رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: (المؤلف المسرحي) في مصر القديمة

بقلم الدكتور: كمال زغلول

يحتاج (المؤلف المسرحي) لمجموعة من الأدوات المتمثلة في الخيال والتصور والحس والشعور والذهن، لكي يستطيع الوصول بنصه إلي الجمهور.

بمعنى التأثير في القائمين بإخراج العرض المسرحي، من مخرجين وممثلين، ومصممي أزياء وديكور لكي يحفزهم على تقديم عرضه.

وهذا بالطبع ينعكس عليهم ، عند عرض العمل في التأثير على الجمهور المشاهد عند القيام بتحويل النص إلي عرض سمعي بصري وهذا هو هدف العمل التمثيلي.

واستطاع (المؤلف المسرحي) القديم، أن يتفهم هذا النوع التأثيري الواقع على كلا الطرفين (القائمين بالعمل التمثيلي، والجمهور).

إقرأ أيضا : كمال زعلول يكتب: (إيزيس) .. والانتصار على ست !

فقام بتأليف شخصيات عمله من خلال وجدان الشخصية التمثيلية، والوجدان هو الخاص بما تحمله نفسية الشخصية من طباع، يظهر في صورة تعبير صوتي (كلامي) أو  إيمائي (جسدي)، محملا بالمشاعر الخاصة بالشخصية.

 ونسوق مثال من شخصية (إيزيس) هذه الشخصية تحملت الكثير من الصعاب والآلام ، وتنعكس تلك الصورة بعد حملها في ابنها (حور)، ومنذ حملها بحور وهي تواجه الكثير من المخاطر.

فقد كان أخيها (ست) يحاول بكل الطرق القضاء على الطفل قبل ولادته وبعد ولادته ، ونص (المؤلف المسرحي) يقدم لنا صورة الأمومة في شتى مراحلها أثناء الحمل وبعد الولادة ، وتربية حور، والأخذ بالثأر.


نرى كيف استخرج (المؤلف المسرحي) المصري صورة الأمومة من شخصية (إيزيس)

(المؤلف المسرحي).. صورة الأمومة

ونرى كيف استخرج (المؤلف المسرحي) المصري صورة الأمومة من شخصية (إيزيس):

أولا التشكيك في حمل (إيزيس).

المرأة: ولكن كيف تعلمين أن ذلك الذى سوف تضعينه في داخل البيضة هو من أجل الإله السيد ووريث آلهة العناصر.

إيزيس: أنا إيزيس أكثر الآلهة شهرة وقداسة، إن الإله الذى بين أحشائي هو غرس (أوزيريس)

 يتدخل (آتوم) ليؤكد أن في أحشائها غرس (أوزيريس)

آتوم: يقول هذه التي حملت سرا، هى فتاة حملت وستضع دون تدخل من الآلهة حقا. وهذا يعني أنه غرس (أوزيريس) ، وليحجم هذا العدو الذي قتل أباه عن تحطيم البيضة الصغيرة وليضمن الساحر الأكبر له الاحترام ولتطيعوا أيتها الآلهة ما تقوله (إيزيس).

هذا المقطع الكلامي، تدافع (إيزيس) عن شرفها، وتستنجد بمن يشهد أنها حملت بحور من (أوزيريس).

إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: (إيزيس) وست.. الصراع المميت !

ولكن كلام شخصية (إيزيس) في التعبير عن شرفها برغم أنه قلي ، إلا أنه وفق المعتقد المصري القديم كافى فهي تصف نفسها بالمقدسة، إي التي لا ترتكب مثل هذه الفعلة، ويؤكد هذا (آتوم).

ثانيا: البراءة من التشكيك في نسب الطفل.

إيزيس: لقد تحدث (آتوم) سيد قصر الصور الإلهية، وقد التزم من أجلي بحماية ابني في أحشائي ووضع حارسا خلفه داخل هذا الصدر، ولتضمنوا حماية هذا الصقر الذى في الأحشاء.

