رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

السيد بدير .. عملاق الفن الذي قتلت إسرائيل أولاده (2)

مع زوجته شريفه فاضل

* الملك الظالم كان سبب فصلي من الإذاعة

* الضباط الأحرار كانوا يرسلون لي منشوراتهم السرية على بيتي

* عينني “صلاح سالم”مستشارا للإذاعة مكان “كريم ثابت” الذي تسبب في فصلي

* المحافظ رحب بي كمستشار ورفضني كممثل

* دخلت السجن لكي أكتب بصدق “جعلوني مجرما” فقابلت مستشار الملك

* حصلت على أسرار “ريا وسكينة” من مكوجي عجوز

* أنشأت مسرح التليفزيون ورحبت بكرم مطاوع والشرقاوي وأردش

* الوزير الجديد سألني عن الـ 300 جنية فصممت على الاستقالة

* ابني الشهيد “السيد بدير” جعلني أذهب للسيد البدوي

في منزل الزوجية مع شريفة فاضل

كتب : أحمد السماحي

هذا الأسبوع نواصل للأسبوع الثاني على التوالي في باب “مظاليم الفن” قصة عملاق من عملاقة الفن المصري، كتب ومثل وأخراج في كل مجالات الفن، سواء المسرحي أو الإذاعي أو التليفزيوني، وفي كل هذه المجالات قدم ” السيد بدير” درر نادرة لا تنسى نظرا لموهبته الشديدة التى تقترب من العبقرية الفنية، من منا ينسى له كسينارست أفلام “الأسطى حسن، جعلوني مجرما، رصيف نمرة 5، الفتوة، بين السماء والأرض، وداع في الفجر، ليلة من عمري، بنات الليل، ودعت حبك،خطيب ماما، السلخانة” وغيرها الكثير، ومن لا يتذكر له كمخرج سينمائي أفلام مثل “المجد، ليلة رهيبة، غلطة حبيبي، الزوجة العذراء، عاشت للحب، أم رتيبة، سكر هانم، سلوى في مهب الريح” وغيرها، هذا فضلا عن عشرات المسرحيات، ومئات التمثليات الإذاعية والتليفزيونية.

سنترك العملاق ” السيد بدير” يستكمل بنفسه قصة حياته كما ذكرها هو فى أكثر من مكان منها مجلات “الكواكب” و”أهل الفن” و”الموعد” اللبنانية، وبعض البرامج الإذاعية فى الإذاعة المصرية، فتعالوا بنا نقرأ ماذا قال؟!:

شريفة فاضل تخلص له ملابسه

الملك الظالم

عام 1951 كنت مديرا للتمثيليات بالأذاعة، وقمت بإخراج تمثيلية اذاعية كانت تحوي بين شخوصها ملكا ظالما يستولى على زوجات وزرائه، وقدمت التمثيلية بالفعل، وكان “كريم ثابت” مستشار الملك “فاروق” يومها مستشار الإذاعة، وكان مدير الإذاعة فى ذلك الوقت “حسني نجيب” شقيق الفنان “سليمان نجيب”، وكان يوم إذاعة التمثيلية يقضي إجازته في باريس، المهم بعد إذاعة هذه التمثيلية بيوم واحد، دعانا “كريم ثابت” إلى إجتماع حضره كل كتاب الإذاعة والمخرجين، وفوجئنا به فى هذا الإجتماع يقول لنا: أرجو أن تأخذوا علما بأن كلمة “ملك” أو “أمير” ممنوعة تماما في تمثيليات الإذاعة، ويستبدل بها عند الضرورة القصوى كلمة “حاكم” وأرجو أن يطبق ذلك فورا.

و”استهبلت” وقلت له بمكر: عدم ذكر كلمة “ملك” أو “أمير” يطبق أيضا على “الملك العادل” أو “الأمير الطيب”، أي على الخير والشر؟ فنظر إلي بغضب وقال: نعم ينطبق على الخير والشر، والعادل والظالم يا أستاذ سيد، وأنت تعلم أنا أقول هذا الكلام لمن؟ ولماذا؟.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، ففي اليوم التالي صدر قرارا آخر يقضي بأن يقتصر إخراج التمثيليات الإذاعية على أربعة مخرجين من موظفي الإذاعة، ولم يكن اسمي من بينهم، بل وذكر فى البند الثاني من القرار المخرجون الذين لم تأت أسماؤهم فى هذا القرار هم محل نظر!

