رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حسين نوح يكتب : ضحايا ومبدعون (١) .. محمد قنديل أشهرهم !

بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح

وكما أن الحياة الإنسانية حباها الله بعقل الإنسان وتجلياته كنا قد اقتربنا مما نشاهده في الغابات والبراري من توحش وظلم الكبير للصغير وكل مظالم الحياة دون الانسان وقيم إعمال العقل، ومع ذلك وخلال مشواري والعمل تأكدت أه بالعقل والاجتهادات والمعرفة وكثير من التطور والحداثة، هناك بعض الضحايا، وقد نجد بينهم مبدعين !

من حسن حظي أني تعاملت مع معظم مشاهير مصر من النجوم والمثقفين والصحفيين والشعراء، وقد كان عملي في أكثر من مجال فني ومنذ السبعينيات في الموسيقي والاستديوهات وعربة التصوير والإنتاج والمسرح والفنون التشكيلية والأدب، لقد شاهدت الكثير وجلست إلى عظماء الفكر والإبداع واقتربت من أشخاص كنت إستمع اليهم ويبهرني إخلاصهم وعشقهم للفن، ومع مرور الأيام والسنوات تركنا البعض واستمر البعض وشاهدت الحقائق والأكاذيب وضحايا عشق الفن وضحايا عشق النجوم، وكنت أطلق على بعض المرافقين و الملازمين للنجوم اسم (المقطورة).

فكثير من الفنانين دائماً ما تجد محب أو محبة أو معجب وأحياناً متسلق عاشق للتواجد بين المشاهير ويلعب دور المعجب والموافق لكل ما يقوله أو يقدمه الفنان وتلك علة وجوده، وكم من فنان لايستطيع أن ينتشي إلا بتواجد ما يطلق عليهم موتوسيكلات أو احياناً بودي جاردات.

وأتذكر أحد ضحايا الغناء وقد كتبت عنه في إحدي رواياتي أنه شخص كان يقلد (عبد الحليم حافظ) في ألوان ملابسه وأسلوب تعامله مستخدما لبعض كلماته مثل (حبيبي وحياتي)، ويمشط شعره بنفس طريقة العندليب، ويأتي من محافظة الشرقية وقد صرف كل ميراث والده وأحضر عربة لبعض الملحنين الناشطين وقد أوهمه إنه العندليب القادم وسيجعل منه نسخة معدلة من مطرب الثورة ومحبوب الملايين، وكلما زادت وعوده للموهوم اجتهد الضحية من التشبه بحليم.

حلم يسيطر على الطيب فيرتدي ملابس سبعينياتي ذات ألوان بغبغانية وسلسلة ذهبية كما كان يرتدي العندليب، وقد أصبح هذا المدعي علامة من علامات الاستديو وباع كثيراً من الميراث وأنتج شريطاً ولم يستمع له أحد إلا الملحن وأصدقاؤه الذين أحاطوه، فهم معه في التسجيل وبعد التسجيل يذهبون للعشاء ثم حفلات نهاية التسجيل، وأقنعه الملحن المخضرم أن سبب عدم انتشار الشريط وتهافت الجماهير عليه إنما بسبب العيب في الدعاية، ومن ثم لابد من تكثيفها وعمل فيديو كليب مع الإعلان التليفزيوني فباع الضحية باقي أملاكه وأكثر من الأفيشات في الشوارع، فعلى يمينك ويسارك أفيشات مطرب الإحساس وكنت أشاهده يقف مقلداً العندليب شكلاً فقط أما الصوت فهو اقتنع حين استمع لنفسه في الحمام في الشرقية ومع كتيبة الموتوسيكلات التي تعيش في كنفه ورغبة منهم في التواجد في الاستديوهات وأماكن التصوير كما يحدث دائماً.

تلك حالة أردت أن أتذكرها لأعرض معكم ضحايا ليس لعدم وجود موهبة إنما لعدم وجود فرز ونقد فني حقيقي إلا القليل ثم الجمهور الواعي، فالفنون إرسال واستقبال ولابد أن يحدث توافق مع كليهما وإلا لماذا تزداد أعداد ضحايا الفنون والإبداع في كل أنواعها، ثم لماذا تتوه كثير من حقائق ويطفو أحيانا كثير من سذاجة كما يحدث في بعض الحالات، الآن ولا نملك إلا الدهشة وهم يجدون جمهورهم من بقايا العشوائيات وهواة المتعة عند بعض الأثرياء الجدد لمجرد تمضية وقت وهم يتبادلون الكؤوس وليس لدي اعتراض إنما أعرض حالة.

