كتب: محمد حبوشة
نحن نعيش – بلاشك – في عالم يحكمه (قانون الغاب)، ولعل المدعو (نيتنياهو) يمثل تجسيدا حيا في حكم العالم على هواه الشخصي، ضاربا عرض الحائط بكل القيم الإنسانية، وفي تحد سافر أصبح يسيطر على مصائر العالم أجمعه وليس الشرق الأوسط أو العالم العربي، ولايجد من يردع شغفه وتوقه لسفك الدماء العربية.
الغريب أن هذا كله يأتي في ظل غياب إعلام عربي يختفي تماما عن المشهد المرتبك، ويكتفي فقط بنقل أخبار القتل والدمار وكأن الأمر لايعنيه، فتحديدا بعد السابع من أكتوبر 2023، أصاب (نيتنياهو) سعار لقتل كل ماهو عربي يعرقل مشروع دولة إسرائيل الكبرى (من النيل إلى الفرات).
لقد أعلن (نيتنياهو) صراحة في أكثر من مكان قرب تحقيق الدولة العبرية التي تشمل مناطق محددة حسب نبوءة أشعياء المزعومة.
في دراسة أجراها أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب (شاؤول قمخي) تحاول أن تتقصى السمات الشخصية لبنيامين نتنياهو، تعتمد هذه الدراسة على تحليل السلوك الذي أبلغ عنه علنا؛ مثل الكتب المكتوبة من قِبَل (نتنياهو) نفسه، والأخبار والتصريحات التي تتعلق به التي نُشرت في الصحف الإسرائيلية.
بحسب الورقة البحثية، فإن (نتنياهو) قد أحرز درجة مرتفعة في نقطة الالتفاف حول الذات، حيث يعد النجاح الشخصي أكثر أهمية بالنسبة إليه من الأيديولوجيا التي يقول إنه يسعى إلى تحقيقها، بل ولا يتردد في استغلال الآخرين، بما في ذلك زملاؤه، من أجل تحقيق النجاح الشخصي.
وفي هذا السياق فإنه يعتبر نفسه أكثر فهما للأمور من الآخرين، وبالتالي فإنه يرى من لا يتفقون معه على أنهم لا يفهمون السياقات التاريخية أو السياسية فهما صحيحا، وتنقل الدراسة تدليلا على ذلك عدة مشاهد، منها شهادة صحفي أجرى مقابلة معه، ادعى (نتنياهو) خلالها إنه يميز العمليات التاريخية التي لا يميزها الآخرون.
فضلا عن أن موقفه تجاه الأشخاص الذين يعملون معه عن كثب يظهر بوضوح تمركزه حول ذاته، بل إن بعض السلوكيات تكشف عن انشغال بالذات لدرجة أن الآخرين لا يتلقون أي اعتبار.
تعامل (نتنياهو) مع زملائه
وتتجلى هذه السمة في تعامل (نتنياهو) مع زملائه من السياسيين، حيث يواجه الرجل مشكلة في فهم وتقدير أي وجهة نظر أخرى تخالف وجهة نظره، ودليلا على ذلك، تلاحظ الدراسة أن (نتنياهو) لم يقدم في كتبه أي أمثلة على محاولات لفهم أو تقديم وجهات نظر أخرى غير تلك التي تعبر عن وجهة نظره.
تشير الدراسة إلى أن (نتنياهو) يحقق درجات عالية في مقياس الطموح والإصرار، وتقول إنهما أبرز سمتين في شخصيته، وهذه المقاييس لا تشير إلى أخلاقية الفعل، فكما تشير الدراسة، فإن هذا يعني سعيه للوصول إلى القمة مهما كان الثمن والتنازلات والتجاوزات التي يمكن أن يقدمها للوصول إلى هدفه وإزاحة المنافسين له.
وهو ما قد يفسر استمراره لأطول فترة في رئاسة وزراء دولة الاحتلال، كما أننا يمكن ملاحظة ذلك في تحالفه مع اليمين المتطرف الذي كان حتى الأمس القريب من أشد أعداء إسرائيل، بعد قتلهم لرئيس الوزراء السابق إسحاق رابين.
لكن نتنياهو اتجه نحو هذا التحالف في مسعاه للبقاء في السلطة حتى لو أضر ذلك بالمسار (الديمقراطي)، كما يصف كاتب إسرائيلي معارض لنتنياهو، وفي هذا الصدد، فإنه لا يفتأ أن يحدد أهدافا كبيرة قد لا تكون واقعية ولا يرضى بالنجاحات الجزئية، خاصة إذا ما كانت تهدد منصبه، ولا يتخلى أبدا عن أهدافه.
