“بداية ونهاية “الفيلم الذي ندمت عليه ” فاتن حمامه”!

* كتب شهادة خلود لكل من عمل فيه

* سناء جميل تقدم واحدا من أهم أدوارها.

* صلاح منصور يعزف بمفرده خارج السرب\

* أمينة رزق قدمت دور الأم المكافحة بإجادة تامة

* “عمر الشريف” قدم عام 1960 أعظم أدواره

كتب : أحمد السماحي

هذا الأسبوع في باب “فيلم لا ينسى” موعدنا مع تحفة سينمائية مكتملة النضوج،  نحتفل معنا بمرور 60 سنة على رائعة ” بداية ونهاية” تأليف نجيب محفوظ، إخراج صلاح أبوسيف، هذا الفيلم الخالد الذى عرض عام في 31 مارس 1960، وحصل على الجائزة الأولى فى الإخراج من مهرجان موسكو الدولي.

القصة في “بداية ونهاية” معروفة الأم التى تحاول أن تحتفظ ببيتها قائما على أبنائها لأربعة بعد موت زوجها فجأة، وفى انتظار صرف المعاش الضئيل، وكل أنواع المشاكل والمصاعب الوحشية الناجمة عن الفقر في مجتمع لا يرحم الفقراء، ولا يترك لهم أي فرصة فى حياة إنسانية، ثم اختلاف مصائر هؤلاء الأبناء الثلاثة بين الطيب والشرير والقبيح والأبنة الوحيدة المحرومة من الجمال، والتى تدفعها ظروفها المأساوية لاحتراف السقوط رغم ذلك، إلى أن تنتهي مصائر الأسرة كلها بالسقوط المادي والروحي والجسدي معا.

رشح “صلاح أبوسيف” النجمة الكبيرة ” فاتن حمامه” لتلعب دور “نفيسة”، لكنها خشيت من الدور حيث ستظهر في الفيلم بدون أي مكياج، وأقرب إلى القبح من الجمال، فى الوقت الذي سيلعب زوجها ــ فى هذا الوقت ــ “عمر الشريف” دور “حسنين” الشاب الطموح الذي يدفعه طموحه إلى التبرئه من أهله فيكون مصيره الانتحار، وما شجعها على الرفض أن جزء كبير من الفيلم سيمثله “عمر الشريف” بالزي العسكري المحبب إلى الفتيات، فأعتذرت لمخرج الفيلم بانشغالها بأفلام آخرى، لكن فى نهاية العرض الخاص، همست فى أذن “صلاح أبوسيف” وقالت له : أنا آسفة! الدور طلع حلو أووي، و”سناء جميل” كانت عظيمة في أدائه.

نقد الفيلم ……………………………………………………………………………………………………………

عندما تتزوج السينما

تحت هذا العنوان كتب الأستاذ “كامل يوسف” مقالا نقديا بديعا في جريدة “المساء” بعد أسبوع واحد من عرض الفيلم وإليكم مقتطفات منه..

مما لا جدال فيه أن أي نوع من التزواج شرعيا كان أم عرفيا يعقد بين السينما والأدب من شأنه أن يؤدي إلى نتائج باهرة تحقق النفع لكل من الطرفين، وتثلج صدور المدعوين من أفراد الجمهور.

هذا ما حدث في فيلم “بداية ونهاية” الذي يقدم لنا كفاح أسرة رقيقة الحال في سبيل البقاء، تخير له المؤلف فترة قاتمة فى حياتنا، وبالتالي فإن هذه القتامة ترسل ظلالها الكئيبة على كفاح الأسرة، وتدمغه بالسواد واليأس، بحيث لا يكاد تتبين فى ثناياه نقطة بيضاء تبعث على الأمل، والرواية الأصلية وإن كانت تتجه إلى التحليل النفسي أكثر مما تتجه إلى التشريح الإجتماعي، إلا أنها تجعل من أزماتها الذاتية وسيلة إلى غاية، فعلى الرغم من أن أزمة “نفيسة” لا تنبعث فى واقع الأمر من ظروفها المعيشية وإنما من مقوماتها الشخصية، إذ أن سقطتها لا تأتي نتيجة لحالة إجتماعية وانما لأسباب وجدانية.

