رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مشاعر الأحياء الشعبية تتفوق على فيلل وقصور الدراما الرمضانية

كتب : أحمد السماحي

“الشوارع حودايت” هذه الأغنية الجميلة التى كتبها الشاعر العبقري “صلاح جاهين” وغنتها فرقة “المصريين” فى نهاية السبعينات من القرن الماضي، والتى يقول في جزء منها: “الشارع ده كنا ساكنين فيه زمان، كل يوم بيضيق زيادة عن ما كان، أصبح الآن بعد ما كبرنا عليه، زي براحنا مالناش فيه مكان”.

الأغنية كانت تجسيدا حيا للاغتراب الداخلي، وتذكرتها لأنها تعبر بشكل كبير عن شوارع وحارات وأزقة القاهرة الفاطمية في دراما رمضان هذا العام، حيث برزت المناطق والحارات والأحياء الشعبية بكثرة في دفئها وحنوها على البشر الساكنين لها والإعلاء من شأن العائلة، وتفوقت على “الفيلل” والقصور والكمبوندات” التي تتمتع ببرودة المشاعر والأحاسيس وحالات التفسخ الاجتماعي وانتشار المخدرات، ومن هنا جاء بعضها مليئا بالاغتراب والتوحش، والبعض الآخر حافظ على طبيعة الحارة الشعبية، وهذه الحارات والأحياء ليست مبان مصمتة، ولا أبواب شاهقة، لكنها أماكن تحكي لنا عظمة وشموخ المصريين، نستشعر ونحن في محرابها كأنها تنبض بالحياة، ننصت لها وهى تحدثنا عن عراقة وأصالة الماضي، لكنها فى الأعمال الدرامية هذا العام جاءت مطابقة للمعني الخفي في أغنية “الشوارع حودايت”.

الجمالية 1850 في الفتوة
بيوت الجمالية في الفتوة فخامة الماضي في ثوب عريق

أول الأعمال التى اتخذت من الحارات خلفية لأحداثها مسلسل “الفتوة” تأليف “هاني سرحان”، إخراج “حسن المنباوي” بطولة ” ياسر جلال، أحمد خليل، أنعام سالوسة، رياض الخولي، أحمد صلاح حسني، مي عمر، نجلاء بدر” ومجموعة أخرى من النجوم، المسلسل تدور أحداثه في حي “الجمالية” العريق الذي يتمتع بشهرة تاريخية وعالمية لأنه يعتبر مجمع تراث القاهرة منذ بنائها يوجد فيه الأزهر، وجامع الحاكم بأمر الله، والجامع الأقمر وغيرها، وفيه أيضا أسوار القاهرة، وبواباتها، والمدارس الأيوبية والمملوكية، وخان الخليلى، والصاغة، والنحاسين.

المسلسل لم يظهر جمال وعراقة المكان على نحو يجسد عراقة الماضي واحتفاظه بذات الرونق حتى الآن واكتفى فقط بالإسم، لهذا كان يمكن أن يحمل إسم أي حى آخر كالمطرية أو الناصرية أو المغربلين ولا يشعر الجمهور بالفرق، ربما لأنه قدم عالم الفتوات على استعجال، وكانت أغلب أوقات التصوير ليلية مما انعكس على ضعف الإضاءة، ورغم ثراء الموضوع الذي لم يبذل المؤلف “هاني سرحان” أي مجهود لتقديمه فى صورة حقيقية جذابة، إلا أن تصوير جمال البيوت من الداخل بالإضافة إلى جودة التمثيل وإبداع المخرج “حسن المنباوي” الذي قدم الأحداث بشكل سلسل ومترابط، وإيقاع سريع عبر عن أجواء أقدم حارات القاهرة.

