رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رحيل “شويكار” سيدة البهجة في  المسرح والسينما

جميلة المسرح والسينما

كتب : أحمد السماحي

رحلت منذ ساعات سيدة البهجة في المسرح والسينما الفنانة “شويكار” عن عمر يناهز الـ”84 ” عاما، وهى التى صالت وجالت في المسرح والسينما والإذاعة، والفنانة الوحيدة التى جمعت بين خلود السينما، وسحر المسرح، ونجحت في كلاهما في نفس الوقت، ففي الوقت الذي كانت تقوم ببطولات مطلقة على خشبة المسرح، كانت بطلة أيضا في السينما، وقدمت على مدى مشوارها السينمائي حوالي 100 فيلما سينمائيا، وحوالي 40 مسرحية، و50 مسلسلا إذاعيا.

حبي الوحيد

كانت بداية “شويكار” فى السينما عام 1960 على يد المنتج “جمال الليثي” الذي قدمها مع “عمر الشريف، ونادية لطفي، وكمال الشناوي” في فيلم “حبي الوحيد” إخراج “كمال الشيخ”، والذى لعبت فيه دور مضيفة الطيران “عايدة” التى تحب زميلها الكابتن “عادل” حب من طرف واحد وتضحى بحبها من أجل سعادته، وفي عام 1961 تقدم فيلمي “غرام الأسياد” مع أحمد مظهر، عمر الشريف، لبنى عبدالعزيز، وإخراج وإنتاج “رمسيس نجيب”، وقدمت فيه دور مصممة الأزياء “لولو” التى تحتضن وتغير حياة “نور” ابنة السائس البسيطة، لتجعلها واحدة من أشهر عارضات الأزياء، وتقدم فى نفس العام فيلم “الضوء الخافت” مع “سعاد حسني وأحمد مظهر” وإخراج “فطين عبدالوهاب”.

عام 1962 تقدم فيلمها الرابع “الزوجة 13 ” وتظهر في الفيلم كضيفة شرف، حيث تمثل دور “كريمة” زوجة من زوجات “رشدي أباظة” الـ”13″ والتى تقدم النصح والإرشاد للزوجة رقم 13.

في شبابها

الفتاة العاقلة

فى كل الأفلام السابقة وضعها المنتجون فى دور الفتاة العاقلة الناضجة التى يتعاطف معها الجمهور، وتوالت أفلامها التى كانت لا تنبأ عن فنانة كوميدية من طراز خاص فقدمت أفلام لعبت فيها الدور الثاني مع بطلات آخريات مثل “فاتن حمامه، ماجدة، لبنى عبدالعزيز، سامية جمال، سميرة أحمد، زهرة العلا،  وكانت هذه الأفلام هى “آخر فرصة، دنيا البنات، النشال، المجانين فى نعيم، طريق الشيطان، من غير أمل، الباب المفتوح، عروس النيل، صاحب الجلالة” وغلب على هذه الأدوار طابع الشر والإغراء والدلع .

الحسناء والطلبة

عام 1963 يدفع بها المنتج والمؤلف “عدلي المولد” فى أدوار البطولة المطلقة بعد 13 فيلما قدمتهم ولعبت فيهم أدوارا ثانية، ويعطيها الفرصة من خلال دور الراقصة “نوال عبدالحميد” أو “نانا” التى تحاول مساعدة الطالب القروي “متولي” ماديا، لكنها بعد فترة تقع في حبه، رغم أنه متزوج، مما يجعله يهمل دراسته ويصاحبها فى عملها بالملهى، وشاركها البطولة كلا من “شكري سرحان، وحسن يوسف، وعماد حمدي، وسمير صبري”.

لحظة مرح في أحد أفلامها

البعد عن الكوميديا

بعد هذا الفيلم والنجاح الذي حققه تمسكت بأدوار البطولة، والشيئ الملفت للنظر أنه في أفلامها الـ”16″ السابقة لم تقدم أي أدوار كوميدية، حتى في الأفلام الكوميدية اللتى شاركت فيها مثل “الزوجة 13، عروس النيل، المجانين في نعيم”.

