رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !

كتب : محمد حبوشة

لطالما كان للصور المرئية القوة الأكبر في التأثير والقدرة على البقاء لفترة أطول في ذهن المتلقي إذا ما قورنت بقوة الكلمة أو النص فكيف إذا ما كانت هذه الصورة متحركة؟، وبذلك وبناء على أن للصور البصرية الأثر الأكبر والأعمق في توجيه الرسائل والأفكار للجماهير المختلفة فقد جاءت الحاجة والضرورة لاستغلال وتصدير هذه الحقيقة من أجل المضي في خدمة و غرس وتعميق العديد من الأفكار والثقافات والمبادئ على نطاق عالمي واسع، حيث كانت هذه الحقيقة هى البذرة التي أسهمت في إنبات شجرة عظيمة تعرف حاليا بصناعة السينما والتي يتخذ تطورها منحى متزايد بشكل هائل مع مرور الوقت.

وترتيبا على ما مضى، فقد كان لصناعة السينما الفضل في تطور الكثير من الصناعات والتقنيات والابتكارات التي تهدف بشكل أساسي لتطوير هذه الصناعة، كما أن لصناعة السينما بصمة عميقة وواضحة  في مجال استحداث أساليب فنية متنوعة أسهمت في إخراج هذه الصناعة من قوقعتها في كونها مجرد صناعة تهدف لكسب وجني الكثير من الأموال وتوفر الكثير من فرص العمل للعدد كبير من الأشخاص لتتحول إلى صناعة فنية تحتاج الى حس عالي مقترن بقدرة الجمهور على التأمل و التذوق للأعمال الناتجة من هذه الصناعة، وهي بذلك قادرة على اقناعهم وجعلهم يتبنون الكثير من الأفكار بصورة مدروسة وممنهجة تعتمد على دراسة وفهم طبيعة وسلوك الجماهير حسب عدة معطيات مختلفة.

و تأتي أهمية السينما في المجتمع لما لها من دور في طرح معاناة وهموم وقضايا الإنسان، بل إن السينما حملت على عاتقها مهام التربية والتثقيف والتوعية لتكون السينما حقا تاريخ مضيء له، فهي بالتالي مرآته لأنها تؤرخ أدق تفاصيل حياة الإنسان ومن هنا تأتي أهمية السينما وفي نفس الوقت خطورتها، لأنها بقدر ما تكون رسالة السينما (سامية) بقدر ما تكون (هدامة)، لدورها المؤثر الذي تلعبه السينما في المجتمع، حيث أصبحت السينما ميدانا واسعا لتمرير الأفكار والمعتقدات بطريقة فعاله، وإن دخولها ميدان السياسة والإمكانية الهائلة لفبركة الأحداث فإنها لها تأثير فعال يترك تأثيره على الرأي العام، بكون الإقبال على السينما يأتي من مختلف الأعمار وشرائح المجتمع وهذا ما يجعل تأثيرها على عقول الناس أبعد مما نظن، لذلك أصبح (فن السينما) فن الأكثر إقبالا للمشاهدة، فالسينما اليوم أصبحت حقا بدون منافس، وأصبحت فن الفنون وقوة ووسيلة فعالة.

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !
نعول كثيرا على وعي وزيرة الثقافة المصرية بخطورة الموقف

ومن هنا أهمس في أذن وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة والفنانة إيناس عبد الدايم لمراجعة عاجلة لموقفها المعلن من دور السينما في تنيمية الوعي المصري بعدما امتد الأثر السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي لما يسمى بـ (السينما المستقلة) التي يروج لها المنتج محمد حفظي مؤخرا، والذي كان له أكبر الأثر في إحداث انقسام حاد في المجتمع جراء تجارب غريبة عنا على مستوى الشكل والمضمون، وفتحت الباب على مصراعية للتمويل الأجنبي الذي يستهدف مقدرات الأمة المصرية التي أصبحت في مرمى الأفكار الهدامة التي تنال من إنجاز غير مسبوق تحققه الدولة المصرية في مجالات التنمية والبنية الأساسية التي تصب في مصلحة وخدمة المواطن المصري.