وبالتالي يتفاعل بطريقة مرعوبة ومرتبكة، وفي مثل هذه الحالات فهو على استعداد للوعد بأي شيء وتوقيع أي وثيقة خاصة عندما يتعرض للابتزاز.
وعلى الجانب الآخر، فإن (نتنياهو) يبدو شخصا متلاعبا، وهو بحسب الدراسة لا يرى في هذا التلاعب أي سمة غير أخلاقية، بل يرى لعبة السياسة محكومة بـ (قوانين الغاب)، حيث يبقى الأقوياء ويسقط الضعفاء، وبالتالي فإن تحقيق الهدف يبرر أي وسيلة وبأي تكلفة.
وهنا أتساءل: إذا كانت الدراسات الإسرائيلية ترى (نيتنياهو) هكذا وبهذه الصورة المشوهة، فلماذا لاترى وسائل إعلامنا أن ذلك يتفق مع ما سبق في نقطة (قوانين الغاب)، وبالتالي تقوم بفضحه على أثر قصف المدنين في (غزة، ولبنان، وسوريا) وغيرها من المناطق العربية؟، وتقدمه كمجرم حرب ينبغي ملاحقته قضائيا.
فالرجل يمتلك موقفا يعتبر (الغدر) معيارا متفقا عليه ومقبولا في السياسة، بل ترى بعض الآراء أن (نتنياهو) كان مدخلا لجعل (المكايدة) شكلا مقبولا للخداع بين بعض السياسيين بحسب الدراسة.
يكذب بملء فيه
ينبع ذلك من اقتناعه بأنه في السياسة يمكن قبول أي وسيلة طالما تحقق الهدف، وبالتالي فعندما يقول أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين، وعندما يكذب بملء فيه، فإنه لا يواجه أي صعوبة نفسية أو الشعور بالذنب.
ويجري هذا الموقف على تعامله مع الإعلام، فالرجل لديه قدرة كبيرة على الخطابة والعبث بالكلمات لصالح الرواية التي يريد تقديمها، ظهر ذلك جليا خلال شرحه لموقف دولة الاحتلال أمام جمهور أميركي باللغة الإنجليزية المتقنة، وخدمه ذلك جيدا خلال سباق رئاسة حزب الليكود وبعد ذلك لمنصب رئيس الوزراء.
وهو بحسب الدراسة يهتم بالإعلام جدا، فهو على سبيل المثال يدخل قاعة المؤتمرات في الوقت الذي تبدأ فيه نشرات الأخبار الرئيسية، وهو في هذا السياق يعامل ستوديو التلفزيون بوصفه ساحة معركة.
لماذا إذن لا نفهم شخصية على نحو صحيح من جانب وسائل إعلامنا العربي؟، ولعلنا في هذا نركز على استنتاج مهم، وهو: أن إحدى سمات (نتنياهو) المميزة الأخرى هى الارتياب (الشك)، ومن ثم ينبغي تعريته أمام الرأي العالم العالمي الذي أصبح ينحاز لكافة مواقفه غير الأخلاقية.
لقد أصبح (نيتنياهو) خطرا على دولته وعلى العالم العربي الذي يقف عاجزا، وهذا بدوره يولد بعض سمات الشخصية الاستبدادية، فهو يميل إلى إنكار نقاط ضعفه وتوجيه اللوم إلى الآخرين عندما يفشل، (نتنياهو) في هذا السياق لا يخطئ أبدا، فالخطأ دائما في الآخرين، لأنهم على الأقل لم ينفذوا توجيهاته بالشكل الصحيح.
ومما سبق، تخلص الدراسة في المجمل إلى أن (نتنياهو) يمتلك العديد من سمات الشخصية النرجسية، بما في ذلك الميل نحو تعظيم الذات، مع طموح قوي وانتهازية وتفان كامل في تحقيق هدفه، وفشل في الاعتراف بالضعف، ورفض اللوم، والعلاقات التلاعبية.
بلإضافة إلى استخدام الأشخاص الآخرين لتحقيق أهدافه، وغياب النزاهة في السياسة، ونقص في الأخلاقيات الشخصية والسياسية، وحساسية كبيرة للانتقاد، ووعي حاد بمظهره.
