رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إنعام محمد على .. سيدة الدراما المصرية بلامنازع

مبدعة قضايا المرأة والسيرة الذاتية

بقلم : محمد حبوشة

نحتت خطها الفني المتفرد شكلا ومضمونا بتقديم عدد من الأعمال الفنية المتميزة في السينما والتليفزيون وكتب اسمها في سجل المبدعين كأهم مخرجة مصرية في العصر الحديث، لذا صار الإخراج واسمها كلمتان متلازمتان تميل كل منهما إلى الأخرى، فهى بلاشك أيقونة فنية تليفزيونية وسينمائية مضيئة تسير دائما على النسق المطلوب دون الإخلال بالهيكل الدرامى، حتى أنه يمكننا اعتبارها حالة ليست فريدة في شكلها العام ولكنها خاصة نظرا لاهتمامها المستمر برسم ريشة براقة لصورة المرآة المصرية الحقيقة دون أية رتوش، ولا يثار التعجب عندما تتأمل داخل جعبتها الفنية لتجد أنها دائما تحل إشكالية الفن الهادف مع الإمتاع الهادىء المحترم من خلال اختيارها للنصوص الجيدة والقراءة الواعية العميقة للأحداث الاجتماعية والسياسية والسير الذاتية.

إنها (إنعام محمد علي)، مخرجة زمن الفن الجميل التي طالما أمتعتنا بمسلسلاتها التى تلقى الضوء على عمالقة العلم والفكر والفن، والتي عرفت في الوسط الفنى بنجمة السير الذاتية وقدمت من خلالها أبرز الشخصيات المصرية الأكثر تأثيرًا نذكر منها (قاسم أمين، أم كلثوم، مشرفة .. رجل لهذا الزمان)، ويضاف إلى ذلك مجموعة أخرى  من الأعمال السينمائية والتلفزيونية الناضجة على المستوى الاجتماعي والبطولات العسكرية، ومناقشىة قضايا المرأة الشائكة منها: (أسفة أرفض الطلاق ، الحب وأشياء أخرى، قصة الأمس، حكايات الغريب، دعوة للحب، الطريق إلى إيلات، يوميات إمرآة عصرية ، ضمير أبلة حكمت ، حتى لا يختنق الحب)، وغيرهم من أعمال ستظل عالقة بالذاكرة المصرية ومقرونة بالجدية والجرأة في التناول الدرامي.

ليست مجرد مخرجة فحسب، بل هى صاحبة الحضورالمتميز في تقديم صورة جديدة للمرأة العربية

و(إنعام محمد على) ليست مجرد مخرجة فحسب، بل هى صاحبة الحضورالمتميز في تقديم صورة جديدة للمرأة العربية ولدورها في الحياة الاجتماعية والسياسية وتقديمها بصورة ايجابية موضوعية، لتصبح المخرجة المبدعة التي صدقت وصادقت الشعب الفلسطيني قولاً وعملاً إيماناً وفناً، ولعل أعمالها الفنية تشهد على ذلك وتحكي روايات العشق للأرض والوطن والإنسان، فضلا عن أن قصص الشهادة العظيمة التي جسدتها في أعمالها ساندت بقوة القضية الفلسطينية وكل القضايا العربية من خلال دعوتها إلى برنامج المقاومة عبر مشوار يمتد إلى حوالي نصف قرن من الإبداع والعطاء أنجزت خلال تلك الفترة خمسة أفلام سينمائية، و81 مسلسلاً درامياً و51 فيلماً تلفزيونيا.

استطاعت المخرجة (إنعام محمد علي) المولودة في صعيد مصر، والتي تعتز بأصولها الصعيدية، حيث أبصرت النور بمحافظة المنيا، وسبقها إلى الحياة 5 أشقاء، جميعهم الذكور، لذا كانت فرحة أسرتها بها طاغية، حتى إنها أطلقت عليها اسم “إنعام”؛ باعتبارهما النعمة التي طال انتظارها، حتى أنعم الله عليها بها، كما تعتز بوالدها الذي تصفه بأنه كان منفتحا، بحكم انتمائه لحزب “الوفد”، في الوقت الذي كان يصر جدها على تعليمها وتنشئتها نشأة طيبة، ولهذا واظبت على القراءة منذ نعومة أظافرها، فكانت تقرأ جريدة الحزب التي كان والدها يحضرها إلى المنزل، كما كانت تتلقف ما تطاله يدها من صحف أخرى ومجلات وكتب.