مشاعر دافئة بين الأب وابنه في البرنس

البرنس

تدور أحداث مسلسل “البرنس” قصة وسيناريو وحوار وإخراج “محمد سامي” بطولة “محمد رمضان” في حي “الشرابية”، وهو حي شعبي كبير في شمال القاهرة، ومن أهم معالم هذا الحي وجود ورش كبيرة تتبع هيئة السكك الحديد لصيانة القطارات به، ويتميز بكونه حلقه وصل بين شبرا مصر وشبرا الخيمة ووسط البلد وحدائق القبّة ومصر الجديدة ومدينه نصر، وهكذا يعتبر حاكم للطرق المؤدية من وإلى الأحياء المطلة على النيل والأحياء الجديدة كمصر الجديدة ومدينة نصر.

ونجح المسلسل في تقديم الحي من ناحية الشكل وشهامة بعض النماذج فيه، وإن كان قدم نماذج بشرية مشوهة ومريضة كثيرة تسكن في هذا الحي، وتعيش حالة من الصراع على ميراث بدل أطوار النفوس ونزع الرحمة من قلوب الإخوة بسبب جشع البعض منهم وتغليب مصالحه على حساب صلة الدم والرحم.

شارع المعز بسلطانته المعروفة بالشهامة
بيت سلطانة المعز يسكنه الدفء والأمن والأمان

سلطانة المعز

أما مسلسل “سلطانة المعز” فاتخذ من “شارع المعز” ومنطقة الحسين مسرحا لأحداثه، حتى أن بطلة العمل “سلطانة” لقبت باسم “المعز”، فأصبحت “سلطانة المعز”، تفوق بقوة مهندس الديكور “عادل المغربي” فى بناء شارع يشبه كثيرا “شارع المعز” الحقيقي، أحد أهم الشوارع التاريخية بالقاهرة، لما يضمه من مواقع آثرية إسلامية مهمة بين العهدين الفاطمى والمملوكى، كما أنه يعتبر أكبر متحف مفتوح فى العالم، نظرا لكونه أطول شوارع القاهرة الفاطمية، حيث يربط حي الجمالية بالدرب الأحمر متقاطعا مع شارع الأزهر، بجانب إنه مركز إبداعى فنى مفتوح لما يشهده من مهرجانات وفعاليات فنية وثقافية، وأحد أقدم شوارع القاهرة التاريخية.

تدور أحداث المسلسل في إطار درامي شعبي، حول تضحية “سلطانة” التى تجسدها “غادة عبدالرازق” بتعليمها الجامعي، لتقوم بإدارة محلات “الكبدة” التى تركها لها والداها، من أجل تربية وتعليم أشقائها، وبالفعل ننجح فى هذا ويصبح شقيقها “سلام” محامي ” الغلابة”، وتدور باقي الأحداث في جو من الدفء والحنو على غلابة هذا الشارع، رغم انحراف البعض منهم في أعمال مخالفة للقانون كهوس البحث عن الآثار الذي يكلف انهيار بعض المنازل دون جدوى.

يشارك في بطولة مسلسل “محمود عبدالمغنى، محمد لطفى، محمد شاهين، دينا، محمود البزاوى، حسن حسنى، مى الغيطى” تأليف إياد إبراهيم، وإخراج محمد بكير.

شوارع ليالينا 80
أجواء بيوت 80 ليالينا في ثمانينيات القرن الماضي

ليالينا 80

من أجمل المسلسلات التى رسمت أجواء الحارة الشعبية الحديثة بصدق قبل أن تمتد إليها وتعبث بها وسائل التكونولوجيا الحديثة، وما جرته ورائها من فساد فى الأخلاق والعادات مسلسل ” ليالينا 80″ الذي قدم  حارة الثمانينات بشكل جيد جدا بعد أن غزتها رياح الانفتاح الاقتصادي والفساد السياسي وتجارة العملة وشركات توظيف الأموال وغيرها من سلوكيات أسست للتضخم والانهيار الاقتصادي في بداية تسعينيات القرن الماضي على جناح الفهلوة والجشع وخراب الذمم وظهور القطط السمان من رجال المال والسلطة ، ورسمت الدراما بشر من دم ولحم، نعرفهم ونقابلهم ونحكي معهم يوميا، حتى المشبوه أو صاحبة السلوك المعوج نعرفهم.

