رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب : نقاط لبدء الحوار

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

في منتصف نوفمبر الماضى ، دعت لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة إلى عقد موائد مستديرة للحديث حول : المواد التي يود المسرحيون طرحها في الحوار الوطنى، وحددت لتلك الموائد ثلاث محاور أساسية : أولها معوقات الإنتاج المسرحى الجماهيرى سواء كانت قانونية أو إدارية أو فنية ، و المحور الثانى عن الرقابة بكل أشكالها الرسمية أو المجتمعية و تأثيرها السلبى على  الإبداع ، و ثالث المحاور عن تفعيل قانون الملكية الفكرية للمبدع المسرحى ، و فتحت اللجنة الباب لمشاركة جميع المسرحيين المحترفين و الهواة و المستقلين ، و لكن للأسف حالت ظروف قاهرة دون عقد تلك الجلسات.

وفي الأسبوع الماضى تلقيت رسالة من الأستاذة ( ضحى عاصى ) عضو لجنة الثقافة والاعلام بمجلس النواب ، للمشاركة في ندوة حول (  قضايا المسرح المقترح تضمينها في الحوار الوطنى في محور الثقافة و الهوية ) ، و لاحظت فى الرسالة تشابها مع ما وضعته لجنة المسرح من محاور  فاطمأننت أن معظم المهتمين يعرفون الداء و يكادوا أن يتشابهوا في وصف الدواء ، و صاحب تلك الرسالة اتصال من الصديق الأستاذ (سيد عبد العال) رئيس حزب التجمع يحثتى فيه على حضور الندوة ، فلم أستطع الاعتذار.

عضو لجنة الثفافة والإعلام بمجلس النواب ضحى عاصي

و خلال حوالى ثلاث ساعات – أو تزيد – تحدث فيها مسرحيون من مهن و أجيال ومدارس متعددة ، يتعاملون مع جهات الإنتاج المختلفة سواء كانت حكومية أو خاصة أو مستقلة ، وخلال حديثهم رصدوا كثيرا من المعوقات و أسهموا في تحليلها و شرحها، و لكن الحوار لم يكن بكاء على الأطلال ، بل أثمر عن مقترحات بحلول قابلة للتنفيذ ، نشرتها الكاتبة و الناقدة (رشا عبد المنعم) – التي ادارت الحوار مع الأستاذة النائبة – في مقال لها بجريدة الدستور غطى معظم ماقيل في تلك الجلسة،  ولكنى رأيت أن أضع أمامكم بعضا من نقاط دونتها أظن أنها تصلح مجرد منطلق لبدء الحوار و ليست فصل المقال أو نهاية الحديث ، فليس لأحد أن يدعى أنه يملك التشخيص الكامل أو الحل الأمثل.

تبدأ تلك النقاط من ملاحظة أنه لم تهتم أى حكومة جاءت بعد ثورتى يناير و يونيو بالمشهد الثقافى و الفنى و اعتبرت كل الحكومات أن توفير الغذاء للمواطنين أقصى أمانيها و عندما تحتاج أي حكومة إلى خفض الميزانيات أو توفير النفقات ، فإنها تلجأ اول ما تلجأ إلى خفض ميزانيات الثقافة ، برغم تشدق كل الحكومات بأن الثقافة غذاء للروح لا تستغني عنه الشعوب و لها أهمية كبرى في كسب معركة الوعي ، و الوقوف أمام التحديات التي تواجهها الدولة ، و لكن المقولات في وادٍ و الأفعال في وادٍ آخر ، ففى حين نرى بذخا في الصرف على المسلسلات و البرامج التليفزيونية – و معظمها تابع للحكومة – نرى  تقتيرا على الكتاب و المسرح و الفنون التشكيلية ، و الحقيقة أن معظم الحكومات تخلط ما بين الثقافة و الإعلام ، ربما لأنها لا تعرف أن الثقافة هى استثمار في ( المستقبل ) و ليس لها مردود سريع كالإعلام و لكنها أعمق تأثيرا وأطول عمرا .

إلى جانب أن أجهزة الدولة لا تعرف ماهو المسرح و لا كيف يدار !! و لذا تطبق عليه القوانين التى تتعامل بها وزارات مثل التموين و الصناعة ، و هى قوانين كفيلة بقتل أي إبداع و لا تساعد على إنتاج فن جيد ، و بدلا من تخفيف تلك الترسانة من المعوقات نكتشف أن بعض أجهزة الدولة تزيدها ، فطوال عمر المسرحيين و على مدى كل مؤتمرات المسرح التى انعقدت منذ الستينات و حتى الآن يطالبون بالتحرر من تلك القوانين و يصرون على أن المسرح لن ينصلح حاله إلا بالحرية و التحرر من بيروقراطية سخيفة و لوائح عقيمة ، و بدلا من تنفيذ توصيات الفنانين – و هم أدرى بشعاب الفن – تعمل بعض أجهزة الدولة بعكس تلك التوصيات تماما.

الكل يعرف أسباب الداء والدةاء في معضلة العروض المسرحية

و لهذا :لجنة المسرح يجب إعادة النظر في هيكلة وزارة الثقافة و خاصة القطاعات التي تقوم بإنتاج المسرح لتحريره من البيروقراطية و التسلسل الوظيفي المعقد الذي يعيق الإنتاج، و تحويل هذا القطاع إلى هيئة مستقلة تملك مرونة الحركة و تستطيع التعاون مع القطاع الخاص و الجهات الداعمة و المانحة.

