رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أبو السعود الإبياري .. أسطورة فنية مصرية لن تتكرر

يمارس الكتابة

500 مسرحية و250 فيلما وأكثر من ألف أغنية ومنولوج وأوبريت

أحمد الأبياري: المسئولين فى التليفزيون محوا تاريخه المسرحي بجرة يد

* نجيب الريحاني سبب عشقه للمسرح والكوميديا وتحديدا ” كشكش بك”

* أنور وجدي أوقع ظلما شديدا على والدي لأنه  كان يحب الاستحواذ

* بديعة مصابني احتكرته كاملا فكتب عند آخرين باسم ” أديب معروف”

* أرسى دعائم الكوميديا في مصر والعالم العربي مع بديع خيري

* أول صانع حقيقي لشخصيات “الحماة والمأذون والشاويش” في السينما

* صنايعي ضحك رسمي ولايوجد من يضاهيه في كتابة الحوارالسينمائي

* الشيخ محمد رفعت أحب الأصوات إليه والمليجي كان صديقه ” الأنتيم”

* أدرك إسماعيل ياسين أن مفتاح نجاحه في يد الإبياري فطلب منه تكوين فرقة

* سعاد حسني كانت تطلبه ليقوم بتصحيح سيناريوهات أفلامها التي صنعت شهرتها

ملف أعده : أحمد السماحي

17 مارس 1969، هو يوم ذكرى رحيل أسطورة الفن المصري “أبو السعود الإبياري” الذي ولد 9 نوفمبر 1910 “، والذي يحار كتاب التاريخ الفني المصري حتى وقتنا الحالي على توصيف دقيق يليق بموهبة رجل كتب المسرح والسينما والأغنية والمنولوج والأوبريت، جنبا إلى جنب مع كتابات صحفية ظلت علامات بارزة برقي أسلوبها وبلاغتها وسخريتها الممزوجة بالفكاهة الطازجة.

إنه صانع البهجة المصرية الحقيقي، والباعث على الضحك العفوي الذي لايغالبه فيه أحد حتى الآن، ومازال يملك ناصية الكوميديا التي تجلب السعادة بمفردات لاتخدش الحياء، بقدر ما تنعش الذاكرة الحية التواقة للمتعة العفوية في قلب القرن الواحد وعشرين.

لحظة قراءة وتأمل

وعلى جناح فن الأبيض والأسود دونما أية مكسبات لونية أو رتوش مزخرفة، يبقى هو القادر على مخاطبة العقل الجمعي بنسق أخلاقي لايفسد المشاهد الأكثر إضحاكا، بل يحيلها  فلسفة طيعة تظل سارية مع مياه النيل الذي يجرى في عروق المصريين بمزيج عذب من الحكمة والجبروت على تحمل مصاعب الحياة القاسية.

فمهما بلغت بك النوائب وتعقدت الأيام، واشتدت الأزمات، فإن مشاهدتك لواحد من أفلام إسماعيل ياسين الذي جعله أبو السعود الإبياري “أيقونة الضحك المصري” الذي لاتنتهي صلاحيتها مع مرور الأيام، يمكنك أن تضحك من القلب، وتستدعي كل مواطن القوة لاجتياز أعتى الصعاب وتحيل المستحيل دروبا من السعادة والبهجة والعيش في سلام بصفاء روحي قادم من قريحة هذا الكاتب الكوميديان المبهر لغة وأسلوبا ومفارقات مذهلة مستمدة من نبض الشارع.

وعلى قدر ماينتابك من هذا الشعور اللذيذ بالبهجة والسعادة من روح وخيال أبو السعود الإبداعي، فأنه حتما سينتابك شعور بالألم جراء ما عايش هذا الرجل من فصول الإنكار ومحاولات محوه من الذاكرة – حيا وميتا – على جناح تزييف متعمد لتاريخ فكاهي وفني رفيع، قل الزمان أن يجود بمثله، فتعالوا نفتش في أوراق سيرته التي ماتزال تسكن وجدان غالبية المصريين رغم كسر أنفه في عز عليائه الفني الذي ظل وما يزال يهدد عروشهم أحياء كانوا أو مقبورين.