المسلسل تأليف ” أحمد عبدالفتاح”، إخراج ” أحمد صالح”، بطولة ” صابرين، غادة عادل، خالد الصاوي، إياد نصار”.

بيوت بولاق في 100 وش
زمالك 100 وش

100 وش

عن الفوارق الاجتماعية والطبقية بين الشخصيات في حى “بولاق أبو العلا” وحى “الزمالك”، جاءت الأماكن غارقة في الشعبية والفقر تارة والثراء الأناقة والعراقة تارة أخرى في مسلسل “100 وش” إنتاج ” العدل جروب”، تأليف “أحمد وائل، وعمرو الدالى”، إخراج “كاملة أبو ذكرى”، بطولة مجموعة كبيرة من النجوم منهم ” نيللي كريم، آسر ياسين، علا رشدى، إسلام إبراهيم، مصطفى درويش، شريف دسوقي، ولؤي عمران” وغيرهم، المسلسل تدور أحداثه فى إطار إجتماعي كوميدي حول النصب والنصابين.

 توافرت في العمل العديد من العناصر المهمة التي جعلت منه الأفضل هذا الموسم، أولها، النص الجيد الذي يضم شخصيات جذابة ومرسومة بشكل دقيق، ورغم كثرة عددها إلا أنها تنوعت على مستوى المشاعر والأحاسيس المتباينة لتنتج في النهاية مواقف كوميدية تعكس فكاهة المصريين، حتى ولو كان ذلك على جناح النصب والسرقة إلا أنه يحمل روحا عذبة تواقه للضحك من القلب، وذلك من خلال الحوار الذي يعتمد بشكل كبير على الفوارق الاجتماعية، وهذا ما جعل الناس تلتف حول المسلسل لخفة دم أبطاله، وحافظ “أحمد وائل وعمرو الدالي” فى الوقت نفسه على خصوصية لسان كل شخصية وأسلوبها في الكلام.

فيلا دنيا لما كنا صغيرين
فخامة الشركة التي يعملون بها في لما كنا صغيرين
فيلا ملك فرصة تانية
فيلا فرصة تانية من الداخل
فيلا راقية في لعبة النسيان
فخامة العيش في لعبة النسيان لا تعني حياة سعيدة

مسلسلات الفيلل والقصور

فى الوقت الذي تتمتع فيه الأحداث في الحارة الشعبية بالدفء والتركيز على البعد الإجتماعي، والإعلاء من شأن العائلة المصرية فى مختلف المسلسلات، نجد ثلاث مسلسلات يسكن ناسها الفيلل والقصور التي تتمتع بقدر كبير من البرودة والتفككك الأسرى والبعد الإجتماعي كما حدث فى مسلسل “لما كنا صغيرين” تأليف “أيمن سلامه”، إخراج “محمد علي”، وبطولة “ريهام حجاج ومحمود حميدة وخالد النبوي، ومحمود حجازي، ونسرين إمام، وكريم قاسم، ومسلسل “فرصة تانية” تألف مصطفي جمال هاشم ومعالجة درامية لمحمد سيد بشير، وإخراج مرقس عادل، بطولة “ياسمين صبري، أحمد مجدي، أيتن عامر، هبة مجدي، دياب، محمود البزاوي”، وكذلك مسلسل “لعبة النسيان، تأليف تامر حبيب، وإخراج أحمد شفيق، بطولة دينا الشربيني، أحمد داود، إنجي المقدم، أحمد صفوت،محمود قابيل، وكلها أعمال تدور أحداثها في إطار تشويقي مثير حول الأصدقاء الذين يعملوا في مكان واحد سويا ويتورط أحدهم في أعمال مشبوهة، أو خيانة للحب، أو حالة من النسيان، وربما يذهب البعض منهم لارتكاب جريمة قتل تغير مجريات الأمور.