وقد سألت بعض الزملاء عن معنى جملة “محل نظر” فأفادوا هذا يعني إنك موقوف عن العمل!، وسألتهم ومرتبي؟ فقالوا ستقبض مرتبك كاملا بشرط أن لا تقوم بأي عمل، بل ويستحسن أيضا أن لا تأتي إلى الإذاعة، وبعد فترة حضر مدير الإذاعة من باريس، فرويت له كل ما حدث، فقال لي: وهل أوقفك مستشار الملك؟ قلت: نعم أو هذا ما فهمته من الزملاء على الأقل، فإذا به يقول لي: اضحك في سرك اذن! وامتثل للأوامر هوه حد طايل يأخذ مرتبه من غير ما يشتغل، وأفهمني أن ذلك كان رأفة بحالي، وأضاف “حسني نجيب” وأنصحك أن تحول مرتبك إلى البنك لكي لا تأتي للإذاعة حتى لقبض الراتب.

المنشورات السرية

ساءت حالتي النفسية خاصة بعد أن نشرت الصحف خبر وقفي عن العمل، وقالت أن أسباب ذلك اننى قدمت تمثيلية لم يكن من المناسب أن تقدم، بعد جلوسي في البيت بحوالي أسبوع فوجئت في صندوق البريد الخاص بي في العمارة، منشورا كتب على الآلة الكاتبة يرفض الأوضاع القائمة، ويسب الملك “فاروق”، وموقع باسم الضباط الأحرار، وتوالت المنشورات، وقد عرفت أن هذه المنشورات لم تكن توضع فى صناديق كل سكان العمارة بل في صندوقي أنا بشكل خاص، فكنت أقرأها ثم أرتجف خوفا، وكنت اضطر بعد قراءاتها لأن أخفيها كي لا تقع في يد شخص غيري.

مع المخرج عزالدين ذوالفقار ومريم فخر الدين وبرلنتى عبدالحميد ومحمود ذوالفقار

قيام ثورة يوليو

لم يمض وقت طويل على إرسال هذه المنشورات حتى قامت ثورة 23 يوليو 1952 ، وفي يوم 27 يوليو أي بعد أربعة أيام من قيام الثورة، وفي الساعة الثامنة صباحا دق باب مسكني فقمت من نومي فزعا وأنا اتساءل : من ذلك الذي يطرق الباب فى تلك الساعة المبكرة، وفتحت الباب لأجد أمامي اثنان من ضباط الشرطة العسكرية قالا لي بنفس واحد : اتفضل معانا!

وكدت أقع على الأرض، ففي تلك الأيام كنت اسمع أنباء عن القبض على بعض اللواءات من القيادات العسكرية السابقة، وعلى بعض المدنيين من أنصار الملك، وقلت فى نفسي :جالك الموت يا تارك الصلاة، وتمالكت نفسي  وارتديت ملابسي، وودعت زوجتى إبنة عمي وأولادي بحرقة.

وأمام البيت وجدت سيارة لوري عسكرية كبيرة فيها جندي يحمل مدفعا رشاشا، وركبت السيارة وأنا أرتعش، وبعد دقائق من الهلع والخوف، توقفت السيارة عند مبنى الإذاعة في “الشريفين”، وهنا تنفست الصعداء بعض الشيئ، وبعد دقائق مرت ببطء شديد وكأنها دهر، أدخلوني لضابط كبير يجلس على مكتب، ويكتب وآخر بجانبه، وقلت: السلام عليكم ولم يرد أحد، وبعد دقائق آخرى قال لي الضابط الكبير: هل أنت أستاذ السيد بدير؟ وتضايقت أكثر فقد كنت فى تلك الأيام في عز شهرتي اسما وصوتا وشكلا، فقلت : أيوه وأنا خائف، فقال : اتفضل اقعد!