نبوغ مبكر

عام 1919 كانت تصدر في مصر مجلة اسمها “مجلة الأولاد” وذات يوم  فوجئت المجلة بطفل جريء عمره تسع سنوات يقتحم أبوابها ويطلب مقابلة صاحب المجلة لأمر مهم، وحاول بعض  المحررين معرفة هذا الأمر، لكن الطفل أصر على أنه أمر خاص بصاحب المجلة، وأنه من أجل هذا يطلب مقابلته، وأعجب أحد المحررين بشجاعة الطفل، وبلهجته التي كان يتحدث بها، فغاب قليلاً ثم عاد ليخبر الطفل أن صاحب المجلة في انتظاره.

ببشاشته قال صاحب المجلة للطفل: ما هو الأمر المهم الذي جئت من أجله؟فقال له: إنني بالأمس فقط كتبت أول زجل في حياتي وأتمنى من المجلة أن تنشر هذا الزجل، وألقى الرجل نظرة فاحصة على الطفل، ثم قال له: وأين الزجل ؟ فأخرج الطفل على التو من جيبه ورقة ثم أعطاها له، وقرأ الرجل الزجل وأعجب بمعناه، ولكنه كان لا يستطيع الحكم عليه من ناحية ” الوزن ” فاستدعى إليه زجالاً معروفاً كان يعمل محرراً بالمجلة وطلب معرفة رأيه في الزجل.

 وقرأ المحرر الزجل ثم قال: عظيم ومن الذي كتبه؟

 وقال الطفل:  أنا

فقال المحرر ألم يساعدك أحد في كتابته ؟

قال الطفل:  لا وأنا مستعد أن أكتب الآن زجلاً تختار أنت موضوعه.

أعجب صاحب المجلة بلهجة وثقة هذا الطفل وقال له: هل أنت مواظب على قراءة المجلة ؟

قال الطفل: طبعاً

فقال له:  طيب أكتب الآن زجلاً عن “مجلة الأولاد”، وسرح الطفل قليلاً ثم نطق بأول فقرة وردت على خاطره قائلا: “بتعلمينا الحرية .. وتعلمينا الوطنية .. يا مجلة الأولاد يا قوية”

وقال المحرر الزجال: موهبة مبكرة.

وبدوره قال صاحب المجلة سينشر زجلك في العدد القادم، وأخرج من درج مكتبه “باكو شيكولاته” وأعطاه هدية له.

وبعد أيام قليلة ظهرت مجلة الأولاد وفيها زجله منشوراً، ومذيلاً باسمه فاهتزت الأرض من تحت قدميه، وارتفعت رأسه إلى السماء، ثم أخرج كل ما في جيبه واشترى به أعداداً من المجلة، وأسرع إلى البيت ليخبر والده بالنبأ السعيد.

واستمع الوالد للنبأ السعيد – يقول ابنه أحمد الإبياري – ثم تسلل إلى دولاب الملابس وأخرج منه “عصاية خرزان “، وأنهال بها على ابنه وهو غاضب : “أتاريك خايب في المدرسة، عايز تشتغل زجال، والله عال علشان يقولوا إن ابن فلان طلع من بتوع زمر” واستمر الوالد بضرب ابنه وهو يهذي بهذا الكلام حتى أغمى على الابن من شدة الضرب وأغمى على الأب من شدة الغضب الهيستيري .

ومنذ ذلك اليوم لم يفكر الابن “أبو السعود الإبياري” في الذهاب مرة ثانية إلى “مجلة الأولاد”، بل امتنع عن نشر أزجاله، ولكنه في الوقت نفسه كان يكتب الزجل ويحتفظ به لنفسه.

 شارلي شابلن

تمر الأيام وينجح الابن في  الشهادة الابتدائية، والتي كان لها قيمة في ذلك الوقت، وينسى الوالد حكاية الزجل، ويسمح لابنه بالذهاب إلى السينما، ويشاهد الابن أول فيلم في حياته، وكان من أفلام “شارلي شابلن”، ويضحك الإبياري من كل قلبه، وبعد أسبوع شاهد فيلماً من أفلام الدراما، ويغادر السينما بعد نصف ساعة من بداية الفيلم لأنه يحب الضحك، ولا يحب الحزن في أية صورة من صوره.

لأنه مؤسس فن الضحك الكوميدي في مصر فهكذا احتفى به رسامي الكاريكاتير

الريحاني وكشكش بك

تمضي الأيام وينجح الابن في شهادة الكفاءة، وأثناء الإجازة السنوية تقطن بجوارهم في حي باب الشعرية عائلة إيطالية كان عائلها يعمل رئيساً للأوركسترا في فرقة نجيب الريحاني، وتتوطد العلاقة بين العائلتين عائلة الإبياري وعائلة الرجل الإيطالي، وفى أحد الأيام يدعو الجار الإيطالي عائلة الإبياري لمشاهدة إحدى مسرحيات الريحاني، فتعتذر عن الذهاب وتنيب عنها “أبوالسعود” لمشاهدة المسرحية.