وقد جاءت فيلا “دنيا” التى تجسدها ريهام حجاج أو “ملك” التي تلعب دورها ياسمين صبري، أو “رقية” التي تلعبها دينا الشربيني كلها خالية من المشاعر الإنسانية الدافئة، كما تشعر ببرودة المكان رغم تغيرات الزمان والأحداث، إلى حد أنك لا تستسيغ العيش فيها رغم ما تحمله من ديكور عصري ووسائل التكنولوجيا الحديثة، تلك التي تستخدم فيما يسمى بـ “البيوت الذكية”، لكنها تبدو غبية خالية من المشاعر في فهمها لتلقبات الأحداث العاصفة بالناس الذين يسكنونها ولسان حالهم يعبر عن الألم وعدم الاسترخاء كما شاهدنا من حلقات سابقة وما سنشاهده في حلقات قادمة.

فيلل لا تسكن السعادة رغم الرفاهية في ونحب تاني ليه
بيوت يسكنها الحب من طرف واحد في ونحب تاني ليه

مسلسلات الكومباوند

رغم الثراء والرفاهية التى كانت تعيش فيه “غالية” مع زوجها مخرج الإعلانات “عبدالله” إلا أن هذا الثراء ونموذج السكن فى “الكموباوند” لم يمنع البرودة والملل والضجر من أن تتسلل إلى حياة “غالية”، رغم ما يتوفر في تلك التجمعات السكنية من وسائل الراحة والترابط الاجتماعي الذي يشبه إلى حد ما الحارة الشعبية في تكدس البيوت المجاورة في كتلة سكنية واحدة، ولكن بأسلوب مختلف يتناسب مع الطبقات الارستقراطية، والمفاجأة في هذا المسلسل هو فشل استمرار الزواج بين “غالية وعبد الله” حتى يتم الطلاق بينها ، ثم تقابل “مراد” صدفة في أحد الحفلات ويعُجب بها فيحاول التقرب منها لكنها تخاف من خوض تجربة عاطفية فاشلة مرة أخرى، ربما بسبب تأثير أمها وجدتها اللاتين يتخذن موقفا حادا تجاه الرجال مصحوبا بكراهية مبالغ فيها، أو بسبب ترددها كشخصية مهزوزة جراء معاناتها من فشل تجربة الزواج الأولي.

مسلسل “ونحب تاني ليه” تأليف عمرو محمود ياسين، إخراج مصطفى فكري، بطولة ” ياسمين عبدالعزيز، شريف منير، كريم فهمي، إيهاب فهمي، سوسن بدر” وغيرهم من النجوم.

وما زلنا نستكمل باقي حلقات المسلسلات التي تدور أحداثها في أجواء شعبية تتسم بالسخونة ودف المشاعر أو خروج بشكل شاذ عن المألوف من صلات الدم والرحم، أونماذج بشرية تسكن الفيلل والقصور تعيش حالات من الغربة والبرود وسيطرة الحياة المادية على حساب الأسرة والتقاليد والقيم، وكلاهما حتما سيواجه تقلبات الأيام وتغيرات الظروف وتلعب الترجيديا لعبتها الدرامية في تغيرات الأحداث والمشاهد التي تفضي في النهاية لحياة يسودها الأمن والأمان أو حياة ملئها الحزن والفزع والألم، ونحن كمشاهدين في كلا الحالين نراقب تأثير المكان على طبيعة العلاقات الإجتماعية والعاطفية عن كثب في حياة ساكني الحارات الشعبية أو القصور والفيلل داخل “كوماوند” أو خارجه، المهم في النهاية تتضح لنا علاقة المكان بالإنسان في ظل الحياة التي تسير بإيقاع منتظم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.