رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حرب الدراما

بقلم : محمود حسونة

إذا تأملت كم الإعلانات التي تغطي شوارع القاهرة عن مسلسلات رمضان، تدرك أن حرب الدراما قد بدأت في بر مصر، وأن كل قناة تليفزيونية قد سخرت كل ما لديها من إمكانيات مادية للانتصار على من سواها في هذه الحرب “الضروس”؛ ولكن عندما تعلم أن هذه القنوات تعمل جميعها تحت مظلة واحدة، تستغرب وتصيبك الدهشة، وأحياناً ما يثير الأمر في نفسك أسئلة صغيرة وسؤال واحد كبير محوره.. من ينافس من؟، ومن يتصارع مع من؟، وهل يمكن أن تنافس جهة واحدة نفسها وتخلق أجواء حرب درامية مع الذات؟ وخصوصاً أنها الكل في الكل.

إذا تأملت هذه الإعلانات تحس أنها موزعة بالعدل والقسطاس بين المسلسلات التي تتنافس بعد أن خفت صوتها في جذب الرعاة والمعلنين التجاريين، وهو أمر يحسب لصاحب القرار الذي يتعامل مع الجميع على أنهم سواسية، وبمنطق ” كلهم أولادي”.

الحملة الإعلانية الضخمة للأعمال الدرامية في شوارع القاهرة هي وحدها التي تلفت نظر المتجول، بعد أن تراجعت إعلانات المنتجات والخدمات الأخرى إلى أضيق الحدود لتتسيد غابة الدراما التي لا يعلو عليها صوت في الموسم الرمضاني، حتى ولو جاء هذا العام في ظروف غير مسبوقة بعد أن استحوذ وباء كورونا على كل الاهتمام الشعبي والرسمي؛ ونتمنى أن تنجح الدراما في استقطاب بعض الأهتمام من الفيروس اللعين، وتنسينا بعضاً من الهموم التي ألقى بظلالها على حياة كل أهل الأرض.

الغريب أن مصمم الحملة الإعلانية الضخمة لا يثق في قدرات القنوات كوسائل إعلام وإعلان، فكل قناة لا تعلن فقط عن الأعمال التي ستعرضها ولكنها تلح على المشاهد كل بضع دقائق ترويجاً لها وإغراءً له كي يشاهدها، ناهيك عن البرامج التي تخصص برامج تستضيف خلالها أبطال هذه الأعمال في حوارات ترويجية عنها، إضافة لما تقوم به الصحافة المكتوبة والمواقع الإلكترونية وصفحات النجوم على مواقع التواصل، من ترويج وملاحقة. وبعيداً عن المشككين في جماهيرية هذه القنوات، يبدو أن كل هذه الوسائل والجهود لا تكفي لجذب المشاهد، ولعل هذا هو ما يفرض ملاحقته في الشوارع كي يتحقق المراد ويتعطف سيادته ويشاهد هذه الباقة أو تلك من مسلسلات رمضان.

ندرك أن هذه الحملة قد تكون حقاً لقنوات مشفرة، أو لأي نمط يسمح بالمشاهدة مقابل الدفع، لجذب عدد أكبر من المشتركين، ولكن أن تكون لقنوات مفتوحة وعامة فهو الأمر الذي قد لا يستوعبه الكثيرون. ولعلنا نتذكر الماضي غير البعيد عندما كانت السلعة الفنية التي يتم الترويج لها بإعلانات في الشوارع والصحف وأيضاً محطات التليفزيون، هي الفيلم السينمائي أو العرض المسرحي، الذي يفرض على من يريد مشاهدته الدفع والانتقال إلى قاعة العرض السينمائي أو المسرحي. ولو كانت القنوات التي تعلن، تتنافس فيما بينها على جذب المشاهد والمعلن قد تكون معذورة لنمط الإعلان في الشارع، ولكن عندما تكون هذه القنوات تتكامل مع بعضها ولا تنافس بينها، فإن الأمر يستلزم وقفات ووقفات.

فلندع الأمر لأولي الأمر، وقد يكون لديهم من الرؤى ما نعجز عن الوصول إليه، ولعل ما يهمنا هو فقط أن تكون الأعمال التي سنشاهدها في هذا الموسم على مستوى الظرف الذي يعيشه العالم، وألا يكون بينها ما يستخف بعقولنا، وخصوصاً أن العالم كله يعيش في ظل تباعد اجتماعي، ومن تدرب على ذلك من السهل عليه أن يرفع شعار التباعد عن التليفزيون وعن الدراما إذا لم تكن تحمل لنا علاجاً للفيروسات الإجتماعية، أو إذا كانت نفسها تحمل إلينا فيروسات اجتماعية جديدة لا يمكننا أن نحتملها.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.