وعلى الرغم من أن أزمات الأشقاء الثلاثة “حسن وحسين وحسنين” لا تنبع من محيطهم الاجتماعي، وإنما من تكوينهم الذاتي إذ أن تصرفاتهم تخضع لإملاءات الوازع الخلقي لكل منهم، فإن مأساتهم الجماعية ترتبط بالبيئة والعصر برباط وثيق لا يسهل فصمه، فالتفاصيل المختلفة تتجمع بمدلولاتها الذاتية داخل إطار الصورة الإجمالية، وكأنها لمسات من خطوط وظلال تعمل على إبراز المضمون الرئيسي.

وفى هذا تكمن براعة واضع السيناريو “صلاح عز الدين”، إذ استطاع أن يعرض الأزمات الفردية المتفرقة دون أن يبعد بنا عن جوهر المأساة المشتركة، فاتخذ من شخصية الأخ الأصغر نقطة ارتكاز تتشعب من حولها خيوط الفروع الأخرى فيما يشبه عمليه المد والجزر، وجعلنا نرتد بشكل أو بآخر إلى هذا العصب الحيوي الذي تنتهي إليه أزمات الآخرين، وهكذا تشابك العمل، رغم شعابه الكثيرة، وتداخلت الأحداث المتباينة، وأخذت تنمو وتطرد بدرجات متقاربة فى نوع من التوازن اللبق، ثم استكمل السيناريو بهاءه بالحوار الممتع الأريب، الذي وضعه “أحمد شكري، كامل عبدالسلام”، فأنطق الشخصيات على سجيتها، ونفذ إلى أغوارها فى يسر لا تكاد تتبين فيه صنعه أو افتعالا.

وكل هذا الجهد المتقن أتاح للممثلين الذي درجنا على وصفهم بأهل الصف الثاني، فرصا قلما تعرض فى أفلامنا، فأطبقوا على أدوارهم بنهم لذيذ، وراحوا “يشرحون” المراحل الدرامية التى تمر بها شخصياتهم فى سياق العرض فى فهم وإدراك رائعين، وإنك إذ تتأمل “سناء جميل”، وهى تعبر فى همسات مختنقة عن عواطفها المكتومة، وخاصة فى الجزء الأول من الفيلم، أو”صلاح منصور” بأحاسيسه التلقائية الدافقة، أو حامد مرسي بلمحاته ذات الاقتصاد الثري، أو “كمال حسين” بصدق أدائه، وقدرته على الإقناع، لا تملك إلا أن تعجب من إهمال أهل السينما لتلك الكفاءات النادرة.

ولو أنك توقفت لحظة استرجاع فى ذهنك ضخامة العمل بشخصياته الجمة ومواقفة العديدة، وانتقالاته الكثيرة لأدركت مدى الجهد الذي يتطلبه إخراج فيلم من هذا النوع، والواقع أن المخرج أمسك بالزمام بقبضة من حديد، واستطاع أن ينفث النشاط فى ثنايا العرض الطويل، الذى يمتد زهاء ساعتين، بالحركة الدائبة للأشخاص والكاميرا، وتعاون معه المصور “كمال كريم” فى إحكام اللقطات وتوزيع أضوائها وظلالها ليخلق منها لوحات فذة معبرة

……………………………………………………………………………………………………………………..