ويدخل أبوالسعود المسرح لأول مرة في حياته، ومنذ الوهلة الأولى يؤخذ بروعة المكان، ويحس برهبة مشوبة بالسرور، لوجوده في مثل هذا المكان، كان يجلس في أول صف خلف رئيس الأوركسترا مباشرة، ومن وقت لآخر يلتفت رئيس الأوركسترا وراءه، ويتبادل الاثنان الابتسامات، ثم ترفع الستار، ويظهر نجيب الريحاني في دور ” كشكش بك ” ويضحك الناس، ويموت أبوالسعود من الضحك، ويعيش أسعد ثلاث ساعات قضاها في حياته، ثم تنتهي الرواية، ويعود إلى البيت، ويحاول النوم، ولكنه يسرح بخياله في الأفق البعيد، إنه يحلم ويتمنى أن يصبح واحدا من أفراد كتيبة الفن المصري.

الكاتب المسرحي أحمد الإبياري نجل الأسطورة أبو السعود الإبياري

هذه كانت مقطتفات من قصة حياة “أبوالسعود الإبياري”التي روى بعضا منها بنفسه في مذكراته، والبعض الآخر على لسان إبنه المؤلف والمنتج أحمد الإبياري، الذي يسرد باقي تفاصيل قصة والده التي تمتزج فيها لحظات الفكاهة المستمدة من قريحته المتوقدة بالذكاء والموهبة مع الدراما السوداء التي لازمته في سنوات عمره الأخيرة بعدما امتزجت بدروب التجاهل والنسيان عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد.

بعد انتهاء والدي من دراسته الثانوية – يقول أحمد الإبياري –  كان حب الفن قد تسلل إلى كل مسام جسمه وتمكن منه، خاصة أنه كان حريصا على متابعة أخبار الفن والفنانيين في الجرائد التى كانت تصدر وقتها، وكان حريصا أيضا على كتابة مسرحيات من فصل واحد في السر بعيدا عن أعين والده الذى كان يعمل مقاولا.

عرف من المجلات أن الفنانيين يجلسون على مقهى شهير في شارع عماد الدين، وبالفعل ذهب إلى هناك، فوجد فنانيين كثر منهم “نجيب الريحاني، وصديقه الكاتب بديع خيري”، فجلس على مقربة منهما، لكن الخجل منعه من الحديث معهما، وتكرر جلوسه على المقهى يوما تلو الآخر، وفي إحدى المرات وجد بديع خيري، يجلس منفردا فتجرأ واقترب منه، ثم تحدث معه بعد أن عرفه بنفسه، فرحب به الكاتب الشهير، وطلب منه أن يزوره في منزله بحي شبرا.

وبالفعل ذهب إليه، وقرأ عليه رواية مسرحية زجلية من فصل واحد، فأعجب “خيري” بها جدا، وتنبأ له بالشهرة الكبيرة، ونصحه بكثرة القراءة، وعمل والدي بالنصحية – يضيف أحمد الإبياري – وظلت القراءة متعته الوحيدة حتى نهاية حياته.

كان لديه مكتبة كبيرة جدا متنوعة وليست قاصرة على نوع واحد من الكتب، لهذا كتب ونجح مع كل الأجيال الفنية بداية من: بديعة مصابني، وعلي الكسار، وإسماعيل ياسين، وأنور وجدي، وليلى مراد، ومحمد فوزي، وفريد الأطرش، مرورا بفؤاد المهندس، وشادية، وتحية كاريوكا، ونعيمة عاكف، وصولا لعادل إمام وميرفت أمين ونجلاء فتحي.

لكن كيف كان دخوله لعالم الاحتراف الفني؟

كان من خلال الفنانة الشهيرة “بديعة مصابني”، حيث قدم معها مسرحية من فصل واحد بعنوان “أوعى تتكلم” عام 1933، وشاركه كتابتها أنور وجدي، وقد باعها الاثنان لبديعة بجنيهين فقط، وقد سقطت هذه المسرحية سقوطاً مدويا، فلم تمثلها الفرقة سوى ليلة واحدة، وعلى أثرها اختفى المؤلفان من شارع عماد الدين مدة حوالي شهر، وكان والدي يعتبرها ” أبوخ” مسرحية قدمها في مشواره!