صلاح سالم

وجلست فإذا به يفتح درج مكتبه، ويخرج ورقة ويسألني عن بعض الزملاء وانتماءاتهم، وبعد أسئلة كثيرة وساعات من التحقيق، سألني كنت بتشتغل أيه قبل فصلك من الإذاعة؟ قلت له : كنت مدير التمثيليات فقال لي : اذن ترجع وتعمل كمدير تمثيليات، فقلت له : ولكنني الآن أعمل في السينما ولست متفرغا للعمل الإذاعي، وليس لدي رغبة للعمل فى الإذاعة، فرد علي : ولكننا نريد منك أن تعمل فى الإذاعة، فقلت: حاضر ولكني لن أعمل كمدير للتمثيليات، وسألني ماذا تريد أن تعمل؟ قلت له : هل تعرف من اوقفني عن العمل؟ قال : كريم ثابت مستشار الملك، فقلت له : أنا أريد أعمل فى نفس منصبه أي كمستشار للإذاعة.

ورد علي فقا : طيب تعال غدا في العاشرة صباحا، لقد عين الأستاذ “أمين حماد” مديرا للأذاعة، وستقابله وتتفق معه على كل شيئ، وبعد أن خرجت من المكتب وأنا طاير من السعادة، سألت أحد العساكر الواقف أمام باب المكتب عن اسم الضابط الموجود بالداخل فقال لي : حضرة الضابط صلاح سالم.

محاكمات الثورة

كان أول عمل لي بعد عودتي هو تقديم “محاكمات الثورة”، وعمل “مونتاج ” لها وإخراجها، لكي تقدم للمستمعين، وكان اهتمامي شديدا بالمحاكمة التى أجريت لـ “كريم ثابت” الذي حكم عليه بالسجن وأودع في سجن “ليمان طره”.

مع سليمان نجيب وفردوس محمد وأمال زايد فى كواليس أحدى المسرحيات

دخولي السجن

أثناء ذلك كنت أكتب سيناريو وحوار فيلم “جعلوني مجرما” قصة “نجيب محفوظ”، إخراج “عاطف سالم”، بطولة “فريد شوقي وهدى سلطان”، وكان هناك مشهد يهرب فيه “فريد شوقي” من السجن، وقد أردت أن أتعرف على حياة المساجين الحقيقية لكي أحسن الكتابة عن تلك الفترة، فذهبت إلى “محمود صاحب” مدير مصلحة السجون، وطلبت منه أن يدخلني إلى أحد عنابر المساجين على أني مسجون مثلهم، وأن أبقى في السجن عدة أيام، لكى أتعرف على حياة السجناء بشكل واقعي، وحذرني من ذلك لكنني أصررت، وبالفعل ألبسوني ملابس السجن، ودخلت إلى عنبر المحكوم عليهم بالسجن المؤبد، واعتقدت إن أحدا لن يعرفني، لكن بمجرد دخولي وجدت صوت من خلفي يقول لي: أزيك يا سيد، ثم أضاف بشماته: همه بتوع الثورة حبسوك برضه؟!، وتطلعت لأجد “كريم ثابت” أمامي، وسعدت جدا بكلامه لأنه سيرويه لكل السجناء، وبالفعل هذا ما حدث، واقتربت من كبار المجرمين، وعرفت منهم ما أريد معرفته لخدمة “السيناريو” وخرجت بعد حوالي أسبوع من جلوسي في السجن.

حميدو وريا وسكينة

بعد نجاح فيلم “جعلوني مجرما” كتبت لـ “فريد شوقي” أيضا “حميدو”إخراج “نيازي مصطفى” وقبل كتابتي للسيناريو عايشت الأحداث قبل أن أكتبها، حيث ذهبت إلى الأسكندرية وعشت لمدة عشرة أيام في منطقة “أبوقير” حيث عشت حياة الصيادين، وأخذت لهجتهم التى يتحدثون بها، وفعلت ذلك مرة أخرى حين كتبت سيناريو وحوار فيلم “ريا وسكينة” للمخرج “صلاح أبوسيف”، حيث ذهبت وأقمت في حي “اللبان” القريب من منزلهما، وزرت المنزل، الذي كانتا تقتلان ضحاياهما فيه، وظللت أعيش في الحي ثلاثة أسابيع كاملة، وقابلت عجوزا كان يعمل “مكوجي” أيامها وعرفت منه الكثير عن أسلوبهما وطريقة حياتهما.