سيادة الوزيرة المحترمة – التي لا أشكك في نواياها وقدراتها على الفهم والاستيعاب لمتطلبات كل مرحلة من مراحل التطور في الحياة المصرية – ينبغي الانتباه إلى ما تعيشه مصر من إنجاز يتسحق أن نستنفر من أجله كل قوى الفن (وخاصة السينما) لرصد الإنجازات غير المسبوقة لرأس الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته التي أنت شخصيا أحد أعضائها، فضلا عن مواجهة التحديات التي تحيط بنا من صوب وحدب، كنتي قد أصدرتي في عام 2018، قرارا بتعيين المنتج والسيناريست محمد حفظي رئيسا لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ40، وقالت الوزارة وقتها في بيان صحافي: (جاء الاختيار بهدف ضخ دماء جديدة في إدارة المهرجان، مما ينعكس بالإيجاب على الحياة الفنية والثقافية في مصر؛ وذلك نظراً لما يمتلكه (حفظي) من رؤى إبداعية وأفكار مبتكرة ومتجددة على المستويين الفني والإداري، إضافة إلى علاقاته الفنية القوية، إقليمياً، وعربيا، ودوليا.

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !
وزيرة الثقافة لحظة إصدار قرار محمد حفظي بتولى رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

ولكن بعد اتضحت أفكار (حفظي) الشاذة بإنتاج أفلام تعكس صورة مسيئة للفن قبل الإساءة لمصر، وآخرها فيلم (ريش) الذي أحدث جدلا على المستوى الفني والسياسي، هل مازلتي على رأيك فيه على استمراره رئيسا لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 43 التي تبدأ فعالياتها 26 نوفمبر القادم؟، علما بأنه إذا صدقت رواية الإعلامي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري بأن فيلم (ريش) قد مولته إسرائيل بـ 13 مليون دولار فإن هذا يستوجب إقالة (حفظي) من رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وإن لم تصدق راوية (بكري) وصدقت نبوءة نقد الفيلم نفسه من جانب كل من المخرج مجدي أحمد على والباحث هاني عمارة – والتي نشرنها قبل أيام قليلة في بوابتنا (شهريار النجوم) – فيجب أن يكون هناك قرار عاجل بإقالته بعدما فاحت رائحة الإساءة الكريهة لهذا الوطن.

صحيح أن (حفظي) يمتلك سجلا حافلا من مهارات كتابة السيناريو والإنتاج الفني، والخبرات السينمائية داخل وخارج مصر، ودرس (الرجل الأربعيني) الهندسة في العاصمة البريطانية لندن، ونجح خلال عقد واحد، في أن يثبت نفسه كأحد أبرز كتاب السيناريو والمنتجين الشباب في العالم العربي، بعدما اختارته مجلة (سكرين إنترناشيونال) ضمن قائمة قادة المستقبل لعام 2013 في فئة المنتجين ليكون العربي الوحيد الذي تضمنته القائمة كأحد أكثر صناع السينما تأثيراً في العالم العربي. وبدأ حفظي في مجال الكتابة بسلسلة من الأفلام الناجحة مثل (السلم والثعبان) عام 2001، و(تيتو) عام 2004، و(ملاكي إسكندرية) عام 2005، الذي نال عنه جائزة أفضل مؤلف في مهرجان (المركز الكاثوليكي للسينما) 2005، بالإضافة إلى فيلم (45 يوم) الذي حصل على جائزة أفضل مؤلف في (مهرجان أوسكار السينما المصرية) 2007، و(التوربيني) 2007، ووردة 2014.

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !
فيلم (الشيخ جاكسون) مفاهيم وآراء متناقضة وجدالات كثيرة !