لماذا؟

لأنه كان مضطرا لكتابتها مع أنوروجدي عنوة ، ولأجل حبهالجارف نحو دخول الوسط الفني، لكن رب ضارة نافعة، فقد كانت هذه المسرحية الدافع والحافز له علي أن يبذل قصارى جهده لكتابة روايات أخرى منفردا تشرفه وتجعله يحصل عن جدارة واستحقاق على لقب مؤلف مسرحي .

لماذا اختص فرقة “بديعة ” بإنتاجه المسرحي الأول على مدى سنوات طويلة، تحديدا من عام 1933 وحتى 1941 ؟

لأنها الوحيدة في هذه الفترة التى آمنت وأقتنعت به جدا، كما أنه كان جديدا على المجال الفني، وليس لديه علاقات، ورغم فشل المسرحية الأولى، إلا إنها كانت تعلم أن السبب هو “أنور وجدي” الذى كان أنانيا ويريد فعل كل شيئ، يريد أن يصبح مؤلفا، ومخرجا، وممثلا، ومطربا، لهذا قامت بعمل عقد احتكار لوالدي، خاصة بعد أن حققت أعماله التالية معها النجاح الكبير.

ولأجل ذلك اشترطت عليه عدم التعاون مع غيرها من الفنانيين، لكن أسلوبه الابتكاري في التأليف وتنوع وغزارة انتاجه المميز جعل كثير من أصحاب الفرق المسرحية يطرق بابه، فاضطر أن يكتب عند هذه الفرق بإسم مستعار هو “أديب معروف”، ويكتب عند “بديعة” باسمه الحقيقي ،إلى أن فضحه أحد النقاد الصحفيين، وخلال هذه السنوات ابتكر أسلوبا جديداً في التأليف الاستعراضي، وساهم مساهمة كبيرة في نهضة التأليف المسرحي، وقدم للمسرح المصري ثروة من المسرحيات الكوميدية.

كم عمل قام بتأليفه للمسرح ؟

حوالي 500 عملا مسرحيا بين الثلاثة فصول، والفصل الواحد، بما فيها من أغانى أيضا كان يكتبها بنفسه، فضلا عن عشرات الرقصات والمنولوجات الداخلية الموجودة في سياق العمل.

في حديث سابق بيننا ذكرت لي عدم حبك للفنان أنور وجدي، لأنه ظلم والدك كثيرا، ما نوع الظلم الذى مارسه هذا الفنان على والدك؟

ليست مسألة حب أو كره، لكن هذا الفنان، كان يحب “الشو”، بحسب اصطلاحات هذه الأيام، بمعنى أن ينسب لنفسه أمام الصحف والجرائد كل شيئ، خاصة في أفلامه التى تحقق نجاحا كبيرا، وأبسط مثال على ذلك عدم كتابة اسم أبوالسعود الأبياري على فيلم ” قلبي دليلي”، رغم أن والدي هو الذي كتب الفيلم وأغنياته، ولولا أنه سجل كل حقوقه في الرقابة والمصنفات الفنية، وهدد باللجوء إلى القضاء، كان حقه قد أهدر وقتها، الأمر الذي أضطر أنور أن يكتب اسمه فى النسخ الثانية للفيلم بعد مرور فترة من عرضه، ونفس الأمر حدث في أغنية “يا رايحين للنبي الغالي” للفنانة الرقيقة ليلى مراد، فلم يكتب اسمه على الأغنية أيضا، وغيرها من المواقف التى كانت تغضب والدي “وتحرق دمه”، هذه بعض المشاهدات المؤلمة التي رسبت في ذاكرتي كثير من مرارات وجدي.

هذا عن المسرح كيف بدأت علاقته بالسينما؟

بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، لم يجد جنود الحلفاء لهم إلا ليل القاهرة، وصالة بديعة ملكة الصالات في ذلك الوقت، ونظرا لازدحام الصالة بالرواد يوميا اضطرت إلى إلغاء التمثيل نهائياً، والاكتفاء بالغناء والرقص، وما بين عشية وضحاها وجد أبوالسعود نفسه في الشارع خالي الوفاض، حيث استغنت عنه بديعة، وفي هذا الوقت كان قطع كل صلته بأهله، بعد أن غضب منه والده لأنه وعلى حد تعبيره “يعاشر الأرتست”، وكانت كلمة “الأرتست” في ذلك الحين سبة ، ومع ذلك منعه كبريائه من العوده إلى أهله.

