رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

نور الغندور.. ممثلة مصرية برعت على شاشة الخليج

وجه جميل يمكن أن يزين الشاشة المصرية

بقلم: محمد حبوشة

الممثل هو الذي يصنع، يؤدي، يمثل، يقول، يتحرك، وبما أنه يفعل كل هذه الأشياء فهو بالتالي سيحرك الجميع، ولهذا فإن مقولة الروسي (يفرينوف) التي تحدث فيها عن الكلمات التي تحمل دورا مساعدا، ولكن العين هى التي تسمع أكثر مما تسمع الأذن، هذا يؤكد أننا نرى الحركة، نرى الفعل، ونحس بالحركة ونحس بالفعل، يؤثر الممثل فينا ونتأثر بالفعل المنقول إلينا من الممثل، وبالتالي فإن المعرفة التي نطلبها على خشبة المسرح يحملها جسد الممثل الحي، إنه الإنسان الذي يخاطب فينا أشياء عدة، أولها العين وهى الجارحة التي ترى الحركة والفعل، والعقل الذي يتصور ماهية مايحدث الآن، ويخاطب أجسادنا التي تبدو منفعلة ومتفاعلة مع الممثل.

وضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) هذا الأسبوع النجمة الخليجية ذات الأصول المصرية (نور الغندور) هى واحدة ممن ينتمون إلى مدرسة (يفرينوف)، خاصة أن لديها عين قوية في التأثير ومعبرة للغاية فهي تسمع أكثر مما تسمع الأذن، لذا فإننا أننا نرى الحركة، نرى الفعل، ونحس بالحركة ونحس بالفعل في أدائها لأدوارها المختلفة، نعم نحن نستطيع معها كمتفرجين أن نحس بأجسادنا تلعب كما يلعب جسد الممثل، وهذا اللعب متقلب حسب الدور والحدث المعرفي الذي يرسل إلينا، ومن ثم لاحظت أن العاطفة لديها تتغير من حالة إلى أخرى، تتفاعل مع طبيعة الحدث الذي نراه بالحزن والألم والتفكير الاستهجاني.

يتحرك الجسد عند (نور الغندور) ويستجيب للفرح والأمل، والبعد الاستهجاني كحالة مضحكة تهكمية، ومن خلال متابعتي لأعمالها الدرامية الأخيرة في التلفزيون أشعر أنها تملك جسدا يحرك فينا كل الأشياء سواء المدركة أو التي نتحسسها بالبعد الخيالي أو استجابة للحركة الجسدية، وهى تذكرني على مستوى لغة الجسد ونبرة الصوت وحتى الشكل الخارجي بالممثلة الفذة والموهوبة جدا (غادة عبد الرازق)، فعلى مايبدو لي أنها تراقب هذه النجمة الكبيرة جيدا، وتحاول السير على درب الأداء الغالب عليه ملامسة المشاعر الداخلية للشخصية التي تؤديها، وهو ما اتضح لي في آخر أدوارها (دهب بنت الأتوتيل) الذي انتهت حلقاته مؤخرا، وقد بدت في أوج تألقها في التجسيد الدرامي الاحترافي.

ممثلة صاعدة تكلك قدرات خاصة

معروف أن الخوف لا يمكن أن يكون في لحظة ما إرادي لدى المتلقي لأنه حالة فجائية، وكذلك الفرح، أما لدى (نور الغندور) فهو حالة إرادية؛ لأنها تملك معرفة مسبقة عما سيجري على الشاشة، إن مكونات الجسد عندها متعددة منها الصوت المعبر بصدق في همسه أو علوه وانخفاضه، والذي بدأت الاهتمام به كجزئية جسدية تضاف لأدائها، أي باعتباره لغة جسدية وليس كلاما، وليس من الضروري أن يكون هذا الصوت جميلا أو متناغما أو مركزا ونغما بقدر ما يكون معبرا بعمق عن الشخصية بما تحمله من خصائص وفردية وحساسية.

