رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

“حسن حسني” .. المعادلة الصعبة في صناعة البهجة

بقلم : محمد حبوشة

لا تختلف الشخصية المضحكة (الكوميدية) عن الشخصيات الدرامية الأخرى من حيث أبعادها وصفاتها إلا بشكل نسبي، إذ أن لها بعداً عضوياً وجسمانياً معيناً وقد يكون فيه تشويه يثير الضحك (غروتسك)، ولها بعداً اجتماعياً ينتمي إلى طبقة اجتماعية معينه، وكذلك ولا يختلف ممثل الأدوار المضحكة (الكوميدية) عن ممثل الأدوار الأخرى سواء في المسرح أم في السينما أم في التلفزيون سوى ما تتطلبه الشخصية الكوميدية من متغيرات في التعبير الجسماني والصوتي، وهنا تؤدّي المبالغة والاصطناع والتشويهات دورها أحياناً في أداء الممثل الكوميدي بقصد أثارة الضحك، ومثلما يمتلك الممثل الكوميدي مرونة جسمانية وصوتية كافيه لتنفيذ المتغيرات المذكورة أعلاه فلابد للممثل التراجيدي أو الدرامي أن يمتلك مثل هذه المرونة أيضاً، وقد يتطلب من الممثل الكوميدي أن يكون أكثر مرونة لأن المتغيرات التي عليه أن يمر بها خلال مواقف متغيرة كثيرة وسريعة.

تمثال للراحل حسن حسني يخلد ذكراه

ولعل شيئا من هذا القبيل قد توفر عند الممثل الكوميدي الراحل الكبير “حسن حسني” الذي قدم عبر مسيرته الطويلة جهدا استثنائيا في أداءه الأدوار الكوميدية حسب ما يرى  فرويد: ” أن الممثل الذي يقدم لنا عرضاً مسرحياً هزلياً مقارنة مع أنفسنا إنه يقدم جهداً كبيراً من خلال وظائف الجسم، وأن هذا الجهد يجعلنا متَمتعين ومسرورين وهذا هو التفوق الذي يشعر به الممثل الكوميدي”، تماما كما كان حسن حسني، الذي يعد علما من أعلام الفن المصري والعربي، والذي استطاع خلال فترة قياسية من ظهوره على المسرح ولفت أنظار الجميع، ولم تكن الصعاب التي واجهها عقبةً في طريقه بل كانت حافزاً له، واستطاع بجدارته وتفوقه وأعصابه الهادئة أن يملأ صدره بأوسمة التكريم والجوائز العديدة التي حصل عليها.

حسن حسني الذي ولد في 19 يونيو عام 1931 في حي القلعة بالقاهرة، والده كان يعمل مقاولاً للمباني ووالدته توفيت وهو في سن السادسة من عمره، وانتقل وعائلته إلى حي الحلمية الجديدة ودرس في مدرسة الرضوانية وحصل على الشهادة التوجيهية في عام 1956، وكان التمثيل هو الشي الوحيد الذي يشغل تفكيره، ومن ثم قرر خوض تجربته في هذا المجال، وبدأ حياته المهنية منذ ستينات القرن الماضي بعد أن لفت أنظار أساتذته ولجان التقييم الخاصة بمسابقات التمثيل في المدرسة، بعد مشاركته في بعض المسرحيات، تأكد حينها “حسني” أنّ التمثيل هو مهنته المستقبلية وأصبح عضواً في فرقة “المسرح العسكري” وقدم بعض العروض التي حققت صدىً طيباً على مسرح المتحدين للضباط وعائلاتهم.

