رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كفانا تقليد واقتباس

بقلم: محمود حسونة

مابين عشية وضحاها أصبحت السينما الكورية حديث العالم، بعد أن كانت مجهولة لعشاق الفن السابع، باستثناء الشعب الكوري الجنوبي وبعض من شعوب الجوار. وحقق هذا الاختراق الكبير فيلم بسيط حكياً وطرحًا ومعالجة، هو “طفيلي” أو “Parasite”، الذي قد يكون طبيعيًا أن ينال “السعفة الذهبية” في مهرجان كان السينمائي الدولي، باعتبار أن التنافس فيه مفتوح منذ بدايته لكل من يشارك في مسابقته الرسمية من حول العالم، إنما ليس من الطبيعي أن ينال الجائزة الكبرى لأفضل فيلم في “الأوسكار”، التي اعتدنا عبر تاريخها ألا تُمنح إلا لفيلم أمريكي، وأضعف الإيمان لفيلم ناطق باللغة الإنجليزية. 

“طفيلي” حطم جميع القواعد، فهو أول فيلم ناطق بلغته الأم (الكورية) وغير ناطق باللغة “الإنجليزية”، ينال الجائزة؛ وهو صناعة وإبداع كوري خالص، تأليفًا وتمثيلًا وإخراجًا وإنتاجاً، ولكنه يناقش قضية إنسانية كونية تصلح لكل زمان ومكان، وهي قضية الصراع بين الطبقات، أغنياء وفقراء، وصراع الفقراء فيما بينهم لكسب رضا الأغنياء والسطو على ثرواتهم، قضية الناس في الريف والحضر، في الشرق والغرب، في العصور البدائية وحتى قيام الساعة.

هذا العمل الذي حطم القواعد وكسر الحواجز وتجاوز المألوف، قدمه صناعه بأسلوب يتجاوز أيضاً المألوف، حيث أقنعنا “الأقدمون” بأن سينما الجوائز معقدة الطرح والمعالجة ولا يفهمها سوى النخبة “المحتكرين” للفهم والوعي والثقافة، ولكن من يشاهد “طفيلي” يجده سلساً، بسيطاً، يفهمه كل من يشاهده بصرف النظر عن مستواه التعليمي، وينجذب إليه كل الناس، وليس المدّعون احتكار الوعي والثقافة فقط. 

الفيلم لم ينل فقط جائزة الأوسكار الرئيسية، ولكنه خرج من الحفل متأبطاً ٤ جوائز، حيث نال أيضاً جوائز أفضل فيلم أجنبي وأفضل إخراج وقصة أصلية كونه ليس مقتبساً عن رواية أو قصة حقيقية، والجوائز الأربعة التي نالها قد تكون الأهم، والأهم من الأهم، أنها تؤكد أن حالة الانبهار التي نثرها الفيلم على المحكمين تعود بشكل أساسي للقضية التي يناقشها، وأسلوب مناقشته لها، رغم أنها موجودة منذ بدء الحياة على الأرض. 

“طفيلي” يمكن اعتباره سيد أفلام العام، حيث أنه الأكثر تتويجاً بالجوائز الكبرى، فبعيداً عن سعفة مهرجان كان الذهبية، وجوائز الأوسكار الأربع، حصد ١٩٨ جائزة ومعظمها مهمة جداً، من بينها أفضل فيلم وأفضل فيلم أجنبي في “البافتا”، وأفضل فيلم أجنبي في “الجولدن جلوب”. 

نعم، عندما تتوفر الموهبة والإرادة، يستطيع الفنان أن ينال الجوائز ويبهر الجمهور والنقاد والسينمائيين في آن واحد. 

نعم، يستطيع الموهوب الذي لا يشغله تقليد الآخرين أن يفرض فنه على العالم أجمع، وأن يتجاوز بلغة الإبداع والصدق والتجديد سطوة هوليوود، وسطوة رأس المال التي تتحكم في سينما وعقل العالم. 

نعم، القضايا الإنسانية وحدها، هي الطريق الأقصر إلى وجدان الجمهور وعقول النقاد، وهي التي تستطيع بها اختراق الحواجز وتجاوز السدود واقتحام الحدود. 

نعم، الصدق في الفن والابداع يجد من يلتف حوله، ويدافع عنه مهما كانت قدرات أساطين المال والقرار في مجالات الفن المختلفة. 

نحن المصريون نتقدم للأوسكار منذ العام ١٩٥٨، وشاركنا منذ هذا التاريخ ب ٣٤ فيلمًا ولكننا لم نحصد اي جائزة، ولم نستطع أن نلفت أنظار العالم إلى أننا من أوائل صناع الفن السابع حول العالم، واعتقد أن السبب أننا لم نكن أبداً سوى مقلدين ومقتبسين، ولَم نكن لا مجددين ولا واثقين في أنفسنا ولا في إبداعاتنا، ولعل أوسكار هذا العام يدفعنا لتغيير المعايير التي على أساسها نختار الأفلام التي تمثلنا في الأوسكار وفي غيره من مهرجانات السينما العالمية المهمة. 

الكوريون، آمنوا بأنفسهم، فتألقوا صناعيًا ونوويًا وسينمائيًا وإبداعيًا، ولو آمنا بأنفسنا وتوقفنا عن تقليد الآخر والاقتباس منه، يمكن أن نجد الطريق الذي ييسر لنا رحلتنا إلى المستقبل.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.