ووسط حالة البطالة المبكرة التى بدأ يعاني منها قابل الفنان “بشارة واكيم” بكازينو الأوبرا، وكان “واكيم” يعرفه جيداً، ويعرف إمكاناته في التأليف، ولهذا أشار عليه أن يؤلف للسينما لأن المستقبل لها، فقال الأبياري له: إنه سبق وطرق بابها من قبل لكنه وجد الباب موصداً، وهنا قال له واكيم: “يا سيدي مش كل الناس زي بعضها، جرب حظك تاني، تعال بكره معايا وأنا أعرفك على ست كويسة خالص بتتعاون مع كل واحد عنده كفاءة”، فقال له الأبياري، من هذه يا ترى؟!

فرد عليه السيدة آسيا، وأنا أفضل أن تحضر معك قصة حتى نكون ناس عمليين، وظل ساهر ليلتها يبحث عن فكرة، وقد استوحى الفكرة من حاله، فهو رجل فقير، “ماذا  لو كان غني؟ “،وقفز لذهنه على الفور عنوان “لو كنت غني” وتشبث بها وفي أقل من ساعة وجد القصة التي تجسد لسان حال: ماذا يفعل الفقير إذا أصبح غنياً هكذا فجأة .

في اليوم التالي جلس مع آسيا وعرض عليها قصة فيلم “لوكنت غني” ووافقت على الفور،وكتبت له شيكاً بخمسين جنيها، وأخذه ليدسه في جيبه وهو يكاد يطير من الفرح، وتوالت الأيام، وعرض الفيلم وحقق نجاحا كبيرا، وفي هذه الأثناء طلب منه بشارة واكيم قصة أخرى يقوم هو ببطولتها، فكتب له قصة “أما جنان”.

وسمعت عنه المنتجة والفنانة “عزيزة أمير” فطلبته، وقالت له: “أنا عندي فكرة وعاوزاك تكتبها لي”، وروت له فكرة فيلم “طاقية الإخفاء “، وماذا يمكن أن تفعل طاقية الإخفاء بالناس، وما هي فوائدها، وما هي أضرارها إذا انتقلت من رجل الخير إلى الشرير.

وأخذ مطلع الفكرة ونسج عليها قصة فيلم “طاقية الأخفاء” بالفعل، ونجح الفيلم نجاحاً لا مثيل له، وكان صاحب الفضل الكبير في فتح بوابة الخير عليه لأنه فتح أمامه باب السينما على مصراعيه، ومن أجره في هذا الفيلم تزوج زوجته وأم أولاده وتوالت الأفلام، لينتقل فيها من قصة إلى أخرى ليزيد رصيده في السينما حيث شكلت أفلامه ثلث إنتاج السينما من أفلام قبله رحيله.

باعتبارك مؤلف ما الذى يميز كتابات أبوالسعود الأبياري؟

كتابته لموضوعات متنوعة وأفكار غير مطروقة من قبل، كما حدث مثلا في أفلام “لو كنت غني، البني آدم، المجانين في نعيم، إسماعيل ياسين في حديقة الحيوان وغيرها”، فضلا عن خفة دم حواره، فالحوار لديه متفردا، ولايوجد من يضاهيه فى كتابة الحوار خاصة الكوميدي، فهو كان “صنايعي ضحك رسمي”، لهذا تجد أفلامه مازالت حتى الآن ناجحة، ومحفورة في أذهان الجماهير، وأعتبره مع الكاتب بديع خيري، هما من أرسيا قواعد الكوميديا في مصر والعالم العربي، وهو أفضل من كتب وعمل “كاراكترات لشخصيات: الحماة، والشاويش، واليهودي، والمأذون”، وتأثر به وقلده كل المؤلفين الذين تناولوا هذه الشخصيات في أعمالهم بعد ذلك، فمثلا تجد شخصية اليهودي “الأخنف” الذي يتحدث من أنفه كما قدمها والدي، هى التى قدمت في كل الأعمال التى تناولت شخصية اليهودي بنفس الطريقة، وشخصية العفريت “عفرتكوش” الذي مازال يحمل ملامح نفس الشخصية حتى الآن في كافة الأعمال الفنية، وكذلك الحال مع باقي الشخصيات التي كانت من صنع خيال أبو السعود الإبياري وحده.