بعد أن تم حل المسرح العسكري في عام 1967 انتقل حسن حسني إلى مسرح الحكيم الذي شهد بشكل أساسي خطواته الأولى إلى عالم النجومية حيث شارك من خلاله في عدد من المسرحيات منها “عرابي” مع المخرج نبيل الألفي، ومسرحية “المركب اللي تودي” من إخراج نور الدمرداش، ثم بدأ رحلة بحث جديدة عن فرص لإظهار موهبته أكثر للجماهير ونالها بجدارة مع المخرج سمير العصفوري في مسرحية “كلام فارغ”، والتي حققت رقما قياسيا واستمرّ عرضها 6 شهور على المسارح، وبعد نجاحه الكبير في هذه المسرحية انتقل إلى المسرح القومي وبعدها إلى المسرح الحديث، وانضمّ لفرقة تحية كاريوكا والتي عمل معها قرابة 9 سنوات قدم من خلالها العديد من المسرحيات منها “روبابيكا” ومسرحية “صاحب العمارة”.

وبعد أن فتحت استوديوهات دبي وعجمان أبوابها للممثلين المصريين ومنهم حسن حسني ابتعدعن المسرح قليلاً وعاد إليه في أول الثمانينات، ولكن بقيت أعماله الرئيسية في الأفلام المسلسلات والتي كان من أهمها المسلسل الإذاعي “سلام لحضرة الناظر”، الذي كان من إخراج عصمت حمدي، وقد شاركه البطولة فريد شوقي وهالة فاخر ومسلسل “سليمان الحلبي” عام 1976، من تأليف محفوظ عبد الرحمن وشاركه البطولة يوسف شعبان وأحمد مرعي.

جسد شخصيات متعددة امتاز ببراعة أدائه لها

كما شارك في العام نفسه في مسلسل “النمس” بدور شوكت من إخراج صفوت غطاس وبطولة عماد حمدي وراوية أباظة ومحمد صبحي وفي عام 1978، وشارك أيضا في مسلسل “كيف تخسر مليون جنيه” إلى جانب عادل إمام وجمال إسماعيل، وحل ضيفاً في العام نفسه في المسلسل الإذاعي “كفر نعمت”، وبدور “البحتري” في مسلسل “في مهب الريح” في عام 1979 من بطولة حمدي أحمد ونادية عزت بدأ اسمه يظهر بشكل أكبر، ما أهله في العام نفسه من المشاركة في أربع مسلسلات أخرى وهى “أبنائي الأعزاء … شكراً” – الذي يعرض حاليا على قناة cbc  دراما – ، حيث أدى دور فتحي سكرتير الشركة، ومسلسل “مفتش المباحث”، والمسلسل الكوميدي “ضيوف مزعجين جداً”، وكان آخرها مسلسل “نفوس معذبة جداً” الذي كان إنتاج مشترك ما بين الكويت ومصر.

تألق حسن حسني أكثر وأكثر في مسلسلات الثمانينات، ومن أهمها في عام 1981 أدى دور “عبد السلام” رئيس التحرير في مسلسل “سباق الثعالب” وفي عام 1982 أدى دور الجنرال “مينو” في المسلسل التاريخي “الأزهر شريف منارة الإسلام”، كما حلّ ضيفاً في العام نفسه في مسلسل “قلب من ذهب”، وفي عام 1984 أدى دور “نعيم” في مسلسل “جواري بلا قيود”، من تأليف منى نور الدين وبطولة كمال الشناوي وبوسي، وفي عام 1986 أدى دور “هريدي” في مسلسل “سنوات الضحك والدموع” من بطولة دلال عبد العزيز وعبد الرحمن أبو زهرة وتأليف عاصم توفيق كما حلّ في نفس العام ضيفاً في مسلسل “غوايش”.