مع أحد أبنائه

أنا وجناب المحافظ

في هذه الفترة كنت أقوم ببرنامج “أضواء المدينة” فى الإذاعة مع الزميل “جلال معوض”، وأصبحت مستشارا للإذاعة، وفي تلك الأيام استدعاني الدكتور “عبدالقادر حاتم” وزير الإعلام، وقال لي: نحن نريد أن نعمم برنامج “أضواء المدينة” ولا نجعله فى القاهرة فقط، بل يجب أن يخرج إلى الأقاليم، واتصل بالفعل وأنا موجود عنده بمحافظ المنيا، وقال له: سنرسل إلى عندكم مستشار الإذاعة لإختيار المكان الذي  ستقام فيه أول حفلة لـ “أضواء المدينة” والرجاء أن تسهلوا مهمته!.

وفي اليوم التالي سافرت بـ”الديزل” وحين نزلت في محطة سكة حديد المنيا، وجدت سرية من الجنود، وعددا من الموظفين والمسئولين، أي أنه كان هناك استقبال رسمي لمستشار الإذاعة الذي هو أنا، وعلى الفور دعيت إلى حفل غذاء، وسط مظاهر الترحيب، وذهبت بعد الغداء مباشرة لمعاينة المكان الذي اختاروه ولكنه لم يعجبني، وسألت المحافظ: اليس عندكم دار للسينما؟!، وأجاب بلى وذهبت معه إلى دار السينما، وطوال الطريق كان الجمهور يحييني، والمحافظ لا يعرف تماما ماذا يحدث؟ ولماذا يحييونني هؤلاء الناس؟ حتى وصلنا إلى السينما فقال لي صاحبها: أهلا وسهلا يا أستاذ سيد؟ وسلم علي بحرارة فسأله المحافظ: هل تعرف سيادة المستشار قبل ذلك؟ فرد صاحب السينما: لا أعرفه شخصيا ولكنه ممثل كبير وله أفلام كثيرة.

وفجأة تحولت المقابلة إلى شيئ بشع، فقد تحول المحافظ عني، وقال لي من طرف شفتيه: مشخصاتي ! بتشتغل مشخصاتي! وأنا عمال أحترمك وأبحث معاك على دار سينما، فكرك مستشار، طلعت مشخصاتي!! لا يا أستاذ إحنا ما عندناش وقت نقضيه مع الممثلين! ولا المشخصاتية، واتكل على الله! هذا الحادث بالذات هزني داخليا، وجعلني أقاطع التمثيل 12 عاما ولم أعد إليه، إلا بعد أن مات هذا المحافظ.

مع فريد شوقي وهدى سلطان في بروفة فيلم جعلونى مجرما

أنشأت مسرح التليفزيون

عام 1959 فوجئت بالدكتور “عبدالقادر حاتم” وزير الأعلام والمسئول عن الإذاعة والتليفزيون يطلب مني التخفيف من عملي السينمائي، والتفرغ للعمل معه في التليفزيون الذي لم يكن قد ظهر بعد، واشتغلنا شهور قبل ظهور التليفزيون، ومع الإنطلاقة الحقيقية كنت أشرف على الديكورات، وإخراج بعض التمثيليات، وفى أحد الأيام استدعاني “عبدالقادر حاتم” وقال لي: تعرف يا سيد أحب شيئ إلى قلوب جمهور المتفرجين هو المسرحيات، لابد أن يكون لدينا عدة مسرحيات نعرضها لجمهور المنازل، ومن هنا جاءت فكرة “مسرح التليفزيون”، وأنشأنا ثلاث فرق مسرحية للتليفزيون، وكانت كل فرقة تضم ثلاثين ممثلا وممثلة، وأذكر أننا كونا هذه الفرق بعد أن نشرنا اعلانات فى الجرائد والمجلات، وعلى شاشة التليفزيون، واشترطنا أن يكون المتقدم حاصلا على مؤهلات جامعية أو من خريجي المعاهد الفنية، وكانت أول مسرحية “شيئ فى صدري” قصة إحسان عبدالقدوس، أعدتها السيدة أمينة الصاوي، وقام ببطولتها “حمدي غيث، صلاح منصور، زيزي البدراوي”.