أمتعتنا بمسلسلاتها التى تلقى الضوء على عمالقة العلم والفكر والفن

في السنوات الدراسية الأولى، أبدت الطفلة (إنعام) نشاطًا كبيرًا، سواء من خلال الاشتراك في الإذاعة المدرسية، حيث كانت تقرأ النشرة، وتشارك في تحرير صحيفة المدرسة، ومعظم الأنشطة الفنية، وظلت لافتة للأنظار حتى أنهت مرحلة الثانوية العامة، ولا تنسى المخرجة الكبيرة كيف رفض أشقائها الخمسة التحاقها بكلية مختلطة، ما دفعها إلى الإضراب عن الطعام ثلاثة أيام، وتمكنت من تمرير رغبتها، والتحقت بكلية الآداب جامعة عين شمس، ما كان سببًا في انتقال الأسرة بأكملها للإقامة بالقاهرة، وبعد تخرجها من الجامعة، وهو نفس العام الذي شهد التحاقها بالعمل في التليفزيون، وضعت خطا جادا لحياته الفنية، وهو ما اتضح لنا من حسن اختيارها المواضيع والقضايا التي تتصدى لتقديمها، وهو الأمر الذي أهلها لتكون رائدة في صناعة (المخرج النجم) الذي يتساوى في قيمته وشهرته مع كبار النجوم في التمثيل، وهى في ذلك لم تتخلى عن القيمة والبقاء لأعمالها لتكون رسالة مهمة، واهتمت بالكيف لا الكم.

كانت الطالبة الجامعية “إنعام” تفكر في العمل بالصحافة، فذهبت إلى دار الهلال، والتقت الشاعر صالح جودت الذي ساعدها في التدريب بمجلة “الاثنين”، وكان طموحها أن تصبح صحفية كبيرة، ولكن كيف تغير مسارها من الصحافة إلى العمل بالتليفزيون؟ تجيب المخرجة الكبيرة قائلة: “البداية جاءت عبر إعلان في الصحف يطلب خريجي جامعات من الجنسين للعمل “مساعدي مخرج”، فتقدمتُ ضمن 1600 من خريجي معظم الكليات، اجتاز الاختبارات منهم 63، من بينهم 11 فتاة، كنتُ واحدة منهن.

تحل إشكالية الفن الهادف مع الإمتاع الهادىء المحترم

انطلقت مسيرة مخرجة مسلسل “أم كلثوم” داخل ماسبيرو من إدارة التمثيليات، ومن خلالها أصبح اسمها يتردد بقوة، مبشرًا بمخرجة من الوزن الثقيل، أما النقلة الحقيقية في حياتها العملية – كما تقول “إنعام”- فجاءت عبر التعاون مع الفنان الراحل محمود مرسي، الذي بدأ حياته مخرجًا بالبرنامج الثاني بالإذاعة، حيث درس الإخراج السينمائي في فرنسا، والإخراج الإذاعي في إيطاليا، حيث تعلمت منه كيفية تدريب الممثلين وإدارتهم، وإكسابهم جميع مفردات الأداء الفني، مؤكدة أنها لا تزال تطبق ما تعلمته منه حتى الآن، رغم تعاقب السنين، واختلاف الزمن، وتضيف “سيدة الدراما”: كما تعلمت من محمود مرسي كيف أوجِّه الممثل، واستفز طاقاته الفنية، لأخرج أفضل ما لديه، كما تعلمت الكثير والكثير أيضًا من المخرج الكبير نور الدرمرداش، الذي كان مدهشًا ومتميزًا في “تحريك المجاميع”، فضلًا عن أنه كان مخرجًا رائعًا سواء على صعيد التليفزيون أو المسرح.

قبل أن تطوي صفحة الحديث عن “الدمرداش”، تتذكر “إنعام” أن المخرج الكبير كان يؤمن بأن المرأة لا تصلح للعمل كمصورة أو مخرجة، باعتبارها “مخلوقًا رقيقًا” لا تتحمل مشقة وعناء مفردات العمل الدرامي، مضيفة باعتزاز وتحدٍ: “ولكني جعلته يتراجع عن وجهة نظره وأثبتُّ له عمليًا أن المرأة قادرة على النجاح في جميع المجالات، بما فيه الإخراج الدرامي”.

