ذنب يوسف الشريف
بقلم : محمود حسونة
لدينا مهارات كبرى في أن نجعل من “الحبة قبة”، وأن نشعل معارك في اختلافات بسيطة في وجهات النظر، وأن نكيل للآخرين أبشع الاتهامات حال اكتشافنا اختلافهم عنا في القناعات والمبادئ. نطالب بحرية الرأي والتعبير، ولكننا لا نحتملها لأننا ببساطة نطالب بها لأنفسنا فقط ولا نقبلها كحق لغيرنا.
الفنان يوسف الشريف أعلنها كلمة “لا أقبل بتمثيل المشاهد الساخنة، وأشترط كتابة ذلك في عقودي”، كلمة إذا فكرنا فيها وجدناها تعبر عن قناعات إنسان قبل أن يكون فناناً، من حقنا أن نختلف معه وأن يؤمن قطاع منا بأن الفن باعتباره مرآة للواقع، سيكون ناقصاً مجتزأً في حال غياب هذه المشاهد عنه، ولكن ما ليس من حقنا، هو أن نتهمه بالأخوية والدعوشة والقعودة وكل هذا الفصيل من أهل العنف وصناع الإرهاب ودعاة التكفير وتفكيك الدول وتخريب حياة الناس.
لا أعرف يوسف الشريف ولست من المعجبين بأعماله، ولكنني من المؤمنين بحق كل إنسان في أن يقول قناعاته ويعلنها على الملأ، وإذا كان فناناً فمن حقنا أن نناقش تأثير هذه القناعات على أعماله، وإذا كانت قد انتقصت من بنائها الدرامي ومن قيمتها الفنية ومن رسالتها الإنسانية أم لا؟ أما أكثر من ذلك، فليس من حق أي إنسان كيل الاتهامات المرسلة التي ليس وراءها من دليل سوى كلمات أعلنها الفنان على الشاشة بمحض إرادته وبلا خجل، لإيمانه بأنها لا تحمل ما يستحي منه.
قناعات يوسف الشريف التي من حقنا أن نتفق ونختلف عليها، ليست وليدة اليوم ولكنها تعود إلى أكثر من عقد، ولَم يكتشفها أي من جهابذتنا، لم يحدث أن قام أحد من نقادنا أو فنانينا بانتقاد الأعمال التي قدمها خلال هذه السنوات وكشف عن أن بها خللاً بنائياً ودرامياً نتيجة غياب “المشاهد الساخنة”، وفجأة أفاق الكل بعد أن نطق الرجل بكلماته؛ وهذه المرة أيضاً لم يحللوا أعماله ويكشفوا حتى ولو بأثر رجعي عيوبها، بل اكتفوا بكيل الاتهامات له، وهى اتهامات لا أملك أنا أو غيري نفيها بشكل كامل، لأننا جميعاً لا نعرف عنه سوى فنه الذي أنتجته شركات وطنية ومنحته مساحات العرض التي يحلم بها غيره، ولو كانت هذه الأعمال تحمل ما يشوبها، فينبغي محاكمة منتجيها وعارضيها وكل من ساهم في توصيلها للجمهور وليس الشريف وحده.
ذنب “يوسف الشريف” أنه تكلم وأعلن قناعاته، وليس وحده من يرفض أداء هذه النوعية من المشاهد، فهناك العديد من نجومنا الكبار الذين لو تأملنا أعمالهم سنجدها دائماً خالية منها، وهو ما لا يلتفت إليه أحد رغم عدم خلوها من المشاهد الرومانسية، ولعل هذا يعتمد على حرفية المخرج الذي ينجح في توصيل رسالته من دون أي خلل، ويختلف الأمر من مخرج لآخر.. فِي العام الماضي مثلاً تابعت مسلسل “حكايتي” في أول بطولة مطلقة للفنانة ياسمين صبري، وكانت به مشاهد رومانسية جاءت جامدة وباردة وغير مقنعة بينها وبين الفنان أحمد صلاح حسني، وذلك نتيجة غياب التلامس وغياب الإحساس في التعبير، وهو ما عجز عن أن يعوضه بأساليب أخرى المخرج أحمد سمير فرج، وكانت النتيجة أن أسوأ مشاهد المسلسل كانت تلك الرومانسية، في حين أن مشاهد الانتقام كانت عالية جداً ومقنعة ولا تخلو من الإثارة والتشويق.
كلمات يوسف الشريف لا تعني أنه متطرف، ومن يتابع سيرته وسيرة زوجته (إنجي علاء) يجد أن الاتهامات لم تكن في محلها، فمظهر زوجته لا يوحي سوى بسيدة منفتحة وغير محجبة وراقية في اختيار ملابسها، يكفي أنها (استايلست) ومؤلفة، مما ينفي عن كليهما هذه الاتهامات المرسلة.
الغريب أننا نفتعل أزمة بلا أي مبرر خصوصاً أن أعمالنا التليفزيونية خالية بشكل شبه كامل من أي مشاهد ساخنة، والضجة المثارة على مواقع التواصل ليست في محلها ولا تعكس سوى أننا نعاني فراغاً فكرياً، وبدلاً من أن ننشغل بملاحقة ما يثيره عناصر الإخوان المتأسلمين من شائعات هدفها الإرهاب الفكري، نختلق نحن شائعات عن فنان اختلفت قناعاته عن قناعات البعض منا.
لدينا الكثير من القضايا التي تستحق التفافنا حولها دفاعاً عن دولتنا وإنجازاتنا، وعندنا الكثير من الإرهابيين وتجار الدين الذين يستحقون أن نفضح أفعالهم وأهدافهم الخبيثة، بدلاً من أن نقسم ونقصم مجتمعنا بأكاذيب واتهامات ملفقة تنال من صورة أبرياء.