الهجوم على مسرح التليفزيون

كانت فرق “مسرح التليفزيون” عبارة عن معمل لتفريغ النجوم في كل المجالات سواء التأليف أو التمثيل أو اخراج أو التصوير، بل وأذكر أن كبار المخرجين مثل “كرم مطاوع، سعد أردش، جلال الشرقاوي” الذين درسوا في الخارج وعادوا، لم يفتح لهم أي مسرح ذراعيه، ولكن مسرح التليفزيون كان الوحيد الذي فعل ذلك، وأذكر أننى فى أحد السنوات قدمت عن طريق التليفزيون ست مسرحيات جديدة في يوم 23 يوليو فى ذكرى عيد الثورة، وجعلت الدخول مجانا للجماهير.

ورغم كل هذا قد قوبل مسرح التليفزيون بهجوم شديد من قبل عدد من الصحفيين، وقد تحدثوا للأسف عن الكم لا الكيف، فقد كانوا يقولون فى هجومهم كيف تستطيع فرق التليفزيون أن تقدم أربعين مسرحية في العام؟!، وقالوا أيضا أن فرقة تنتج مسرحية واحدة على مستوى رفيع أفضل من كل هذه الفرق! وغاب عن ذهنهم أن الأربعين مسرحية قد يكون من بينها على الأقل عشر مسرحيات من الطراز الرفيع لا مسرحية واحدة.

مع الشاعر نزار قباني في الإذاعة

عملي في لبنان

عام 1965 تم تغيير وزير الإعلام أو وزير الأرشاد كما كان يطلق عليه “محمد عبدالقادر حاتم” وجاء وزير آخر، وتقدمت بطلب استقالة من عملي في الإذاعة والتليفزيون، لكن طلب الإستقالة رفض، وبعد أيام طلب الوزير الجديد مقابلتي وذهبت إليه وبعد أن صافحته وجدته يقول لي مباشرة : أنا مندهش كيف أنك أو أي موظف في الدولة يتقاضى ثلاثمائة جنيها في الشهر، هذا عدا الحوافز والبدلات، ثم يستقيل ببرقية، وفى منتهى البساطة؟!.

ورددت عليه فورا: لأنني يا سيادة الوزير استطيع العمل في السينما، وقد أحصل على الأجر الشهري في يوم واحد، وأنا منذ عملت في مسرح التليفزيون، لم أقم بعمل فني لي شخصيا، بل كرست كل وقتي لمسرح التليفزيون، فى الوقت الذي كان يمكن فيه أن أكسب أضعاف أضعاف هذا المبلغ كمؤلف ومخرج وممثل، ووجدته يقول لي: وتخسر لقبك كمستشار مقابل المادة! فقلت له أنا اسمي “سيد بدير” ولا يهمنى ألقاب آخرى، واحتد الوزير وقال لي: أنت تريد أن تقول أنى معروف الآن كوزير ارشاد، وإذا خرجت من الوزارة لا يعرفني أحد، أما أنت فلا يهمك المنصب، لأنك فنان معروف، وكان ردي: أنا اتحدث عن نفسي سيادة الوزير ولا أتكلم عنك.

وانتهت المقابلة وأنا مصمم على الاستقالة، بعد ذلك رجعت لعملي الفني واشتغلت في عدة أفلام، وفي عام 1972 ذهبت إلى لبنان للأستجمام والراحة، وهناك قابلت الفنان الكوميدي اللبناني “حسن علاء الدين” الذي اشتهر باسم “شوشو” وطلب منى إخراج مسرحية له، فأخرجت له مسرحية بعنوان “الدنيا دولاب” بطولته مع الفنانة نيللي والفنان حسن مصطفى، وحققت نجاحا كبيرا.