وفي عام 1987 كانت موهبته قد بدأت في الظهور، فشارك في مسلسل “الحب في حقيبة دبلوماسية” إلى جانب سوسن بدر وشيرين، وفي عام 1989، وأدى دورا جديدا عليه هو “عبده مشتاق” في مسلسل “ناس وناس” في جزئه الأول، وشارك في العام نفسه في عدة أعمال أخرى منها مسلسل “رجال في المصيدة” ومسلسل “أبيض وأسود” ومسلسل “دعوة للحياة”، وشهدت فترة التسعينات أعمالا كثيرة لحسن حسني لم تقل أهمية عمّا سبقها، حيث كان أول مسلسل له فيها “ساعة لكل الناس” عام 1990 إلى جانب محمود الجندي وجليلة محمود، كما أدى دور يوسف في مسلسل “مذكرات زوج” في العام نفسه، وفي عام 1991 شارك في مسلسل “تحت ظلال السيوف” من تأليف عبد السلام أمين كما شارك في العام نفسه في عدة أعمال منها مسلسل “النوّة” ومسلسل “العودة”

وكانت انطلاقته الحقيقية في عام 1992، حين أدى دور “شريف الكاشف” في مسلسل “بوابة الحلواني” في جزئه الأول، كما شارك في العام نفسه في عدة مسلسلات أخرى منها “وكان لقاء” ومسلسل “المال والبنون ج1” ومسلسل “وداعاً قرطبة”، وفي عام 1993 أدى دور “رشاد” في مسلسل “أمهات في بيت الحب” من بطولة رجاء الجداوي وصفاء الطوخي، كما أدى دور “شديد باشا” في مسلسل “دموع صاحبة الجلالة” إلى جانب عبلة كامل ومحمد كامل، وفي عام 1994 شارك في المسلسل العربي الكوميدي “الدنيا حظوظ (لا للزوجات)” إلى جانب ناصر القصبي وخالد سامي، كما شارك في العام نفسه في الجزء الثاني من مسلسل “بوابة الحلواني” ومسلسل “أرابيسك: أيام حسن النعماني” إلى جانب صلاح السعدني ولطفي لبيب.

وفي عام 1995 شارك في مسلسل “صباح الورد” إلى جانب شريف منير ومدحت صالح، تأليف نجيب محفوظ كما أدى دور “عبد الصمد” في مسلسل “على باب الوزير، وفي عام 1996 شارك في مسلسل “أحلام كو” من إخراج محمد هلال وكمال نور، كما شارك في العام نفسه في مسلسل “أبو العلا 90” بدور “ياسين أبو سمانة”، وفي عام 1997 شارك في مسلسل “أهالينا” إلى جانب صابرين وطارق لطفي، كما أعاد دوره في الجزء الثالث من مسلسل “بوابة الحلواني”، وفي عام 1998 أدى دور “فخري” في مسلسل “مجهول” من إخراج رباب حسن وأسامة قاسم، كما شارك في العام نفسه في مسلسل “العيش والملح” إلى جانب أحمد السقا ومحمد توفيق.

وفي نهاية التسعينيات شارك بعدة مسلسلات أخرى منها “أسير بلا قيود” و”يأخذنا تيار الحياة” و”أغنية على جسر الأمل، ومن أهم مسلسلاته الأخرى في فترة التسعينات مسلسل “جسر الخطر” ومسلسل “أوقات خادعة” و”حلم آخر الليل” و”همام يبحث عن همام” و”الذب” عام 1999، وتابع حسن حسني مشواره الفني في الألفية الجديدة بمزيد من الأدوار التي تنوعت ولم يقل الإبداع فيها عن التي سبقتها بالرغم من توجهه في هذه الفترة للأفلام بشكل مكثف أكثر من الدراما، ومن أهم المسلسلات التي شارك فيها في الألفية الجديدة مسلسل “الفجالة” عام 2000 الذي عَرضَ الأحداث المتزامنة مع حرب أكتوبر 1973 وما تلاها من تغييرات، كما شارك في العام نفسه في عدة مسلسلات منها “يا رجال العالم اتحدوا” ومسلسل “عطش السنين”

