رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

السباق  الرمضاني.. و حسن حسني نموذجا

بقلم د. سامية حبيب

لمن تابع مثلي كل الجدل الذي دار قبل بداية موسم مسلسلات شهر رمضان المعظم منذ مطلع هذا العام والجدل الذي ثار بسبب جائحة كورونا التى حولت الجدل بين حدين لاثالث لهما، الأول لا نكمل العمل وتصوير المسلسلات ويتم الاكتفاء بما تم تصويره ، حفاظا على سلامة الجميع من فنانيين وفنيين . الثاني لابد وأن نكمل مابدأ لأن هذه قوة مصر الناعمة – وهذا تعبير لا أحبه – وهناك ارتباطات والتزامات والبعض قالها صراحة “دورة رأس المال لابد وأن تستمر ..التوقف خراب بيوت” وانتصر الرأي الثاني وتم العمل وسهر الجميع لنخرج بكم كبير من المسلسلات التي تنوعت مابين كوميدي وتراجيدي وميلودراما ولأول مرة خيال علمي وهناك مايصعب تصنيفه أصلا لكن عرض على الشاشات .

ولأننا كمتفرجين ونقاد ومهتمين بالفن أو القوة الناعمة فإن حسابات رأس المال والمكسب والخسارة المادية لن تعنينا كثيرا وبالتالي فلا نعرف كم المكاسب المادية التي حصلت عليها شركات إنتاج مسلسلات رمضان 2020 ، لكن كلنا اهتممنا -الجمهور المصري والعربي وأهلنا في كل بلاد العالم – بالمتابعة وإبدأ الرأي عبر صفحات التواصل الاجتماعي وعبر رسائل الموبيل وعبر الأحديث في الهاتف الأرض وتلك مكاسبنا اليومية  كمتفرجين ومتابعين وبذا يبدو الأمر أيضا بين حدين الأول المكسب المادي والثاني المكسب المعنوي، وبالطبع يخرج مسلسل “الاختيار” عن تلك الثنائية لأنه الوحيد الذي كان هدفه منذ البداية الجمع بين جميع المكاسب وقد حقق ذلك بالفعل .

فهل كان تأثير الكورونا أو فيرس كوفيد 19 مؤثرا لدرجة سلبية أو إيجابية على المنتج النهائي؟ هل يمكننا أن نصدق أن ظروف هذا العام هي السبب فيما شاهدنا؟ هل كرونا سبب الكتابة على الهوا ذلك التعبير الذي يعني الكتابة في الاستديو على يد أي حد موجود بالاستديو كما روى البعض ! أم أن هذا هو مايحدث منذ سنوات .

أليس من البديهيات التذكير باحترام النص وكاتبه بكل عناصر النص من بناء الأحداث ورسم الشخصيات وخصوصية حوار كل شخصية وقيم ومبادئ المجتمع التي يخاطبها العمل الفني. أيضا فشل تحديد النوع الفني الذي يدور في فلكه كل مسلسل ، فشاهدنا  فشل المسلسلات التي أطلق عليها “كوميديا ” ، مثل مسلسلات  “رجالة البيت – اتنين في الصندوق – عمر ودياب ” والأخيرين لممثلين من فرقة مسرح مصرسبق لبعضهم أن نجح في السنوات القليلة السابقة ، وكان نجاح ظاهري لأنه لم يقم على دعائم فنية صحيحة بل عشوائية فنية شملت الكتابة والتمثيل والإخراج . لكن اشتياق الجمهور لتغيير الوجوه والبحث عن روح جديدة ، حيث كان نجاح بعضهم في المسرح التجاري إغراء لهم ولشركات الانتاج التليفزيوني وللجمهور أن يتقبلهم لكن ليس كل مرة تسلم الجرة ، فالاختلاف بين المسرح الحي الذي يمكن أن ينجح به “إفيه ” لانتقال مايعرف بعدوى الضحك بين الجمهور ومثلها عدوى التصفيق ، وبين شاشات التليفزيون التي تفصل الممثل عن الجمهور الذي يستقبل التهريج ولايحفزه أي نوع من العدوى على تقبله وتشجيعه، مع الوضع في الاعتبار أن هناك في مسرح مصر كاتب ومخرج صاحب تجربة طويلة هو نادر صلاح الدين ، يختار ككاتب أفكار درامية تسمح بالارتجال الذي يستطيع تنظيمه وتطويره كمخرج .

 ثم هناك قاعدة علمية تقول إن النجاح في نوع فني لاتعني النجاح في نوع أخر إلا إذا وفرت له عناصر النجاح الفني كلها الكتابة بكل مهاراتها وليس منها الكتابة على الهوا بالطبع، أيضا فهم قواعد الارتجال واكتساب مهاراته كفن من فنون التمثيل الصعبة ، فليس معناه إطلاقا العشوائية والاستحواذ على الكاميرا أطول من الزميل في نفس المشهد أو المسلسل كله. ولا معنى للاعتذار الذي صدر عن مجموعة مسلسل “رجالة البيت” لو لم يعترفوا بهذه الحقيقة ويعرفها غيرهم من “النجوم ” قبل أن يقعوا في نفس الخطأ، فالكوميديا ليست تهريج أجوف، ثانيا ليس كل مممثل يضحك يستطيع أن يكون كوميديا وليس كل كوميديان بطل انظروا للقصري، لعبد المنعم إبراهيم ، لعدلي كاسب ، للضيف أحمد وغيرهم رحمهم الله .