من أين كان يستمد كتابته عن شخصيات أفلامه؟

من قلب الشارع ونبض المجتمع، فوالدي كان حريصا طول الوقت على الاحتكاك بالجماهير بكل أطيافها وأشكالها، فكان يجلس مع الباشا والبيك والموظف، ويصاحب ماسح الأحذية، لهذا تجد الممثل فى أعماله مختلفعن عمله مع أي مؤلف آخر، ومن مميزات والدي أيضا قدرته على تحويل أي فنان إلى ممثل كوميدي، وتشهد على ذلك أفلامه مع فريد الأطرش، مثل “عفريته هانم، عايزه اتجوز، تعال سلم،ما تقولش لحد، ولحن حبي وأنت حبيبي”، ومع محمد فوزي “فاطمة وماريكا وراشيل، ويا حلاوة الحب، وفاعل خير”، حتى عبدالحليم حافظ جعله ممثلا كوميديا في فيلمي “فتى أحلامي وليالي الحب”.

مع الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب
كلمات أغنية “لقيته” من فيلم “بنات حوا”
كلمات أغنية “ياعيني على قلبي” من فيلم “الآنسة ماما”
مسودة أغنية “ياريحين للنبي الغالي”

لماذا لم يكتب لعبدالحليم حافظ أغنيات كما فعل مع فوزي وفريد الأطرش؟

لأنه في الفترة التى كتب لعبدالحليم حافظ أفلامه، كان ابتعد عن عمد عن كتابة الأغنية لانشغاله الشديد بكتابة أفلام آخرى لعدد كبير من الفنانيين، ولقد رأيت بعيني أربع مخرجين يجلسون بجواره في كازينو الأوبرا ينتظر كل واحد منهم أن ينتهي والدي من كتابه الفيلم الخاص به، وفى هذه الفترة كان يرشح شاعرا عظيما ورائعا مثل “فتحي قورة” الذى كان يعتبره تلميذه في كتابة الأغنيات.

مع رفيق دربه إسماعيل ياسين

عندما يذكر اسم والدك لابد أن يذكر اسم إسماعيل ياسين والعكس، كيف بدأت الصداقة بينهما، خاصة إنهما كونا أشهر ثنائي فني يتكون من فنان ومؤلف؟

الصداقة بينهما بدأت عام 1942، حيث كتب والدي لإسماعيل أغاني الفيلم القصير “نمرة6″، تأليف وإخراج صلاح أبوسيف، بعدها كتب له دورا صغيرة في أفلام “أما جنان، رجاء، تاكسي حنطور، البني آدم، القرش الأبيض”، إلى أن قدمه كبطل مطلق في فيلمي “البطل، والمليونير”، وتوالت الأفلام بينهما، وفى عام 1953 أدرك إسماعيل ياسين بذكائه الشديد أن مفتاح نجاحه في يد أبوالسعود الأبياري، فطلب منه أن يكتب له بعض الأعمال المسرحية، لكن الإبياري طلب منه مشاركته فى تكوين فرقة مسرحية، ولاقت الفكرة إعجاب إسماعيل، وبالفعل باع كل منهما كل ما يملك، وكونا “فرقة إسماعيل ياسين” التى قدمت حوالي 60 عملا مسرحيا.

لماذا تخصص والدك في تقديم الأفلام الكوميدية، ولم يطرق باب السينما الدرامية كثيرا؟

كان يجد نفسه في الفيلم الكوميدي أكثر من الفيلم الدرامي، وكان صاحب أول تصنيف للكوميديا، فكان يكتب فيلم كوميدي إجتماعي، أو إنساني، أو بوليسي، أو غنائي، ورغم هذا كتب أفلام تراجيدية هامة مثل: “معلش يا زهر، اليتيمتان، ظلموني الناس، ست البيت، والأخير هذا شارك في المسابقة الرسمية لـ “مهرجان كان”.