آخر أيامه قبل الرحيل

عام 2001 كانت نقطة تحول جديدة في حياة “حسن حسني”، حيث شارك في الجزء الرابع من مسلسل “بوابة الحلواني” بالإضافة إلى العديد من المسلسلات الأخرى في العام نفسه منها “نهر العطاء” من إخراج محسن فكري والمسلسل الكوميدي “النساء قادمون” إلى جانب حسين فهمي وغادة عبد الرازق، وفي عام 2003 شارك في مسلسل “ملك روحي” إلى جانب يسرا وأحمد عز، وشارك في العام الذي تلاه في مسلسل “بنت أفندينا” إلى جانب إلهام شاهين وكريم كوجاك، كما شارك في العام نفسه في أعمال أخرى منها مسلسل “ملاعيب شيحة” و”عفاريت السيالة”، وفي عام 2006 شارك في مسلسل “بنت بنوت” إلى جانب مي عز الدين وصفاء الطوخي وشارك في العام نفسه في مسلسل “علي يا ويكا” ومسلسل “آن الأوان”.

في عام 2007 شارك في مسلسل “آخر الحظ” من إخراج محمد عبد العزيز، كما شارك في العام نفسه في مسلسلي “لحظات حرجة، وامرأة في شق الثعبان”، وشارك في عام 2009 في بطولة مسلسل “حقي برقبتي” إلى جانب مها أبو عوف وماجدة زكي وفي عام 2010، كما شارك في بطولة مسلسل” اللص والكتاب” إلى جانب سامح حسين وأحمد راتب كما شارك في مسلسل التشويق والإثارة “العار” إلى جانب مصطفى شعبان ودرة، وفي عام 2011 شارك في مسلسل “سمارة” إلى جانب غادة عبد الرازق وياسر جلال، كما شارك في العام نفسه في مسلسل “أزواج في ورطة” والمسلسل الكوميدي السوري “صايعين وضايعين” إلى جانب عبد المنعم عمايري وأيمن رضا، كما شارك في مسلسل “الزوجة الرابعة” الذي عرض في رمضان 2012 إلى جانب مصطفى شعبان ونخبة من نجوم الفن المصري

وفي عام 2013 شارك في دراما التشويق عبر مسلسل “مزاج الخير” إلى جانب مصطفى شعبان وعلا غانم كما شارك في بطولة المسلسل الكويتي الكوميدي “خالي وصل” إلى جانب طارق العلي وأمل عباس عام 2014، وفي عام 2015 حلّ ضيفاً في مسلسل “مريم” من بطولة هيفاء وهبي وخالد النبوي، كما شارك فقي العام نفسه في مسلسل “الصعلوك” من إخراج حسن القناوي وبطولة خالد الصاوي، وفي عام 2016 شارك في مسلسل “وعد” من بطولة مي عز الدين وكارمن لبس وفي عام 2018 شارك في المسلسل الكوميدي “30 ليلة وليلة” كما شارك في مسلسل “رحيم” من بطولة ياسر جلال وأحمد السقا، وفي عام 2019 أدى دور حامد في مسلسل “أبو جبل” إلى جانب مصطفى شعبان ودياب، كما من المقرر مشاركته في مسلسل الجريمة “خراب بيوت” الذي يتم نتاجه حالياً.

ولا يخلو رصيد حسن حسني الفني من الأفلام التي أثرت السينما المصرية والعربية ومن أهمها “المليونيرة النشالة” عام 1978 من إخراج سيف الدين شوكت و”زوجة رجل مهم” عام 1988 إلى جانب أحمد زكي وميرفت امين و”صراع الأحفاد” عام 1989، ومن ثم أفلامه في التسعينات الفيلم الكوميدي “أنا وحماتي والزمن “عام 1990 إلى جانب أحمد بدير وميمي جمال وفلم “القاتلة” إلى جانب فاروق الفيشاوي عام 1991 وفي عام 1995 شارك في فلم “سارق الفرح” إلى جانب محمد هيدي وعبلة كامل.