بدأت (إنعام) مشوارها مع الإخراج مساعدة أولى ليوسف مرزوق في مسلسل (الخاتم الماسي) بطولة نعيمة وصفي وعبدالرحمن أبو زهرة عام 1961، ثم تولت إخراج برنامج (نحن البشر)، أما أول مسلسلاتها كمخرجة فكان عام 1970 (سيداتي آنساتي) من بطولة (نور الشريف، وشهيرة، وبوسي، وسهير رمزي، وسناء جميل)، ثم مسلسلي (حصاد العمر، الباحثة)، وحرصت منذ البداية على اختيار المنتجين الذين يتحرون الدقة والمصداقية في أعمالهم، مستندة إلى أن هذا الأمر يجعل العمل يبقى ولا ينتهي، وأن يصبح له قيمة وأثر إيجابي في المجتمع، وليس مجرد وقت للتسلية.

وفي 1979 أخرجت مسلسل (هي والمستحيل) لصفاء أبو السعود، ومحمود الحديني، والذي ناقش وقتها قضية (محو الأمية)، وحقق بصدقه ورسالته متابعة جماهيرية لافتة، وذلك من خلال قصة فتاة بسيطة تحارب الظروف المعيشية الصعبة التي حرمتها من إكمال تعليمها، رغم توفر الاستعداد لديها من ذكاء وتفكير وإرادة، فتتحدى المستحيل والصعوبات، وتحقق حلمها في النهاية، وفي 1986 تعاونت مع السيناريست المبدع الراحل أسامة أنور عكاشة في مسلسل (الحب وأشياء أخرى) لممدوح عبد العليم، وآثار الحكيم، والذي كان ومازال يعد واحداً من أفضل المسلسلات الرومانسية في الدراما العربية، وترى إنعام أنه من أفضل ما أخرجت، لأنه قدم معنى وكلمة ورسالة وقيمة.

تمسك بإخدى صور تكريمها

وعادت المخرجة القديرة لتجدد تعاونها مع (عكاشة) أيضا عام 1991 من خلال (ضمير أبلة حكمت)، وكان أول مسلسل تقدمه فاتن حمامة للتليفزيون، وهو من نوعية المسلسلات الاجتماعية والإنسانية والتربوية المهمة التي أثرت كثيرا في المجتمع المصري وقت عرضه، حيث تناول كيفية بناء جيل جديد من أبناء المدارس يفيد الوطن بعدما يكبر، ومن ثم حقق نجاحاً كبيراً، ونال استحسان الجميع، ليس فقط لمستواه الفني الجيد، ولكن بفضل القيم التربوية والتعليمية التي تضمنها خلال حلقاته التي كان يتنظرها الجمهور بشغف.

ويبدو ملحوظا في مسيرة (إنعام محمد علي) أنها قدمت عدداً من مسلسلات السير الذاتية، منها: (أم كلثوم) لصابرين وحسن حسني، وكمال أبو رية، و(قاسم أمين) لكمال أبو رية وميرنا وليد، ومنال سلامة، و(مشرفة.. رجل لهذا الزمان) لأحمد شاكر عبداللطيف، وهنا شيحة، وكان آخر مسلسلاتها عام 2011، وتأجل بعده مشروع مسلسلها عن (طلعت حرب)، إلا أنها تعاملت مع الأمر برؤية ووجهة نظرخاصة جدا، إنطلاقا من حرصها على أنه لا بد لمن يتصدى لدراما السير الذاتية أن يكون مؤمناً بالشخصية والهدف من تقديمها، ويقرأ عن الشخصيات الواقعية المصاحبة، وتفاصيل الزمن، وأن يواكب كل عنصر يظهر على الشاشة زمن الشخصية.

وبفضل ذكائها وحنكتها في الإخراج الدرامي للتليفزيون أصبح اسم (إنعام محمد علي) مقترنا بلقب (سيدة الدراما بلا منازع)، وذلك بعد أن ارتبط اسمها بأي مسلسل يمثل شهادة ضمان له بالتميز في مسيرتها الإبداعية التي تشمل مسلسلات لا تُنسى مثل: (هي والمستحيل، الحب وأشياء أخرى، ضمير أبلة حكمت، أم كلثوم، قاسم أمين، قصة الأمس، مشرفة .. رجل من هذا الزمان.