لماذا تقف وسائل إعلامنا الغارقة في التفاهات عاجزة، في ظل حرص (نتنياهو وفريقه الإعلامي على رسم صورة له خلال ظهوره المتكرر؟، لكن هناك ما لا يمكن التحكم فيه، فـ (لغة الجسد) تخبرنا – في كثير من الأحيان – بما لا يعبر عنه اللسان.
كيف يوظف لغة جسده
(الجزيرة نت) استطلعت رأي الاستشاري الإعلامي والخبير في لغة الجسد (حسام شاكر) حول ما تنبئ به ملامح (نتنياهو)،
ويذكر (شاكر): – ابتداء – بأن (نتنياهو) عرف بمهاراته الاستعراضية وارتدائه (الافتعال)، فهو يحاول دائما أن يوظف لغة جسده بشكل يوصل رسائل توحي بالثقة والاقتدار والبراعة في الأداء وارتفاع الروح المعنوية.
ويضيف أنه عندما نرى (نتنياهو) عاجزا عن التصرف بجسمه وإظهار ثقته والتعبير عن اقتداره وروحه المعنوية العالية من خلال تعبيرات وجهه وحركات جسمه، خاصة يديه وذراعيه، فإننا ندرك بوضوح أنه في أزمة عميقة تعطل هذه المهارة التي عرف بها لدرجة التمثيل والافتعال الباهر.
كما كان يشاهد – مثلا – عند إلقائه خطابات على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك خطاباته في الحياة السياسية داخل إسرائيل، أو في لقاءاته مع قادة العالم.
والسؤال الملح الآن: هل نكتفي بتحليل لغة الجسد لنيتنياهو وكفى؟، وهل نكتفي بتحليل انعكاس البنية النفسية لنتنياهو على شخصيته، والتي وصفها الباحثون بالعدوانية والنرجسية والبرجماتية وعدم المصداقية والمراوغة؟.
وهل نكتفي بكراهية العرب (نتنياهو) فحسب، والتي هى بالتأكيد ليست منفصلة عن كراهيته للآخر، إذ يقوم منظوره الديني والسياسي في الموضوع الفلسطيني على حق اليهود في العودة، ويستبعد نتنياهو أن ينتهي العداء العربي لـ (إسرائيل) في الجيل الحالي، ويعتقد أن العرب لن يقبلوا بـ (إسرائيل) إلا بالقوة؟
التشبث بالمنطق الميكافيللي
ظني أننا لايصح أن نكتفي بهذا أوذاك، بل لابد من مواجهة (نيتنياهو) والتركيز من جانب وسائل إعلامنا على تقديمه كأكبر مجرم في التاريخ الإنساني الحديث، وعليه لابد من محاكمته.
فالواضح أن (نيتنياهو) لن يتخذ قرارات استراتيجية بخصوص حل الصراع إلا إذا كانت تدعم استمراره في منصبه، كما سيواصل (نتنياهو) السعي لتحقيق مشروعه الخاص بـ (الدولة اليهودية).
كما لن يمل (نتنياهو) من التشبث بالمنطق الميكافيللي في علاقاته الأسرية، والمجتمعية، والدولية على مختلف أشكال هذه العلاقات، خاصى أن لدى (نتنياهو) من القدرة والذكاء ما يمكنه من النفاذ من المآزق المختلفة.
ولكنه مع ذلك إذا تعرض للمفاجآت الحادة فإنه يرتبك بشكل واضح ويعجز عن اتخاذ القرار المناسب، وهذا ما يجب أن تعول عليه وسائل إعلامنا.
ربما تكمن أهمية هذا الميدان من الدراسات في أنها تساعد على فهم الخلفية النفسية لردات فعل القائد على ما يواجهه من تعقيدات الحياة السياسية، وبالتالي التنبؤ بكيفية مواجهته لمثل هذه الأوضاع مستقبلا.
وأخيرا أعتقد أن وسائل الإعلام العربي عليها أن تفيق من غفوتها الحالية، وتسلط أضواء يومية كاشفة أمام العالم على أن هذا الرجل المختل عقليا، موضحة أنه سيحرق العالم بأثره إذا لم نعجل بمحاكمته وتعرية وجهه القبيح.. ربما يتحرك ضمير العالم الذه تحكمه تلك الأفعى بالحديد والنار،ويتحمل مسئوليه.. فالعار.. كل العار إذا وقفنا طويلا هكذا متكتوفي الأيدي!