كما شارك في عام 1905 أيضا في فلم “بخيت وعديلة” إلى جانب عادل إمام وشيرين وحلّ ضيف شرف في الأجزاء المتبقية للفيلم وفي عام 1996 أدى دور “حسين أفندي” في “ميت فل” إلى جانب شريهان وهشام سليم، كما شارك في العام نفسه في فلم “ناصر 56” إلى جانب أحمد زكي، وفي عام 1998 شارك محمد هنيدي ومصطفى قمر وأحمد زكي في بطولة فلم “البطل” وفي عام 1999 شارك في الفلم الكوميدي “عبود على الحدود إلى جانب علاء ولي الدين وعزت أبو عوف، وشهدت الألفية الجديدة ثورة فنية في حياة حسن حسني، حيث كان أغلب انشغاله في الأفلام التي طغى عليها اللون الكوميدي ومن أهم هذه الأفلام “محامي خُلع” إلى جانب هاني رمزي وداليا البحيري عام 2002

وكانت أبرز مشاركاته في العام نفسه في “اللمبي” إلى جانب محمد سعد وأدى دور “حسنين الجبالي” في فيلم “عسكر في المعسكر” إلى جانب محمد هنيدي، كما أدى دور اللواء “نجدت” في الفيلم الكوميدي “الباشا تلميذ” عام 2004 ودور والد عيد في “عيال حبيبة” مع حمادة هلال عام 2005 كما قدم في العام نفسه دور “ببلاوي” في “يانا يا خالتي” وشارك في فيلم “زكي شان” وفي عام 2006 فيلم “جعلتني مجرماً” إلى جانب أحمد حلمي وغادة عادل وفلم “أيظن!”، وفي 2007 “خارج على القانون” إلى جانب كريم عبد العزيز و”أسد وأربع قطط” إلى جانب هاني رمزي وفي 2008 “حبيبي نائماً” إلى جانب مي عز الدين و H ” دبور” إلى جانب أحمد مكي، وفي 2009 “بوبوس” إلى جانب يسرا وعادل إمام و”الفرح” إلى جانب نخبة من نجوم الفن المصري.

آخر أدواره في “سلطانة المعز”

وفي 2010 قدم رائعة “بون سواريه” إلى جانب غادة عبد الرازق و”سمير وشهير وبهير” وفي 2012 “غش الزوجية” من إخراج أحمد البدري وفي 2014 “مراتي وزوجتي” إلى جانب رامز جلال وإدوارد، وفي عام 2013 شارك هاني رمزي في بطولة “نوم التلات” وفي عام 2016 شارك في بطولة “كنغر حبنا” إلى جانب رامز جلال وداود حسين، وفي 2018 “البدلة” إلى جانب تامر حسني وفي 2019 “قهوة بورصة مصر” إلى جانب نخبة من النجوم منهم لطفي لبيب ورانيا محمود ياسين وكان من المقرر أن يشارك في الجزء الثاني من فلم “البدلة”.

قدم حسن حسني خلال حياته المهنية التي بدأها بالمسرحيات وعلى مدى أكثر من 55 عاماً ما يقارب 500 عمل أثرى من خلالها الفن المصري والعربي، وتم وضع 5 أفلام له ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية، وكما نعرف فإنه في كثير من الأعمال السينمائية الهامة نجد أن الأدوار المساعدة تطغى بموهبة أصحابها على أدوار البطولة، بل إن تلك الأدوار التي تصنع ما يمكن تسميته بالظلال الناعمة – هي ما تمنح تلك الأعمال أسباب تفردها وروعتها، لذلك فإنه ليس من قبيل التجاوز القول إن كثيرين من ممثلي الأدوار المساعدة وعلى رأسهم “حسن حسني” هم الأعمدة القوية التي تحمل العمل السينمائي إلى القمة بملء هذه المساحات الصغيرة المتاحة بمخزون هائل من الإبداع والموهبة، ربما لا يكون متوفرا لدى أصحاب الأدوار الأولى.