فؤاد المهندس

لكن مع ارتباطها بالنجم والزوج “فؤاد المهندس” وتكوينهما ثنائيا ناجحا على خشبة المسرح من خلال مسرحيات مثل “السكرتير الفني، وأنا وهو وهى” فكر المخرج “فطين عبدالوهاب” فى عام 1964 من الاستفادة من هذا الثنائي الناجح مسرحيا في السينما، فقدمهما فى فيلم مأخوذ عن مسرحية لهما وهو “أنا وهو وهى”، ولاقى الفيلم نجاحا كبيرا.

مع الزوج والحبيب فؤاد المهندس

المسرح

توالت الناجحات المدوية مع “فؤاد المهندس” خاصة في المسرح فقدما مسرحيات كوميدية أصبحت محفورة في وجدان جمهور مسرح الستينات خاصة والمسرح بصفة عامة مثل “أنا فين وانتى فين، حواء الساعة 12، سيدتي الجميلة، أنا وهو وسموه، حالة حب، هالو دوللي، ليه، إنها حقا عائلة محترمة، وروحية اتخطفت”.

الإذاعة

تزامن هذا النجاح المسرحي والسينمائي مع نجاحهما الإذاعي الذي أصبح من الطقوس الرمضانية المعتادة كالكنافة والقطايف والمسحراتي، فقدما للإذاعة “العتبة جزاز، شنبو في المصيدة، أنت اللي قتلت بابايا، حلوة وجنونة لكن عجباني، علشان سواد عينيها، دنيا بنت دنيا، اجري اجري، سها هانم رقصت على السلالم”، وقد تحولت معظم هذه المسلسلات الإذاعية إلى أفلام سينمائية، فكان كما يقول الباحث السينمائي والناقد “أشريف غريب” ــ أي نجاح يحققه هذا الثنائي مسرحيا أو سينمائيا أو إذاعيا يدعم النجاح الذي يحققه فى المجال الآخر، والمجال الوحيد ــ والكلام على لسان غريب ــ الذي لم يستطع “فؤاد / شويكار” المحافظة فيه على نجاحهما المشترك كان التليفزيون، ربما لأن انتشار الدراما التليفزيونية على هذه الدرجة من الكثافة والحضور لم يتحقق إلا بعد منتصف السبعينات حينما كان كل من “فؤاد وشويكار” يودعان تجاوزا أدوار الشباب، ولأن مساحة الكوميديا على خريطة الدراما التليفزيونية كانت من الصغر بحيث تتضاءل معها فرص كل الكوميديانات وليس فقط “فؤاد وشويكار”.

مع النجم عادل أدهم

من الكوميديا إلى التراجيديا

مع نضجها وتقدمها في العمر شعرت “شويكار” أن أدوار الفتاة التى تقدمها والتى تعتمد على المرح وخفة الظل، واللعب بالمفردات، لم تعد مناسبة لعمرها فودعت هذه الأدوار مع المخرج “حسام الدين مصطفى” الذى قدمها في دورا هاما في فيلمه “الشحات” عام 1973 مع العملاق “محمود مرسي، ونيللي، ومريم فخر الدين”، ونجحت فى أداء دور “وردة” عشيقة “عمر” الذي أداه باقتدار “محمود مرسي” والذي لجأ إليها في رحلة اكتشافه لذاته.

بعد هذا الفيلم ــ وكما يقول “أشرف غريب” ــ لم تعد إلى أدوار الكوميديا إلا في فيلمي “فيفا زالاطة” عام 1976، و”النصاب والكلب” أمام سمير غانم ودلال عبدالعزيز عام 1990.