نعم الصوت عند (غندور) يعبر عن باطنية الممثل، وهذا التعبير هو ما ينقل إلى المتلقي للاندماج بما يقوم به الممثل، ولا يكون هذا الصوت ناتجا من فراغ أو من عدم، وإلا لكان المشهد الدرامي فاقدا لقيمته، وهو بالتالي التعبير الجسدي عن حالتها كممثلة، وأرى أنها تتطور من عمل لآخر، مدركة تماما لما يمر بها من مواقف كوسيلة تعبيرية، إن المسرحي البولوني (جرزي جروتوفسكي) أعطى بعدا وأهمية كبيرة للممثل، بحيث من خلال حضوره على خشبة المسرح، ربما يتخلى عن الأشياء الكثيرة، والتي تبدو بنظرة بهرجة، ولكن (نور) تستطيع أن تشيح نفسها عن تلك البهرجة والزخرفة، وتقف بجسدها العاري وحده أمامنا من دون مكياج وأنوف كاذبة وبطون محشوة بالوسائد، أوكل ما يتزين به الممثل قبل العرض في غرفة الملابس. المخرج الروسي الشهير (ستانسلافسكي) يقدر الممثل، يثق بالممثل ولهذا يجعله يقوم بعملية الهضم والفهم للعمل بما لديه من مخزون معرفي سابق، كل هذا يتفاعل لينقل لنا عرضا مسرحيا أو مشاهد متتالية على الشاشة يخاطب من خلاله المتلقي، عندئذ بعد كل عملية تدريب والهضم والفهم والإرسال تبدو العلاقة تشاركية ما بين الممثل والمتلقي، ويبدو أن (نور العندور) تدرك ما قاله (ستانسلافسكي) بدليل أنها تتناسى المخرج (ميزانسين المخرج) لتدخل في علاقة حوارية جدلية بالتالي ما بين الممثل والمتلقي، وتتمثل هذه الحوارية بلغة جسدية للمتلقي، فجسدها ليس وعاء فارغا، بل مخزون معرفي وثقافي أيضا، هذه اللغة الحوارية ما بين المتلقي والممثل وهى تتمثل بحضوره الجسدي للمتلقي، وما بين الممثل الذي يتمثل بحضوره الجسدي والصوتي (اللفظ / الحكي) والإيقاع الحركي.

الجسد عندها يحمل الخطاب العقلي والحواري والتعبير أيضا

وفي حالة (نور الغندور) لا نبالغ إذا ما قلنا إن المدرب الحقيقي للممثل المبدع عندها هو المتلقي، والذي يعطي الدور الأهم للممثل، ليكون أساس العرض المسرحي، والجسد عندها هو سر من خلال التصور (الفينومينولوجي) الذي يكون في علاقة حميمية مع الكائن الحي، إنه محل الأحاسيس الجوانية، وهو يشير إلى أن مقدرة (نور الغندور) تمثل الممثل لجسده، فالجسد هو الذي يخاطبنا بعيدا عن الكلام أحيانا، أو من خلال المحاورة أحيانا أخرى، فتلك الصورة هى الشيء الأكثر حضورا أمامنا على الشاشة، والتي نتفاعل معها بعيدا عن حالة الممل، فالجسد عندها يحمل الخطاب العقلي والحواري والتعبير أيضا، وهذا ما يؤكده (مايرخولد)، فلا بد للمثل من أن يعمل على تطويع جسده لكي يستجيب بسرعة خاطفة للأوامر الصادرة إليه من الممثل – المخرج.

تكمن أهمية الجسد عند (نور الغندور) كحضور فعلي ينوب عن الكلام، فتلك الحركات التي تؤديها هى التي عادوة ماتنوب عن الكلام، ولكن الجسد بالتالي هو اللغة التي نستطيع أن نتواصل معها وحتى بحضور الكلام، ولهذا نجد (آرتو) معولا على الجسد حينما يقول: (إذا كان للموسيقى تأثير الأفاعي، فليس هذا لأنها تنقل إليها أفكارا روحية، بل لأنها الأفاعي تكون متمددة ومضطجعه على الأرض، ملتفة لفات طويلة، وتلامسها أجسادها على طولها تقريبا، لذا فإن الذبذبات التي تتوغل في الرمال تصلها كرسالة طويلة جدا ورفيعة، أنا أنوي أن أطبق على المتفرجين ما يفعله محبو الأفاعي، بحيث أجعلهم يصلون حتى إلى تلك النزوات الأرق والألطف عبر إحساسهم بها جسديا).

تتمنى العمل في الدراما المصرية

إن التعبير الانفعالي لدى (نور الغندور)، هو اللغة غير الشعورية التي تحدث للإنسان، وخاصة عندما نراها تستعمل جسدها للتعبير عن مشاعرها، وما يجيش في نفسها، وهذه اللغة اللاشعورية تعبر  عن الجوانب الأكثر حقيقية من ذواتنا من مشاعرنا وانفعالنا وحاجاتنا واتجاهنا، وهذه اللغة الأكثر صعوبة بكتابتها، لكنها الأكثر أهمية في العلاقات الشخصية المتبادلة بيننا، وهى لغة جديرة بالاهتمام على نحو خاص من جانب الممثلين والراقصين والميميين أو الممثلين بالاشارات mimits وغيرهم من الفنانين المؤدين.