هؤلاء المبدعون من أصحاب الأدوار المساعدة لا يتوهجون ذلك التوهج السريع الذي ما يلبث أن ينطفئ؛ لكنهم يلمعون على مهل، ويتألقون في هدوء، تاركين ذلك الأثر العميق في وعي المشاهد الذي يستطيع التمييز بين أداء حقيقي يضفي على الشخصية أبعادها المختلفة، وأداء آخر مفتعل تسقطه الذاكرة بطريقة آلية.. لتحتفظ فقط ببصمات الكبار الضالعين في الفن حد التورط الكامل، فعلى مدار نحوٍ من خمسة عقود ونصف ظهر اسم الفنان حسن حسني في أكثر من 140 فيلما، تراوحت مستوياتها تراوحا كبيرا، هذا بالإضافة إلى أكثر من 320 عملا إذاعيا وتليفزيونيا، ونحو ثلاثين مسرحية.. وبالطبع  لايتسع المقام هنا للحديث عن كل هذه الأعمال  التي أمتعنا فيها بأداء بديع لاينسى.

وعلى الرغم من أن بدايات “حسن حسني” السينمائية تعود إلى أوائل الستينيات، عندما شارك في فيلمي “الباب المفتوح، ولا وقت للحب» عام 1963، إلا أن بدايته الحقيقية في السينما تأخرت عن هذا التاريخ لنحو عشرين عاما، عندما اختاره المخرج “عاطف الطيب” للقيام بدور “عوني” في فيلم “سواق الأتوبيس” حيث قدم “حسني” لونا جديدا من الشر، وهو الشر الذي تحركه الأحقاد القديمة في صمت؛ لكنه لا يعلن عن وجهه مستخدما كل الأدوات للإجهاز على خصمه بعد سلبه كل ما يملك، وبعد سنوات يقدم “حسني” مع “الطيب” أيضا دور ضابط المعتقل في “البريء”، وهي شخصية حرص الفنان على أن تكون بلا ملامح، وقد وقف الفنان عند حدود الدور بعباراته القصيرة والحادة التي تنطوي على قسوة مفرطة وقلق بالغ في آن، ليجعلنا ندرك ما يمكن أن تحدثه تلك الآلة الجهنمية في نفوس البشر من تشوهات غائرة.

ثم يعود “حسن حسني” مجددا إلى “عاطف الطيب” في “الهروب”؛ ليقدم شخصية ضابط الداخلية الكبير الذي ينصاع لمؤامرات يحيكها ضابط تحت إمرته عاد توا من الولايات المتحدة، ويبدي الضابط الكبير إعجابه بتلك الحيل الشيطانية التي تستطيع الداخلية من خلالها توجيه الرأي العام، والتغطية على ما يشوب أداءها من قصور، ونفس الشيئ يفعله مع “محمد خان” حيث قدم “حسن حسني” في فيلم “زوجة رجل مهم” عام 1987، دور الضابط الكبير مساعد وزير الداخلية التي تتسبب أحداث 18 و19 يناير عام 1977، ويبدع “حسني” في مشهد ترقب صدور القرار الذي سيقضي بإحالته إلى المعاش مع الترقية، وفي مشهد إبلاغه للضابط “هشام” الذي قام بدوره “النجم أحمد زكي” بالخبر، حيث مزج بين عدة مشاعر منها الرفض لما حدث معه، وفي نفس الوقت التسليم بالأمر الواقع، مع بعض الرضا لأن الأمر قد تم احتواؤ وانتهى.

وقدم “حسن حسني” مع صلاح أبوسيف دورا من أهم علامات مسيرته الفنية، وهو دور “حمدان الويشي” المتعهد في فيلم “المواطن مصري”، وقد أبدع في هذه الشخصية من خلال عدة تفاصيل في كشف حقيقة ذلك المزور المخادع الذي نكتشف في آخر الفيلم أنه كان معلما للغة العربية، ويؤكد لنا عبقريته في مشهد جمعه مع “العمدة” الذي قام بدوره النجم عمر الشريف، وهو يحاول الحصول منه على أية مبالغ إضافية من المال، فيتفتق ذهنه الشيطاني عن فكرة استخراج شهادة وفاة مزورة لابن الغفير ليؤمن موقف “العمدة” في حال ما عاد الشاب حيا من جبهة القنال وطالبه بحقوقه، حسب الاتفاق المبرم بينه وبين أبيه سابقا.

