رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

صرخة (جميلة) التى تأخرت كثيرا.. هل تصل لرئيس الجمهورية؟!

كتب : أحمد السماحي

يا للسيناريو الجيد المحكم الصنع، ويا للشخصيات المرسومة بدقة متناهية، ويا للإيقاع اللاهث الذي لا يهبط لحظة، والذي يمسك المتفرج بأصابع من حديد على عنقه، كل هذا شعرت به أثناء متابعتي وتسمري يوميا أمام  مسلسل (جميلة) الذي انتهى عرضه مع انتهاء شهر رمضان، وفضلت عدم الكتابة عنه في زحمة إجازة العيد، حتى يأخذ حقه من المتابعة النقدية والقراءات.

المسلسل إنتاج جمال العدل، تأليف أيمن سلامه، إخراج سامح عبدالعزيز، وبطولة مجموعة كبيرة من النجوم كانوا في أفضل حالاتهم على الإطلاق (ريهام حجاج، هاني عادل، عبير صبري، يسرا اللوزي، أحمد وفيق، سوسن بدر، سامح الصريطي، هشام إسماعيل، نبيل عيسى، سامية عاطف) وغيرهم.

ريهام حجاج.. ملأت دورها نضجا وعمقا بتعبيراتها العفوية

جميلة النبيلة

دارت أحداث المسلسل حول (جميلة) التى أخذت من اسمها كل معاني النبل والجمال، والوضوح والطهر والفروسية والمثالية والتى تعمل في النيابة الإدارية، مع بداية الحلقات نكتشف أن والداها المحامي الشهير الثري (سالم الألفي) ترك وصية، وفور فتحها ينتاب جميع أفراد الأسرة الذهول والدهشة سواء الأم (شهيرة هانم علام/ سوسن بدر) صاحبة المدارس الخاصة، أوالأبناء (جميلة/ ريهام حجاج) و (أكرم/ نبيل عيسى) و(آية/ سامية عاطف)، فضلا عن (شريف/ هشام إسماعيل) زوج آية، وهذه الحالة من الذهول والدهشة انتابتهم بعد العثور على أوراق وعقود بيع وشراء تركها الوالد جميعًا باسم ابنته (جميلة).

أيمن سلامة أبدع في كتابة السيناريو

قضية تنافش لأول مرة

وفي رحلة بحث (جميلة) حول سر كتابة والدها لهذه الوصية الغريبة، تصادف كثير من الأحداث التى تقلب حياتها رأسا على عقب، فضلا عن خيانة الأصدقاء، لكن (جميلة) بذكائها الشديد وإيمانها بالله والحب تسير في طريقها للنهاية ولا تلتفت إلى الوراء رغم كثرة المكائد والمؤامرات التى حيكت حولها هى وزوجها، وفي طريقها للوصول إلى الحقيقة تسير كالأساطير مغمضة العينين، صامة أذنيها عن سماع نداءات المؤامرات والحيل الشيطانية، مصممة على الوصول إلى هدفها الذي ما أن تصل إليه حتى تفاجأ بقوى شيطانية لم تحسب حسابها.

 وبجدران عالية تحجب عنها الرؤية والشمس، لهذا تصرخ في آخر حلقة صرخة مدوية تطلب فيها من رئيس المحكمة  – الرئيس – أن يتدخل لحل واحدة من أخطر القضايا الاجتماعية والتى تناقشها الدراما لأول مرة، وهى قضية من التابوهات التى يخجل المجتمع عن فتحها، وهى حقن بويضات (جميلة) بسائل منوي ليس من زوجها (الدكتور زياد) ولكن من صديق زوجها (الدكتور هشام) الذي فعل ذلك متعمدا حتى يتم طلاقها وتتزوجه وينسب طفلها القادم إليه، وبهذه الخطة الجهنمية يشاركها في الميراث الذي ورثته عن والدها.

