رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

لينين الرملي و”الجائزة الكبرى”

بقلم : محمود حسونة

أخيراً، شرفت جائزة النيل في الفنون بحصول الراحل العظيم لينين الرملي عليها، وهو تكريم من الدولة مستحق للمبدع الراحل حتى وإن جاء متأخراً، ورغم أن كثيرين سعدوا بهذا الاختيار، ولعله غير مسبوق هذا الالتفاف حول فائز بالجائزة، إلا أنها لو جاءته حياً لألقت بظلال من السعادة لديه، حتى ولو لم يكن منتظِراً لها ولا ساعياً إليها ولا إلى غيرها من الجوائز

لينين الرملي كانت جائزته الكبرى التفاف عشاق المسرح والفن حول أعماله، ووصول رسالته إلى المستهدفين بها، وتأثير صرخته في المجتمع الذي خرج منه والتحم فيه وعبر عن قضاياه وشجونه، وفلسف همومه، وحذر من خيباته.

إذا أردنا اختصار لينين الرملي في كلمات، فهي: أنه كان ضمير مجتمعه، وعنوان المسرح الجاد والملتزم والفن الهادف، وقد عرفته منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي ليمثل حالة نادرة للمفكر الذي ارتدى عباءة المؤلف المسرحي الذي يحترم كلمته ولا يقبل بالعبث بها، ولعل دافعه من وراء تواجده الدائم في كواليس المسارح التي تعرض أعماله، هو خشيته من أن يغير أحد الممثلين في الحوار ويخلخل البناء أو يغير المعنى المستهدف من وراء كل جملة مسرحية.

رغم ذلك لم يكن مبدعاً متعنتاً أو مؤلفاً مستهيناً بقدرات من يمنحون نصوصه الحياة سواء مؤلفين أو مخرجين، بل كان يستمع لوجهات النظر، ويغير ويبدل حسب رؤى الآخرين التي يقتنع بها، أو يقنعهم برؤيته، وذلك خلال “بروفات الترابيزة” وأيضاً بروفات الحركة، ولكن بعد أن تنتهي مراحل التدريب وينطلق العرض يرفض التغيير العشوائي وهو له بالمرصاد.

لينين الرملي أثار الجدل تلميذاً في المدرسة بسبب اسمه بعد أن تخيله المدرس مسيحياً، ورفض تغيير الاسم الذي اختاره له والده نتيجة إعجابه بالزعيم الشيوعي فلاديمير لينين، وأثار الجدل في المجتمع من خلال أعماله التي كانت بمثابة صيحات إنذار من الأمراض والأوبئة التي يعاني منها المجتمع وتكاد أن تتمكن منه.

كوّن لينين الرملي مع الفنان الكبير محمد صبحي أعظم ثنائي في تاريخنا المسرحي، بعد أن جمعهما الحلم والتوحد في الفكر والرؤى، وقدما سوياً أعمالاً ستظل خالدة في أرشيف المسرح المصري، فمن منا ينسى “أنت حر”، “الهمجي”، “تخاريف”، “وجهة نظر”، و”انتهى الدرس يا غبي”.. كل منها يحمل رسالة تختلف عن الأخرى، ولكن جميعها تتلاقى مع مختلف أعماله في الدفاع عن حرية الإنسان وحقه في أن يتحرر من قيود يفرضها عليه المجتمع. وكان لينين في هذه الأعمال مؤلفاً وصبحي بطلاً ومخرجاً، ولهما تجربة لم يلعب بطولتها صبحي، وهى “بالعربي الفصيح”، والتي كانت تفضح حالة التفسخ العربي وعجز العرب على التوحد أو الالتفاف حول عروبتهم ومستقبلهم، وهى التجربة التي اختارا لبطولتها مواهب شابة مغمورة لتحقق نجاحاً غير متوقع، وتكون النافذة التي انطلق منها بعض الفنانين إلى النجومية ومنهم منى زكي وأحمد حلمي وفتحي عبد الوهاب، ورغم أنها كانت من انتاج خاص لفرقة استوديو ٨٠ التي كانت ملكاً لصبحي ولينين، إلا أن تذاكرها كانت بأسعار بسيطة ونجحت في منافسة مسرح القطاع العام وتتفوق على بعض فرقه دخلاً ونجاحاً وجماهيرية.

ربط الناس بين لينين وصبحي وبعضهم اعتبر أن كاتبنا الراحل تفرغ فترة من حياته للكتابة لصبحي، وهذا غير صحيح، فقد تعامل لينين مع معظم الكبار خلال حياته مسرحياً وسينمائياً وتليفزيونياً، تعامل مع عادل إمام في فيلم “الإرهابي” وسلسلة أفلام “بخيت وعديلة” وأخرج له فؤاد المهندس “سك على بناتك” والتي لعب بطولتها أمام شريهان وشويكار، وقدم لأحمد زكي ويسرا فيلم “البداية” للمخرج صلاح أبو سيف، ومثل له يحيى الفخراني مسرحية “سعدون المجنون”، ولا ننسى العمل العظيم “أهلا يا بكوات” للمخرج عصام السيد وبطولة حسين فهمي وعزت العلايلي.

هذه مجرد نماذج ستظل خالدة لـ “ضمير مجتمعه”، لينين الرملي الذي لم يتقبل يوماً أن يتعامل مع الفن في إطار قوالبه الجامدة، فلم يفرق بين مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص، وكتب لكل منهما طارحاً قضايا حيوية ومحققاً في مسرح الدولة نجاحاً غير مسبوق ومنافساً به القطاع الخاص، وهل يمكن لمن شاهد “أهلا يا بكوات” أو “عفريت لكل مواطن” أن ينسى أياً منهما؟.

لينين الرملي كان من السابقين لعصرهم في التحذير من موجة الإرهاب التي لا زلنا نكتوي بنارها، وناقشها بأسلوب غير مباشر في عدد من أعماله مثل “أهلا يا بكوات” وبأسلوب مباشر جداً في فيلم “الإرهابي”.

جائزة النيل للفنون ذهبت هذا العام لمن يستحقها، وسوف يضيف إلى رصيدها منحُها لعنوان الفن الهادف وضمير المجتمع لينين الرملي.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.