 نفس القياس نجده في التراجيديا فهي غير المأساة وغير الميلودراما فليس القتل والسرقة والصراخ والبكاء شيئ واحد وليس العنف والتكسير والقتل من ضرورات تلك الأنواع . 

من ظواهر السباق الرماضاني هذا العام أيضا إنهيار فكرة أن “أي ممثلة تبقى بطلة” بمعنى تفشت منذ عدة أعوام ظاهرة صعود ممثلات عرفن في أدوار صديقة أو غريمة أو جارة البطلة أو البطل لدور البطلة مثل غادة عبد الرازق ثم دينا الشربيني ثم ياسمين صبري ، وصار الأمر بمنطق مرة تصيب ومرة تخيب ، يعني سنة ينجح المسلسل وأخرى لاينجح، لكن هناك إصرار على أنها نجمة وتأتي بما لم يأتي به الأوائل. لكن الظاهرة تفشت السنة دي فوجدنا ممثلات لحقهن هوس البطولة مثل “بشرى “القمر آخر الدنيا “، سهر الصايغ “حب عمري”، زينة “جمع سالم ” وريهام حجاج “لما كنا صغيرين”، وأهملن النص والتطور الدرامي، وقمن جميعهن بالتركيز على الملابس والمكياج والتجميل المؤسف لملامح وجوههن ثم الشعر المستعار الكثيف بصورة مبالغة جدا، وبالطبع لايمنع أي منطق اهتمام الممثلة بمظهرها ولكن ماعلاقة ذلك بالشخصية التي تؤدينها ؟ لو كان التمثيل مظاهر وشكل إذهبن للعمل عارضات أزياء وموديل إعلانات وهذا يحدث بالفعل .

الأمر الآخر التجاوزالمهني فليس معنى أنك بطلة المسلسل بأمر الشركة المنتجة أوالموزعة أن تتجاوزي زملاءك ،فبدا الأمر للجمهور مجرد بحث كل منهن على أضواء البطولة وأفيشات الشاشة وسمعنا عن مشاجرات من اسمه الأول وثار جمهور الميديا على أن يسبق اسم البطلة الحديثة ريهام حجاج اسم الفنان محمود حميدة أو الفنان خالد النبوي. الأمر الأخطر ماذا قدمتن من موضوعات وأفكار وكيف قدمت ؟ هل شاهدنا موضوعات تمس حياتنا مشكلاتنا؟، هل شعرنا أنك واحدة منا عشت معنا في يوميات حياتنا أم وجدنا موضوعات غريبة وشخصيات بلاستك بلا روح، من عناوين المسلسلات شعرنا بانفصال عنكن “سلطانة المعز – القمر آخر الدنيا – جمع سالم – لعبة النسيان – إلخ . لايوحي أي عنوان بأي فكرة أو معنى ناهيك عن ماتعج به الأحداث من شجار وقتل وهروب وحوادث سيارات وتآمر وخيانة ….. الأمر حقا يتطلب مزيد من التواضع والمهنية ومزيد من الصبر  ليعلمن أنه لايصح إلا الصحيح.

……………………………………………………………………………………………………………………..

الراحل الكبير مع زوجته

حسن حسني .. نموذجا

أحزننا جميعا رحيل الممثل الكبير حسن حسني في مفاجأة كنا نحسبها شائعة كما حدث من بعض السخفاء في مرات سابقة كان الراحل ينفيها بنفسه في موقف يحمل مفارقة كوميدية لم يصعب عليه بعد سنوات طويلة أن يؤدي فيها الأداء اللائق ويخرج بنفسه ينفيها باسما، بل ويركب جملة ضاحكة حين يصف من أطلقها أو أطلقوها بعد تكررها بجملة “دمك تقيل”، وهو تعليق لايصدر سوى عن ممثل عرك التمثيل وفهم الكوميديا تماما، حيث يعد تكرار الإفيه أو الجملة الضاحكة فشل من صاحبها وثقل ظل أو بالتعبير العامي المصري البليغ “دمك تقيل”.

لقد أجاد الممثل صاحب الخبرة الكبيرة حسن حسني حيث عمل منذ الستينات كمحترف في المسرح، فن التمثيل الكوميدي الأمر الذي حدا ببعض جمهوره في الساعات التالية لرحيله، أن يبادر البعض بالتذكير بأدواره “الجادة ” وكأن الكوميديا عيب، مثل أدواره في أفلام “سواق الأوتوبيس – سارق الفرح” أو مسلسلات “رأفت الهجان – أم كلثوم” وغيرها، والبعض الآخر أطلق عليه لقب عجيب وهو “سنيد النجوم” وذهبو في ذكر أفلام نجوم الكوميديا ممن مثل معهم وكيف كان يمثل تميمة حظ تكفل لهم النجاح !!

