رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

هند صبري .. أداء صادق وحضور طاغ في (البحث عن علا)

عبرت هند بصدق أوعاج الزوجة المصدومة

كتب : محمد حبوشة

حصد إعجاب الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي منذ عرض حلقته الأولى، نظرا لأنه يحمل في طي حلقاته (الست فقط) فكرة مميزة للمشاهد عبر مواقف تجمع بين الكوميديا والتراجيديا، فضلا عن كونه  يعيد للأذهان حكاية (علا عبد الصبور) التي وصلت لسن الثلاثين من عمرها وتبحث عن زوج المستقبل في مسلسل (عايزة أتجوز) قبل 12 عاما تقريبا، كما أنه في الوقت ذاته يحتوى على قدر كبير جدا من المصداقية، فمن يشاهده يصدق الشخصيات والجو العام الذي تتحرك فيه، بالإضافة لتصديقنا لشخصية البطلة (علا/ هند صبري)، وذلك كعنصر رئيسي في قبول العمل أو رفضه، فضلا عن أنه مقبول جدا والأطفال فيه مكسب كبير وقدموا أداء قويا.

أستطيع القول بعد مشاهدة مسلسل (البحث عن علا)، أنه قدم لمشاهد منصة (نيتفلكس) – على جدلية نوعية ما تقدمه من دراما شائكة – نوعا من المتعة بحسه الفكاهي ومضمونه القوي، إذ استطاعت شخصيات العمل أن تقوم بأدوار مهمة وعلى نحو جيد، وكل منها يوصل رسالة ما بطريقة مباشرة أوغير مباشرة، وذلك من خلال قصة تعيد البطلة في المسلسل اكتشاف ذاتها، وهى التي أصبحت أما لطفلين، وزوجة فقدت نفسها في روتين الحياة لتواجه قرار الزوج (هشام/ هاني عادل) برغبته في الانفصال بحجة (الملل)، وهو هنا مهد للثيمة الرئيسة في المسلسل التي تعني اكتشاف الذات والإرادة، وأن الحياة لا تنتهي عند الطلاق، بل تبدأ حياة وفرصة جديدة.

نجحت هند صبري بكسر الحائط الرابع والتحدث للجمهور

منذ بداية الأحداث نلمس أن الطلاق أزمة وجودية وهنالك صعوبة في تقبلها وفهم المشكلة ومعرفة السبب الحقيقي وراء قرار الزوج، خصوصا حينما لا يكون القرار مشتركا، فتبدأ مرحلة لوم الذات، لكن الذي يبدو ملحوظا في المسلسل أن (هند صبري) كسرت الصورة النمطية في المسلسلات التي تناقش هذا الموضوع، فهي تتحدث مباشرة مع الجمهور عن الضعف في عائلتها عن طريق اختراق الحائط الرابع، لتقدم سلسلة من التغييرات الجوهرية التي تنقلها من مرحلة لأخرى بنضج ومعالجة درامية عميقة.

نجحت هند صبري بأدائها السلس الذي يشبه السهل الممتنع في مراحل التعامل مع الصدمات، ففي الحلقة الأولى تظهر (علا) غير مستوعبة لقرار زوجها (هشام) بالطلاق والانفصال، فتعيش حالة من نكران الذات وهى مرحلة طبيعية بعد التعرض لصدمة قوية من الناحية النفسية، في محاولة منها للهرب من الواقع حتى تنتقل لمرحلة ثانية وهى التعامل بحرفية الممثلة القديرة مع المشكلة، وفي نفس الوقت تقدم جانبا من الأداء بعذوبة في التعامل مع الأطفال في مرحلة عمرية معينة في نقل حالة التحول في الأسرة والتي تمثل انقلابا كبيرة يحمل جوانب نفسية مختلفة وله أثر عميق على الصغار.

وظني أن صناع مسلسل (البحث عن علا) وعلى رأسهم السيناريست (غادة عبد العال) قد تعاملوا مع الأزمة النفسية وأثر الطلاق على الطفل بعمق وجانب نفسي مدروس، وفرض واقع الحياة العصرية وتواجد الطفل في محيط فيه من يعاني من الصدمة على فهم الطلاق وحتى أثر السوشال ميديا على ذلك، فهنالك الطفلة (ناديا) في مرحلة المراهقة كانت ملمة بتفاصيل الوضع وبحسب التربية التي نشأت عليها كانت هي العنصر الأقوى والداعم الأكبر لوالدتها (علا) بينما الطفل الأصغر (سليم) كان هروبه من الواقع لما حدث بالانغماس في عالم ألعاب الفيديو ليتحول لإدمان تطلب تدخلا طبيا.

