رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!

النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
طارق عرابي

بقلم الدكتور: طارق عرابي

موهبة التمثيل لدى شخصٍ ما ليست سراباً ولا سُحُباً ضبابية تظهر وتختفي أمام أعين الناس، وأنا هنا لا أتحدث عن أعين المتخصصين فقط بل إن توصيفي يشمل استجابة الجمهور العادي والأثر عليه عندما يشاهد ممثل ما في دورٍ ما بعملٍ ما، وإن ظنَّ الممثل أو المخرج أو القائم على صناعة أي عمل درامي أن المشاهد يمكن خداعه فيما يتعلق بموهبة الممثل، فإنه “محدود الرؤية” ولا يستحق شرف الانتماء لهذه الصناعة الفنية البديعة.

والسؤال الذي قد يطرأ على ذهن أحدكم بسبب ما ترونه من أفلام ومن تباين في أداء الممثلين هو: هل يمكن صناعة شهرة ونجومية بلا موهبة؟ الإجابة بالدليل والبرهان: نعم. والسؤال الذي يليه هو: هل هناك مواهب حقيقية لم تحظَ بنفس قدر الشهرة لنجوم كبار لا يملكون موهبة التمثيل؟ الإجابة كذلك بالدليل والبرهان: نعم ، فعلى سبيل المثال لاالحصر، كم هو عدد الجمهور حول العالم الذي يعرف كيفن سبيسي Kevin Spacey أو جيمي فوكس Jamie Foxx أو دانيال داي لويس Daniel Day-Lewis أو كريستوفر واكن Christopher Walken أو كريستيان بيل Christian Bale أو سام روكويل Sam Rockwell أو كيسي أفليك Casey Affleck أو فوريست ويتكر Forest Whitaker أو إدوارد نورتون Edward Norton أو فيليب سيمور هوفمان Philip Seymour Hoffman، وفي المقابل كم هو عدد الجمهور الذي يعرف توم كروز Tom Cruise أرنولد شوارزنيجر Arnold Schwarzenegger أو سيلفستر ستالون Sylvester Stallone أو بروس ويليس Bruce Willis أو كريس “فان دام” Kris Van Damme أو دوين جونسون Dwayne Johnson أو جيسون ستيثام Jason Statham أو فين ديزيل Vin Diesel، وأعتقد أن المتخصصين والعاملين في الحقل السينمائي يعرفون تماماً الفرق بين حجم موهبة الأداء التمثيلي عند المجموعة الأولى وضعفها الشديد أو انعدامها عند المجموعة الثانية ، وشهرة ونجومية المجموعة الثانية ليس أمراً سيئاً بل إنه علامة على ذكاء القائمين على صناعة السينما الهوليودية، وهو أمرٌ إيجابي يُحسب لهم لا عليهم، لأنهم استطاعوا رؤية ميزة ما في هؤلاء الذين لا يملكون موهبة التمثيل، ثم قاموا بالعمل حسب خطة واضحة في أذهانهم على تطوير هذه الميزة أو الميزات واستثمارها بأفضل الوسائل للانتفاع منها، وخلق قاعدة عريضة من الجماهير لتلك الميزات الخارجة عن نطاق موهبة الآداء التمثيلي.

ورغم أن هذه الظاهرة بدأت في سينما هوليوود منذ عقود إلا أنها أصبحت اليوم تجربة أكثر نجاحاً ورواجاً، وربما يعود ذلك إلى ملائمة الأجواء الحديثة والعولمة الإليكترونية وألعاب الفيديو Video Games التي خلقت جيلاً جديداً من الجمهور حول العالم يعشق الأكشن والمعارك والمغامرات أكثر من عشقه لروايات الحب والرومانسية والأعمال التي تتناول أبعاداً إنسانية واجتماعية وتشريحاً للنفس البشرية والتي من شأنها أن تعكس لنا، أو تكشف لنا الستار عن موهبة وحجم المخزون المعرفي والثقافي لدى الممثل من خلال آدائه لهذه النوعية من الأدوار والأعمال، وبالتالي فإن البنيان الجسماني والعضلات وخفة الحركات ومزايا أخرى في “نجوم بلا موهبة” أصبحت هى الأدوات “البيعية” الأكثر رواجاً في السينما العالمية، والدليل أن فيلم الأكشن والخيال العلمي الشهير “المنتقمون: لعبة النهاية” Avengers: Endgame والذي بدأ عرضه بالسينمات في نهاية أبريل من العام الماضي 2019 قد حقق أعلى إيرادات شباك تذاكر في تاريخ السينما منذ نشأتها على كوكب الأرض، وهو الفيلم الذي اقترب معه في الإيرادات فيلم الأكشن والخيال العلمي “أفاتار” Avatar ، وقد اقتربت عائدات كل فيلم منهما من رقم 3 مليار دولار.

النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
الممثل جيمي فوكس في فيلم Ray الذي نال عنه جائزة الأوسكار – إنتاج عام 2004

مواهب عظيمة لم تنل ما تستحقه من الشهرة:

رغم أن بعض الأمثلة من الممثلين الذين سأذكرهم هنا قد ترشحوا أو نالوا جائزة الأوسكار إلا أنهم لم يحظوا بالشهرة العالمية الكافية التي تجعل الناس حول العالم يعرفونهم بأسمائهم ويربطونها بقدراتهم الفائقة في فن الآداء التمثيلي.

النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
الممثل كيفن سبيسي في مشهد من فيلم Beyond The Sea – إنتاج 2004

سام روكويل Sam Rockwell نال جائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور مساعد عام 2018 عن الفيلم طويل الإسمThree Billboards Outside Ebbing Missouri، والذي ترشح للأوسكار عام 2019 كذلك لأفضل ممثل في دور مساعد عن أدائه لشخصية الرئيس الأسبق للولايات المتحدة جورج دبليو بوش في فيلم “النائب” Vice الذي يتناول شخصية “ديك تشيني” نائب الرئيس آنذاك، والذي لعب دوره الممثل القدير كريستيان بيل وترشح كذلك عنه للأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي، و سام روكويل له كثير من الأدوار الأخرى التي سبقت تلك العملين الأخيرين والتي تؤكد أنه واحد من أكفأ الممثلين وأكثرهم وعياً بكل دور يقوم بآدائه، ومن بين تلك الأدوار: دور رائد الفضاء “سام ويل” في فيلم Moon – دور “روبرت” مع النجم روبرت دي نيرو في فيلم Everybody’s Fine – دور “جيمس ريسنون” في فيلم Frost/Nixon عن فضيحة وتورط الرئيس نيكسون في جريمة التجسس “ووتر جيت” – دور ” فيكتور مانشيني” مع النجمة الحاصلة على الأوسكار “أنجيليكا هيوستن” في فيلم Choke – دور “بيل” مع إبنة شقيق جوليا روبرتس الممثلة “إيما روبرتس” في فيلم The Winning Season – دور المتهم البريء “كيني ووترز” مع نجمة جائزتي الأوسكار “هيلاري سوانك” التي لعبت دور شقيقته التي تدافع عنه وتسعى لإثبات براءته في فيلم Conviction – وأدوار أخرى كثيرة ، ولكن من أهم الأدوار التي تعكس في سام روكويل موهبة غير عادية في الأداء التمثيلي هو الشخصية الصعبة والمُركبة صاحب العقلية الخطيرة “تشاك باريس” الذي يكتب مذكراته ويفترض فيها أنه كان قاتلاً مُستأجراً لصالح المخابرات المركزية CIA – مع النجوم جورج كلوني وبراد بيت ومات ديمون وجوليا روبرتس ودرو باريمور في فيلم “اعترافات عقل خطير” Confessions of a Dangerous Mind .

النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (سام روكويل) في فيلم Vice – إنتاج عام 2018
النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني (كريستيان بيل) في فيلم Vice – إنتاج عام 2018

كريستيان بيل Christian Bale هو ممثل ذو موهبة طاغية وصاحب وعي وثقافة ومعرفة عالية، ترشح للأوسكار 4 مرات فاز بجائزة منها عام 2011 كأفضل ممثل في دور مساعد في فيلم مأخوذ عن دوره “ديكي إكلوند” في الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية The Fighter، “ديكي” هو الأخ الأكبر الغير شقيق للملاكم “ميكي وورد” Micky Ward الذي يحاول ألا يعيش في جلباب أخيه الأكبر – الأكثر شهرة والمضطرب – ديكي ، فيبحث لنفسه عن طريق مختلف لصناعة المجد والشهرة في عالم الملاكمة، وهو الدور الذي لعبه الممثل “مارك ويلبرج” Mark Wahlberg، ومن أفضل الأدوار التي قام بها كانت شخصية “ديك تشيني” نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش في فيلم Vice والذي ترشح عنه لجائزة الأوسكار 2019 كأفضل ممثل في دور رئيسي.

فوريست ويتكر Forest Whitaker ظهرت موهبته وعبقرية آدائه منذ وقتٍ بعيد عام 1988 عندما اختاره النجم والمخرج كلينت إيستوود Clint Eastwood ليلعب شخصية الموسيقي وعازف الجاز الشهير تشارلي “بيرد” باركر في فيلم Bird ،، وفي عام 2007 فاز بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي عن شخصية رئيس أوغندا الديكتاتور “عايدي أمين” Idi Amin في فيلم The Last King of Scotland، ورغم أن له أدوار رائعة في أعمال سينمائية عديدة إلا أن الفيلمين السابقين هما من أفضل الأعمال التي قدمها خلال مشواره الفني.

