رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

“غزل البنات”.. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير

"غزل البنات".. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير
أنور وجدي يبدي بعض ملاحظاته لنجيب وليلى

كتب : أحمد السماحي

الصدفة وحدها وذكاء الفنان العبقري “أنور وجدي” كانا وراء ظهور فيلم “غزل البنات” للنور، ففي نهاية عام 1948 قابلت النجمة “ليلي مراد” الفنان الكبير “نجيب الريحاني” فى “أسانسير” عماراتهما المشتركة “الإيموبليا” التي يسكنان فيها، وبعد السلام والتحية بادر “الريحاني” وطلب من “ليلى مراد” كما ذكرت هى فى حديث إذاعي مع الإعلامية الراحلة “آمال العمدة” مشاركته فيلماً سينمائياً، فقال لها: امتى بقى يا حلوة نعمل فيلم سوا؟ فردت عليه قائلة: حضرتك تؤمر يا فندم، أنا أطول أقف قدام نجيب بك!

وذهبا كلا إلى شقته، وبعد أن عاد زوجها أنور وجدي من عمله قالت له: تفتكر أنا شفت مين النهاردة يا أنور فى الأسانسير؟ فقال لها بضيق: هو أنا منجم ولا قارئ كف، قابلتي مين يا هانم؟ قالت له وهى سعيدة: نجيب الريحاني، وطلب مني نعمل فيلم سوا، طبعا جاملته وقلت له: يسعدني يا فندم، بس أنا مالي ومال الريحاني وأفلام الكوميديا؟!

"غزل البنات".. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير
أفيش فيلم “غزل البنات”

ولمعت الفكرة فى ذهن “أنور وجدي”، وسرح قليلا وبعد دقائق وجدته يكتب على الهواء: شركة الأفلام المتحدة “أنور وجدي وشركاه” تقدم “نجيب الريحاني وليلى مراد”، وعلى الفور بدأ اتصالاته بمجموعة من العاملين معه، وطلب منهم سرعة الحضور باكر إلى مكتبه للعمل وكل واحد فى ذهنه فكرة أو يأتي ومعه قصة فيلم يجمع بين ليلى مراد والريحاني!.

ومن هنا بدأ العمل في الفيلم الذي أصبح أحد أيقونات السينما الغنائية، والفيلم الغنائي المصري الوحيد الذي ينافس أفلام هوليود الغنائية فى فترة الأربعينات ويسبقها من حيث الفكرة والإخراج والاستعراض والأغنيات التى ما زالت محفورة فى وجداننا حتى الآن، من منا ينسى “الحب جميل، الدنيا غنوة، عيني بترف، ماليش أمل، اتمخطري واتميل يا خيل، عاشق الروح” .

"غزل البنات".. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير
أنور وجدي يراقب إحساس ليلى ونجيب

عبقرية أنور

بعد انتهاء تصوير الفيلم رحل فيلسوف الكوميديا “نجيب الريحاني”، قبل عرض الفيلم في دور العرض، وعندما علم “أنور وجدي” بوفاة “الريحاني” طرأت على ذهنه فكرة عبقرية يجذب بها الجمهور إلى السينما، حيث أشاع فى الصحافة وفي الوسط الفني، أن فيلمه “غزل البنات” لم يكتمل، وإنه رغم هذا سيعرضه على غرار ما فعل “يوسف وهبي” عام 1944 عندما عرض فيلمه “غرام وإنتقام” آخر أفلام المطربة “أسمهان” وبه مشاهد ناقصة، وكانت وجهة نظر “أنور” من هذه الدعاية الكاذبة تحقيق إيرادات عالية، كما حقق “يوسف وهبي” فى فيلم ” غرام وإنتقام”.

وبدأ يشيع أنه كان هناك مشهد متبقي كان سيكون في فيلا “سليمان نجيب” فى الفيلم، يجمع بين الباشا الذي جسده “سليمان نجيب” وابنته “ليلى” وحبيبها “أنور”، و”الريحاني” يحاول إقناع الباشا بزواج “ليلى وأنور”.

"غزل البنات".. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير
صورة تجمع كل فريق عمل الفيلم

سينما ستديو مصر

وعُرض فيلم “غَزَل البنات” لأول مرة يوم الخميس 22 سبتمبر 1949 في دارعرض ستوديو مصر، وتوالت العروض يوم الاثنين 26 سبتمبر فى دور عرض سينما ريتس بالاسكندرية، وسينما فريال ببور سعيد، وسينما مصر بطنطا، وسينما ريفولي ببيروت، وحقق نجاحا فاق كل التوقعات وحقق “أنور وجدي” من ورائه عشرات الألوف والبعض يقول أنها مئات الألوف فى مصر والعالم العربي.

تدور أحداث الفيلم حول “الأستاذ حمام” مدرس اللغة العربية الفقير الذي يعمل في مدرسة خاصة، والتي يطرد منها لضعف شخصيته وطيبة قلبه، ليصبح مدرساً خصوصياً لابنة أحد الباشوات، والتي يقع في غرامها، غير أنه يكتم هذا الحب في قلبه، مضحياً بنفسه وحبه وقلبه من أجل إسعادها، وهو ما لخصته أغنية “عاشق الروح” التي قدمها ضمن أحداث الفيلم الموسيقار “محمد عبد الوهاب”، وبكى على إثرها “حمام أفندي” تأثراً بكلماتها بعدما ضغطت على جرحه الغائر.

