رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: أنا ومحمد منير.. مطرب جديد.. جاء من النوبة (4)

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

من المنازل التي كنت أزورها في بداية عملي بالوسط الفني، منزل الفنان (هاني شنودة) أمام محطة الإسعاف لا لكي أعمل معه بل من أجل أن أستريح عنده من زحام القاهرة و هروبي من اختناقي في الحجره المشتركة التي أقيم بها في السيدة زينب، و التي تتكون من 5 حجرات.. كل حجرة بها حوالي 10 من طلاب الأزهر  كلهم يعتبروني كافرا، وأن الأكل معي حرام لأنني أكتب الشعر ولا أصلي.

في أحد الأيام ذهبت لزيارة (هاني شنودة) كعادتي، و بالمناسبة لا أذكر أنه قدم لي تحية واحدة، لاحظت أنه يعلق شال والدته على الحائط وبجانب الشال لوحة مكتوب عليها (ممنوع التدخين حفاظا على أهل الشقة).. تعجبت لأن هناك شاب نحيف وأسمر يشعل السيجارة من السيجارة ضاربا عرض الحائط باللوحة بينما (هاني شنودة) يسعل بشدة

سألت هاني عن هذا الشاب فأخبرني أنه مطرب جديد.. جاء من النوبة اسمه (محمد منير)، على الفور تذكرت جنون الشاعر الطيب (عبد الرحيم منصور) بهذا الشاب.. جلس (منير) بجانبي، وعندما عرفته بنفسي، قال لي

كنت أرى هاني شنودة دائما جالسا على آلة موسيقية

كل الفنانين الحقيقيين في مصر خارجين من تحت باطك (إنت ومحمد نوح)، لاحظت أن هاني تضايق من هذا الكلام، خصوصا أن عنده فرقة تسمي علي ما أظن (المصريين)، قال لي منير أنه يتمني أن أكتب له في أول ألبوم سيصدره، وافقت علي الفور لأنني أحببت فيه قلقه وجنونه الواضح في نظراته، أعطاني عنوانه.. تعددت جلساتنا نتكلم في كل شئ إلا الشعر، حيث كان (محمد نوح) منتشرا بمجموعة من أغنياتي خصوصا أغنيتي (مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد) بكلمات غير الكلمات التي تذاع حاليا في التليفزيون، و كان لي عشرات البرامج الشعريه في الإذاعه و التليفزيون.

أكتر من مرة أخبرني شنودة أن منير يسأله دائما: هو إبراهيم لسه ما كتبشي الأغنيه التي ستلحنها لي، أخيراكتبت لمنير أغنيه من أجمل ما كتبت في حياتي، الأغنيه بعنوان (الذكريات شوارع)، والتي تقول كلماتها:

الذكريات شوارع..

يا شارع الوليف

مفيش في القلب مانع..

أحبك يا خريف

 لو كان حبيبي نايم ..

يا ريحة الشجر

 كوني ف صدره النسايم ..

كوني في إيديه قمر

………………………….

أنا نسمه ف جيب قميصك..

باتنفسك.. أنا

لو ريح  حاولت تدوسك ..

 مش هاحرسك.. أنا

 دا القلب راح يشيلك

 ويكون شراع في نيلك

 يوهبلك كل حاجه

 ويفرح من قليلك

ٱه يا اللي لسه غايب

 إرجع لو لك حبايب

 وان كنت لسه سامع..

أشعار قلبي الشريف

 دا الذكريات شوارع..

يا شارع الوليف

………………………….

حبيبي.. لو تنادي..

 راح تلتقيني.. آه

أرجع وياك بلادي..

و أصالح الحياه

ولو حطوا ف يميني..

البدر.. وف شمالي ..

قصور دهب.. ها حبك

 لو حتى كنت خالي

يا وابور الساعه ستة

 يا محطه ف كل حتة

 لا القلب مني ضايع..

ولا واقف ع الرصيف

 دا الذكريات شوارع

 يا شارع الوليف

كتبت لمنير (الشوارع ذكريات)

سألت هاني شنودة بعدها عن مصير الأغنيه فقال لي: أستطيع أن أقول أنني لحنت أعظم أغنيتين في حياتي (الشوارع حواديت) لصلاح جاهين، و(الذكريات شوارع) لإبراهيم رضوان.

طلبت منه أن أسمع اللحن.. تردد خصوصا أنني قلت له أنني لا أحب أغنيته

(الشوارع حواديت)، أخذ يبحث عن اللحن حتي وجده وغناه مع التسجيل.. صوته عنده القدرة علي تشويه أي لحن.