كيسي أفليك Casey Affleck هو الأخ الأصغر للنجم الشهير بن أفليك Ben Affleck، ويمكنك بعد مشاهدته بأيٍ من أدواره معرفة كيف أن موهبته تُطل من جبلٍ عالٍ على موهبة أخيه الأكبر والأكثر شهرة، كيسي أفليك أحسن أدائه لكل الأدوار التي قام بها، وترشح لجائزة الأوسكار عام 2008 كأفضل ممثل مساعد عن شخصية “روبرت فورد” في الفيلم الذي قام ببطولته النجم براد بيت Brad Pitt، وهو فيلم The Assassination of Jesse James by the Coward Robert Ford، وفاز مؤخراً بجائزة الأوسكار عام 2017 كأفضل ممثل في دور رئيسي عن دوره الرائع “لي تشاندلر” الشخص المتعجرف الذي يدير مبنى سكني في مدينة بوسطون الأمريكية، الذي يجد نفسه بعد موت أخيه المفاجيء بسبب أزمة قلبية  الوصي الشرعي لإبن أخيه البالغ من العمر 16 عام، وذلك في فيلم Manchester by the Sea.

النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
كيسي أفليك (شقيق بن أفليك) في الفيلم الذي نال عنه جائزة الأوسكار – إنتاج عام 2016
النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
الممثل الراحل فيليب سيمور هوفمان في أحد أعظم أدواره الذي نال عته الأوسكار في فيلم Capote – إنتاج عام 2005

فيليب سيمور هوفمان Philip Seymour Hoffman توفي عام 2014 عن عمر 46 سنة، تنوعت أدواره في عدد كبير من الأفلام والتي أظهر من خلالها أنه يمتلك موهبة حقيقية في فن التمثيل، ومن أفضل العلامات السينمائية في تاريخه الفني أربعة أفلام ترشح بسبب روعة آدائه بها لأربع جوائز أوسكار، فاز منها بجائزة أوسكار 2006 كأفضل ممثل في دور رئيسي عن دور “ترومان كابوت” في فيلم Capote، وترشح لثلاث جوائز أوسكار كأفضل ممثل في دور مساعد، عام 2008 عن دوره مع النجمين توم هانكس وجوليا روبرتس في فيلم Charlie Wilson’s War، وعام 2009 عن دوره مع النجمة ميريل ستريب في فيلم Doubt، ثم في عام 2013، أي قبل رحيله عن عالمنا بعام واحد، عن دوره مع النجم خواكين فينيكس والنجمة إيمي آدامز في فيلم The Master .

النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
دانيال داي لويس في دور الرئيس الأمريكي لنكولن في فيلم Lincoln – إنتاج 2012

دانيال داي لويس Daniel Day-Lewis ممثل يستحق أن يوضع إسمه ضمن أعظم 100 ممثل في تاريخ السينما على مر العصور ، فهو صاحب موهبة ومعرفة وثقافة بلا حدود ،، ترشح لست جوائز أوسكار ، كلهم كأفضل ممثل في دور رئيسي ، فاز منهم بثلاث جوائز ،، ففي عام 1990 فاز بالأوسكار عن فيلم:My Left Foot The Story of Christy Brown، وفي عام 1994 ترشح للأوسكار عن فيلم In the Name of the Father، وفي عام 2003 ترشح للأوسكار عن دوره مع النجم ليوناردو دي كابريو في فيلم Gangs of New York، وفي عام 2008 فاز بالأوسكار عن دوره في فيلم There Will Be Blood، وفي عام 2013 فاز بالأوسكار عن آدائه لشخصية الرئيس الأمريكي الراحل إبراهام لنكولن في فيلم Lincoln، ثم ترشح مؤخراً عام 2018 عن دوره في فيلم Phantom Thread .

إدوارد نورتون Edward Norton ممثل يجيد آداء كل الشخصيات على تنوعها وبالأخص الأدوار

النجومية والشهرة .. بين الموهبة وأشياء أخرى!
الممثل إدوارد نورتون مع النجم روبرت دي نيرو في فيلم Stone – إنتاج 2010

الصعبة والمعقدة، وتنوعت أفلامه بين الأكشن والإجرام والرومانسية والكوميدي والحالات النفسية المعقدة، ومن أفضل أدواره دور “ديريك فينيارد” في فيلم American History X، والذي ترشح عنه لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي عام 1999، ودور “جيرالد ستون” مع النجم روبرت دي نيرو عام 2010 في فيلم Stone ، وكذلك دوره الآخر “جاك” مع النجم دي نيرو والنجم مارلون براندو عام 2001 في فيلم The Score، ودور “أرون ستامبلر” مع النجم ريتشارد جير في فيلم Primal Fear، والذي ترشح عنه لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور مساعد عام 1997، ودور “ستيف” مع مارك ويلبرج وتشارليز ثيرون في فيلم The Italian Job، ودور ” الأب بريان فين” مع النجم بن ستيلر في الفيلم الكوميدي Keeping the Faith، ودور “الراوي” مع النجم براد بت في فيلم Fight Club، ودور “آيزنهايم” في فيلم The Illusionist، ودور “مايك” مع النجوم مايكل كيتون وإيما ستون ونعومي واتس في فيلم  Birdman الذي ترشح عنه (وللمرة الثالثة في تاريخه) لجائزة الأوسكار عام 2015 كأفضل ممثل في دور مساعد.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.