لعبت سوسن بدر دور الجدة بطريقة غير نمطية

وحتى شخصية الأم (سهير/ سوسن بدر) التي تعكس أهمية العناية بالذات وكسر النمطية بدور الجدة لتتحول لمتابعة بشدة للسوشال ميديا، حيث تهتم بجمالها وشبابها، فهو جزء حيوي من الرضا عن النفس والصحة النفسية، وفي المسلسل شخصية أخرى أنثوية منها الريادية الفتاة (أمنية/ داليا شوقي) التي تمثل جيل الألفية، حيث يتميز هذا الجيل بمهارته باستخدام السوشال ميديا والتكنولوجيا لصالحه، سيما أنهم ولدوا في طفرة وتطور تكنولوجي هائل، وفي المقابل صديقة علا المقربة (نسرين/ ندى موسى) تمثل الفتاة المتحررة الداعمة لصديقتها، وبذات الوقت ملمة بأهمية الصداقة التي اعترتها بعض المفارقات والمواقف الغريبة.

بصراحة نحن نقف أمام مسلسل ناضج، كوميديا هادفة، بعيدا عن الصورة النمطية، تقدمها الممثلة التونسية هند صبري بلهجة مصرية تتقنها عن ظهر قلب، فيما الجهد في الكتابة يقدم عملا دراميا ناضجا بعيدا عن الاستسهال، من خلال فريق العمل (مها عبد العال ومها الوزير) كمؤلفتين للعمل، وإخراج هادي الباجوري الذي اهتم بإبهار الصورة وروعة المنظر، وجاء المسلسل بأسلوب الراوي الذي تقدمه صبري وهى تخاطب الجمهور في مشاهد مختلفة لتروي معاناتها ومراحل تطور شخصيتها ومواقف مختلفة، في سبيل وجود فرصة ثانية دائما للفرد ليبدأ من جديد، فيما الشخصية الرئيسة تسعى لالتقاط أنفاسها، ومتابعة أحلامها المبعثرة.

أجمل مافي المسلسل أنه يؤكد على أن البدء من جديد لا يعتمد على السن، وأن عمر الأربعين لا يعني نهاية الكون بالنسبة للمرأة بل مرحلة عمرية تعني النضج والفهم والأنوثة التي تكون في أوجها، وأن الحياة ما زالت مستمرة وأمامها باسطة ذراعيها، ومن ثم فهو يقدم دروسا مختلفة في الحياة وللمرأة العربية تحديدا؛ أن الحياة تجارب وكل مرحلة نمر بها لا تعني نهاية الكون، بل نقطة الانطلاق الجديدة، وأن النضج يكمن في تحمل المسؤولية والأكثر من ذلك أهمية دعم المرأة للمرأة وتمكينها وقوة وتأثير منصات التواصل الاجتماعي، وأهمية كسر الصورة النمطية المجتمعية للعيش برضا والمضي قدما نحو الأمام.

خالد النبوى أبدع بدوره في حلقة واحدة

إلى جانب الأداء التمثيلي السلس، يقدم هذا العمل جديدا للدراما العربية من خلال استخدام موسيقى تصويرية مؤلفة بمعظمها من أغنيات مستقلة تنتمي الى (الأندرجرواند)، وتعود إلى فنانين وفرق بديلة نادرا ما يتم استعراض أعمالهم في السينما أو التلفزيون ومنهم (دعسوقة، مسار إجباري، جدل)، لكن تبقى أكثر نقاط المسلسل قوة، النص المتقن من جانب (غادة عبد العال)، بعفويته وعصريته غير المفتعلة، فقد استخدم النص الكوميديا والتهكم كبديل عن النكد لنقد مؤسسات مجتمعية متعددة، تتحايل شخصية (علا) على الألم و(المصيبة) بالسخرية، وكأنها تقول: إن بعض الأمور لا يجب أن تؤخذ على محمل الجد، بما في ذلك الزواج والطلاق و(خراب البيوت) الذي بدا من المشهد الأول. 