محمد قنديل

وأتذكر في أحد الأيام وكان الدكتور (محمد عبد الوهاب) حاضراً مع الدكتور (مصطفي ناجي) المايسترو، عازف التشيلو العبقري والموزع الموسيقي والمايسترو القدير ثم رئيس الأوبرا، وكان قد أنهي معنا عمل شريط دعائي للشيخ (فؤاد عبد المجيد)، وحين جلست مع الدكتور محمد عبد الوهاب وجدتها فرصة وتطوعت وسألته: من أجمل صوت رجل سمعته يا أستاذنا؟، وانتظرت وكانت الإجابه التي جعلتني أتذكر و أكتب تلك المقالة (محمد قنديل)، فمحمد قنديل أجمل صوت بشهادة عبد الوهاب، هنا اندهشت فقد كان (قنديل) يحضر إلى الاستديو على فترات متباعدة جداً وكان حزينا، فقد كانت مرحلة اللحن السريع وإضافة التصفيق الغنوة الشبابية، وكان هو أحد المظاليم.

وهنا قد يسألني البعض: هل أنت ضد التطور والجديد؟، والإجابة بالنفي أكيد، فتلك سنة الحياة والتطوير والدليل أن سيد درويش يراه البعض متمرداً عن من سبقوه، فعبد الوهاب يختلف عن سيد درويش وعبد الحليم يختلف عن عبد الوهاب ومحمد نوح مختلف عن عبد الحليم، وجاء عمرو دياب مختلف عنهم وكذلك محمد منير، ولكن الإشكالية بالنسبة لي هى قيمة الكلمة واللحن وكيف تكون لخدمة الذوق والتذوق مع وجود بعض حالات وليس معظم الحالات من فنون ما أطلق عليه شعبي أو منولوج أو ما شئت،انما تكون الغلبة للحقائق الفنية.

وكان ظهور الفنان من خلال إعلام الدولة إذاعة وتليفزيون وهما الفلتر، فكنا نجد (محمد قنديل) يغني في معظم الحفلات مع (محمد فوزي وفريد الأطرش وعبد الحليم وصباح وشادية)، إنما أن تكون الساحة الغنائيه معظمها من خلال (الكاسيت والسي دي والفلاشة)، وكثير من (البلي باك) فيقدم كل ما هوخفيف ويخاطب العوام وفقط إيقاعات راقصة، وقد توافق بعض الشباب وأنا هنا لا أطالب أن تكون الألحان أوركسترالية والكلمات لأحمد رامي أو الدكتور إبراهيم ناجي، إنما اتمني أن نقدم ما يناسب هذا التاريخ الإبداعي الذي يحفز أعمال العقل والخيال والتصالح مع الجمال في الكلمة واللحن، إنما أن يسيطر فقط كل ما هو خفيف وراقص، فتلك هى المشكلة والخطورة علي الإبداع لبلد أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد ومئات من مبدعي حقائق.

توفيق صالح

قلة الفرز جعل كثيراً من الحقائق في معظم مناحي الفنون البعض ينسحب والبعض يمنعه كبرياؤه من تسول العمل، وأذكركم ببعض الأسماء التي اختفت عن الساحه علي سبيل المثال المبدع صاحب أعظم الأفلام الاستعراضية في تاريخ السينما القدير (علي رضا)، صاحب أهم وأعظم الأفلام الاستعراضية التي نعاني من القدرة على تواجدها، من منا لم يشاهد (إجازة نصف السنة وغرام في الكرنك)؟، وكذلك المبدع القدير (توفيق صالح) الذي أعتبره من أهم مخرجي السينما المصرية، والصديق (مدكور ثابت، والشاعر عبد الرحيم منصور، وسعاد محمد، ونجاح سلام)، تلك

الأصوات غير التقليدية يعرف قدرها المتخصصون، و(مجيد طوبيا) الروائي الكبير –

علي رضا

الذي فارقنا قبل شهر ين تقريبا – ومازالت تعيش بيننا حقائق تستحق الاهتمام مثل الدكتور رمضان الحضري، الناقد والمفكر ودكتور اللغة العربية، الذي حين أستمع إليه أشعر أنني استمع للعظيم (طه حسين) بنفس طريقته في نطق وجماليات اللغة العربية. ولدينا أيضا كثير من مواهب وقدرات فنية تستحق الاهتمام. .مصر تاريخ فني ورائدة للتنوير وثاني سينما، والتي بفضلها تعرفت معظم الدول العربية علي اللهجة المصرية وانتشرت الكوميديا المصرية في العالم العربي بـ (نجيب الريحاني وعلي الكسار وإسماعيل ياسين وفؤاد المهندس وعادل إمام وسعيد صالح) إلى الآن، ولكن أين شركات اكتشاف النجوم؟، أين شركات صناعة النجم أمثال (شركة رمسيس

الدكتور رمضان الحضري

نجيب، وأفلام ماري كويني، وأفلام محمد فوزي وشركة القاهرة للإنتاج السينمائي، والسينمائيون المصريون)؟، شركات كانت تقوم بصناعة النجوم واكتشاف المواهب.

أري أن مصر تستحق الآن مجهوداً كبيرآً لتقف في مكانها الطبيعي في ريادة الحركة والثقافية، فمصر هى هوليوود الشرق ومصنع تفريخ وانتشار المبدعين في شتي المجالات .. مصر تنطلق وتستحق.

 ولنا لقاء مع (ضحايا ومبدعون).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.