بداية ونهاية .. مأساة كبيرة بكلمات قليلة

تحت هذا العنوان كتب الناقد “سامي السلاموني” مقال كبير فى مجلة ” فن” اللبنانية فقال في بعض منه : على الرغم من غزارة ما قدمته السينما من أعمال “نجيب محفوظ” تظل الأفلام التى أخرجها ” صلاح أبوسيف” أفضل هذه الأعمال جميعا، سواء على مستوى فهم روح العمل الروائي واحترامه وتوصيل مضمونه بأمانة غير منقوصة ولا مشوهة أو مبتذلة، إن لم تكن على العكس، أضافت إليها أيضا لغة السينما الأكثر تعبيرا وتجسيدا للفهم الشعبي البسيط، ومن بين أفلام “صلاح أبوسيف” التى أخرجها عن أعمال “نجيب محفوظ”، بل من بين كل ما حولته السينما إلى أفلام من رواياته على الإطلاق، يبقى أفضلها في تقديري وأكثرها اكتمالا فيلم “بداية ونهاية” الذي أصبح أحد كلاسيكيات السينما المصرية الخالدة وربما أحد الأفلام المصرية القليلة التى يمكن مقارنتها بالمستويات العالمية بلا تردد.

والغريب أن “صلاح أبوسيف” استعان فى ” بداية ونهاية” بكاتب سيناريو لم يتعامل معه أبدا إلا في هذا الفيلم، وهو “صلاح عز الدين” الذي كان أحد كبار الإذاعيين والمثقفين عموما قبل أن يترك مصر إلى لندن لأسباب لا يعرفها أحد، ولأسباب غير معروفة لم يكتب أي تجربة سينمائية أخرى – فى حدود علمي – غير سيناريو هذا الفيلم الذي كان تحفة سينمائية كاملة بكل المقاييس، ومن المدهش أن يكتب حوار الفيلم كاتبان لم يتردد إسماهما كثيرا إلا في بعض البرامج الإذاعية القديمة وهما ” “أحمد شكري، ومحمد كامل عبدالسلام”، وكان أحد عوامل الإكتمال الفني الرائع لبداية ونهاية غير هذا النص السينمائي الرائع مجموعة من الممثلين النادرة التى أحسن صلاح أبوسيف اختيار كل واحد منها بدقة شديدة ليضعه في مكانه الصحيح.

فى مشهد خالد يدخل “عمر الشريف” على أخته نفيسة المحجوزة مع العاهرات، ليواجه ليس سقوط أخته فحسب فقد لا يعنيه هذا كثيرا فى الواقع، وانما سقوط عالمه المصنوع والمزيف كله، بكل الأبهة والقوة التى سعى إليها كثيرا، وبقليل من الكلام يصحبها معه من قسم البوليس إلى سيارة إلى شاطئ النيل، وهناك لا يوجد إلا حلا واحدا لا يقترحه أحد على أحد، فوسط دموعها الذليلة المنكسرة بعد حياة كاملة من البؤس تنظر ” نفيسة” إلى أخيها حسنين الضابط الجميل الأنيق الذي أحبته كثيرا، وتتقدم خطوات إلى حاجز النهر، وفى ثوان لا يحسها أحد، تغيب فى الأعماق تكفيرا عن إساءتها إلى بدلة الضابط الرسمية، ويتردد “حسنين” نفسه قليلا بين حزنه على أخته التى أحبها وصنع لها مأساتها رغم ذلك، وبين أنانيته وحبه لحياته الشخصية والأستمتاع بالمجد الذى سعى كثيرا من أجله ولكن هل أصبح لأي مجد معنى بعد هذه الفضيحة؟ وبما تبقى فيه من أصل طيب ربته عليه أم مكافحة وعظيمة لن يقوى على مواجهتها بعد ذلك يحسم أمره، ويتقدم خطوات نحو النهر ويلحق بنفيسه منتحرا، ليصيح بعض المارة الذين شهدوا المأساة بعد قليل ” لا حول ولا قوة إلا بالله”!!