لكن بالطبع، كل ذلك ممكن للنساء من فئة وطبقة معينة، أي اللواتي يمتلكن امتيازات وشبكة دعم تغنيهن عن التبعية المادية للزوج أو الطليق، ما يغيب في السلسلة هو البعد المادي للعلاقات العاطفية والزوجية، البعد نفسه الذي دفع (علا) للزواج من (الدكتور) هشام والتنعم بحياة الترف التي تجعل كثيرات يحجمن عن الخروج من علاقات زوجية مهما كان فيها من خلل، في خضم استثمارها في القضايا الجندرية ونقد السلطة الأبوية، تهمل السلسلة سلطة أخرى قد تكون الأكثر وطأة، هى سلطة المال على الصراع الجندري، بما في ذلك من تسطيح لتجربة الطلاق وتجارب النساء بشكل عام.  

ربما يملك (البحث عن علا) في سياقه العام  قلقا حقيقيا من المناطق غير المغلقة، وربما أيضا يعود ذلك إلى طبيعة الإنتاج في مصر حاليا واستحالة التصوير بحرية في الشوارع وسط المدن، والحكم الجاهز على أي عمل يصور أي طبقة مغايرة للطبقات الأعلى بالخيانة أو القصور في رؤية التطور، نادرا ما نرى أي مساحة غير داخلية إلا المناظر الطبيعية الساحرة من جبال وكثبان رملية، أو طرق دائرية لقيادة السيارات، وعندما تنتقل الأحداث إلى منزل والدة (علا) نرى لمحة داخلية منه، يبدو كمنزل فوق متوسط يشابه ما اعتدنا عليه في كثير من مسلسلاتنا، لكننا نقفز إلى المساحة الداخلية فورا لا يوجد أثر لطبيعة حياة أخرى خارج ذلك، تبدو أحداث العمل وكأنها تقع في محاكاة للحياة أبعد حتى من كونها تقع في مجمع سكني مغلق، وقد مثل ذلك فرصة ضائعة لمفارقات يمكن أن تثري العمل بين حياة (علا) الجديدة والقديمة، لكن ذلك التحول يتم تجاهله بالكامل وكأنها ليست هناك فجوة من الأساس، ومع ذلك يسمح المسلسل لنفسه قرب نهايته بالتنفس في مكان مفتوح يظهر معالم مدنية مألوفة، ربما حين يترك بطلته تتنفس كذلك.

ياسمين العبد وأيسل رمزى عزفتا ببراعة على مشاعر الطفولة المعذبة

ولقد نجح (البحث عن علا) بشكل أكبر في تناوله علاقات الأبوة والأمومة في اللحظات التي يتوقف فيها عن كونه كتابا تنمويا عن تحقيق الذات، حينما يتم التركيز على أثر الانفصال أو موت أحد الوالدين على الأبناء، يصنع العمل مشاهد إنسانية مؤثرة تتجنب الصور النمطية عن الأبوة والأمومة، يعزز من ذلك أداءات متميزة جدا من الممثلاث والممثلين في الأدوار الأصغر سنا بخاصة (ياسمين العبد) في دور (زينة) و(أيسل رمزي) في دور (نادية)، بعد عدة حلقات من إرساء شخصيات الأبناء بالطرق المبتذلة التقليدية أي طرح فروقات الأجيال والنكات حول التكنولوجيا واستخدام اللغات الأجنبية، تتطور الشخصيات لتصبح أكثر إنسانية، ذات مشاعر حقيقية وانكسارات يمكن لأي مراهق التواصل معها.

ومع كل الملاحظات السابقة فيبدو لي (البحث عن علا) عمل خفيف ومسل مثل ما هو متوقع من مسلسل من إنتاج (نتفليكس)، لكنه يفقد الكثير مما جعل شخصياته محبوبة من الأساس، ويملك نظرة قاصرة على ما يعنيه أن تمر امرأة بتجربة مثل الطلاق في مجتمع محدد ولحظة محددة من الزمن، لكنه يقدم ست ساعات من الهروب اللذيذ، تقدم حلولا خيالية وآمالا سهلة ربما تنسي من يشاهدها واقعه أو تذكره بمدى ابتعاد واقعه عن أرض الأحلام، لكن يبقى أنه من المسلسلات الكوميدية التي تدفعك في كل مرة يعاد عرضها فيها لأن تجلس أمامها، وترتسم على وجهك ذات الابتسامة من جديد، مع ذاك الشعور بالدفء العائلي، مسلسل لن تتحرج من مشاهدته وسط أبنائك أو أمام والدتك، ويساهم في كل مرة في التنفيس والتخفيف من وطأة المعيشة وضغطها دون تكلف أو سخافة مبالغ بها، قادر دائما على إضحاكنا وجمعنا أمام التلفاز دون كلل أو ملل.