وهنا تتنفس الشخصية الصعداء – بحسب المؤلف المسرحي – وتظهر صورة الأمومة الصارخة في محاول منها حماية الطفل في بطنها، وتطلب حماية الوليد في بطنها، حتى لا يستطيع ست الوصول اليه بأي طريقة (أي محاول إسقاطها).

ثالثا: الأم إيزيس .. تقدم وليدها حو للآلهة.

إيزيس: أنظروا حور أيها الآلهة.

هذا المقطع الكلامي يصور حنان الأم بابنها، وتقديمة لأهلها الآلهة لكي يتعرفوا عليه وتفتخر بهم وسطهم، وبأنها انجبت نسل (أوزيريس) وأصبحت أما، وسوف تعد ابنها للانتقام.

رابعا: لأمومة وحماية الطفل.

عندما رأت ابنها مريض من لدغة العقرب إيزيس:  ها هو ذا  (حور) قد لدغ ، ابنك حور يا راع قد لدغ ، لدغ حور ، لدغ حور وارث وريثك الذى على مملكة شو، لدغ حور فتى خميس، الفتى المقدس لقصر الأمير.

لدغ حور الرضيع الذهبي، الطفل الذى فقد أباه وهو في  المهد، لدغ حور الذى كان قلقا في المخبأ والذي كان يخاف منذ كان في بطن أمه، ما أشد لهفتي لأن أراه حيا، أنعم به من صديق ذاك الذى يرد إليه الحياة

يظهر في كلام إيزيس، صورة الأم المكلومة التي تحاول أن تنقذ ابنها من الموت .

خامسا: صورة الأم وهي تستند على ابنها.

أي حور ولداه.. فلتمضي على الشاطئ في يسر دون أن توقفك عقبات، ولتعبر الماء دون أن يسوخ الرمل تحت قدميك، ودون أن يجرحهما الشوك، أو يظهر وحش الماء حتى يحس بقوتك، وتغيب حربتك في جسده.

كلمات معبرة من الأم لابنها تلخص كل معاني الأمومة التي تحتويها شخصية (إيزيس)

(المؤلف المسرحي) يعبر عن البطلة

في كلام (إيزيس) هذا تذكر ابنها بانها أمه وهو سند لها فتناديه بحور ولداه، لكي تظهر له معنى أمومتها له فهي من حملته في أحشائها، وهى من حمته وأرضعته وقامت بتربيته.

وتحمسه بهذه الجملة، لكي يفعل على سبل ليقضى على (ست)، ونجد أنها ترسم له الخطة التي يستطيع ان يسير عليها في القضاء على هذا العدو.

سادسا: حبها ورفقتها لحور.. خذ حربتك وأقض على.. أي حور ولد.. يا حبي الرقيق

يا حبي يا الرقيق.

كلمات معبرة من الأم لابنها تلخص كل معاني الأمومة التي تحتويها شخصية (إيزيس)، بهذه الكلمات تتذكر (إيزيس) كل ما مرت به من صعاب لتربية ابنها.

وتذكرة بأنه الحبيب الرقيق الذي رافقته ورافقها وهو في أحشائها حتى صار محارب قوي، أنه شعور قوي جدا تبوح به الشخصية في ايجاز شديد.

وهكذا نري أن (المؤلف المسرحي) المصري استطاع ببراعة ان يعبر عن شخصية البطلة (إيزيس)، وكأنه توغل في نفسيتها ليري مشاعرها تجاه أبنها وعدوها (ست).

إن الكلام يحمل مشاعر الشخصية، مما يؤثر في من سوف تؤدي تلك الشخصية، ويحفزها على القيام بها.

وهذا الكلام ينطق بالفعل بمشاعر الشخصية – وهذا من أسس فن التمثيل كتابة وأداء – وعندما يؤدي بمشاعره سوف يكون له تأثير على وجدان المشاهدين خاصة من النساء اللاتي يعرفن معنى الأمومة.

وهكذا نرى براعة (المؤلف المسرحي) القديم في التعبير عن مشاعر الشخصية ، من خلال الوجدان العام للشخصية نفسها، والتعبير عن طريق كلام وإيماء الشخصية بمشاعرها الممثلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.