المتابع لوسائل الإعلام المختلفة لا يجد أي احتفاء بذكرى ميلاد أو وفاة الإبياري، وعدم الحديث عنه مطلقا كشاعر غنائي رغم كتابته مئات الأغنيات الهامة؟

بحزن شديد قال غاضبا وبصوت يعتصره الألم: “يذكروه ما يذكرهوش”، الجمهور يذكره !.. يكفيني محبة الجمهور في مصر والعالم العربي، وعندما يعرض فيلم له أجد صداه في قلب الشارع في اليوم التالي لعرضه، وهذه المواقف التي تتسم بالجحود تجاه أبوالسعود الإبياري ليست وليدة اليوم، ولكنها من بداية عام 1961، عندما اقتحم تيار الشيوعيين واليساريين المجال الثقافي والفني، وادعوا أنهم مؤلفين وشعراء، وطلبوا منه الانضمام لهم لكنه رفض، لأنه لا يريد أن يصبح موظفا، فكانت النتيجة تأميم مسرحه الذى أسسه مع شريكه إسماعيل ياسين، وضمه لمسارح الدولة، وفرض حصارا عليه في السينما، حيث لم يكتب أي أفلام للقطاع العام باستثناء قصة وحوارفيلم “صغيرة على الحب” وقصة “شقة مفروشة”، وظلت الأيادي الخبيثة تطارده حتى رفضوا أن يكتب لهذا الفيلم السيناريو والحوار.

ولم يجد والدى غير التعاون مع الشركات الخاصة، ولم يكتفوا بذلك فقد قام المسئولين في التليفزيون بمسح 41 مسرحية عمدا من تأليفه، تم تسجيلها تليفزيونيا على الرغم من أنها تضم عمالقة التمثيل في مصر، عقابا له على عدم الانضمام لكتيبة “المطبلتية”، ولقد عايشت هذه الفترة و”اتقهرت على أبويا”!، خاصة أنه على وفرة وتميز ورقي فنه الكوميدي الأخلاقي، الذي لايضاهيه فن مثله حتى الآن، وصفه بعضهم بالجهل، وهل من عاقل يمكن أن يصدق هذا الوصف على الرجل الذى كان صديقا لنجيب محفوظ وأمين يوسف غراب ويوسف السباعي، وغيرهم من رواد الفكر والأدب، وهل من مختل عقلي يمكن أن يمحو من الذاكرة الجمعية للأمة المصرية بأثرها مسيرة رجل كتب 240 فيلما، و500 مسرحية، ومئات من الأغنيات سواء العاطفية أو الدينية أو الوطنية أو الشعبية، ولحن له كل ملحنيين مصر بلا استثناء!، وحتى عندما أعلنواذات يوم تكريمه في مهرجان للسينما عبثت الخفافيش كعادتها، وأسقطت إسمه ليلة التكريم!، ويضيف “أحمد” غاضبا: شفت ظلم وقسوة وجحود أكتر من كده.

وحتى أخفف من غضبه وحزنه سألته ماذا عن أبوالسعود الأبياري الأب والإنسان؟

بثقة عالية تلمحها في بريق عينيه، وتباه بوالده يبدو مرسوما على جبهته العريضة يقول: كان حنونا وطيبا وعطوفا وكريما وسخيا، وفى نفس الوقت شخصية قوية جدا ويحسب له حساب بداية من دخوله الشارع وحتى عتبة منزله، حتى أنه يشبه شخصية “سي السيد” المستمدة من أجواء صديقه نجيب محفوظ الرواية.

هل صحيح أنه كان أحيانا يقوم بإعادة كتابة بعض سيناريوهات زملائه دون أن يضع إسمه؟

حدث هذا فعلا في كثير من سيناريوهات الأفلام التى ظهرت بها بعض العيوب بدون ذكر أسمائها، فقد كان يقوم بإعادة تصحيح هذه السيناريوهات لحبه مثلا لبطل أوبطلة الفيلم، وحدث هذا بالتحديد مع “سعاد حسني” في أحد أفلامها، فهذا العصر الرائع الذى يحلو لي أن أطلق عليه عصر “الخصوبة الكاملة” فى كل المجالات، كان الكل يعمل لمصلحة الفن.

من كان صديقه المقرب منه جدا؟

الفنان محمود المليجي، وكان يعشق صوت الشيخ محمد رفعت.

ماهي طقوسه في الكتابة؟

كان كائنا نهاريا حيث يقوم في الصباح الباكر تحديدا في السابعة ، وفى التاسعة صباحا يكون على مكتبه يكتب بلا إنقطاع حتى الساعة الثانية ظهرا.