سألني عن رأيي؟، فلم أستطع أن أجاوبه.. اللحن قتل الأغنية.. فهم هاني شنودة كل ما يجول بنفسي، وبدأ العزف على الأورج.. بالمناسبة أنا لم أشاهد هاني شنودة إلا وهو يجلس علي الآلة، لم أشاهده يوما علي كرسي أو أريكة، حتي في البرامج التليفزيونية التي يستضيفونه فيها.

غضب هاني شنودة عندما قلت له أنه ينجح في الأغاني الخفيفة التي يسموها هذه الأيام (أغاني المهرجانات)، مثل ماذا:

ماشية السنيورة

كده كده آهه

أو:

بنات كتير كده من سني

وبيحسدوني مع إني

مش أحلي منهم بصراحة

و(زحمة يا دنيا زحمة)، التي غناها عدوية، وكانت تذاع على أساس أنها من تأليفي.. لولا أنني أعلنت أنني برئ من هذه الأغنية، كنا نتكلم عن شركة (صوت الحب) عنما قلت له أن (عاطف منتصر) تاجر، قال لي: (عاطف منتصر) في الأصل مقاول، وهو يمارس ذلك في تعامله مع الفنانين.. تعجبت من رأيه خصوصا أن (عاطف منتصر) هو صاحب الفضل في ظهوره.. علم هاني أنني قلت أنه لا يشرفني أن تنسب أغنية (زحمة يا دنيا زحمة) لي، ومع ذلك استمرت علاقتي بهاني شنودة إلي أن أعلنت أنني حققت كلما أريده، وأعلنت اعتزالي وبسبب مذيعة ومطربه تقلد فيروز هربت من القاهرة إلي المنصورة وأنا أردد: (إن كيدهن عظيم).

صوت هاني دائما كان يشوه أي كلمات

انقطعت صلتي تماما بالجميع إلي أن إلتقيت بهاني في مناقشه لرواية صديقي (حسين نوح) لأكتشف أنه مكتئب جدا، لدرجة أنني تركت الكرسي الذي كنت أجلس عليه بجانبه حتي لا يزيد اكتئابي المزروع أصلا بداخلي.

أين هاني في هذه الفترة؟، كان يبحث عن أي خرم إبره تليفزيوني ليأخذ الأورج ويظهر في أي برنامج بحثا عن تذكير الناس به لعل وعسي.. لدرجة أن أحد المذيعين قدم شخصا في غاية الغلب يلحن علي الحلة أو الطشت!

فورا ظهر (هاني شنودة) ليعلن أنه تبني هذا الرجل البسيط، وأنه انتهي من تلحين مجموعه من الأغنيات ليغنيها هذا الرجل الغلبان على الحلة أو القلة لا أذكر!

و في حفل تكريمه لم يجد من يغني له غير (منير، وعمرو دياب، والباقي غنوا أغنياته التي غناها غيرهم.. علي ما أظن أن هاني لم يلحن لشادية ولا لطيفة ولا فايزة ولا سميرة سعيد ولا أصاله و لا و لا و لا!

بعد أن استمعت للحفل الذي أقيم له في الرياض، قلت في نفسي: والله لو كان تركي ٱل الشيخ كرمني.. كان هايلقي عندي أغاني أكتر من كده 50 مرة، و كنت هاخد منه نص اللي خده (هاني شنودة).

منير يغني لهاني شنودة في الرياض
عمرو دياب يغني لهاني شنودة

أعود مرة أخري لمنير وعبد الرحيم منصور، عبد الرحيم مختلف تماما عن الأبنودي، فهو إنسان طيب جدا وقلبه نظيف، في بعض الأوقات كان يطلب مني أن أسير معه من مبني الإذاعه و التليفزيون حتي مدينة المهندسين التي يسكن في شقه أرضيه بها.. نتكلم في كل شئ.. لمح عبد الرحيم محلا يبيع الأجهزه الكهربائية، استأذن مني و دخل المحل.. خرج منه بعد دقائق وهو يلعن ويسب المحل وصاحبه.. سألته عن السبب فقال لي:

ابن الكذا مفكرني شحات!، باسأله: السخان بكام وأشرت له عليه، فنظر إلي ملابسي وعرقي وقال لي (ما عندناش سخانات).. مفكر إن أنا شحات!

بالفعل كان عبد الرحيم منصور لا يهتم بمظهره نهائيا، أفكاره جيدة ولكن معظم أشعاره مكسورة، أو من تأليف بليغ حمدي.

و للحديث بقية…

تعليق 1
  1. احمد شوقي يقول

    الله على جمال الذكريات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.