الشهيد السيد السيد بدير

ابني الشهيد

فى شهر مارس عام 1973 ذهبت إلى بيروت لكي أرفع دعوى ضد أحد معامل الأفلام التى كانت تستولى على نسخ من الأفلام التى تنتجها هيئة السينما، وتطبعها وتوزعها خلسة، وانتهت القضية يوم 7 مارس، وذهبت لكي أحجز تذكرة العودة، فقابلني أحد أصدقائي الموزعين اللبنانيين، ورفض مغادرة لبنان قبل أن أقضي معه يومين، وحاولت أن أعتذر ولكنه أصر، بل ودخل إلى مكتب الحجز في شركة طيران الشرق الأوسط وطلب أن يؤجل الحجز، وسهرت معه ومع بعض الأصدقاء، وأثناء ذلك سقطت طائرة ابني الطيار “السيد سيد بدير” يوم 8 مارس الساعة العاشرة مساء، أثناء مناورة عسكرية مع إسرائيل.

وبعد عودتي للقاهرة مساء يوم 10 مارس ذهبت إلى منزلي ولم يبلغني أحد نبأ استشهاد ابني، وصبيحة اليوم الثاني أبلغني أحد أبنائي، وأذكر أنني لم أذرف دمعة واحدة على ولدي الشهيد، لكن انتابتني حالة اكتئاب وحزن شديدين، وظلت هذه الحالة فى اقصى حدتها لمدة ثلاثين يوما.

وصية ابني الشهيد

وظللت على هذه الحالة شهرا كاملا حتى جاءني ابنى الشهيد فى الحلم ورأيته جالسا في صالة منزل كبير وكانت الإضاءة فيه شديدة جدا، والأنوار قوية وكبيرة، وأمامه حمام سباحة صغير، وقد شمر عن ساعديه وقدميه، وهم بالغطس فى هذا الحمام الذي كان يمتلئ بالحليب الأبيض، بدل المياه، وعندما رأني قال لي: شايف يا بابا أنا فين؟! شايف الأنوار دي كلها! أنا مبسوط وسعيد لأنك لم تبك علي، بس أرجوك كلم ماما، وقل لها لا تبك كثيرا فأن هذا يزعلني، ويؤثر علي، أنا عارف يا بابا انك تحب “السيد البدوي” أرجوك أن تسافر إلى طنطا وتزوره، وأن تذبح هناك “عجلا” كبيرا وتوزعه على الفقراء والغلابة”.

وصحوت من الحلم بعد ذلك وذهبت يوم أربعين ابني الشهيد، وزرت “السيد البدوي” وفعلت ما طلبه مني، وفجأة وجدتنى أبكي بشدة لأول مرة وأنا أمام ضريح “السيد البدوي”، وعدت من طنطا مباشرة إلى المستشفي لكي أدخل لأول مرة في حياتي غرفة الأنعاش مصابا بهبوط فى القلب، وقضيت أسبوعين.

عائلة سعيدة جدا

بعد خروج “سيد بدير” رجع لحياته الفنية، كتب وأخرج ومثل في العديد من الأعمال الدرامية والمسرحية والإذاعية، وعاد إلى برنامجه الإذاعي الأنتقادي “ما يعجبنيش” الذي كان يذاع يوميا، وكانت آخر أعماله المسرحية، مسرحية “عائلة سعيدة جدا” عام 1985 ، وتوجت حياته بجائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1985 ، وفى الوقت الذي كانت فيه أحلام وطموحات سيد بدير المسرحية والسينمائية والتليفزيونية والإذاعية ما زالت كبيرة، فاجأته أزمة في الكلى وضعته على طريق النهاية وتوفي يوم الثلاثين من أغسطس 1986 .

العالم الشهيد سعيد السيد بدير

إسرائيل تغتال ابنه العالم المصري

بعد وفاة “السيد بدير” بثلاث سنوات إغتالت إسرائيل عام 1989 العالم الشاب “سعيد السيد بدير” الذي تخصص في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي، تحديداً في الإسكندرية يوم 13 يوليو حيث تلقى قسم شرطة شرق في الإسكندرية بلاغا عن سقوط شخص من أعلى عمارة في شارع طيبة بكامب شيزار في ما يبدو أنه انتحار، لذا تم التحقيق في الإسكندرية، حيث وجدوا الغاز مفتوحا في شقته وكأنه أراد الانتحار بالغاز، وعندما فشل ألقى بنفسه من العمارة، كذلك وجدوا وريد يده مقطوعا أيضا، فكأنه أراد الانتحار بطرق الموت كافة.

وبعد التحقيقات ثبت تورط إسرائيل فى هذه العملية القذرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.