يجب ان توضع رؤية مصر 2030 قيد التنفيذ في كل مناحي الثقافة و الفنون و تحدد مراحلها بكل دقة على أن يحاسب كل مسؤول ثقافي أو فني سنويا على ما تم إنجازه و يصبح هذا هو السبب الوحيد لبقائه أو عزله من منصبه .

إن كثير من دور العرض مغلقة بسبب تعنت أجهزة الحماية المدنية في شروطها حتى أن بعض دور العرض التي أغلقت لاستكمال اشتراطات الحماية المدنية فوجئت بعد الانتهاء منها بتغير (كود الحريق) مما عطل افتتاحها و أصبح على هذه الدور أن تغلق مرة أخرى لاستكمال الاشتراطات.

ضرورة فك الاشتباك الخاص بتضارب قرارات الضرائب، حيث فوجئ الوسط الفني بتطبيق الفاتورة الإلكترونية على المبدعين في حين أنهم لا يمتلكون شركات او مؤسسات و يخضعون لضرائب المهن الحرة غير التجارية.

يخضع القطاع الخاص في المسرح لغابة من الضرائب تجعل أرباحه مستحيلة فهناك ضريبة على تذكرة المسرح و ضريبة الإعلان عن العروض، و ضريبة دخل، و ضريبة قيمة مضافة.. كل هذه الضرائب تجعل المنتج يحجم عن الإنتاج .

الإنتاج المسرحي يعاني أزمة حقيقية

هذا في محور الإنتاج المسرحى ، أما فيما يخص محور الرقابة فإن عقدا اجتماعيا جديدا يضمن للجميع حرية التعبير هو الخطوة الأولى ، و ليست حرية التعبير هنا ما نتداوله عادة و نخلط بينه و بين الكلام فى حرية ، نحن هنا نتكلم عن حرية التعبير مبدعا و فنانا و أديبا و ليس حرية أن تتكلم فيما لا تعرف و تفتى فيما تجهل ، فالعمل الادبى ليس مقالة أو خطابا و له مقاييسه و طرقه و لا يجوز الحجر عليه إلا فى الحدود المتعارف عليها دوليا فى مواثيق الأمم المتحدة و منظمة اليونسكو و بشرط ألا يضر بآخرين ماديا أو معنويا ، و بناء على هذا يجب إعادة النظر في قوانين الرقابة على المصنفات و التي مر عليها سنوات طوال ولا تليق بالعصر الحديث عصر السماوات المفتوحة ، بل إن الرقابة على المصنفات قد شددت قبضتها على المبدعين في السنوات الأخيرة بشكل لا يليق بالجمهورية الجديدة ، إلى جانب أن كثيرا من الجهات الرسمية و الشعبية سمحت لنفسها بالقيام بدور الرقيب ، في حين أن الدولة أكثر رحابة مع انتاجها ( كما رأينا في مسلسل الاختيار على سبيل المثال ) ، و لذا يجب الحد من تدخلات الجهات المختلفة و القيام بدور الرقيب ، و هذا يستلزم :

أولا:  حماية المبدع من قضايا الحسبة التي انتشرت لوجود كثير من راغبي الشهرة الذين أدمنوا تصيد الآراء و رفع قضايا أمام المحاكم ترهب المبدعين.

ثانيا: يجب أن يضاف إلى حرية التعبير ما يمكن أن نسميه ( حرية الفعل ) ، و يمكننا تلخيصها فى حرية استغلال أى مساحة خالية فى فعل ثقافى دون إخطار أو تضييق أو تصاريح أمنية و تشمل تلك المساحات الأماكن المملوكة لوزارة الثقافة الخالية من الفعل الثقافى بإتاحة الفرصة للجميع باستغلال أصول وزارة الثقافة من مسارح وقاعات في تقديم أعمالهم المستقلة في غير أوقات أشغال تلك الأماكن بأجر رمزي بسيط ، و توسيع قاعدة النشاط في المحافظات و دعم الفرق المستقلة (على الأقل لوجيستيا ) و الاهتمام بالتدريب و التثقيف الفني و الثقافي للعاملين بمجالات الفنون بالمحافظات.

و في النهاية لابد وأن نعترف بأن المشهد تسوده ثقافة المركز التى لاترى إلا نفسها ، و تزيد من تهميش الأطراف ، هل كنتاج للدولة المركزية ، ام طمعا فى تفوق عرقى او جغرافى ، او رفضا للاعتراف بالاختلاف ؟ ، ليست الاجابة إلا خليط من كل هذا، و في الحقيقة إن التعبير عن المكونات الثقافية المختلفة لمناطقنا الجغرافية هو تأكيد للهوية التي تجمع كل هذه الروافد الثقافية في بؤرة واحدة ، و أنه يجب إتاحة الفرصة للمناطق المهمشة للتعبير عن ثقافاتها لدمجها داخل الثقافة الأم ، فليس من المعقول ألا يعرف بدو سيناء أو مطروح شيئا عن فنون توشكا مثلا.

و للحديث بقية ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.