كانت الحياة جميلة ورائعة .. ايه اللي حصل يا علا؟
الزهق .. الروتين .. العيال .. الأقساط .. الفواتير .. كل حاجة كنت باكرها

من ضن مشاهد الـ (ماستر سين) التي حظيت بها الحلقات الستة اخترت مشهدا يلخص معضلة المسلسل التي تصورها هشام من وجهة نظره قضية عابرة، ومن ثم يمكن تجاوز لحظات القسوة والمعاناة لعودة المياه لمجاريها مرة أخرى على أثر وعكته الصحية التي قربت المسافات بينهما، وبعد جلسة صفاء بين (علا وهشام) بادرها بطلب عودتهما إلى الحياة الزوجية من جديد قائلا : كل حاجة كانت سهلة ولذيذة ولها طعم الحياة كانت بيننا جميلة ورائعة .. ايه اللي حصل يا علا ؟.

علا : الزهق .. الروتين .. العيال .. الأقساط .. الفواتير .. كل حاجة كنت باكرها .. بس الفرق اني ما حاولتش أسيبك عشانها .. بالعكس دا صحبتي الوحيدة مكنتش باشوفها .. شغلي سيبته .. كل ده عشان انتا ما تضيقش .. وقي الآخر برضه مشيت عشان زهقان .. هوه ده اللي حصل.

ترجع فين ياهشام .. ترجع فين .. انته فاكره فندق؟!
طيب ياعلا أنا انا عايز أرجع

هشام : طيب يا علا أنا عايز أرجع.

علا : ترجع فين يا هشام ؟! .. ترجع فين .. انتا فاكره فندق تعمل (تشيك أوت) وقت ما انته عاوز .. المفروض تحترمني أكتر من كده شويه يا هشام زي ما أنا احترمت قرارك يوم ما سبتني .. بجد .. بجد حقك .. أنا مكنتش أحب تكمل معايا وانته مش مبسوط .. بس أنا بقى كان لازم أقوم الصبح واشتغل واخد بالي من العيال واخد بالي من نفسي .. كل ده وأنا شايفه نفسي مش كفاية .. أنا مش بالومك .. بس انته وجعتني يا هشام .. والوجع ده غيرني .. مش حاقدر ارجع يا هشام .. باحن اه .. باحس بذنب فظيع مع العيال اه .. بس مش حينفع .. مش حينفع.

أنا مكنتش أحب تكمل معايا وانته مش مبسوط

هشام : أولا أنا عمري ما شفتك مش كفاية .. وآسف اني اتسببت في أي وجع لك .. أو أنا بعدتك عن علا اللي أنا حبيتها .. وبجد أنا مبسوط انك اتغيرتي .. بس انتي متغيرتيش انتي رجعتي علا اللي أنا أعرفها زمان .. عشان كده حسيت اننا نستحق فرصة تانية .. ده حتى شركتك اسمها (ساكند تشانس) .. وافتكر اللي ما بينا يستحق فرصى تانية يا علا.

علا : فرصتك التانية أخدتها يوم ما سبت البيت ده .. كمل حاجة للآخر .. مرة في حياتك .. انتا سألتني لو لسه باخاف عليك .. اه لسه باخاف عليك .. ومبسوطة انك بقيت كويس .. مش عاوزها أرجع للكابوس ده تاني .. بس أنا محتاجة أشم نفسي في بيتي يا هشام .. لوحدي.

هشام : أوكي.

علا : شكرا.

بتحبني .. هاهاه .. ضحكتني !!!

ثم انطلقت في سيارتها على أغنية سمير سعيد :

بتحبني ؟

ضحكتني

كان فين بقى حبك لما إحتجت لحضنك وإنت بعيد

كان فين بقى قلبك وإنت فايتلي القلب في نار ووحيد

(كان فين بقى حبك لما احتجت لحضنك وإنت بعيد (

كان فين بقى قلبك وإنت فايتلي القلب في نار ووحيد

بقى جاي دلوقتي تقولي بعادك هدني

وفاكرني هقولك خدني في حضنك ضمني

(بقى جاي دلوقتي تقولي بعادك هدني)

وفاكرني هقولك خدني في حضنك ضمني

وازاي يجيلك عين تقول بتحبني

ضحكتني!!!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.