كتب : أحمد السماحي
رحل الملحن المبدع (خالد الأمير)، الذي كان يحمل بين ضلوعه قلب شاب وإصرارا غريبا على الحياة حتى أنه ظل يلحن لآخر يوم فى حياته، لأنه كان يؤمن بالحديث الشريف (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإذا استطاع أن يغرسها فليغرسها)، انسابت الروح القوية التى مكنته من الصمود والمقاومة والتحدى في زمن المهرجانات وأغنيات الرداءة الغنائية، خرجت الروح من الجسد الواهن الذي هده المرض والزمن ومشاق الرحلة، ويولد الإنسان العظيم مرتين، حين يولد من رحم أمه، والثانية بعد أن يموت، فيولد على الفور من رحم أعماله العظمى، الآن يولد (خالد الأمير) ولادته الثانية، الولادة الكبرى بعد أن أكمل أعماله، وأنجز الرسالة التى نذر عمره لها، أجل فالرسالة تحتاج من حاملها أن يحتجب بشخصه، لكى تبدأ هى فى الظهور، وفى التجسد والانتشار.
رحل (خليل أمين الأمين) الشهير بـ (خالد الأمير) بجسده لكن ألحانه التى قدمها لـ (شادية، محمد قنديل، محرم فؤاد، سعاد محمد، مها صبري، فهد بلان، عليا، هاني شاكر، لطيفة، أصالة، محمد ثروت، ميادة الحناوي) وغيرهم من كبار مطربي مصر والعالم العربي باقية، فمن منا ينسى (الحب الحقيقي، اتعودت عليك، وحشتني، كده برضوا يا قمر، ركبنا ع الحصان، لما يجيبوا سيرتك يحلو الكلام، حيرني، سألوني بينا ايه، نسيانك صعب أكيد، بقولك ايه، ميل يا حب، أصاحب مين، صاحب الجلاله الحب، ايه يالى بحبك، طول عمرى أستلطفك، أدينى قلب تاني، معقول نتقابل تانى، قوم يا شوق ننام وكفاية سهر، انتهينا من العتاب، أنا مغرمة) وغيرها من عشرات الألحان الأخرى.
جده أمير الحج
بدأ حب (خالد الأمير) للموسيقى منذ الطفولة فقد كان عاشقا لآلة الكمان، والتحق بمعهد الموسيقى العربية وعمره 11 عاما، وساعده فى هذا خاله الدكتور (شرف الدين سليمان) الذى كان يعمل مشرفا على الموسيقى بوزارة المعارف، وحصل على دكتوراه فى الموسيقى وفاز ببعثه لايطاليا قضى فيها 12 سنة من عمره، وفى إحدى زياراته لمنزل شقيقته اكتشف موهبة ابنها (خليل) وسعى لأخذه معه إلى ايطاليا، الإ أن والده رفض بشدة لأنه كان يؤهله لكى يصبح ضابط فى الجيش، مثل كل أفراد العائلة، فقد كان جده هو (خليل الأمير) حكمدار أسيوط والقاهرة، وجده الأكبر أمير الحج (أركان حرب) وأطلقوا عليه لقب (الأمير) أثناء فترة تولية المنصب، ومن هنا أصبح هذا اللقب لصيقا بكل أفراد الأسرة .
ورغم أنه درس بالمعهد لمدة 3 سنوات وأجاد عزف الكمان، واجتاز امتحان قسم الأصوات، وأصبح مهيئ تماما لبدأ مشواره مع الفن الإ أن والده كان له رأى آخر، فعقب حصوله على التوجيهية أجبره على دخول الكلية الحربية وتخرج منها عام 1956.
بعد تخرجه بفترة تم اجباره – كما ذكر لي – على السفر إلى (اليمن) للمشاركة في حرب اليمن، وفى (اليمن) شاهد أهوال ومصاعب شديدة جدا، حيث كان الطعام يصلهم عباره عن (عدس) بداخل صفائح سيئة للغاية، وكانوا يلقون لهم من طائرات الهليكوبتر (الدقيق) ليحوله بأنفسهم إلى خبز!، وهو ما جعله يتذمر وسط زملائه مما يحدث من ذل ومهانة، وفى أحد الأيام وجد طائرة حربية تأتى فى الفجر ليتم القبض عليه، ودخوله السجن الحربى مع مجموعة من الزملاء المعترضين على حرب اليمن، وبعد خروجهم وعودتهم للحياة تم منعهم من العمل أو السفر خارج مصر.
