رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حكايتى مع ديزنى (11) .. ماتبقاش تبعت لى تانى

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

أصبحت أيام التسجيل مشحونة بالمواعيد، كل شخصية لها موعدها المحدد الذى تأتى فيه لتستمر فى العمل لمدة 3 ساعات، وتخرج لتحل محلها أخرى لمدة 3 ساعات أيضا، و بينهم نصف ساعة فقط من أجل الراحة وتناول الطعام – إن استطعنا – وفى نهاية اليوم ساعة إضافية للمجاميع والأدوار الهامشية.

كم كانت العملية مرهقة و تحتاج الى تركيز كبير فى حاستى السمع و الابصار، حتى أننى فى بعض الأيام كان التسجيل ينتهى وأنا أعانى من صداع فظيع وألم أفظع فى عيناى، و أخرج من الاستوديو وأنا لا أطيق سماع أى صوت أو أن أرى أى شيئ إلى اليوم التالى، ولكن كل هذا إنقضى فى منتصف الأسبوع الثانى عندما اكتملت بعض المشاهد واستطعنا سماعها مصاحبة للفيلم، كان إحساسا بالمتعة أن المهمة تسير بشكل جيد و نتائجها مبشرة، و كثيراً ما طلبت من عم عبد الرحمن شوقى وسمير حبيب أن يستمعا لما تم إنجازه ولكنهما كانا يقولان لى أنهما يفضلان أن يستمعا بعد انتهاء المهمة كاملة – و لكن فيما بعد علمت أن سمير حبيب أحيانا ما كان يتسلل فى نهاية اليوم و بعد أن أغادر الاستوديو ليستمع لما تم انجازه !!

وبرغم التقدم الملموس كانت الأدوار الناقصة تؤرقنا جميعا، فمازلنا نبحث عن من يقوم بأدوار: موفاسا و تيمون و نالا ، وتقدم هشام نور باقتراح اسم مطربة شابة تعيش بالأسكندرية، وبالفعل جاءت المطربة “أمانى شوقى” من الأسكندرية خصيصا و أجرت إختبارا للشخصية تمثيلا وغناءً وتم قبولها، وبرغم أنها كانت تمثل لأول مرة فى حياتها إلا أنها –  و بكثير من التدريب – استطاعت تقديم الشخصية بشكل جيد .

ربما فى خضم العمل انشغلت عن التفكير فى ترشيحات جديدة لدورى موفاسا و تيمون ، إلى أن دخل الى الاستوديو شاب مكتنز، أميل الى القصر، يرتدى نظارة طبية و لكنها داكنة كنظارات الشمس، و برغم حجمها الكبير الذى يغطى جزءا كبيرا من وجهه لا تخفى أنه صغير السن، و فى خجل شديد قال : الأستاذ سمير باعتنى أعمل إختبار لصوت موفاسا.

أصبت بصدمة، لم أتخيل موفاسا بهذا الشكل أبدا، دائما ما أتخيله رجل ضخم، تخطى سن الشباب، يمتلئ بالقوة والحكمة والحنان – هذا ما كان يوحى به الصوت والصورة فى الفيلم – فكيف يؤديه ذلك الشاب الذى يقطر طيبة وتواضع ويكاد يذوب خجلا ؟!.

حددت له موعداً لإجراء الاختبار وبعدما انصرف سألت سمير حبيب عنه فقال لى: ده عصام سيف ، مغنى فى الأوبرا المصرية ومن الأصوات العريضة  القوية النادرة و مغنى شاطر قوى.

فقلت له: هيعرف يمثل؟

قال: دى مهمتك بقى، إبذل معاه مجهود، الصوت اللى فى تسجيل ديزنى من نفس الطبقة.

فى الموعد المحدد جاء ذلك الشاب وجلس فى هدوء وسمات الخجل تبدو واضحة عليه، و لكن بمجرد أن دخل إلى الاستوديو تحول إلى شخص آخر: زال عنه الخجل وأصبح يتعامل مع المكان وكأنه الحوت الذى عاد إلى مياهه الطبيعية، و عندما بدأنا الاختبار وجدت صوتا فريدا وإحساسا متدفقا، وجهت إليه بعضاً من الملاحظات وأعدنا التسجيل مرة أخرى، بعدها بت متأكدا من أن ديزنى ستقبله، الشيئ الوحيد الذى أدهشنى أنه دائما فى فترات الصمت نسمعه يغنى لنفسه فى صوت خفيض و كثيرا ما كنا نطيل فترات الصمت لنسمع غناءه .