حرصت المبدعة الكبيرة (إنعام محمد علي) على صقل موهبتها بالدراسة، فالتحقت في العام 1972 بالمعهد العالي للإعلام وحصلت على المركز الثاني، قبل أن تحصل على درجة الماجستير عن رسالتها “الدراما التليفزيونية ودورها الاجتماعي”، وتعتز المخرجة الكبيرة بحصولها على درجة الماجستير، وتعتبره نقلة نوعية في حياتها، وجعلتها تتخير طبيعة أعمالها الفنية، ولا تتصدى إلا للأعمال القادرة على التأثير في المجتمع وتصويب مساره وتصحيح أخطائه، إيمانًا منها بأهمية الدور الفن في إصلاح المجتمع، وليس الإسهام في إفساده وتدميره ونشر الفوضى في أوصاله، وبدا ذلك في باكورة أعماله الدرامية وكانت تمثيلية من 3 حلقات عنوانها  نفوس حائرة)، كتبها طبيب نفسي، حاولت من خلالها تقديم حلول علمية لبعض المشكلات النفسية، وأعقبتها بمجموعة سهرات مثل (حب بلا ضفاف، وأم مثالية،وأمهات لم يلدن أبدا”، وعرفت من خلالها طريق الجوائز حيث حصلت على جائزة “أفضل مخرجة” عن مسلسل “حب بلا ضفاف”.

ناشطة سياسية لا يشق لها غبار في القضايا الشائكة

ومن التليفزيون إلى السينما، تعتز (إنعام محمد علي) بفيلم (حكايات الغريب)، حيث تصفه بأنه ليس فيلما عاديًا، فهو أول فيلم وطنى عن انتصارات أكتوبر بعد تسعة عشر عاما من الحرب، وكان الهدف تعريف الجديد الذي لم يعاصر الحرب بالملحمة الوطنية التي قدمها الجنود المصريون، الأمر نفسه يمتد إلى فيلم “الطريق إلى إيلات” الذي لا يزال واحدًا من الأفلام الوطنية المهمة، مشيرة إلى أن تصوير الفيلم استغرق عامين وواجه ظروفًا صعبة حتى خرج إلى النور.

ولأن (إنعام محمد على) واحدة من رواد الإخراج الدرامي في السينما والتليفزيون، فإنها ترى أن الفن ليس فوتوغرافيا ولكنه اختيار ورؤية ووجهة نظر فليست الواقعية هو تصوير ونقل الجوانب السيئة للمجتمع كمثل صورة البلطجة والعشوائيات وغيرها من المهاترات، وبالتالى يمكن تقديم السلبيات ولكن يجب مراعاه المقابل الموضوعى أو بمعنى أوضح ما الهدف بتقديم تلك النوع من القصص فى هذا التوقيت هل لمجرد الإثارة فقط ولا لمناقشة كيفية حل تلك الأمور وعلى الجمهور الاختيار إما مواجهة تلك التحديات أو الانجراف نحوها، ولكن للاسف المنظومة الإنتاجية وتراجع الدور الدرامى أمام عملية الكسب التجارى أدى إلى محو دور المعرفة والترقى بشكل عام واعتبر مسلسل “ضمير أبلة حكمت” هو رمز تحدى الواقع واستشراق مستقبل أفضل.

وترى (إنعام) أن هناك ندرة ملموسة فى عرض الأعمال الوطنية الفنية بشكل كبير فمثلا إلى فترة التسعينات بدأت الأعمال تتقلص بشكل كبير وتسلم الراية لأعمال الفنية المرتبطة بالسير الذاتية الخاصة مثلا ببعض الشخصيات المؤثرة المجتمع، وأيضا جوانب من شخصيات المخابرات المصرية استعرض من خلالها مضمون الرموز الوطنية ولكن لم تعد تؤثر حاليًا بالمشاهد ، فالجمهور حاليا يحتاج لعمل فنى يجسد الملحمة الوطنية أو الروح التى أثرت على تغيير ملامح الوطن بشكل جذرى يمكن أن يرجع ذلك لتغير شكل المجتمع والأشخاص والبيئة كذلك تنوع الثقافات التى أهتمت حاليًا بمناقشة الظروف الإجتماعية أكثر من الأوضاع الوطنية فعزف الجمهور عن مشاهدة تلك الأعمال والتوجه مثلا للاستماع إلى الأغانى الوطنية والتى هى ايضا تراجعت بشكل ملحوظ عن تأثيرها المطلوب.

