رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

في ذكري ميلاد (عاطف الطيب) .. رائد الواقعية الذي خيب ظن (صلاح أبوسيف) !

كان بين الفنانيين زمان علاقة أقرب إلى الأخوة الصادقة، يعيشون طوال أيام التصوير علاقات صداقة بريئة، وزمالة محترمة، بعيدة عن المصالح الضيقة، والمنافع المؤقتة، والشوائب المكدرة، علاقة قائمة على الثقة والمودة والبساطة، أساسها الصدق وفروعها الكلمة الطيبة وإحسان الظن والألفة، لهذا كانوا يجتمعون دائما فى بداية أي فيلم أونهايته ليأخذون مع بعضهم صورة تذكارية أو ” سيلفي” بلغتنا الآن.

عاطف الطيب أثناء الإخراج

كتب : أحمد السماحي

هذا الأسبوع نحيي في باب (سيلفي النجوم) ذكرى ميلاد المخرج المبدع (عاطف الطيب) الذي ولد في 26 ديسمبر عام 1947 في قرية الشارونية مركز المراغة، محافظة سوهاج، وعاش وتربى في حي بولاق الدكرور محافظة الجيزة، أي كما يقول المخرج الكبير (هاشم النحاس) داخل إطار القاهرة الكبرى التى دار فيها معظم أفلامه وصور شوارعها وبعض معالمها، حيث حرص على تصوير أفلامه في الشوارع والمواقع الحقيقية مستخدما الكاميرا المحمولة على الكتف، وكان في ذلك أحد رواد جيله.

وهذا الأسبوع نتوقف عند صورة تجمع بينه وبين صديقه المخرج المتميز (محمد خان) الذي كتب له قصة فيلم (سواق الأتوبيس) بالاشتراك مع السيناريست الكبير (بشير الديك) الذي كتب السيناريو والحوار، وقام ببطولة الفيلم (نور الشريف، ميرفت أمين، عماد حمدي، وحيد سيف، نبيلة السيد، حسن حسني، شعبان حسين) وعرض في شهر مايو عام 1983، وفي المقابل شارك (عاطف الطيب) في إنتاج فيلم (الحريف) إخراج محمد خان، وكان المسئول الإداري عن التنفيذ والإنتاج.

عاطف الطيب منهمك في الإخراج
عمل كمساعد مخرج مع يوسف شاهين في فيلم (اسكندرية ليه)

وبمناسبة ذكرى ميلاد هذا المبدع ننشر شهادة نادرة لمخرج الواقعية (صلاح أبوسيف) عن (عاطف الطيب) جاءت في كتاب (الطيب) للكاتب الصحفي الكبير (محمد هاني) يقول فيها (أبوسيف):

مازلت أذكره، ذلك الطالب الذي ظل طوال سنوات تدريسي لدفعته بمعهد السينما يجلس في مكان واحد لا يتغير إلى جوار الشباك بقاعة المحاضرات، أحيانا يسمعني، وأحيانا يسرح ببصره إلى الخارج، ولكني لا أذكر أنه وجه لي سؤالا أبدا مثل زملائه أو شارك في مناقشة دارت بيني وبينهم، لذلك لم أعطه اهتماما خاصا، ولم أضعه ضمن الطلبة الذين توقعت لهم مستقبلا سينمائيا، بل إنني لم أتصور أن هناك أي أمل في أن يصبح مخرجا أساسا، واعتبرته أحد الذين يلتحقون بمعهد السينما لأنهم لم يجدوا معهدا أو كلية أخرى تقبلهم.

كواليس فيلم سواق الأتوبيس

وبعد أكثر من عشر سنوات رأيت المفاجأة التى قلبت كل توقعاتي، فيلم (سواق الأتوبيس) إخراج (عاطف الطيب)، إنه تلميذي القديم نفسه الصامت دوما، إنه نفسه الذي أخرج هذا الفيلم المدهش ورأيته على الشاشة مالكا ومسيطرا على أهم ثلاثة عناصر بالنسبة لأي مخرج، أولا فكر سياسي إجتماعي واضح يؤمن به ويدافع عنه، ثانيا تعبير بالصورة يعكس وجود لغة سينمائية جميلة، ثالثا قدرة على التعامل مع العنصر الصناعي من ديكور إلى مونتاج إلى موسيقى وغيرها.

أدهشني (سواق الأتوبيس) فعلا، ولكني بحكم الخبرة فضلت الانتظار قبل أن أخذ انطباعا نهائيا عن (عاطف الطيب) فقد تعودت ألا أحاسب مخرجا على عمله الأول الذي قد تتدخل حسابات الظروف أو الصدفة فتلعب لصالحه أو ضده دون وعي منه، وعندما شاهدت فيلم (الغيرة القاتلة) وعرفت أنه أخرجه قبل (سواق الأتوبيس) ووجدته أقل في المستوى واصلت الانتظار، ولكني بدأت أهتم بمتابعة أعماله، وبفيلم وراء الآخر دخل (عاطف الطيب) إلى عقلي وقلبي بدرجة عجيبة، لم يعد بالنسبة لي مجرد مخرج متميز بين أبناء جيله، أنه أيضا يشبهني فكرا وفنا، وعندما كنت أشاهد أفلام (عاطف الطيب) كنت أتوقف أمام بعض المشاهد وأشعر كما لو كنت أنا الذي أخرجتها.

مع محمد خان ودواد عبدالسيد والناقد سمير فريد
يراجع السيناريو مع شريهان وأشرف عبدالباقي

وإلى هنا توقفت شهادة (صلاح أبوسيف) أو جزء من شهادته عن (عاطف الطيب) الذي يعتبر واحد من رواد التحديث في السينما المصرية في الأربعين سنة الأخيرة، وبالتحديد منذ قدم فيلمه الأول (الغيرة القاتلة) عام 1982، بعدها جاء فيلمه الرائع (سواق الأتوبيس) الذي جعل اسمه يقترن بتيار الواقعية المعاصرة التى تشكل امتدادا للواقعية الكلاسيكية التى بدأت مع فيلم (العزيمة) للمخرج (كمال سليم).

وتوالت أفلام (الطيب) الاجتماعية المتنوعة التى ناقشت بمتعة العديد من القضايا الساخنة، ولمست معظمها داخلنا وترا حساسا، وسكنت الذاكرة والوجدان، وأعاد من خلالها قراءة الشخصيّة المصرية كموجة سينمائية مُضادة لسينما استهلاكية صاحبت عصر الانفتاح، فمن منا ينسى (التخشيبة، الزمار، الحب فوق هضبة الهرم، ملف في الأداب، البرئ، أبناء وقتلة، البدرون، ضربة معلم، الدنيا على جناح يمامه، كتيبة الإعدام، قلب الليل، الهروب، ناجي العلي، ضد الحكومة، دماء على الأسفلت، إنذار بالطاعة، كشف المستور، ليلة ساخنة، جبر الخواطر).

رحم الله (عاطف الطيب) على قدر ما أمتعنا من خلال أفلامه الساحرة التى لا تنسى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.