رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب : مع إسرائيل .. آه لو فعلها الأسوانى !

بقلم : محمد شمروخ

لم أهتم بقليل ولا كثير بردود فعل حديث الدكتور علاء الأسوانى إلى إحدى محطات الإذاعة الإسرائيلية، حتى مع افتراض أنه حقا خدع بسبب تصرف خاطئ من وكيله في أمر الاتصال بهذه الإذاعة، لكن المؤلم بالفعل هو أن الدكتور علاء الأسوانى افتقد الشجاعة الأدبية والسياسية بهذا المبرر المضحك، وأقسم إنى كنت سأعزز من احترامى له ككاتب حر في موقفه السياسي مهما كان خلافى معه، خاصة أنه لم يتقيد بتيار أو إيدلوجية في موقفه هذا، ورجوت أنه اقتنص هذه المناسبة غير السعيدة، بطرح أفكار جديدة لإيجاد سبل للتعارف مع إسرائيل بشكل أو بآخر، فغير مقبول ولا معقول أن نعادى كيانا لا نكاد نعرف عن حياته الداخليه شيئا، لا أدب لا فنون لا فكر لا ذوق، وددت أن يصر على أنه ليس بإجرائه حوارا معهم يعنى أنه موافق على الممارسات الإسرائيلية حيال أبناء فلسطين الأصلية.

علاء الأسواني يكذب ثم يكذب ثم يكذب!

لكن الدكتور علاء حسب حسابا لردة فعل كثير من جمهوره كأديب وروائي ذائع الصيت، وكذلك لمؤيدي مواقفه السياسية كمعارض، إذ أن التعامل أو ما يطلق عليه (التطبيع) مع (الكيان الصهيونى الغاصب) بأى شكل من الأشكال، لدى كثير من القطاعات الثقافية والعامة، لهو أنكى وأشد من تهمة التكفير عند الجماعات المتطرفة دينيا، بل يبدو أحيانا أن التكفير السياسي أشد وطأة من التكفير الديني!

بل لعل التكفير الدينى يخلق نوعا من التعاطف من جمهور المثقفين وقد يفتح باب الخلود أمام من يرمى به، ثم إن هناك كثيرين يتمنون نعمة أن يكفرهم أحد دينيا، فهى فرصة قد تفوق الحصول على عقد عمل لدى شركة بترول في الكويت!.

وكنت أتمنى أن يدافع علاء الأسوانى عن تصرفه ويعترف بتبعاته، وسوف يجد ما يعضد به موقفه هذا، وليس ما يبرره فحسب، فقد سبقه إلى تأييد سياسة السلام مع إسرائيل كثير من الأدباء والكتاب والمفكرين، إلى درجة الموافقة على كل أشكال التطبيع والدعاية له!

ولماذا نذهب بعيدا؟!، أليس نجيب محفوظ عميد الرواية العربية، مؤيدا لذلك وقد أعلنها صراحة في أحاديثه وإن كان مع التحفظات اللازمة، ولكن نجيب محفوظ كان ذا موقف حر حقيقي، فالمفكر والأديب الحر، لا يتعامل من منطلق الخوف على نجوميته من أجل إرضاء جماهيره بما لا يعتقده، بل لعل محفوظ دفع ثمن موقفه هذا وصار هدفا للهجوم عليه والنيل منه، لكنه لم يعبأ كعادته دائما، يصرح بما يراه وليذهب الجميع إلى حيث شاؤوا.

أمل دنقل

هذا هو الموقف الحر الحقيقي، لكن الدكتور علاء آثر السلامة وتراجع معتذرا، ولكننا جميعا نعرف أنه يكذب في اعتذاره، لكن فيما يبدو أنه لم يدرك المتغيرات الهائلة التى داهمت الوسط الثقافى خاصة التجمعات التقليدية في مقاهى ومنتديات وغرف الثرثرة الثقافية، فلعله لم يدرك بعد، أن هناك اتجاهات جديدة بدأت تنتشر بين كثير من شباب المثقفين وغير شباب المثقفين، وأن زرافات منهم قد غيرت مواقفها 180 درجة، فلم تعد ترى في إسرائيل ما كان يراه على سبيل المثال المفتونون بشعراء مثل أمل دنقل صاحب (لاتصالح)، أو مظفر النواب صاحب (القدس عروس عروبتكم)، أو محمود درويش ونزار قبانى وغيرهم بما لا يعد ولا يحصى من قصائد هذا التغيير الذي لم يدركه الأسوانى، لا لسبب إلا لأن إسرائيل قد تسلللت إلى الوسط الثقافى المصري عبر (رعاة غير رسميين للثقافة والمثقفين) يعملون ليل نهار لا يكلون ولا يملون لصالح تغيير المفاهيم ذات الصبغات الدنقلية النوابية الدرويشية النزارية، وكان من أثر هؤلاء الرعاة أن جعلوا من الكثيرين  (قلوبهم ضد إسرائيل وعقولهم معها)، فالقدس نفسها قد تم زعزعة مكانتها لدى قطاعات كثيرة من ثراثرة مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة فيسبوك، فلم تعد تلك الزرافات الزرقاء تهتم بقضيتها ولا بالقضية الفلسطينينة، لأسباب عديدة.

مظفر النواب
نزار قباني

فمرة تحت الزعم المفترى بأن الفلسطنيين قد باعوا أرضهم لليهود.. ولن تجدى معهم دفاعات أن بعض الذين باعوا بالفعل قد تنازلوا عن حق استغلال وليس سيادة أو انتماء، فهذان لا يقبلان البيع أبدا بعقود أو بالتنازل عن حجج ملكية!