تتطلع إلى شهاداتها وإنجازاتها العظيمة

التزمت (إنعام محمد على) منذ بدايتها  بالتركيز على أبراز أخطر القضايا الاجتماعية من شأنها تهدد حياة الأسر المصرية ومنها الطلاق، والتى لم تكن تركز عليها السينما فى هذا الوقت فالكثير من الرجال يعتقدون إن أقبالهم على فكرة الطلاق هو الأمر المحبب للمرآة أو الأمر النهائى لحل المشاكل، ولكنه فى بداية المعاناة فى تصدام الزوجين بالمجتمع ومحاولة البدء فى قصص أخرى ليس شرط الإقبال مرة أخرى على الزواج، ولكن هى خطوة التحول الجذرى بشكل عام فكيف يمكن لورقة أن تهدم حياة أسرية، بل تستخدم بعد ذلك لإقحام المشاكل للزوجة وتكون ورقة ضغط للرضوخ لنظرة المجتمع غير السوية لإمرآة ليس لديها الرغبة فى خوض كل تلك الأمور، ففى فيلمها (أسفة أرفض الطلاق) كانت تدور الفكرة حول قصة حب بين طرفين هم عمود الأسرة فعند الأقبال على الطلاق ارادت الزوجة أن تكون أيضا بموافقتها وعدم أعطاء الحق للاستسلام لرغبة الزوج الغير مدرك لحقوق وواجبات هذه الزوجة المحبة المخلصة التى لم يكن لها أى ذنب فى تقبل شهواته النفسية ، وقد أثار الفيلم عند مشاهدته العديد من الأراء والتى ناشدت بعملية تقنيين الطلاق وأن تكون الإرادة بين الطرفين .

وحول عملها في المسلسل التاريخي (قاسم أمين) قالت: إن أى عمل تاريخى يعتمد فى بدايته على مهارة مؤلف العمل ، فالكاتب محمد سيد عيد يعد أحد الكتاب الذين استطاعوا تجسيد مضمون السير الذاتية ليس بشكلها التقليدى الركيك، ولكن كأنها بالفعل قصة تقرأها وتشاهدها بصورتها المرئية التلقائية  وقد كنت مؤمنة بتلك الفترة إن المرأة لم تنقصها أن تكون إنسانة تمتلك الثقة بالذات ومواجهة التحديات وعدم القدرة على العمل وغيرها ومن المعروف أن قاسم أمين هو رائد التنوير لحقوق المرآة وأصريت على تقديم تلك الشخصية فجمال الدراما بتلك الفترة هى كيفية إدارتها وأحكامها لتشكيل توليفة تؤثر فى كيان ومشاعر المتفرجين.

وفى هذا العمل حاولت أن اتناول بشكل كبير الملفات المسكوت عنها بعصر التغيير فى خط متوازى مع الاحتلال الأنجليزى وتأثيره على الدور السياسى وأيضا إلقاء الضوء على لمحات حياة الزعيم سعد زغلول وزوجته صفيه وكيف شكلاً النموذج الحقيقى للمودة والرحمة ومابين الحب والحرب شعره جمعتهما، فهنا نرى أن الخط الاجتماعى جنبا إلى جنب الخط السياسى، ولم يعرف الكثيرون إن خطوة كتابة كتاب تنوير المرآة كانت بمثابة الرعب بالنسبة لقاسم أمين للتوجه لتغيير وضعيه المرآة والحفاظ على كرامتها بمجتمع منغلق ومحتل بنفس الوقت، ولقد ساعده بكل تلك الخطوات الشيخ محمد عبده وهو رمز الرقى الإسلامى العريق وكان يريد الفصل بين العرف والدين .

تنصت بهدوء إلى سماع أراء مختلفة حول التحول الدرامي

ولأنها واثقة من نفسها وعملها فعند ردها على المهاجمين لمسلسل (أم كلثوم) قالت: لم يكن هجومًا ولكنه كان حكم مسبق قبل مشاهدة العمل فلم أكن أعلنت من هى بطلة المسلسل التى سوف تجسد دور كوكب الشرق حتى يتسأل الكثير ويتشوق الأكثر، فلم يقتنع العدد الكبير من المقريبن والصحفيين على خطوة الأقدام على تقديم قصة حياة أسطورة الغناء، وبدأ تسرب الخوف لدى أيضا من تقديم تلك الخطوة،  وفي البداية تعود الفكرة للكاتب الراحل محفوظ عبد الرحمن، والذى كان هو وزوجته الفنانة سميرة عبد العزيز من عشاق أم كلثوم وأراد تخليد هذا العشق بتقديم عمل فنى تراثى لها وقرر بأن أقوم بإخراج العمل وتحمست للفكرة، ولم يكن يشغلنا اختيار نجمة من الصفوف الأولى والمألوفة لدى الجمهور بل اختيار وجه تلقائى وقد كان وقع الاختيار على (صابرين) لما تتمتع به من موهوبة فنية كبيرة وكان لديها فكرة عن الفن الغنائى وأخفيت خبر قيامها بالدور حتى يتشوق الجمهور والنقاد.