وبعد القبض على (الدكتور هشام) وبعد استقالة (جميلة) من النيابة تعمل بالمحاماة، وتترافع فى قضيتها ضد هشام، وتعرض مشكلتها أمام القضاة، وتبكى طالبة سن قوانين جديدة تتوافق مع حالتها، وتنتهي الحلقة الأخيرة بمرافعة قوية من (جميلة) مطالبة بتشريع ينهى معاناتها ومن مثلها، مؤكدة أنه لابد لهم من استثناء فليس ذنبهن أن تُهدم أسرهن بسبب أشخاص غير أسوياء أو أطماع أو غير ذلك، وتتساءل هل لها أن تقبل بطفل تعلم جيدا كيف حملت به؟، أو هل على زوجها أن يقبل بتربية طفل ليس ابنه؟!

الفساد وخيانة الأصدقاء

بخلاف هذه القضية الخطيرة، ناقش المسلسل العديد من القضايا الاجتماعية الأخرى الموجودة في حياتنا اليومية بنعومة شديدة وبدون زعيق أو صراخ، مثل قضايا الفساد المنتشر في حياتنا والذي يتلون حسب المكان والظروف التى يوجد فيها، كما غاص في مشاكل الأسرة وما يحدث بين الأزواج والأصدقاء ببعضهم، وحذرنا من الثقة الكاملة في الأصدقاء، ونبهنا إلى أننا يجب أن نحتفظ لأنفسنا ببعض الأسرار الخاصة التى يجب إلا تخرج إلا القريبيين منا جدا، والموثوق فيهم.

المنتج جمال العدل مع المخرج سامح عبدالعزيز

المبدعان أيمن سلامة وسامح عبدالعزيز

استطاع مؤلف المسلسل المبدع (أيمن سلامة) أن يحتفظ بنفسه اللاهث من البداية حتى النهاية، واستطاع بعد ذلك أن يجعلنا نعايش شخصياته كافة، وأن نحس بأحاسيسها، لهذا لا نملك إلا أن نرفع قبعة عالية لسيناريو ماهر مضيئ عكس ظله على المسلسل كله، وجعل من نفسه البعد الحقيقي لكل ما رأيناه وأعجبنا به.

وقد أحس المخرج المبدع المتمكن والمتلون (سامح عبدالعزيز) بإمكانات السيناريو التى وضعت بين يديه فاكتفى بأن يخدمها بإخلاص، وأن يضع نفسه في الظل مؤمنا أنه في مثل هذه الأعمال يجب أن يحتل الموضوع المقام الأول، وعلى الباقين أن يخدموه بصمت وأمانة وإقناع، وهذه حسنة تحسب كثيرا لـ (سامح عبدالعزيز).

استطاعت ريهام أن تعبر عن أدق أحاسيسها من خلال نظرة واحدة أو تهدج صوت

إبداع ريهام حجاج

كما أحس النجوم بدقة الخيوط المرسومة في السيناريو المكتوب، وبالظلال التى تملأ شخصية كل منهم فأحسنوا التعبير عنها ومعايشتها، حيث جسدت النجمة ريهام حجاج دور (جميلة) بكل روعة، وملأته نضجا وعمقا بتعبيراتها العفوية، وبقدرتها المبدعة على أن تعبر عن أدق أحاسيسها من خلال نظرة واحدة أو تهدج صوت، أو من خلال عطاء متدفق ينسينا في انهماره كل ما عداه، وبكينا معها وهزتنا بروعة أدائها وهي تنهي المسلسل بصرختها المدوية وهي تقول: (أنا محتاجة استثناء لأنني في مشكلة كبيرة، ليس لي ذنب فيها، والحل مش عندي، الحل عندكم أنتم؟!) .

سوسن بدر.. رسمت لنا صورة إنسانية مؤثرة ونموذجا ينبض بالحياة

سوسن بدر المحترفة

سوسن بدر رسمت لنا صورة إنسانية مؤثرة ونموذجا ينبض بالحياة لأم تخشى على أولادها وتحاول حمايتهم من غدر الحياة، لكنها تسلك الطريق الخطأ في حمايتهم، وقدمت (سوسن) كعادتها شخصية (شهيرة علام) بفهم حقيقي من خلال أداء محسوب دقيق، ومن خلال جزئيات مذهلة تكشف وتبرهن على مدى الحرفية العالية التى تمتلكها هذه العظيمة وتفجرها في أدائها عندما يحالفها الحظ بوجود سيناريو قوي.