وتكون هذه الكلمات هى كل ما خرج به من هذا العالم ضحيتان لبؤس إنساني عظيم، لا يقدر على تجسيده إلا فيلم عظيم، جاء أصلا من كاتب عظيم حتى قبل أن تجيئه ” نوبل”.

……………………………………………………………………………………………………………………..

وفى مجلة “التحرير” كتب الكاتب الكبير “أحمد حمروش” مقالا ممتعا عن الفيلم أختارنا منه ما كتبه عن الأبطال..

السينما والأدب والنجوم

عندما تعبر السينما تعبيرا صادقا عن أفكار الأديب التى تنبعث من صفحات الكتب، فأن هذا يعني أنها حققت رسالتها واستطاعت أن تصل عن طريق فن جديد إلى مئات الألوف من الناس، الذين لا يقبلون على القراءة، ولكنهم يذهبون إلى السينما كوسيلة من وسائل الترفيه وتمضية الوقت.

ورواية “بداية ونهاية” كتبها “نجيب محفوظ” عن أزمة الطبقة الوسطى الفقيرة، التى تكافح الحياة في طريق صعب وعر، البعض يتعثر فيه ويضيع، والبعض يمضي فيه في ثبات، والبعض تطيح به أحلام الثراء ويفقد مع الأيام كل القيم.

أدى الممثلون أدوارهم فى إجادة لم يهبط واحد منهم عن المستوى العام للفيلم ومعظمهم أسماء لامعة لها تاريخ، مع إجادة “فريد شوقي” الذي لعب دورا يختلف تماما عن أدواره السابقة، وتألق “عمر الشريف” وخاصة في المشاهد الأخيرة، وسيطرة ” أمينة رزق” على شخصية الأم، وكسبت السينما فى هذا الفيلم أسماء جديدة مثل ” سناء جميل” التى لعبت دورها بإتقان الممثلة الجيدة التى تفهم طبيعة الدور، وتستطيع بإدائها أن تصل إلى القلوب، وتفوق “صلاح منصور” في دوره الذي جمع بين المكر والبلاهة، و”كمال حسين” الذي اختزن عواطفه وتابع دوره فى هدوء متميز، هؤلاء الممثلون تعاونوا مع المخرج على تقديم عمل فني يستحق التقدير الشديد.

……………………………………………………………………………………………………………………..

كلمة صلاح أبوسيف

أنا أعتبر “بداية ونهاية” من أفضل أعمال “نجيب محفوظ” ومن أفضل ما أخرجته، وأخيرا من أفضل الأفلام المصرية التى قدمت جوا مصريا أصيلا”.

المخرج صلاح أبوسيف.

……………………………………………………………………………………………………………………..

“بداية” ونهاية ينافس البنات والصيف المراهقات ونهر الحب…

عرض عام 1960 مجموعة من الأفلام المتميزة حيث شاهد الجمهور فى هذه السنة 59 سنة أشهرها “المراهقات، نهر الحب، إشاعة حب، حبي الوحيد، البنات والصيف، سكر هانم، ملاك وشيطان، سوق السلاح، خلخال حبيبي، حب وحرمان، لوعة الحب، مال ونساء، إسماعيل ياسين في السجن، نداء العشاق، الرباط المقدس، لقاء في الغروب، أنا وأمي، عمالقة البحار، معا إلى الأبد، حلاق السيدات، رجل بلا قلب، النغم الحزين.

……………………………………………………………………………………………………………………..

بطاقة الفيلم

قصة : نجيب محفوظ

سيناريو : صلاح عز الدين وصلاح أبوسيف

حوار : كامل عبدالسلام وأحمد شكري

ديكور : حلمي عزب

مونتاج : إميل بحري

موسيقى : فؤاد الظاهري

إنتاج : دينار فيلم

تاريخ العرض : 31 / 3 / 1960

بطولة : أمينة رزق، فريد شوقي، عمر الشريف، سناء جميل، كمال حسين، آمال فريد، صلاح منصور، حامد مرسي.