سبب شهرة حسين فهمي
رغم صعوبة هذه الفترة إلا أنها كانت طاقة نور لـ (الأمير) فبدأ يعود لحلمه القديم مع الموسيقى، وقرأ كثير من داووين الشعر لكبار الشعراء منهم (أحمد رامي، بديع خيري، بيرم التونسي)، وتعلم العزف على آلة العود، وتعرف على الشاعر الكبير(مأمون الشناوي) الذى آمن به، ونظرا لوسامته الشديدة وطوله الفارع، رشحه لمنتج سينمائي فقرر إسناد البطولة له في فيلم (نار الشوق) أمام (صباح، ورشدي أباطة، وهويدا)، لكن نظرا لمنعه من السفر خارج مصر، حيث كان من المقرر أن يطير إلى لبنان لتمثيل دوره أمام (هويدا) هناك، والتى كانت والداتها خائفة عليها أن تنزل لمصر حتى لا يأخذها أهلها بحكم المحكمة، فقامت بتمثيل كل دورها فى لبنان، فعرض المنتج الدور على (نور الشريف) لكن لظروف خارجة عن إرادة (نور) ومنعه من السفر إلى لبنان أيضا فى هذه الفترة لإصدراه شيكات بدون رصيد ورفع قضية عليه، طار الدور ليذهب فى النهاية للنجم (حسين فهمي).
عبدالوهاب يطلب الإستماع له
بعد ذلك أرسله (مأمون الشناوي) إلى الناقد الموسيقى الكبير (كمال النجمي) الذي سمعه في أغنية (أنا عشقت) لسيد درويش، فكتب عنه فى مجلة (الكواكب) قائلا : (لقد استمعت لصوت لم يظهر مثله منذ الثلاثينات حتى الآن، فمع اعتزارى لكل الموسيقيين والمطربين، فهذا الشاب فى رأسه مكتبة للغناء العربي، واجتمع فى حنجرته حشد من فحول المطربين)، وبالطبع أثار بهذه الكلمات ردود أفعال ساخنة لدى عمالقة الموسيقى والغناء فى هذا الوقت فراحوا يبحثون عنى ليتأكدوا مما قاله النجمى.
وكان من الذين استمعوا إليه الموسيقار (محمد عبدالوهاب) فغنى له أغنيته القديمة (الليل يطول عليا) وطلب منه (عبدالوهاب) أن يترك الغناء ويتجه للتلحين.
صلاة الحب
اعتمدته الإذاعة المصرية بأغنية من تلحينه وغنائه اسمها (صلاة الحب) من كلمات الشاعر محمود الماحي، ونظرا لوجود عمالقة في مجال الغناء فى هذه الفترة مثل (أم كلثوم، فريد الأطرش، عبدالحليم حافظ، نجاة، فايزة أحمد، وردة، سعاد محمد، محرم فؤاد، محمد قنديل) وغيرهم، لهذا قرر التفرغ للتلحين، وحقق نجاحا كبيرا من خلال الحانه التى قدمها.
الزواج من ليلى طاهر
تزوج خالد الأمير الفنانة الجميلة (ليلى طاهر) التي قابلها في منزل النجم الكبير (فريد شوقي)، حيث كانت تجمعها بالسيدة (سهير ترك) زوجة الملك علاقة صداقة، بعد ذلك قابلها عند صديقه الموسيقار (فريد الأطرش) أثناء تحضيرهما لفيلم (زمان يا حب)، ومرة ثالثة في منزل (تحية كاريوكا وفايز حلاوة) وفى كل مرة كانت علاقتهما تتوطد أكثر حتى تم الزواج بينهما، وكانت (ليلى طاهر) ملهمته في أغنية (بقولك ايه) التى غناها (هاني شاكر).
الطلاق بسبب سعد الدين وهبه
حدث الطلاق بينهما عام 1980 حيث كان يقضيان السهره فى منزل الكاتب (سعد الدين وهبه) وزوجته الفنانة (سميحه أيوب)، وبدون مقدمات وجد (سعد الدين وهبه) ينفعل على (سميحه أيوب) بسبب سفرها المتكرر بحكم العمل والتصوير، فقال له ضاحكا يا عزيزى كلنا نعانى من سفر زوجاتنا فاستفز كلامه (ليلى طاهر) ووجدها تنفعل وتقول هذا هو حالى وعملى و (إذا كان عاجبك)، فوجد (العرق التركي) عنده والدماء العسكرية تغلى فى عروقه، وشعر بجرح عميق فى كبريائه وقام بالقاء يمين الطلاق فى هذه اللحظه وانتهت العلاقة بينهما رغم سعى الأصدقاء لإعادة الوفاق بيننا دون جدوى.
آخر ألحانه
كانت آخر ألحانه التى أوشك على الإنتهاء من تلحينها قصيدة (لا أنت أنت، ولا الزمان هو الزمان) لشاعرنا الكبير (فاروق جويده)، حيث طلب منى فى أحد الأيام أن أستأذن شاعرنا المبدع فى تلحينها، وبالفعل اتصلت بشاعرنا الكبير الذي وافق على أن يلحنها (خالد الأمير) واسمعني منها أجزاء كثيرة في الفترة الأخير عبر الهاتف، حيث منعنا فيروس كورونا اللعين من التواصل الدائم كما كان يحدث فى الفترات السابقة.
رحم الله مبدعنا الكبير (خالد الأمير) الذى رحل عنا أول أمس الجمعة الماضية، عن عمر يناهز الـ (86) عاما، بسب فيروس كورونا وبعد الأمراض الأخرى المزمنة التي كان يعاني منها.