مع النجم الوسيم يوسف فخر الدين فى أحد أفلامهما المشتركة

التراجيديا بالأغراء

عن هذه المرحلة يقول غريب لـ”شهريار النجوم” : قررت “شويكار” بمنتهى الذكاء أن تشق لنفسها طريقا آخر، فاختارت أن تمزج التراجيديا بالإغراء، ولم لا ومواصفاتها الشكلية وقدراتها التمثيلية تؤهلها لذلك، خاصة أن النجمة “هند رستم” كانت قد توقفت عن أداء أدوار الأغراء، و”برلنتي عبدالحميد” قد اعتزلت مؤقتا، و”هدى سلطان” لا تقدم هذه النوعية بعد تقدمها فى العمر، فيما ظهر جيل جديد أكثر شبابا برعت نجماته فى تقديم هذا اللون مثل “ناهد شريف، شمس البارودي، مديحة كامل”، ومن ثم بقيت المرحلة العمرية التى تمر بها “شويكار” بلا أسماء يمكن أن تقدم إغراء مرحلة النضج والأنوثة الراسخة.

ومن هنا كانت “شويكار” ذكية فى تقديم فيلم “الشحات”، وخرجت منه بجلد فني مغاير تماما، وقدمت نفس الدور لكن بتنويعات قريبة على النغمة التى عزفتها فى فيلم “الشحات” إذ لم تقدم نموذج المرأة المغرية أو المغوية من منطلق الانحراف الأخلاقي المباشر وإنما كصورة من صور التشوه الإجتماعي مدفوعة بالحرمان العاطفي أو الجسدي كما في “الجبان والحب” إخراج “حسن يوسف”، و”طائر الليل الحزين” إخراج يحيي العلمي، و”أرزاق يا دنيا” إخراج نادر جلال، أو مجبرة اجتماعيا على ذلك كما في فيلم “دائرة الانتقام” إخراج سمير سيف.

غير أن ذروة الأداء التمثيلي ونشوته عند “شويكار” يمكن أن نلحظه فى شخصية “قرنفلة” الراقصة المعتزلة وصاحبة المقهى فى فيلم “الكرنك” المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، وإخراج “على بدرخان”، لم تخرج “قرنفلة” من عز الأيام الخوالي سوى بهذا المقهى، وهى إن كانت تترحم على ماضيها وعلى ما قدمته لفن الرقص فإن حاضرها منحته لهذا الشاب “حلمي” أو “محمد صبحي” الذي وجدت فيه حبها الحقيقي وأخلصت له، وكانت على أتم الاستعداد أن تمنحه مستقبلها أيضا، أو على الأقل ما تبقى لها من عمر، لكن الحلم تبخر وهى تتلقى الخبر الصدمة بمقتل “حلمي” دفاعا عن أرائه السياسية فى زمن لم يكن فيه للإنسان أية قيمة أو للمشاعر أي أعتبار.

دلع وإغراء

درب الهوى

ويواصل “أشرف غريب” كلامه قائلا: وعلى النقيض تماما من “قرنفلة” كانت المعلمة “حسنية” صاحبة بيت الدعارة في فيلم “درب الهوى” لحسام الدين مصطفى عام 1983 كانت حسنية النموذج الأمثل للانحراف الخلاقي والتشوه الإجتماعي معا، توارت فيه الرقة والطيبة لصالح الغلظة وحدة الطباع حتى وإن اكتسى نادرا بغلالة من لين الحديث، ويكفي أنها في النهاية تدير عملا سيئ السمعة حتى وإن كان يحظى بترخيص رسمي، بل حتى وإن راحت هى الأخرى ضحية أطماع كل المنحرفين الذين تؤيهم أو تديرهم.

وبين النقيضين لم يسلم الأمر من قيام “شويكار” بدور الأم فى بعض الأفلام فهى مثلا أم للنجمة يسرا في “فتاة تبحث عن الحب” وأم لمجموعة من الشباب فى “جنس ناعم”، وأم لسماح أنور وهشام سليم فى فيلم “سنوات الخطر” لنجدي حافظ، وأم لصبية صغيرة في “أمريكا شيكا بيكا” لخيري بشارة عام 1993.

