فى ذكرى (فايزة أحمد): تعرف على الأغنية التى حكت فيها مأساة (نجوى فؤاد) العاطفية!
كتب : أحمد السماحي
أحيينا أمس السلت 21 سبتمبر الذكرى الـ 41 لرحيل كروان الشرق (فايزة أحمد)، الصوت الأكثر دفئا في العالم، والذي يزيده الزمن حضورا وتوهجا، لأنه صادق – ويصادق – الآذن العاشقة للغناء العربي الأصيل، نظرا لصدقه الشديد وذوبانه فيما يقول، وأصدق المطربين من يحس بما يقول، وأجمل الأغنيات التى تخرج من أعماق منشدها، كانت الراحلة تمتلك صوتا واضح الملامح، مميز النبرات، مملوء بشحنة انفعالات وأحاسيس.
عندما نستمع لصوت (فايزة أحمد) نشعر وكأننا نحلق فى فضاء ليس له بداية ولا نهاية، صوتها مزيج من الأحاسيس المتضاربة، الفرح والشجن، الأمل واليأس، الكبرياء والخضوع، الضعف والقوة، صوت يشبه الكريستال، غنت حوالي 320 أغنية متنوعة ومختلفة فأبدعت في كل هذه الأغنيات التى عبرت عن كل مجالات الغناء والتعبير سواء العاطفي أو الديني أو الوصفي أو القومي أو الوطني.
ولن نجد أفضل من مبدعنا وأستاذنا الكبير (عمر بطيشة) الذي تعلمنا من حوارته، وأغنياته كل ما هو جميل ورائع ليدلو لنا بشهادته عن هذه الرائعة (فايزة أحمد) خاصة وأنه كون ثنائيا ناجحا معها في العديد من الأغنيات الطويلة والقصيرة التى ما زالنا نعيش على عطرها حتى الآن بداية من أغنيتهما الشهيرة (غريب يا زمان) التى قامت بغنائها عام 1973.
حتى (أيوه تعبني هواك) التى تعتبر واحدة من آخر أغنياتها يقول شاعرنا الكبير في كتابه الممتع (ذكرياتي مع الأغاني): كانت (فايزة أخمد) تلقب بكروان الشرق من فرط جمال صوتها الحريري وعذوبة انتقالاتها من مقام لآخر بسلاسة ونعومة فضلا عن عاطفة جياشة تمس شغاف قلوب سامعيها.
لكنها كانت أيضا مبهورة بنفسها وبموهبتها لأنها تعرف قدر هذه الموهبة إلى درجة أنها كانت تغني أمامي مقطعا تجرب صوتها فيه، وحين تجيد وقبل أن أنطق تقول لنفسها بصوت عال: (الله الله يا بت يا فايزة!).
كانت جدعة وحقانية
وعلى المستوى الإنساني كانت (فايزة أحمد) جدعة وحقانية إلى أقصى حد، وتعطف على كل ضعيف ومحتاج، بل كانت تعطف على الحيوانات بشكل ملحوظ جدا، كنت ذات مرة فى البيت انتظرها مع زوجها الموسيقار (محمد سلطان) وعادت من مشوارها باكية منفعلة فساعدناها على الجلوس.
وسألناها ما سبب هذا الانهيار الذي تبدو عليه فقالت أنها كانت تركن سيارتها في جراج العمارة حينما لاحظت أن عمال الجراج والسياس يضربون ويطردون كلبة مع أولادها كانت تقيم بالجراج منذ فترة، وكلما طردوا الكلبة عادت مع أولادها.
وقالت (فايزة أحمد): إن الكلبة استنجدت بها وقالت لها باكية: (انجديني يا ست فايزة أنا بأجري على ولادي وباشتغل بشرف وباحرس الجراج، وبأكل لقمتي بعرق جبيني، أنا ماني ماشية مشي بطال انجديني)، وأن الكلبة استصرخت شهامتها من خلال بكائها وتحيبها ودموعها مما جعلها – فايزة – تشتبك في خناقة حامية مع سياس الجراج ليتركوا الكلبة وشأنها مقابل جنيهات ستمنحها لهم.
