رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد حبوشة يكتب : نحن بحاجة ماسة لتوظيف الدراما سياسيا

بقلم : محمد حبوشة

لم تعد الأعمال الفنية الدرامية والسينمائية مواد للترفيه فقط، بل إنها أصبحت تمثل إحدى أهم أدوات (القوة الناعمة) التي تمتلكها الدول وتحرص على تطويرها لدعم حضورها وربما نفوذها خارج حدودها الجغرافية، وقد تبلور توظيف صناعة السينما والدراما عالميا وإقليميا خلال السنوات القليلة الماضية بشكل كبير، لا سيما مع تطور هذه الصناعة ومواكبتها للتقنيات الحديثة، حيث اتسمت معظم الأعمال الدرامية الوافدة على وسائل الإعلام العربي بمستوى عال من الحرفية وجودة جماليات الصورة، والإخراج، والتركيز على المناطق الطبيعية الخلابة.

وهو ما جذب المتلقي ناحية المتابعة لمشاهدة المزيد من عناصر الإبهار التمثيلية والجمالية، في ظل رتابة المحتوى المقدم محليا، وتدني المستوى التقني للصورة، وهى عوامل تصب في صالح هذه الأعمال الوافدة، بل هو ما ساعد في جعلها أكثر جذبا وملاءمة للتصدير إلى الخارج، وفي هذا الإطار تنوعت أهداف الأعمال السينمائية والتليفزيونية، ما بين تنشيط القطاع السياحي في دولة ما، أو تحسين الصورة الذهنية عن تلك الدولة، أو خدمة أهداف سياستها الخارجية، وغيرها من أنماط توظيف هذه الصناعة.

الاختيار
أم هارون

وخلال السنوات الماضية برزت الأعمال الفنية المصرية والإيرانية والتركية، واستطاعت عبور حدودها الجغرافية، كما صعدت الدراما الخليجية وانتشرت بشكل كبير في الدول العربية، في الوقت الذي استقدمت فيه وسائل الإعلام العربية دراما أجنبية، صينية وكورية ومكسيكية وهندية وكرواتية، اعتمادا على الأنماط الجديدة التي تقدمها هذه الدراما، إلى جانب تدنى محتوى بعض الأعمال الفنية المحلية المقدمة وتكرار مضمونها، وربما لاحظنا أن هنالك تطور نوعي في توظيف الدراما سياسيا خلال المواسم الرمضانية الثلاثة الأخيرة على المستوى العربي، ونخص بالذكر مسلسلات (الاختيار، وهجمة مرتدة – مصر، حارس القدس – سوريا، محمد على رود ، وأم هارون – الكويت، ممالك النار – الإمارات)، وكان يمكن أن ينضم إليهم (الزعيمان – ليبيا) لولا احتوائه على سموم تبثها الجماعة الإرهابية حيث لونته بلون تركي يروج للدولة العثمانية تزامنا مع ارتكابها جرائم بشعة في حق الشعوب العربية.

حارس القدس
ممالك النار

إذن لماذا نتواري نحن في المجتمع العربي قليلا وراء يافطة (لا لتوظيف الدراما في الشأن السياسي)، بينما عدونا في الشرق والغرب على حد سواء يستخدمها كسلاح قوي في تزييف التاريخ لصالحه، ويخاطب (الأغا التركي) الغرب على جناحها، كما فعل في عدة مسلسلات، منها على سبيل المثال وليس الحصر: (السلطان عبد الحميد) الذي قام من خلاله بتزيف فترة حكمه للدولة العثمانية رغم أنه قد أطلق عليها (الرجل المريض) آنذاك، و(فالنتا مصطفى)، والذي يحكي عن دول الشر التي تستهدف استقرار تركيا المزعوم، علما بأنها غير موجودة سوى في خيال المؤلف، و(قيامة أرطغرل) الذي يحكي قصة مؤسس الدولة العثمانية، حاملا في طياته سموم فكر الإخوان، ومتغافلا الدور العربي في مساندة تلك الدولة العنصرية، و(أنت وطني) الذي يسرد قصة بطولة الجيش العثماني في مواجهة الجيش اليوناني في (سالونيك)، وبداية ظهور (كمال أتاتورك) مؤسس تركيا الحديثة، ومسلسل (العهد) في ذهابه نحو إظهار بطولة العسكري التركي الخارقة في الوقت الحالي في مواجهة الجماعات الإرهابية المزعومة، بينما يتواطئ (أردوغان) في الوقت ذاته معها ضد سوريا والعراق وليبيا حاليا.

