رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سر عدم تكريم مديحة حمدي في المهرجان القومي للمسرح!

كتب : أحمد السماحي

منذ أيام كتبت منتقدا كثرة التكريمات في المهرجان القومي للمسرح الذي يقام هذه الأيام برئاسة الفنان محمد رياض، ورغم كثرة التكريمات التى تقام كل عام في هذا المهرجان وغيره من المهرجانات المسرحية المصرية التى يشعر المتابع لها أنها تقام لمجموعة معينة من الأصدقاء والأقارب والأحباب فقط، رغم كثرة التكريمات في هذه المهرجانات لكن هناك مجموعة من النجوم لا تقترب منهم هذه المهرجات، من هؤلاء النجوم الفنانة الكبيرة الراقية مديحة حمدي التى لم تكرم حتى الآن في أي من مهرجاناتنا المسرحية.

الفنانة الكبيرة مديحة حمدي في شبابها وقت استيلائها على الشخصيات التي تلعبها على المسرح

مديحة حمدي.. استيلاء  للشخصية

السؤال الذي نريد طرحه لرؤساء المهرجانات المسرحية في مصر المحروسة ما سر عدم تكريم مديحة حمدي حتى الآن؟! رغم تقديمها لمجموعة كبيرة من الأدوار المسرحية التى يعرفها جيدا عشاق المسرح المصري والمتابعين له، والتى كان أداؤها المسرحي استيلاء  للشخصية بكل معنى الكلمة، تتمخض عنه طوال التدريبات وتلده على الخشبة ليلة الأفتتاح، وتكتب شهادة ميلاده في الليلة التالية، وتظل تربيه وتنميه من ليلة لأخرى حتى يصير حضورا إنسانيا كاملا، أوضح وأعمق وأكثر تجذرا في الواقع وثباتا على أرض الحياة من شخصيات كثيرة تجلس في قاعة العرض.

والشخصية التى تؤديها مديحة حمدي تصبح حقيقة واقعية في الحياة تتمتع بعلاقات قوية مع كافة البشر الذين تعرفوا عليها في أي ليلة من ليالي العرض المسرحي، ولم يقف دورها عند أداء أدوارها بكفاءة عالية، إنما الدور الأعظم إلى جوار ذلك، هو نجاحها في أن تكون واجهة مشرفة وراقية للفن المصري الذي لم تتخلى عنه ولم تتبرأ منه رغم ارتدائها الحجاب منذ سنوات طويلة.

مديحة حمدي أثناء استعدادها لمسرحية جان دارك

مديحة حمدي جان دارك المسرح

عندما قامت الفنانة الكبيرة مديحة حمدي ببطولة مسرحية (جان دارك) في نهاية عام 1969، تأليف جان أنوي، ترجمة الدكتور محمد القصاص، وإخراج أحمد زكي، بطولتها مع (عصمت عباس، أنور إسماعيل، عبدالعزيز أبوالليل، حسين الشربيني، احسان شريف) أشاد بأدائها الكاتب المسرحي الكبير الدكتور سمير سرحان وكتب شهادة عظيمة في حقها قال فيها: (وعلى قدر ما أفلت بعض الممثلين من قبضة هذا الأداء الميلودرامي الفخيم الذي كان يحقق أحيانا نوعا من التباعد بين الجمهور وبين المسرحية –  وأنا أدعي أن المسئول الأول عن ذلك هو الترجمة، وعدم قدرة ممثلينا خاصة الناشئين على الإفلات من تعاليم المدرسة الميلودرامية في الأداء التمثيلي خاصة إذا كان يؤدون نصا باللغة العربية – أقول على قدر ما حاول بعضهم الإفلات من هذه القبضة الرهيبة، جاء الأداء مطابقا لتفسير (آنوي) للأسطورة، ولتصويره للشخصية من الداخل.

وكانت مديحة حمدي أنجح المجموعة كلها في تحقيق أفكار (أنوي) فأثبتت أنها بحق كسب للمسرح المصري، وممثلة تستطيع أن تقف بإقتدار إلى جانب أي نجمة راسخة من نجوم المسرح، ولقد كان اختيار أحمد زكي لمديحة حمدي لأداء شخصية (جان دارك) موفقا للغاية، إذ أن جان دارك عند (أنوي) هي قيمة وليست شخصية من لحم ودم لها صفات جسدية معينة على عكس مثلا (جان دارك) عند الكاتب (برنارد شو) الذي ينص على مواصفات معينة تنطبق على الوقائع التاريخية فيتصورها فلاحة فارعة الطول، قوية البنية.

أما مديحة حمدي فهى تحقق تماما تفسير (أنوي) على أنها فكرة أو قيمة، قد تكون فلاحة، وقد لا تكون فارعة الطول أو لا تكون، المهم هو الحياة الباطنية للشخصية، وقد استطاعت مديحة حمدي بصوتها القوي وقدرتها الخارقة على التنقل السريع والطبيعي من انفعال إلى انفعال مختلف في سهولة ويسر أن تحقق أمامنا (جان دارك) كما أرادها (أنوي)، ولاختيار مديحة حمدي أيضا في هذا الدور فضيلة أخرى فطن إليها أحمد زكي، وهي أنها شخصية جديدة في المسرح المصري لا ترتبط في أذهان الجمهور بلوازم تقليدية مثل غيرها من ممثلاتنا الراسخات، ولذلك فهي تعطينا أساسا أحساسا كاملا بالشخصية، وليس احساسا بها كممثلة.