أجمل الأغنيات التى أبدعها
وحكى مبدعنا الكبير كواليس واحدة من أجمل الأغنيات التى أبدعها للراحلة (فايزة أحمد)، وكيف كانت الراقصة الاستعراضية الكبيرة (نجوى فؤاد) ملهمته في كتابة أغنية (بكره تعرف) حتى اسم الأغنية كانت (نجوى فؤاد) صاحبة الفضل.
فيه فيقول: لم أتوقع يوما أن تكون (نجوى فؤاد) المشهورة بمرحها وابتسامتها الدائمة تتمتع بهذا الدفء فى المشاعر والرومانسية فى العواطف إلا حينما قابلتها ذات أمسية في بيت (فايزة أحمد)، و(محمد سلطان) ووجدتها تبكي بحرقة، و(فايزة) تخفف عنها وتواسيها، حيث كانت يومها تستمع مع (فايزة) إلى أغنية (وقدرت تهجر) التى يقول مطلعها :
وقدرت تهجر يا قلبك
وقدرت تصبر يا بختك
ونسيت حياتي وسنين حياتي
وقدرت تهرب من ذكرياتي
روحي أنا ليه بس أنا
ما قدرتش أنسى يوم ولا ساعة هنا
(فايزة) تجفف دموع (نجوى)
أخذت (فايزة أحمد) تجفف دموع (نجوى) وتطبطب عليها بحنان، ثم أدارت شريط كاسيت آخر على الجهاز لأغنية (خلينا ننسى) من كلماتي وألحان (محمد سلطان) متصورة أنها تخفف عنها، ودارت الأغنية وانتهى المطلع وسط دموع تنساب من عين (نجوى) وبدأ الكوبليه الذي صاحبته موجة انفعال حادة من (نجوى) وهو:
وباحلف أن عمر ما فات علينا خصام
ومهما الناس يقولولي أقول ده كلام
تفوت أيام وأقول بكره أصالحه
ولما الحب يبقى كبير يهون جرحه
وتيجي أيام ألاقي العزه واخداني
أقول أبدا، لا يمكن أكلمه تاني
معقولة يخاصمني أنا، معقولة يهجرني سنة
معقولة يظلمني كده، ويسيبني لكلام ده وده
وإزاي قدرنا نكون قاسيين، إزاي وجبنا القسوة منين
وتوحشني ياخدني الشوق لأيامك
اتوه فيها وافوق تاني على خصامك.
انهالت دموع (نجوى) أكثر وأكثر، وسألت أنا و(محمد سلطان) ما الحكاية؟ فقالت (فايزة أحمد): أن زوج (نجوى) خانها وطلقها وتزوج من أعز صديقاتها، وكانت بين (نجوى وزوجها) مشاعر صادقة منذ تعرف عليها بصفته مدير عام الفندق الذي ترقص فيه كل ليلة.
تعاطفت مع أزمة (نجوى فؤاد)
ويومها طلبت (نجوى) أن أكتب أغنية يكون عنوانها (بكره تعرف) تعبر عن أزمتها النفسية، حتى تبعث بها كرسالة إلى طليقها على صوت (فايزة أحمد) تقول له فيها بكره تعرف أي أنه سيندم على هجرها ولكن بعد فوات الأوان، والحقيقة أنني تعاطفت مع أزمة (نجوى فؤاد) كما أن عبارة (بكره تعرف) تصلح مدخلا لأغنية جميلة.
وبالفعل كتبت الأغنية وما هى إلا أيام وكانت (فايزة أحمد) تسجل الأغنية بلحن (محمد سلطان) وانتشرت بسرعة البرق ونجحت نجاحا ملحوظا لأنها أغنية صادقة مشحونة بالأحاسيس الجياشة، وكان يقول مطلعها:
بكره تعرف بعد ما يفوت الأوان
بكره تعرف لما ينسانا الزمان
أني حقيقي حقيقي بحبك
وكنت أتمنى أفضل جنبك
بس يا خسارة على الحب اللي كان
لما تعرف بعد ما يفوت الأوان.
وانبهرت (نجوى فؤاد) بالأغنية التى عبرت عن مأساتها تماما.