لكنه انحرف مؤخرا عن المسار المستقيم للسينما واتجه للترويج لما يسمى بـ (السينما المستقلة) التي تعتمد على التمويل من الخارج أو من جانب الخلايا النائمة لجماعة الإخوان الإرهابية وأنتج أفلاما مغرضة، مثل الأول: (الشيخ جاكسون) الذي أثار في أثناء عرض فى أكتوبر 2017، ضجة كبيرة لما يحتويه من مفاهيم وآراء متناقضة وجدالات كثيرة جعلته محلا للنقد، ليتقدم محامى ببلاغ ضد صناع الفيلم ويتهمهم بازدراء الدين الإسلامى، على خلفية مشهد بالعمل يحتوى على رقص داخل المسجد، وقال حفظى وقتها: إن المشهد المثير للجدل ما هو إلا خيالات رآها بطل الفيلم، وهو ما يتنافى مع تعاليم وتقاليد الدين الإسلامى وعادات الشعب المصرى الرافض لأى إزدراء للأديان.

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !
فيلم (اشتباك) .. يحاول تبييض وجه جماعة الإخوان الإرهابية!

الثاني (فيلم اشتباك) الذي يعده (حفظي) فيلم دراما دولى مشترك بين فرنسا ومصر وألمانيا، من إخراج (محمد دياب) وبحسب النقاد، يحاول الفيلم تبييض وجه جماعة الإخوان الإرهابية، فيقدمهم ضحايا .. إذ أخرج الفيلم محمد دياب عضو جماعة الإخوان، وابن شقيق هشام الصولى مدير شعبة الإخوان بمحافظة الإسماعيلية، وهو كذلك حفيد لطيفة الصولى الزوجة الثانية لحسن البنا مؤسس الجماعة الإرهابية.

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !
فيلم (ليل خارجي) .. لا يصدر سوى الإحباط

الثالث: (ليل خارجى) هو الفيلم الذى اختاره حفظى للمشاركة فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى 2018 دون غيره من الأفلام، وهو من إخراج أحمد عبدالله السيد الذى يقدم نفسه فى المهرجانات باعتباره المعارض للدولة المصرية، ويتحدث الفيلم عن حرية التعبير ويقدم قضية رواية (استخدام الحياة) للكاتب أحمد ناجى، والتى قضت فيها المحكمة فى فبراير 2016 بالحبس لمدة سنتين بتهمة خدش الحياء العام، ونفذ الحكم بالحبس، وقال نقاد، إن الفيلم يتضمن حوارين متباينين أحدهما مع الضابط الصغير والآخر مع الضابط الكبير، يدعى أن الدولة أبوية وتضطهد المواطن العادى.

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !
فيلم (فرش وغطا) يسخر من الجيش والشرطة

الرابع: (فرش وغطا) لنفس المخرج السابق أحمد عبدالله السيد، والذى يقدم هروب أحد المساجين أثناء يناير 2011، وطوال رحلة البطل يسخر من الجيش والشرطة، وقد أكد عدد من نقاد السينما – وقتها –  أن فيلم (فرش وغطا)، لا يصدر سوى الإحباط ولا تشعر أمامه إلا بالارتباك الفنى، كما خاصم المتعة الفنية والفكرية، لأنه يخاصم الروح.

الخامس: (بلد مين) فيلم تسجيلى شارك (حفظى) فى إنتاجه لمخرج جديد اسمه محمد صيام، والفيلم اشترك فى برنامج تطوير وتمويل للأفلام التسجيلية اسمه (جرين هاوس) ينظمه (الصندوق الجديد للسينما والتليفزيون)، مع أطراف متوسطية أخرى، عام 2006، وقال النقاد، إن الفيلم يقدم على أنه فيلم تسجيلى ويقدم ضابط شرطة مزيف يدعى أن والده ضابط شرطة أيضا، وتعودا على القوة والبطش للحياة فى مصر.