قيامة أرطغرل
أنت وطني

الدراما السياسية ياسادة مهمة للغاية في تنمية الشعور الوطنى فى ظل التحديات التى تواجه حصون الوعى، وبالتأكيد مهمة ليست هينة خاصة أنها فى معركة لمواجهة معتقدات ومبادئ تتعلق بالأرض والهوية، إلا أن دراما المخابرات المصرية استطاعت تحقيق المعادلة الصعبة فى تقديم محتوى قادر على تفعيل الدور التثقيفى والتوعوى، وإسهامها بشكل كبير فى بناء عقليات ناقدة قادرة على التلقى الفعال لمضامين تلك الصناعة المصرية، بالإضافة الى الجاذبية الخاصة التى تحققها بكشف أسرار شخصياتها محور العمل، وأحداث خفية حدثت بالفعل، ودورها فى بث رسائل موجهة للجهات المعادية.. فكانت بمثابة مدفعية ثقيلة على جبهة معارك الوعى.

هجمة مرتدة

وهناك هناك أعمال مميزة استقت مضمونها من واقع ملفات أجهزة المخابرات المصرية (هجمة مرتدة، والعائدون نموذجا)، استطاعت التفرد باهتمام الجمهور لما تتمتع به من أهمية فى المعالجة الدرامية لأحداث وقعت بالفعل وإظهار الخفايا منها بحرفية شديدة المهارة، فنجحت فى تعرية خيانات ترتكب باسم حقوق الإنسان عبر منظمات تلتحف بستار المجتمع المدنى لتكشف عن مخططات تحاك ضد البلد وإزاحة الستار عن زيف الإعلام المضاد وإلقاء الضوء على أبطال حقيقين واجهوا العدو بكل شجاعة وقدموا حياتهم فداء للوطن، وكانت بمثابة العميل السرى لتحريك وصناعة الوعى بنفحات وطنية، وهو المطلوب حاليا من خلال أعمال درامية واقعية تتحدث عن الإنجازات المذهلة على أرض الواقع المصري الحالي، بحيث تتصدى لمواجهة قوى الشر العالمية التي تحيك المؤمرات ضد مصر والتشكيك حاليا في جهود الحكومة المصرية في الإنجاز والتنمية.

ظني أن انتباه الدولة المصرية حاليا في توجهها نحو توظيف القوى الناعمة كما شهدنا في الدراما الرمضانية خلال المواسم الرمضانية الثلاثة الماضية لمصلحة السياسة هو توجه سليم للغاية، ولعل الجهد المبذول من جانب الشركة (المتحدة للخدمات الإعلامية) يوضح هذا التوجه الانتاجي الواعي، وذلك بالتعاون مع بعض الشركات العاملة في نفس المجال الإنتاجي عن طريق المشاركة في الأعمال الدرامية الوطنية التي تساهم في تشكيل الهوية وتضرب الأمثلة في البطولة والفداء، كأعمال دراما المخابرات أو الدراما السياسية الأكثر تأثيرا على الجمهور لما تبثه من روح الانتماء وحب الوطن، والتأكيد على الهوية الوطنية وتقديمها للعديد من المعلومات التي تخفى على الكثيرين، عن نماذج وطنية خدمت الوطن دون أن يعلم عنها أحد، وكشف الكثير من الحقائق التي يحاول أعداء الوطن طمسها أو تزييفها، وذلك في جو من الإثارة والتشويق.