ومرة أخرى، بزعم أن خسائر مصر بسبب القضية الفلسطينية كانت على سبيل المن وليس بسبب تهديد أمنها القومى إثر زرع كيان معاد على حدودها الشرقية لم ولن يكف عن محاولات زعزعة استقرارها.

ومرة لأن هناك شك ممنهج في أن يكون المسجد الأقصى في القدس ولذلك فرحلة الإسراء لا علاقة لها لا بالقدس ولا بالمسجد، وقد ردد ذلك واحد من (كبار كبار مشاهير المفكرين) بإلحاح غير معتاد وكأنها قضيته الشخصية، ذلك لأن الإسراء اسم سورة في القرآن فلابد من نفي علاقة للقدس به وهى منتهى رحلة الإسراء عند المؤمنين بهذا القرآن!

ومرة لأن المعراج كما زعم البعض منهم، رحلة وهمية ضحك بها شيوخ التراث الإسلامى على عقول المسلمين السذج ولأن مدينة القدس في (أسطورة المعراج) هى المبتدأ كما كانت المنتهى في (أسطورة الإسراء) فما دام الأمر متعلق بأساطير الأولين، فمالنا وللقدس؟! فلم تكن منتهى الإسراء ولا مبتدا المعراج.

هل تدركون الآن لماذا كل هذا الإصرار على إثارة الغبار حول (الإسراء والمعراج) وفي هذا التوقيت بالتحديد؟!، خاصة وقد اختير لها نجوم إعلاميون كبار ذوو تأثير واسع في قطاعات الشباب؟!

لذلك قد تغيرت الرؤية في عقول كثيرين وهو ما لم يدركه الأسوانى، بل وجدنا رموز التيارات التى كانت تثور وتثير الغبار مع ذكر اسم إسرائيل، تراهم يصمتون الآن لأنه جدت أمور لم تكن في الحسبان، أهمها ظهور هؤلاء الرعاة غير الرسميين!

هناك دور نشر ومكتبات ومنتديات ومهرجانات وسفريات ونواد وشركات ومنتجعات وجوائز، تحت رعاية (رعاة غير رسميين) من شأنها أن تفعل الكثير!، ولعل الأسوانى لو صبر قليلا على إجراء الحوار لما وجد أثرا لهذا الغبار، وإن لم تصدق، جرب وانزل بنفسك واجلس وسط تجمع ثقافى تقليدى تغلب عليه البنطلونات الساقطة، وليكن في وسط القاهرة وفي ليلة جمعة صيفية، فستسمع بأذنيك من يحدثك عن أن الغزاة المسلمين من (القتلة الأوائل) قد اغتصبوا القدس من اليهود!

كيف؟!

……..

لو حدثتهم أن آخر أثر لوجود يهودى في أورشليم القدس، سبق مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بخمسمائة سنة فلن يعيرك أحد أذنا تصغى، ولو أقسمت لهم أن بطريرك القدس (صفرونيوس، كان قد اشترط على خليفة المسلمين عمر بن الخطاب عند توقيع وثيقة تسليم المدينة المقدسة صلحا، ألا يدخلها يهودى، لشككوا فيما تقول ولو أحضرت لهم عشرة مراجع معتمدة، بل ستجد من يذكر لك أن المسجد الأقصى لم يكن موجودا عند دخول عمر مدينة إيلياء (القدس) وإذا طالبتهم بالدليل، سخروا منك لأنك تكذبهم وتصدق مصادرك من التراث الإرهابي.

فإن كانت القدس عربية، فهناك من يكفر بالعروبة من حيث المبدأ!، وإن كانت القدس إسلامية، فمجرد ذكر كلمة (إسلامية) سيذهب بك إلى أقصى ركن في المقهى!

وحتى إذا قلت لهم إن بأورشليم مقدسات مسيحية، سيتهمونك بأنك ضد المدنية وقد يتلون على مسامعك قرار الاتهام الموجه إلى جاليليو!

فلا تستهن بالنشاط الصهيونى بين أوساط المثقفين القاهريين، وهو أمر متوقع ولم يكن لإسرائيل أن تترك الساحة الثقافية دون أن تبث فيها من يعملون لصالحها ولو أظهروا في البداية أنهم أعداء لها، بل لا أستبعد أن يكون من بين الصارخين ضد التطبيع من يعملون لصالح جماعات صهيونية معروفة بعدائها الصريح لسياسة السلام العربي الإسرائيلي وهؤلاء لهم أبواقهم داخل إسرائيل نفسها.

دعنى أقرر لك أن إسرائيل نفسها لا تريد التطبيع طبيعيا، فماذا سيفعل 7 ملايين يهودى وسط 500 مليون عربي، لو طبعوا معهم بدون قيد أو شرط؟!

لكن يبقى السؤال من يضع القيد والشرط؟!

هذا ما لا يطرحه أحد من المنتديات الثقافية للحوار مكتفين بالثرثرة وافتعال المعارك التافهة في أى مجال بعيدا عن طرح قضية التطبيع للتعامل الجاد بين الأطراف المعنية

فربما لو أجهد الدكتور علاء الأسوانى فكره في الإجابة على ذلك السؤال، لما وجد داعيا للاعتذار عما بدر منه ولشكر وكيله على اختيار راديو إسرائيل لعمل هذا البرنامج!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.