السابع: (فيلم لا مؤاخذة) أنتجه حفظى أيضا للمخرج عمرو سلامة، وادعى فيه أنه يتم اضطهاد المسيحيين فى المدارس الابتدائية فى مصر، وهو ما يغزي روح الفتنة الطائفية والعنصرية والانقسام داخل المجتمع المصري,

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !
فيلم (ريش) ..مشاهد لا تظهر الصورة الحقيقية لمصر

وغيرها القائمة طويلة من الأفلام التى انتجها (حفظى) وكلها ضد مصر، وآخرها الفيلم الثامن: (ريش) الذي أثار موجة من الغضب الشديد لدى الفنانين وكل من شاهد الفيلم، واعتبروه خارج عن السياق الفنى والدور الذى يجب أن يقوم به الفن، بعدما تجاهل عن عمد الإيجابيات التى تحدث فى المجتمع المصرى، مكتفيا بالسلبيات وتضخيمها واعتبارها وكأنها تمثل السياق العام للمجتمع، ولقد عمد مخرجه (عمر الزهيرى) لتصوير مشاهد لا تظهر الصورة الحقيقية لمصر، إذ لم يحاول إظهار ما تشهده الدولة من إنجازات.

سيادة الوزيرة المحترمة : إن تمويل دولة أجنبية لفيلم ليس استثمارا، لأنه لاينشىء أصولا ولاينتج سلعة ولايقدم خدمة، الاستثمار الأجنبي فى مجال ثقافي أو فني هو بمثابة اختراق عميق لعظام الدولة والمجتمع، يستهدف إرساء قيم دخيلة، وحينما يكون الوسيط رئيسا لمهرجان القاهرة السينمائي الممثل للدولة المصرية فإن علامات الاستفهام تصبح إجاباتها مرفوضة وغير مقبولة، ومعها تصبح إقالة محمد حفظي قد وجبت، وتغريمه نتائج أفعاله حان وقتها، وعقاب من يقتسم معه الصفقات والأموال قد حلت، إذا كان لدينا إرادة حقيقية لمواجهة الفساد في سبيل تعديل مسار القوى الناعمة المصرية التي غابت عن دورها خلال العشر سنوات الأخيرة بفعل فاعل.

رسالة إلى وزيرة الثقافة : ارحمونا من هذا العبث السينمائي !
وظيفة السينما ببلادنا التي يراد لها أن تستبيح أخلاق (البيت) وتربية (المدرسة) ودين (المسجد والكنيسة)!

وأخيرا يا سيادة الوزيرة: من البديهي أن تكون وظيفة السينما هي إعطاء فرجة تعتمد المتعة الفنية والدرامية والجمالية، ومن البديهي أيضا أن تكون للسينما وظيفة تثقيفية من الناحية الفكرية والاجتماعية والسياسية باعتبارها تطرح قضايا و إشكاليات للمعالجة لها علاقة بالإنسان ومحيطه الأسري والاجتماعي والعقدي، إنطلاقا من زاوية فنية وقيمية يختارها السينمائي ويترجمها في قالب كوميدي أو تراجيدي أو هما معا، لكن حين تتجاوز السينما ببلادنا هذه الوظيفة المتعارف عليها عالميا ليصبح الإبداع السينمائي فوق أي اعتبار اجتماعي أو قيمي أو ثقافي، فإن السؤال يصبح حتميا متى يتم تعديل المسار حول وظيفة السينما ببلادنا التي يراد لها أن تستبيح أخلاق (البيت) وتربية (المدرسة) ودين (المسجد والكنيسة)؟، ومن المؤسف أن لا نجد اليوم في المجتمعات الغربية من يتهكم على خصوصية مجتمعه الثقافية، في حين أن المجتمعات العربية تعج بسينمائيين غرضهم الشهرة والإثارة وعدم الانخراط في مشروع وطني ينقذ الإنسان العربي من التقهقر والتخلف، بل إن من السينمائيين من يناهض هذا المشروع حتى يظل محافظا على امتيازاته (مثل حفظي وشلته) بحجة حرية الإبداع والسينما، ولذلك نفتقد إلى مدرسة سينمائية وطنية واضحة المعالم والتوجه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.