قد يتساءل البعض أين هو الآن؟ إنه الصوت فى معظم الإعلانات التى تسمعها أو تشاهدها حاليا، ربما كثيرون لا يعرفون شكله ولكن الكل يعرف صوته فلقد أصبح نجما كبيرا فى مهنة التعليق الصوتى على الإعلانات تتهافت عليه الشركات، أما هو فمازال الشخص الخجول الذى يقطر طيبة و تواضع.

…………………………………………………..

و لم نصل إلى ممثل يقوم بشخصية تيمون، برغم الترشيحات الكثيرة، و جاءت ملاحظة من ديزنى ساعدتنا كثيرا، فالمشرف على الدوبلاج هناك – وله قصة طويلة – نصحنا بالبحث عن ممثل يشبه تيمون فى الشكل وأن يكون كوميديان، هذه الملحوظة جعلتنى أفكر فورا فى شاب لفت نظرى منذ سنوات قريبة عندما شاهدته فى مسلسل “البخيل وأنا ” مع العظيم فريد شوقى، كما ظهر حديثا فى عدة أفلام مع الزعيم عادل إمام و قدم عدة أدوار مسرحية ناجحة، كما أننا التقينا عدة مرات فى الأسكندرية وهو يمثل فى مسرحية “العسكرى الأخضر” مع النجم سيد زيان، بينما كنت أقدم مسرحية “حلو الكلام” مع النجم سعيد صالح ، إنه شاب ممتلئ بالموهبة، سريع البديهة و يمتاز بخفة دم طبيعية تجعله كوميديانا بالفطرة دون بذل أى مجهود، لذا  طلبت من سمير حبيب العثور على شاب يدعى محمد هنيدى، وفى سرعة شديدة استطعنا الوصول إليه.

وقف هنيدى أمام الميكروفون ليؤدى الاختبار، و بعد انتهائه تأكدت إنه بالفعل تيمون!! كيف استطاع هذا الرجل من ديزنى أن يحل مشكلة الاختيار بهذه البساطة؟، شغلنى السؤال طويلا و بعدها علمت أن تلك إحدى وسائلهم لاختيار للممثلين: أن يكون هناك تواؤم بين شكل الشخصية المرسومة وحجم الممثل الذى يؤديها، المهم إنهم وافقوا على هنيدى بمجرد إرسال الاختبار ، و صارت شخصية تيمون هى الأخيرة فى ترتيب تسجيل الشخصيات .

وعندما بدأنا تسجيل شخصية تيمون كانت لهنيدى اقتراحات ببعض إضافات ولكن للأسف لم يكن فى استطاعتى تنفيذها، أولا: لأن شركاؤه فى المشاهد سجلوا أدوارهم و انتهى الأمر، و ثانيا: لأن هذه الاقتراحات تعتبر خروجا عن النص الأصلى، وربما اعتقد هنيدى – وقتها – أننى أتعسف ضد إقتراحاته، يضاف إلى ذلك إصرارى على التجويد وإعادة تسجيل اليوم الأول، مما أصاب هنيدى بالضجر، ولأنه شخص مهذب فقد أعلن عن ضيقه بطريقة فى غاية التهذيب ولا تخلو من طرافة، فأثناء العمل قال لى: يا استاذ لو سمحت لما يبقى فيه شغل من النوعية دى ما تبقاش تبعت لى تانى. فقلت له فى بساطة : حاضر يا محمد.

و كأن أبواب السماء كانت مفتوحة فلم نلتق بعدها سويا فى أى عمل آخر – باستثناء مشروعين لم يتما للأسف الشديد – و حتى عندما قام بنفس الدور فى مسلسل يحمل اسم “تيمون و بومبا ” لم يكن المسلسل من إخراجى، و لكن يظل هنيدى من العلامات المضيئة فى فيلم “الاسد الملك”، و يظل دور تيمون من العلامات المضيئة فى مسيرة هنيدى الفنية.

وبعد الانتهاء من تسجيل كافة الشخصيات، اجتمعنا فى مساء أحد الايام أنا و مساعدتى المخرجة عزة شعبان ومهندس التسجيل لنراجع النسخة الأخيرة قبل إرسالها لديزنى، استمعنا للفصل الأول وبينما كان المهندس يعد العدة للاستماع للفصل الثانى جلست على كنبة خلفية فى حجرة الكنترول ومددت ساقاى ورحت فى نوم عميق، أيقظنى منه صوت مساعدتى: احنا كده خلصنا تحب تسمع الفصل الثانى؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.