسامات والتعارف، لدى باب المطار حدث قلق فى التاكسيات وعزم عليهم حسين أن يوصلهما بسيارته التى كانت في انتظاره بالسائق، أوصلهما إلى فندق سميراميس، وفى الطريق عرف أنهما كانتا تعيشان فى الولايات المتحدة منذ سنين طويلة، وأنه آن الأوان لكي تعودا إلى الوطن وأنهما ستستقران فى الفندق إلى أن يتم تجهيز البيت فى الهرم لاستقبالهما”.

هكذا تدور أحداث هذه القصة التى يوطد فيها حسين علاقته بنوشي وميماية، أو البنت وأمها إلى أن يذهب لخطبة البنت وهنا تحدث المفاجأة التى لا تخطر ببال أحد لن أحرقها حتى يشترى قارئنا العزيز هذه المجموعة الرائعة من القصص والمقالات التى كتبتها “إسعاد يونس” بحب ومتعة وإخلاص، ونتمنى أن لا تغيب عنا صاحبة السعادة فى الكتابة لأنها تملك سحرا خاصا فيما تكتبه سواء قصص أو مقالات فهى يبدو أنها تصفي روحها وقلبها وعقلها عندما تكتب لهذا يصل ما تكتبه إلينا بسهولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.