رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

غيّروا أو تغيّروا

بقلم : محمود حسونة

في أوقات الأزمات تتجه الأنظار إلى الإعلام، ويكون صاحب الكلمة العليا في نقل الحقائق إلى الناس، والمصدر الرسمي للمعلومة الصادقة. وليس من أزمة مرّ بها العالم على مدار عقود مضت أكبر وأهم من كورونا، فرضت على البشرية تغييرات جذرية في أنماط الحياة والسلوكيات، وأجبرت معظم سكان المعمورة على التزام بيوتهم وعدم الخروج إلا للضرورة؛ وانتظرنا من الإعلام – خصوصاً المرئي – أن يستغل هذه الأزمة ويسعى من خلالها إلى استعادة ثقة الناس المفقودة فيه، وهم جالسون في المنازل يبحثون عن وسيلة تشغل وقت فراغهم الكبير، لكنه التزم نمطيته ولم يتزحزح عن تقليديته التي ملّها الجمهور، ودفعته إلى مقاطعة الشاشات التلفزيونية والهروب إلى شاشات الموبايل و”اللاب توب”، بحثاً عما يتوافق مع اهتماماته ويضيف إلى معلوماته وينير أمامه طريق الحياة بالحقائق لا الزيف.

في هذا التوقيت الذهبي للإعلام المرئي، واصلت قنواتنا عجزها عن إعطاء للمشاهد شيئاً مما ينتظره، أو أن تكون على مستوى الأزمة التي يعيش في ظلها كوكبنا اليوم وستترك ظلالها على حياتنا المستقبلية، وواصلت نمطيتها وسذاجتها في التناول والمعالجة، ولم نجد من مخلفات كورونا إلا النادر السطحي الذي يتمثل في فقرة أو أكثر في هذا البرنامج أو ذاك، وفوجئنا بالبعض الذي يستخف بالمصيبة، ويجري حواراً ساذجاً مع “كورونا”، مستضيفاً إياه عبر الأقمار الصناعية على حد تعبيره، طارحاً عليه أسئلة بدائية ومتلقيًا منه إجابات ساذجة. والمصيبة الأكبر عندما تقدم إحداهن برنامجاً حول أساليب تزيين الكمامة، لتصل بفكرتها وطرحها إلى قاع التفاهة والانحدار الإعلامي. بل وصلت الكارثة إلى حد السعي لتغييب عقول المشاهدين باستضافة الدجالين والمشعوذين من المنجمين للحديث عن مخلفات كورونا وتوقيت القضاء على الفيروس، متناسين أن أحداً من هؤلاء لم يتوقع أن تحل بالعالم مثل هذه الكارثة، وأن فيروساً غير مرئي سيفرض على أبناء آدم في دول وقارات الدنيا التزام بيوتهم. 

يا أهل الإعلام، ويا صناع القرار فيه، ارحموا البشرية المجروحة، وغيّروا أو تغيّروا، اخرجوا عن نمطيتكم، وغيّروا طبيعة ضيوفكم، امنحوا الوقت والشاشة للأطباء وعلماء الفيروسات والأوبئة والمتخصصين في علوم البيئة وعلوم الأمراض المعدية. استضيفوا من يعلم النشء والكبار من الجالسين في البيوت إجبارياً، شيئاً في حياة الفراغ الجديدة ينفعهم في المستقبل.

كفانا سذاجة وجهلاً وتغييباً، وإن كنتم عاجزين عن تحمل مسؤولية هذه المرحلة الحرجة، اعلنوها صراحة وتنحوا لمن يملك القدرة على إفادة الناس وتوعيتهم بالثمين لا بالغث الذي أغرقتمونا فيه. 

تمارسون على الناس نمطيتكم المملة، بينما يخوض مغردون على تويتر ونشطاء عرب ومصريون على مواقع التواصل المختلفة معركة للرد على من يملأون الفضاء الإلكتروني شائعات عن مصر ويقدمونها على أنها مصدر الوباء، ويدعون أن بها مصابين وموتى بالآلاف من جراء كورونا، ويشككون في مستشفياتها وأطبائها وإدارتها للأزمة، بينما أنتم وإعلامكم غارق في تقليديته، بدلًا من الرد على هؤلاء المتربصين بمصرنا والمتآمرين عليها، ببرامج واقعية تتابع بدقة ما يحصل وتكشف الحقائق المثبتة! حتى البرامج التي عالجت الأزمة بفقرة أو أكثر، لم تخرج عن إطار التقليدية، واكتفت بما هو متداول ولم تكلف طواقمها عناء النزول إلى المستشفيات والمحافظات التي تناولتها الشائعات لتقديم صورة من الميدان تخرس ألسنة المتربصين. 

كورونا فرض على العالم تغيير أولوياته وتبديل مخططاته، وفرض على الدول ومنها مصر تعديل أجنداتها وخططها، وعجز عن أن يفرض على قنواتنا تغيير برامجها ولا على مذيعينا تغيير أولوياتهم، ومن حاول التغيير وقع في فخ التفاهة. 

لذا نتمنى أن يفيق إعلامنا، ويدرك أن مصاب الانسانية جلل في هذه الأزمة، وأن مصر مستهدفة كالعادة، وأن هناك الكثير الذي يمكن قوله عن الكارثة وتوابعها، ولكن كل ما يحتاجه إرادة وإدارة وجهد، حتى لا يواصل السير في طريق استبعده البشر من شبكة الطرق التي يسلكونها.

[email protected] 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.