وعلينا جميعا مراجعة نظرة عينيها التائهة والخائفة في بداية الحلقة الثانية عندما علمت بأن زوجها (سالم الألفي) كتب قبل وفاته كل ثروته لإبنتهما (جميلة)، هذه النظرات التى لم نفهمها في البداية لكننا تذكرناها مع توالي الحلقات الأخيرة والتى كشفت حقيقة شخصية (جميلة)، فضلا عن مشاهد كثيرة أخرى يمكن اعتبارها (مستر سين) لها مثل مشهد الاعتراف بأنها فعلا (صباح متولي الحسيني) وأنها والدة أبنائها جميعاً، وتحكي لهم سرها التي حاولت أن تخفية طوال السنوات الماضية.

هاني عادل.. مقنع دون أن يخطئ مرة واحدة في النوتة التى عزفها

الصريطي واللوزي مفاجأة

كان (هاني عادل) من خلال أدائه لشخصية (الدكتور زياد) زوج (جميلة) الراقي المحترم، الصريح والواضح، مجيدا ومقنعا دون أن يخطئ مرة واحدة في النوتة التى عزفها أمامنا طوال الحلقات.

أحمد وفيق.. رسم أبعاد شخصية (الدكتور هشام) بشكل رائع

أما (أحمد وفيق) فقد رسم أبعاد شخصية (الدكتور هشام) بشكل رائع، وعرف طوال الحلقات أن يبث سمومه بنعومة شديدة، كالسم الذي يأخذ وقته لينتشر في كل الجسد، واستطاع أن يجعلنا نحس بمشكلة الصراع الطبقي الدموي وما يتركه في النفوس الضعيفة المريضة.

سامح الصريطي.. وقدم لنا شخصية جديدة عليه وأقنعنا بها

وظني أن شخصية (طارق نصار) النسوانجي النصاب الذي ينصب على النساء ويأخذ منهم أعز ما يملكن جسديا وماديا هى مفاجأة المسلسل، والتى لعبها بمزاج عالي النجم الكبير (سامح الصريطي)، وقدم لنا شخصية جديدة عليه وأقنعنا بها، وسيطر علينا وجعلنا نفهم ونقبل سلوكه المنحرف ونزعة الشر التى سيطرت عليه.

يسرا اللوزي.. حرباء تلونت بالشر

لكن مفاجأة المسلسل الحقيقية أيضا النجمة (يسرا اللوزي) التى كانت كالحرباء التى تتلون مع كل مشهد، وكل موقف تصادفه، وقدمت دور الفتاة الطماعة (شيري) الشرهة ماديا، والتى ترفض الحياة في الأحلام وتقرر مواجهة مجتمع مادي يحكم على الإنسان من خلال حسابه في البنك لا من خلال عواطفه وأحاسيسه ومثله العليا، وقدم الدور الشرير بشكل رائع، وكانت شر يسير على قدمين، وأجمل ما في السيناريو أنه لم يدين هذه الشخصية لأن ما تفعله مؤامرات وحيل لا يحاسب عليها القانون لكن حسابها عند الله.

عبير صبري.. قدمت دون شك واحدا من أفضل أدوارها على الإطلاق

عبير صبري العاشقة بجنون

عبير صبري التى جسدت دور (نيرمين) المطلقة من (الدكتور زياد) والتى تحب طليقها بجنون وتحاول تدمير حياته الزوجية الجديدة، قدمت دون شك واحدا من أفضل أدوارها على الإطلاق، وكانت منذ بداية المسلسل وحتى نهايته الحزينة بالنسبة لها دافئة، أنيقة، مقنعة، حائرة، مندفعة، عاشقة حتى الجنون والقتل، أنه دور يضعها أخيرا في قائمة نجماتنا الكبار اللواتي يمكن لموهبتهن أن تجعلنا نقبل كل شيئ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.