والفرق بين كل هذه الأمهات أنها كانت فى الأولى صاحبة مقهى في منطقة نائية، وفى الثانية أما أرستقراطية تعاني مشاكل زوجية وحرمانا عاطفيا، وفى الثالثة صحفية ناجحة تهتم تعملها على حساب ابنها وابنتها اللذين يعيشان سنوات المراهقة الخطرة، أما فى الرابعة فهي راقصة سابقة ضاقت بها السبل كى توفر مصاريف علاج صبيتها المريضة، ورغم أن شويكار كانت الأم فى كل هذه الحالات وغيرها إلا أنها بخبرة السنين وطول التجربة الفنية كانت تدرك الفروق الظاهرة والخفية بين كل أم لعبتها على الشاشة.

مع الزوج والصديق محمد عوض

كشف المستور

من الأفلام التى توقف عندها الباحث السينمائي والناقد أشرف غريب فى كلامه معنا فيلم “كشف المستور”، حيث ظهرت فى هذا الفيلم خمس دقائق هى كل مساحة دورها في فيلم الكاتب “وحيد حامد” والنجمة “نبيلة عبيد” والمخرج “عاطف الطيب”، لكن هذه الدقائق لم تكن كأية خمس دقائق بالفيلم فلعبت دور سيدة ذات تاريخ حافل في العمل المخابراتي القذر تلجأ إليها زميلة سابقة كي تدلها على من خدعهن فى الماضي فدمر حاضرهن ومستقبلهن أيضا، ومنذ لحظة ظهورها على الشاشة وحتى اختفائها تستطيع أن تلحظ إنك تشاهد فيلما آخر غير الذي كنت تشاهده، بل ومختلفا حتى عما تشاهده بعد، خمس دقائق من الحوار المكشوف الذي نزع عن نفسه حمرة الخجل، واكتسى بجرأة من هان عليه كل شيئ، وخفة ظل من كفر بأي شيئ وحكمة من خبر الأيام وعرف أسرارها، وذاق حلاوتها قبل أن يتجرع مرارها.

شويكار كانت أول الخيط الذي كشف المستور، ولولا أنها تعاملت مع أزمة زميلتها على طريقة “اللي بيزمر ما بيخبيش دقنه” لربما ضلت بطلة الفيلم طريقها إلى نهايتها المحتومة، فى هذا الفيلم أكدت شويكار أنها لا تزال تملك القدرة على الإضحاك بعد كل هذا العمر، لقد كانت الابتسامة الوحيدة في العمل حتى وإن كانت خارجة من عمق أزمتها الخاصة.

لها ست إخوة وأخوات تبدأ بحرف الـ ش

ملامح خاصة

رحم الله “شويكار إبراهيم شفيق طوب صقال”، التى ولدت يوم الرابع من نوفمبر عام 1936 لأب من أعيان قرية (أبي الأخضر) محافظة الشرقية، وعرف عنه هوايته للشعر، تعلمت “شويكار” فى مدارس الجيزة قبل انفصال والديها وإلحاقها بإحدى المدارس الداخلية بين عامي 1952 و1954 ، تخرجت من مدرسة “نوتردام دي ديلافراند” بمصر الجديدة، حيث توقف تعليمها عند هذا الحد.

فضلت الزواج مبكرا فاقترنت بالمحاسب “حسن نافع الجواهرجي” الذي انجبت منه ابنتها الوحيدة “منة الله”، لكنه توفى بعد الزواج بعامين اثنين فقط تاركا لها طفلتها الصغيرة، فاضطرت “شويكار” للبحث عن عمل بعد رحيل الزوج، وكادت تستقر في شركة “شل” للبترول بمرتب شهري قدره عشرون جنيها، لولا أن قابلت الفنان والمخرج “محمود السباع” والمخرج “حسن رضا”، وعرضا عليها العمل على المسرح فى فرقة أنصار التمثيل مقابل عشرة جنيهات أسبوعيا فاستحسنت الفكرة، وأدارات ظهرها للوظيفة، ومن هنا دخلت الوسط الفني.

والراحلة الكبيرة كان لها ستة من الإخوة والأخوات، أسماؤهم جميعا تبدأ بحرف الشين وهم “شكري، شريفة، شريف، شاهيناز، شاهيستا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.