"غزل البنات".. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير
الكلمة الخالدة التي كتبها الريحاني بخط يده

كلمة نجيب الريحاني

كتب الفنان الراحل “نجيب الريحاني” فى “الكتيب الإعلاني الخاص بالفيلم” هذه الكلمة: هل وفقت في أن أسيطر على الستار الفضي بمثل القوة التي منحتني إياها مواهبي وخبرتي في السيطرة على زمام التمثيل المسرحي؟، أعتقد أنني لم أوفق تماماً، وكثيرون ممن يعرفون الريحاني قد يشاطرونني هذا الشعور.

ولكن، ألم تنل أفلامي قسطاً وافراً من النجاح؟ نعم إنها حازت هذا النجاح، لكن في نظري أنه كان نجاحاً ناقصاً، لأنه لم يظهر تلك الجهود التي بذلتها من صدق العاطفة وحسن الأداء، حتى إنني أحسست أن ضوء الستار الفضي إنما هو كضوء القمرجميل ولكن بارد لا حياة فيه.

ثم شاءت الظروف واجتمعنا وكلنا ممن أخلصوا لفنهم فانسجمنا، واستحال ذلك الضوء الفضي إلى شعاع منعش كله حياة، وكله حرارة، تحقق الحلم المحبب إلى نفسي، الحلم الذي وهبته حياتي، شعرت بوجود عشاق فني أمامي، شعرت بأنني أنفذ بسهولة من وراء الستار فأصل إلى قلوبهم وأصيب مشاعرهم.

هذا ما جال في خاطري عندما شاهدت بعض مناظر من فيلم “غزل البنات” الذي أعده وأخرجه عزيزي أنور ابني البار الوفي.

"غزل البنات".. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير
مشهد يضم نجيب الرياحاني وليلى مراد وسليمان نجيب

كلمة أنور وجدي

كان نجيب الريحاني يرغب في أن تتاح له فرصة تقديم فيلم مصري ترتاح إليه نفسه، ويرتاح له الشعب، ويفخر به، كان يريد أن يجمع حوله كبار رجال الفن في فيلم واحد، فيلم رائع عظيم، الرغبة الغالية التى تمناها ” نجيب الريحاني” تحققت في فيلم ” غزل البنات” ولكن؟!!

السلاموني: متعة الأربعينات لا تتكرر

كتب الناقد الراحل ” سامي السلاموني” عام 1988 نقد وتحليل موسع لفيلم “غزل البنات” على ثلاث صفحات فى العدد الأول من مجلة “فن” اللبنانية تحت عنوان “غزل البنات.. متعة الأربعينات لا تتكرر”، اخترنا منه بعض الأجزاء التى جاء فيها :

لو سألت أي مشاهد عربي ــ من المحيط إلى الخليج ــ هل تحب أن ترى فيلم “غزل البنات” مرة أخرى؟ لاجابك على الفور: “بالطبع نعم”، وحتى لو كان هذا المشاهد نفسه عاجزا عن تذكر عدد المرات التى شاهد فيها هذا الفيلم سواء فى السينما أو التليفزيون.

وبعد انتشار أجهزة الفيديو فى البيوت، فلا اتصور أن فيلما “يتربص” الناس انتظارا لعرضه لكي يسجلوه أكثر من فيلم “غزل البنات”، وهناك بالتأكيد أفلام أكثر أهمية من “غزل البنات” من حيث قيمتها الفنية أو الموضوعية، ولكن هذه مسألة قد تعني النقاد أو المؤرخين، أما الجمهور العادي ومن جميع المستويات والأعمار والأمزجة يفضل مشاهدة هذا الفيلم بالذات، والذي أصبح مثالا نادرا أقرب للأسطورة، للفيلم الذي تتوافر فيه جميع عوامل المتعة الراقية حتى أن عاش أكثر من ثلاثين عاما – وقت كتابة النقد – دون أن يفقد قدرته الساحقة على إغرائك بمشاهدته مرة أخرى، لكي تضحك وتتألم حتى الحزن والبكاء ولتستعيد مرة أخرى أغاني كثيرة لليلى مراد التى كانت فى هذا الفيلم فى قمة تألقها ورقتها”.

"غزل البنات".. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير
كلمات أغنية “عاشق الروح”

صوما: كوزموبوليتية “غزل البنات”.