 هنا لابد من وقفة هل تمثيل الأدوار الكوميدية أقل قيمة من الأدوار التراجيدية أو الجادة؟ هل كان دوره سنيد للبطل الشاب؟ وما معنى كلمة سنيد أصلا؟ إنها كلمة بلا معنى علمي تماما، فهل المقصود بها دور هامشي لمجرد دفع الكوميديان للإضحاك الجمهور؟ الحقيقة أن فن التمثيل يعني أن يقوم ممثل بأداء دور كتب في إطار درامي مركب يتصاعد لصراع فذروة فحل ينتهي به الحدث الدرامي، والمفروض أن كل شخصية لها جانب في دفع الحدث والصراع بنسبة ما تأتي من كون الشخصية صاحبة رغبة تتصادم مع رغبة شخصية أخرى فيكون الصراع بينهما تتشارك فيه باقي الشخصيات بمناصرتها لأحد الشخصيات صاحبة الرغبة، والتي نطلق عليها مجازا الشخصية الرئيسية، لكن هل معنى ذلك أن الشخصات الأخرى هامشية ؟.

بالطبع لا لأن عدم وجودها يعني ثبات أو انتهاء الصراع فلن يخوض شخص واحد كل حركة الدراما في أي فن مرئي سواء سينما أو مسرح أو مسلسل، فلو نظرنا لدور حسن حسني في الفيلم البديع “سواق الاتوبيس” وهي شخصية “عوني” زوج ابنة الحاج صاحب الورشة وربيبه وصبيه في العمل، والذي اعتمد عليه الحاج أي المعلم الكبير حين كبر في العمر في إدارة أمور العمل بالورشة، وخان “عوني” الأمانة بالإهمال حتي تخسر الورشة وتحجز عليها الضرائب فيستطيع هو الاستحواذ عليها خاصة بعد شرود الابن الوحيد للمعلم “حسن”.

هنا شخصية “عوني” شخصية رئيسية تدير الصراع لرغبته في الاستحواذ على الورشة، ومايؤكد ذلك الحركة الدرامية طوال الفيلم فكلما تحرك حسن لحل المشكلة جاء بحركة مضادة له، مرة بحريق الاخشاب داخل الورشة ومرة بتحريض أزواج بنات المعلم شقيقات حسن على التضامن معه، وقد برع الجميع في أداء أدوارهم بسيناريو محكم لخان وبشيرالديك وإخراج لعاطف الطيب.

ولو نظرنا لدور آخر للممثل القدير حسن حسني في فيلم “الناظر” في دور مساعد مدير المدرسة للناظر الأب “عاشور”، حيث كان يفسد العملية التعليمية ويسرق من ميزانية المدرسة وبعد وفاة الأب يواصل مع الابن “صلاح الدين ” الذي كان أيضا بعيدا عن أبيه ولايعرف شيئا عن المدرسة ويجهل كيفيه إدارتها، يواصل نهب ميزانية المدرسة مستغلا جهل وعدم خبرة الابن بل ويقوم بإغراء الأم بالحب ليحكم سيطرته على كل مايملكون وأيضا يضع العراقيل أمام من يساعدون لحل الأزمة.

إنه تقريبا نفس الدور دراميا لكن أداء الممثل حسن حسني هنا غير هناك بالطبع لماذا؟ لأن المنظور الفني بين الفيلمين مختلف الأول دراما إجتماعية تميل للتصعيد الفكرة الدرامية تصعيدا سياسيا وضح جدا خاصة في النهاية، إن اللصوص يتحكمون في رأس المال بالتحايل والسرقة في حين يعاني الشرفاء ومنهم أبطال النصر العظيم دون أن يحصلون على حقهم بالعيش الكريم في الوطن، في حين المنظور الدرامي في الفيلم الثاني “الناظر” كوميديا اجتماعية تعالج فساد التعليم بسطحية وبساطة، لكن ممثل الدورين قدير وواعي مهنيا يؤدي الشخصية حسب منظور السيناريو ورؤية المخرج.

 من حق الجميع اليوم الحزن لرحيل ممثل قدير لكن من حقه عليهم أن يتعلموا منه درسا مهنيا متعددا، أولا: عدم تعجل الشهرة فقد أمضى الراحل عمرا قبل أن يحقق مايليق به كممثل ربما كان قد قارب الستين من عمره، ثانيا: عدم الاستئثار بالبطولة وتصدر اسمه عناوين أو أفيش الفيلم أو المسلسل، ثالثا: عدم قياس الدور بالمتر بمعنى أن يظل أمام الكاميرا طوال الوقت، فقمة المهنية للممثل أن يحول شخصية من كلمات على الورق للحم ودم على الشاشة مهما كانت شخصية بسيطة ودور قصير، أتصور أن كلمات الرثاء التي ملأت وسائل الإعلام والوسائط الإلكترونية الساعات الماضية وكتبها كل ممثلين وممثلات مصر سوف لاتكون ذات قيمة لو لم يكن حسن حسني نموذجا مهنيا يحتذون به.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.