على أية حال أحب أن أشير إلى غياب القوى الناعمة طويلا عن القيام بدورها في كافة القضايا المصرية والعربية، ولم نحاول أن نستغل الأعمال القيمة بالغة الأثر في تاريخ الدراما العربية – على غرار مافعل (أردوغان) في (قيامة أرطغرل)، ومنها على سبيل المثال مسلسل (التغريبة الفلسطينية) الذي تناول النكبة الفلسطينية، وهو ما يستدعي التوقف أمامه طويلا بما يحمله من وثيقة تاريخية صورت المأساة الفلسطينية منذ مطلع الثلاثينيات حتى هزيمة يونيو عام 1967، والتي تعتبر واحدة من أهم المراحل في تاريخ القضية الفلسطينية، بانعكاسها في الصراعات والتفاعلات الاجتماعية والإنسانية والسياسية بين شخوص العمل القائمة على عائلة (أحمد الشيخ يونس) الملقب بـ (أبوصالح) محور التصاعد الدرامي للأحداث، لما تمثله من انكسارات وخيبات ومحاولات جيل كامل من الفلسطينيين البحث عن خيط نجاة، وهى بالمناسبة تفوق في مستواها الفني كل المسلسلات التركية التي تمجد الدولة العثمانية حاليا.

التغريبة الفلسطينية

وفي النهاية: ظني أن هنالك حاجة ماسة لتكثيف هذا الخط الإنتاجى الوطني بحس سياسي أو مخابراتي، فقد ثبت أنها شديدة الأهمية وشديدة الجاذبية وفى نفس الوقت لها قاعدة جماهيرية كبيرة، ومن الضرورى الاهتمام بتنمية الحس الوطنى وتحريك الوعى لأننا نواجه معركة أساسها مشكلة لايجب غض الطرف عنها وهى آفة الجهل ومن مظاهر الجهل عدم الوعى أو الوعى الزائف، وذلك من الممكن تحقيقه من خلال المادة الموجودة فى ملفات المخابرات العامة التى تركز على مفهوم الايدلوجية للأفكار والمعتقدات الكامنة فى أنماط سلوكية معينة، كذلك سياسة التعامل مع الآخر والصراع الخفى والظاهر وكافة أنواع الصراعات التى من ضمنها الصراع على الأرض والهوية والمقومات الخاصة بالثروات الطبيعية للبلد، جميعها تدخل فى نطاق أجهزة المخابرات التى تعتبر منجم ذهب للدراما فهى تقدم المعرفة والمعلومة اللازمة لبناء مشروع قومى قوى ومتكامل.

نعم نحن بحاجة لدراما المخابرات لما لها من أهمية كبيرة، فهى بمثابة سيرة ذاتية لأبطال حقيقين لايعرف عنه الكثير وإلقاء الضوء على أحداث خفية حدثت بالفعل وكان لها تأثير قوى على أمن وسلامة الوطن، لذلك يجب الاستعانة بالملفات القديمة – طبعا – دون الملفات الحديثة فالمسألة شائكة تمس الأمن القومى والمخابرات لن تسمح بتداول أى معلومة إلا اذا كانت متأكدة مئة بالمئة أنها تدعم الأمن القومى وتبعث برسائل ضمنية للاعداء والمتربصين، إننا نمتلك جهاز مخابرات قوى وأن هذا الجهاز قوى ويقظ جدا وأن يتضمن أبطال ثعالب ونسور محلقين أرضا وجوا قدموا أرواحهم فداء للوطن دون مقابل، بالاضافة إلى أنها قادرة على تعرية وكشف خيانات الدول المعادية، وهذا الدور يؤكد أننا مجتمع يقظ ومنتبة لكل مصادر الخطر التى قد نواجهها فلسنا فى سبات ونتحصن بأدوات أساسها رجال وجنود بواسل وخطط وعقول فطنة، فأحذرونا، وربما هذا هو المطلوب حاليا في ظل التحديات التي تواجه الدولة المصرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.