وبعد فترة بدأت الإعلان عنها وتعرضت أنا وصناع العمل لهجوم الكبير نظرًا لاختلاف شخصيتها المرحة الدلوعة وصوتها وملامحها عن الشخصية الحقيقة الجادة ووجه لى المخرج يحيى العلمى عبارته قائلا “لو قدر لى إخراج أم كلثوم لن أختر صابرين وبالتالى تحملى أنتى المسئولية”، وبالفعل تحملت مسئولية التكلفة والديكورات واختيار الأماكن وعند عرض المسلسل اختلفت الأمور وحقق المسلسل النجاح منذ حلقاته الأولى إلى حلقاته الأخيرة، ولم يتوقع أن تصل (صابرين) لتلك المرحلة من النضج الفنى وترسخ لدى الجمهور مصدقية أداء كمال أبو رية وسميرة عبد العزيز.

أما عن تراجع الإنتاج الدرامي الحالي فتقول (إنعام محمد علي ) أنه يأتي نتيجة عدم تطوير الكيانات الإنتاجية  فمثلا ليس لديها جهاز تسويقى نشط أو يتبع الأساليب الحديثة فى التسويق لأنهم موظفون يتوارثون العمل بدون أن يطوروا من أنفسهم وأيضا يحدهم بعض الأجهزة الرقابية، مثل الجهاز المركزى للمحاسبات وليس لديهم مهارة تسويق العمل مهما كانت جودته فليس معنى أن عملا يتم تسويقه على نطاق واسع أنه جيد، ولكن يمكن أن يكون بسبب  مهارة وأساليب تسويقية يمتلكها المنتج الخاص ومثلا قطاع الإنتاج ومدينة الإنتاج الإعلامى وكثرة الموظفين أصبحت تشكل عبئا ماديا على كل قطاع بالإضافة إلى أن السنوات التى أعقبت أحداث يناير أصبح فيها ركود فى الأعمال الدرامية لذا فضلت الإبتعاد منذ عام 2011 .

ولا تنكر “إنعام محمد علي” في النهاية أن الدراما المصرية انحرفت عن مسارها، وعانقت حالة من العشوائية والتخبط والفوضى، حيث أنتجت أعمالًا تتنافس في نشر الفوضى وشيوع الجريمة، وتمكين الانحلال، كاشفة عن أن مسلسلا عن “طلعت حرب” في الأدراج منذ حوالي 10 سنوات، لأن زمن الأعمال الجيدة والمتميزة والإصلاحية ولى وأدبر بلا عودة، مضيفة: الدراما لم تعد تعبر عن المجتمع، تدير له ظهرها، ترفض أن تساعده، أن تقدم له حلولًا، تبارزه العداء، وتبادله الخصومة.. ليست هذه هي الدراما التي عرفناها وتربينا عليها وأنفقنا عمرنا فيها!، وتساءلت المخرجة الكبيرة: أين مسلسلات الأطفال، أين المسلسلات التاريخية، أين المسلسلات الدينية؟ مضيفة: (مايقدم للناس اليوم فورمات أجنبية، يجرى تمصيرها، القليل منها جيد ومعظمها غير جيد).

وفى رسالة مؤثرة تختتم بها (إنعام محمد علي) تعليقها على الدراما الحالية: (أصلحوا حال الدراما، ما يحدث أمر مريب وغريب وغير مبرر، نمتلك جميع عناصر تقديم أعمال متميزة، من فنيين إلى فنانين، ومن كتاب إلى مخرجين، نمتلك ثروة هائلة من العناصر الفنية، لا ينبغي إهدار طاقاتها في أعمال هزيلة وسخيفة وبلا معنى، الدراما الجادة قادرة على إصلاح المجتمع، الدراما الجادة سلاح قوي وفعال فلا تطرحوه أرضا وتتركوه وتتخلوا عنه بهذه السهولة).. ونحن من جانبنا في بوابة (شهريار النجوم) ومن خلال باب (بروفايل) نقدم تحية خاصة مصحوبة بباقة ورد للمبدعة الكبيرة إنعام محمد على، تقديرا لجهوده الإبداعية والتنويرية في ميدان الدراما المصرية التي أصبحت سيدتها بلا منازع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.