………………………………………………………………………………………………………………………………………………………

240 فيلما كتب لهم السيناريو والحوار والأغاني

كتب أبوالسعود الأبياري حوالي 240 فيلم كمؤلف، وكاتب سيناريو وحوار، ومؤلف أغاني، من هذه الأفلام:

“وكنت غني، طاقية الإخفاء، شارع محمد علي، الأنسة بوسة، قلبي دليلي، طلاق سعاد هانم، حبيب الروح، اليتميتان، ست البيت، فاطمة وماريكا وراشيل، عفريته هانم، ليلة العيد، الآنسة ماما، ساعة لقلبك، الزوجة السابعة، معلهش يا زهر، ظلموني الناس، المليونير، آخر كدبة، ياسمين، البنات شربات، تعال سلم، حماتي قنبلة ذرية، ما تقولش لجد، الهوا مالوش دوا، عايزة اتجوز، قدم الخير، أنا وحدي، بنت الأكابر، دهب، فاعل خير، نشالة هانم، ابن للإيجار، لحن حبي، الحموات الفاتنات، بنات حواء، أربعة بنات وضابط، عفريتة إسماعيل ياسين، عزيزة، إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، ليالي الحب، الأرملة الطروب، إسماعيل ياسين طرازن، فتى أحلامي، إسماعيل ياسين في دمشق، كل دقة في قلبي، حلاق السيدات، الفانوس السحري، سكر هانم، الزوجة 13 ، المجانين في نعيم، صغيرة على الحب،جناب السفير، شقة الطلبة، زوجة لخمسة رجال، شقة مفروشة، البحث عن فضيحة.

………………………………………………………………………………………………………………………………………………………

300 مسرحية أشهرها “فتافيت السكر”

كتب أبوالسعود الإبياري أكثر من 300 مسرحية، وكانت البداية عام 1933 من خلال مسرح بديعة مصابني، ومن أشهر مسرحياته:

“سيدتي العبيطة، حكاية جوازة، بنت ملك السجق، حماتي في التليفزيون، عمتي فتافيت السكر، يا قاتل يا مقتول، عازب إلى الأبد، عقول الستات، منافق للإيجار، الحبيب المضروب، 3 فرخات وديك، اتجوزت حرامي، بوهيجي الغرام، مراتي من بورسعيد، الكورة مع بلبل، جوزي بيختشي، من كل بيت حكاية، عفريت خطيبي، جوزي كداب، صاحبة الجلالة، خميس الحادي عشر، ركن المرأة، أنا عايزة مليونيرة، حرامي لأول مرة، حبيبي كوكو، الست عايزة كده، عريس تحت التمرين، عمارة بندق، كنتي فين امبارح، يا الدفع يا الحبس، ضميري واخد اجازة، عايزة احب”.

………………………………………………………………………………………………………………………………………………………

ابو السعود الابيارى يتسلم جائزة الدولة التشجيعية عن فيلم الزوجة رقم 13

كتب مئات الأغنيات ولاتذكره وسائل الإعلام كشاعر

رغم أن أبوالسعود الأبياري كتب كل ألوان وأشكال الأغاني، وكتب مئات الأغنيات، إلا أن وسائل الإعلام لا تذكره كشاعر إطلاقا، رغم كتابته لأهم أغنيات السينما المصرية، ومعظم ما كتبه مازال يتردد على ألسنة الجماهير المصرية والعربية من هذه الأغنيات على سبيل المثال:

“أنا قلبي دليلي، يا رايحين للنبي الغالي، البوسطجية إشتكوا، يا عوازل فلفلوا، وله يا وله، معانا ريال ..معانا ريال، يا عيني على قلبي، يا حسن يا خولي الجنينة، يا نجف بنور، عايز أروح …متروحش، لقيته … وهويته، واحد اتنين، اسكتش المجانين، يا عيني ع العز … دى عيشته تلز،غاب عني ليه …. يا ترى، فاطمة وماريكا وراشيل، كان بدري عليك، إحنا التلاتة سكر نبات، أشكى لمين، حبيب الليل، إستعراض الأزياء، بنت اليوم،الله يا روحي ع الفتة، قلبي وقلبك، وأنا واد خطير، نحن لها، ياما جوا الدولاب مظاليم،ميمي وفيفي وسوسو،وغيرها الكثير جدا من الأسكتشات والدويتوهات والتريوهات الفكاهية التى كتبها لكل نجوم الغناء في الأربعينات والخمسينان مثل فريد الأطرش، محمد فوزي، إسماعيل ياسين، شادية، محمد البكار، عبدالعزيز محمود، شكوكو وغيرهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.