نور الغندور ممثلة كويتية مصرية، ولدت في الكويت من أصول مصرية وجنسيتها مصرية، تخرجت من معهد الفنون المسرحية العالي عام 2017، وبسبب حبها للفن درست التمثيل المسرحي لتتقن موهبتها وتنميها، بدأت حياتها العملية بالعمل كمذيعة تلفزيونية، ولم يكن حلمها أن تصبح مذيعة ومقدمة برامج، بل أن تصبح ممثلة مشهورة وبالفعل بدأت التمثيل عام 2011م أولا على خشبة المسرح، ثم في المسلسلات التلفزيونية من خلال دور صغير في مسلسل (البيت السعيد)، وقد حصلت على شهرة كبيرة عندما حصلت على بطولة مسلسل (سكن الطالبات) عام 2013.

عملت (نور الغندور) كما ذكرت في بداياتها على خشبة المسرح، وأول مسرحية لها كانت بعنوان (بتشاهي) بطولة داوود حسين، منى شداد، خالد البريكي)، وأحبت التمثيل على المسرح كثيرا وتصبح أقرب لجمهورها عندما تقوم بعمل مسرحي، ورغم مشوارها الفني القصير إلا أنها قدمت حتى الآن أكثر من 20 مسلسل تلفزيوني وأكثر من 10 مسرحيات، كما أنها قدمت عملا سينمائيا واحد حتى الآن.

دهب بنت الأوتيل
نور الغندور .. موهبة مصرية خليجية تحتاج إلى نظرة
دفعة القاهرة

ومن أبرز أعمالها التلفزيونية: (سكن الطالبات، البيت السعيد، أول الصبح، جار القمر، أشوفكم على خير، لمحات، كعب عالي، أمنا رويحة الجنة، قابل للكسر، في أمل، بين قلبين، المسافات، حياة ثانية، اليوم الأسود، مع حصة قلم ،المواجهة، دفعة القاهرة، حضن الشوك، جمان، دفعة بيروت، من شارع الهرم إلى المسيلة، دهب بنت الأوتيل)، ومن أعمالها المسرحية: (بوسند في باريس، مملكة الطيور، خميس كمس خشم حبش، أنت لست جارا، بتشاهي، طقوش الإشارات والتحولات، حالة وفاة، اغتصاب، المكتبة، المظاهرة، الطبيب رغما عنه، في انتظار، الرجل الذي صار، كوينغ شو).

دفعة بيروت
سكن الطالبات
جمان

هى فنانة طموحة تحب أن تقوم بتوصيل رسالة هامة عن طريق أعمالها الفنية وتدخل أفكار جديدة وعميقة وبعيدة عن السطحية والتكرار، تعترف أن الجمال عنصر هام لكن الفن بدون موهبة وقبول لم يحصل الفنان على نجاح، تتمنى أن تشارك في أعمال مصرية ولهذا ألفت النظر إليها، ولا تحب أدوار الإغراء فهي لا تنتمي لهذه الأدوار كثيرا ولا تنجذب لها، ورغم اتهام الكثير لها بالغرور والنرجسية إلا أنها رفضت هذا الاتهام وقالت أنها تتعامل مع الناس بعفوية شديدة وعلى طبيعتها ولاتتغير في تعاملها مع الناس، ولهذا تبقى فنانة اجتماعية وتحب كونها قريبة من الجميع فهي إنسانه غير انطوائية.

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لـ (نور الغندور)، فهى واحدة من الممثلات الشابات اللواتي حققن شهرة واسعة على مستوى دول الخليج والوطن العربي، حيث قدمت هذه الممثلة الصاعدة العديد من الأعمال الفنية الناجحة سواء في مجال الدراما أو السينما، ولقد حققت صدى واسع بعد مشاركتها الأخيرة في مسلسل (من شارع الهرم إلى المسيلة) في موسم (2022)، لكنها تحتاج إلى فرصة أكبر في الدراما التلفزيونية والسينما المصرية، خاصة أنها أثبتت قدرة مميزة في التمثيل الاحترافي، وهى قماشة عريضة تصلح لمختلف الأدوار كما لاحظت من أدائها فائق الجودة في مسلسلها الأخير (دهب بنت الأوتيل).. فهل من نظرة من جانب المنتجين والمخرجين لتلك الموهبة المصرية التي زرعت في أرض غير أرضها فنمت وترعرت حان قطافها درميا في بلدها؟.. أرجو الانتباه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.