كتب الأستاذ “عادل صوما” مقالا ممتعا عن الفيلم فى موقع “الحوار المتمدن” اخترنا منه بعض الأجزاء التالية حيث كتب قائلا:

“وقع كل المصريين في التباس نطق الفيلم “غَزَل البنات” و “غْزل البنات”، بسبب موهبة المؤلف أنور وجدي في فهم لغة الشارع المصري رغم انه من أصول حلبية سورية، وموهبته في التسويق أيضا، فلم يتم تشكيل الكلمة على أفيش الفيلم، فغَزَل البنات هو الدلال والإيحاء والكلمة التي توارب الباب للمُحب، وغْزل البنات من الحلويات المصرية المصنوعة من السكر الملوَّن وهى على هيئة زهرة منفوخة كبيرة، يشعر من يأكلها بحلاوة وتلّوِن شفتيه بلونها الأحمر لكنها لا تُشبع. تماما مثل الغَزَل.

يستحق الفيلم أن يوضع على رأس قائمة أفضل مائة فيلم مصري نظراً لقيم كثيرة فيه، فالقصة لطيفة للغاية لكنها لا تؤهله لذلك، وأهم قيمة لم يلتفت النقاد إليها عن سابق تصوّر وتصميم هي كوزموبوليتة “غزل البنات”.

هذه القيمة غير المرئية، لمن لا يريدون استعمال بصيرتهم، لها تقدير وتثمين عند مؤرخي الفن، وطالما نالت بعض الافلام جائزة الاوسكار رغم دهشة الناس، نظراً لقيمة معينة تُضاف إلى جودة الفيلم.

صحيح أن هذه الكوزموبوليتية موجودة في بعض الأفلام المصرية، لكن “غَزَل البنات” تميز لكونه أول فيلم مصري غنائي سريع المشاهد لا ملل فيه، وحكايته أقرب إلى أسطورة عاطفية، والناس تعشق الأساطير.

قصة فيلم “غزل البنات” والسيناريو والانتاج لأنور وجدي، وحسنا فعل “نجيب الريحاني وبديع خيري”، عندما تنازلا عن السيناريو المسرحي الذي وضعاه للفيلم، وركزا على الحوار وتركا “أنور وجدي” يكتب السيناريو السينمائي، وكان التصوير لـ”عبد الحليم نصر” الذي سبق عصره، وصنع سيناريو مرئياً موازياً لسيناريو الفيلم، لا يقل عنه في حرفيته ودقة زوايا تصويره وكادراته التي نقلت وأبرزت مضمون الحوار ومغزى الرقص.

"غزل البنات".. رائعة السينما الغنائية بدأت فكرته فى الأسانسير
كلمات أغنية “ماليش أمل”

أحداث سينمائية فى عام 1949

* ظهرت ” نعيمة عاكف” لأول مرة في فيلم “العيش والملح” مع المطرب الجديد “سعد عبدالوهاب” إخراج حسين فوزي، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا.

* قام المخرج المصري “أحمد كامل مرسي” بإخراج الفيلم العراقي “ليلى في العراق”، كما اشترك مع المخرج الفرنسي “أندريا شوتان” فى عمل فيلم “عليا وعصام” فى العراق أيضا.

* شاركت مصر في مسابقة مهرجان “كان” بفيلمي “البيت الكبير” إخراج أحمد كامل مرسي، و” مغامرات عنتر وعبلة” إخراج صلاح أبوسيف.

* تأسس المركز الكاثوليكي المصري للسينما بغرض إمداد كل من يقومون برعاية النفوس من كهنة ومربين وآباء بالمعلومات التى يحتاجون إليها لتوجيه الأحداث إلى الأفلام الصالحة.

* بلغ عدد دور العرض 244 دارا فى نهاية العام، شهد العام الفيلم الأول لكثير من المخرجين أولهم “فطين عبدالوهاب” الذي قدم “نادية”، فؤاد شبل “على قد لحافك”، عبدالله بركات “ولدي”، صلاح الدين بدرخان “حلم ليلة”، سيف الدين شوكت “الناصح”، اشترك أحمد ضياء الدين لأول مرة مع ولي الدين سامح فى إخراج فيلم “ذو الوجهين”، واشترك المطرب محمد الكحلاوي مع إبراهيم حلمي فى إخراج “أسير العيون”.

بطاقة الفيلم

قصة : بديع خيري، أنور وجدي

سيناريو : أنور وجدي

حوار : بديع خيري، نجيب الريحاني

تصوير : عبدالحليم نصر

مونتاج : كمال الشيخ

ديكور : أنطون بوليزويس

إكسسوار : نجيب خوري

صوت : عزيز فاضل

ماكياج : ميتشو

مساعد مخرج : حسن الصيفي

سكريبت : منير مراد

موسيقى وألحان : محمد عبدالوهاب

كلمات : حسين السيد

غناء : محمد عبدالوهاب ونجيب الريحاني وليلى مراد

إنتاج وتوزيع : شركة الأفلام المتحدة ” أنور وجدي وشركاه”

االتصوير والتحميض والطبع : ستوديو مصر

بطولة : ليلى مراد، نجيب الريحلني، أنور وجدي، سليمان نجيب، يوسف وهبي، عبدالوارث عسر، محمود المليجي، إستفان روستي، زينات صدقي، فردوس محمد، فريد شوقي، سعيد أبوبكر، عبدالحميد زكي، عبدالمجيد شكري، فؤاد الرشيدي.

العرض الأول : 26 / 9 / 1949 سينما ستوديو مصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.