من “دماء على الأسفلت” لـ “عاطف الطيب” عام1992حيث قدم  الشخصية المقهورة التي تدفعها الظروف الاجتماعية إلى التغافل عن مصدر المال الذي يكسبه أولاده، وهو في حالة تبرير دائم لسلوكه، إلى دور “عبد العظيم القرنفلي” الذي يكسب عيشه من ادعاء الإصابة في حوادث متفرقة يعود “حسني” إلى “محمد خان” عام1993، في “فارس المدينة”، ثم إلى زروة أدائه بحسب الكثيرين والذي تجلى بصورة كاملة مع المبدع الراحل “رضوان الكاشف” في رائعته “ليه يا بنفسج” عام 1993، والذي  لعب فيه  شخصية الشيخ “عيد” الكفيف الذي يحلم بأن يصبح مطربا مشهورا من خلال عمل شريط كاسيت.

ورغم هذه المسيرة الطويلة في الأداء الصعب لحياة الفنان الراحل “حسن حسني” إلا أن  دور “ركبه” القراداتي في فيلم “سارق الفرح” لداود عبد السيد يظل هو أروع وأحب أدواره إلى قلبه، حيث قدم أداء مبهرا لشخصية القراداتي التي اختفت من مصر ،كما اختفت شخصيات أخرى كثيرة في فوضى الحياة التي صارت تسلبنا كل ما هو جميل،  وشيئا من هذا القبيل قدمه “حسني” في “عفاريت الأسفلت” لأسامة فوزي ، في دور الأسطى “محمد الحلاق”، لتبقى أعمال الفنان حسن حسني الرائعة في السينما تفوق ما ذكرنا بكثير، لكن المقام لا يتسع لذكرها كلها، فقليلون في تاريخ السينما المصرية من يستطيعون لعب هذه “التشكيلة” غير المعتادة من الأدوار المتناقضة في فترات عمرية مختلفة، فلا يسهل تصديق أن صاحب شخصية “عم باخ” في “اللمبي” و”المعلم ضبش” في “غبي منه فيه” و”اللواء نجدت” في “الباشا تلميذ” و”السيد ضاهي” في “الناظر”.. سبق وتفوق – من صفوف الممثلين المساعدين – على أكبر نجوم السينما المصرية في الأداء الدرامي مطلع التسعينيات.

في أحد الأفلام الإماراتية

رحلة حسن حسني في عالم السينما والمسرح والتليفزيون تجاوزت الـ 55 عامًا، والتي بدأت بدور “أنطونيو” في إحدى حفلات المسرح، حصد فيها كأس التفوق بالمدرسة الخديوية، وانتهت بدور “عم تحسين” في مسلسل “سلطانة المعز” للنجمة غادة عبد الرازق والذي تم عرضه في شهر رمضان الماضي، وما بينهما رحلة طويلة لا يمكن نسيانها، مؤثرة، مليئة بالعطاء والفن والكوميديا خاضها الفنان الكبير حسن حسني، بكل اجتهاد وحب، لم يكل فيها ساعة عن عمله، وعشقه الأول والأخير للفن، صنع فيها البهجة وأضحك الكثير والكثير من أبناء مصر والوطن العربي، فمن منا لم يضحكه حسن حسني في يوم من الأيام؟ .. إنه فنان دخل بأفلامه وأعماله كل بيت من بيوتنا، حيث كان “الجوكر” الذي يؤدي دائمًا دوره كأنها المرة الأولى له، فكنا نرى كم هو حقيقي! وكم هو يشبهنا جميعا ببساطته وخفة ظله التي لا مثيل لها!.. رحم الله الفنان الكبير حسن حسني، الذي أحب الناس وأحبته الجماهير وتوجته صانعا للبهجة على عرش الكوميديا التي جسدها على المسرح وعلى الشاشتين الصغيرة والكبيرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.