الفنانة مديحة حمدي وقت مسرحية السكرتير الفني

مديحة حمدي والسكرتير الفني

كانت بداية مديحة حمدي الفنية من خلال المسرح المصري عام 1962، حيث شاركت في بطولة مسرحية ( السكرتير الفني) بطولة الثنائي الشهير فؤاد المهندس، وشويكار، بعدها قدمت العديد من الأعمال المسرحية التى قام بتوثيقها حارس ذاكرة المسرح المصري  الباحث والناقد د. عمرو دوارة، حيث قدمت (للمسرح الكوميدي) مسرحية السكرتير الفني (1962)، شارع البهلوان (1964).

لفرقة (المسرح الحديث) قدمت مديحة حمدي: (قلوب خالية، من أجل ولدي – 1962، الشيخ رجب – 1963، اللحظة الحاسمة – 1967، نادي العباقرة  – 1972)، الحب والحرب، واحد ولا اثنين – 1973، رأس العش – 1974، يا أنا يا هو – 1975، برج المدابغ، شارع البهلوان، مجرم تحت الاختبار – 1977)، بلا أقنعة – 1982)، هنا عرايس بتترص – 1984).

ولفرقة (المسرح العالمي) قدمت مديحة حمدي: (المتحذلقات، مجنون ليلى – 1963، الأرملة الشابة، مقالب سكابان، مريض الوهم – 1964، الحيوانات الزجاجية –  (1965).

وقدمت مديحة حمدي لفرقة (المسرح القومي): عيلة الدوغري – 1963، بلاد بره – 1968، ثمن الغربة – 1991، جاسوس في قصر السلطان – 1992، كما قدمت لفرقة (مسرح الحكيم) : سهرة مع الجريمة (الصندوق/ الحرب – 1965)، الضيوف، البيانو، جان دارك – 1969)، ملك يبحث عن وظيفة، نور الظلام – (1971 ، وشاركت في  فرقة (مسرح الجيب) في عرض الغول عام 1971.

وتنوع عطاء مديحة حمدي في كل مسارح مصر حيث شاركت في  قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية وقدمت أكثر من عرض ناجح منها: (حبيبي يا رسول الله – 2011)، هى في حياة الرسول –  (2012.

بعيدا عن مسرح الدولة، مارست مديحة حمدي حبها للمسرح من خلال فرق أخرى حيث قدمت عرض قهوة التوتة لـ (فرقة تحية كاريوكا – 1962)، هاللو شلبي (فرقة المتحدين – 1970)، بالإضافة لبعض المسرحيات المنتجة للتصوير التلفزيوني ومن بينها (ثلاث جميلات والحب).

قدمت فيه مديحة حمدي أكثر من 40 عرضا مسرحيا متنوعا ولم تكرم ولم يمنعها الحجاب من الوقوف على خشبة المسرح

لماذا لم تكرم مديحة حمدي؟!

المثير والغريب أنه في الوقت الذي قدمت فيه مديحة حمدي أكثر من 40 عرضا مسرحيا متنوعا من أهم وأجمل ما قدم في تاريخ المسرح المصري، نجدها لم تكرم من قبل المسرح المصري، وغيرها من الفنانيين الذين لم يقدموا مثل هذا الثراء الفني تم تكريمهم منذ سنوات طويلة وفي أكثر من مهرجان وتجمع فني، المهرجان الوحيد الذي بادر بتكريم السيدة مديحة حمدي هو مهرجان (المسرح العربي) الذي تنظمه (الجمعية المصرية لهواة المسرح) بانتظام منذ انطلاق الألفية الجديدة، والذي كرمها في دورته الثالثة عام 2004، والسؤال الذي يلح علينا: هل يعقل أن القائمين المصري لم يدركون قيمة هذه السيدة الخجول التي تتواري خلف الأبواب المغلقة، وهى التي قدمت عطاءا للمسرح يعجز عنه الكثيرون ممن يعتلون منصات التكريم حاليا؟!، أم أنهم يجهلون تاريخ المسرح المصري.. أغلب الظن أن الجهل هو سيد الموقف!!!

لا نجد كلمات نختم بها موضوعنا إلا لك الله يا مصر!.

مديحة حمدي وتكريم باهت بعيدا عن المسرح من وزيرة الثقافة السابقة إيناس عبدالدايم

 

مديحة حمدي مثلت العديد من العروض في السنوات الأخيرة بالحجاب
مديحة حمدي تنوع عطائها في كل مجالات الفن
رغم عطاء مديحة حمدي المسرحي الغزير إلا أنها لم تكرم
مديحة حمدي.. مشوار مسرحي غني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.