رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ياسر جلال أنقذ “الفتوة” من السقوط !

بقلم : أحمد السماحي

كانت تربطني بالنجم الراحل الكبير “كمال الشناوي” علاقة صداقة وطيدة يعلمها جميع زملائي منذ كنت طالبا فى الجامعة، وتوطت أكثر بعد عملي الصحفي، وكان بيننا كثير من الأسرار والحكايات، وذكر لي مرة أنه كان يمثل في أحد الأفلام وتأخر عن تصوير مشهد، فسأله صديقه النجم “عماد حمدي”  شريكه في المشهد عن سر تأخره، فقال له كنت أغير لون شرابي ليتناسب مع لون البدلة، فضحك “عماد حمدي” وقال له: “يا كيمو إحنا بنصور فيلم أبيض وأسود، مش ألوان، ومافيش حد حياخد باله من لون شرابك!، لأن كل الألوان بتظهر أبيض وأسود!”.

هكذا كان الفن قي الماضي، وهكذا علمني نجمنا “كمال الشناوي” أن العمل الفني الصادق عبارة عن مجموعة من التفاصيل الصغيرة الدقيقة، ويزداد ثراء العمل الفني لو كانت هذه  التفاصيل موجودة، ووقتها سيتسلل العمل إلى قلب وعقل الجمهور، والعكس صحيح، تعمدت فى بداية موضوعي النقدي عن مسلسل “الفتوة” أن أذكر هذا لغياب التفاصيل الدقيقة عن “الفتوة” الذي صاحبنا طوال شهر رمضان، وكان من الممكن أن يكون لوحة تشيكلية معشقة بالأصالة ومطرزة بالإبهار، لو اهتموا بالتفاصيل، المسلسل من تأليف “هاني سرحان” إخراج “حسين المنباوي”، بطولة “ياسر جلال، أحمد خليل، رياض الخولي، إنعام سالوسة، مها نصار” وغيرهم من النجوم.

أبدعت إنعام سالوسة في مشاهدها مع ياسر جلال

عام 1850

مع بداية الحلقة الأولى حدد صناع مسلسل “الفتوة” عام 1850 زمنا لوقوع أحداثه، وياليتهم ما حددوا، لأنهم وقعوا بسبب هذا فى أخطاء تاريخية فادحة بالنسبة لـ”لأماكن والأزياء، والشعر والمكياج، ولغة الحوار”، وفى البداية لابد أن نعترف أنه ليس من حق أي ناقد فى الدنيا سؤال المؤلف لماذا رجعت إلى عام 1850 تحديدا؟!، أوما الذي سيختلف لو أنك جعلت قصة مسلسلك تحدث فى نهاية القرن الثامن عشر، أو بداية القرن التاسع عشر أو منتصفه؟!، إلا إذا كان يعتقد أن الرجوع إلى الماضي القديم سيبعده عن وجع الرأس، ولن يحاسبه أحد على أخطائه التاريخية لأن كل الموجودين الآن لم يكن ولدوا بعد!، ولسنا طبعا ضد الرجوع إلى الماضي بالعكس، لكن لابد أن يكون لدى المؤلف أو المخرج وجهة نظر يناقش من خلالها الماضي، وبحيث يربطه بالحاضر ويفسره، بل وربما يشير إلى المستقبل نفسه، وهذا هو المبرر الوحيد للعودة إلى الماضي فى الأعمال الفنية الراقية، وكل الأفلام التاريخية فى السينما العالمية تفعل هذا، فهى تحكي عن الماضي وهى تشير بوضوح إلى الحاضر، وإلا تحولت العودة إلى الماضي إلى مجرد “حواديت ومواعظ” وليست هذه مهمة الدراما.

حتى عندما كتب أديبنا العالمي نجيب محفوظ “الحرافيش” كان “الحرافيش” عنده هم النماذج الشعبية المسحوقة فى قاع المجتمع والذين يمارسون المهن الحقيرة لحساب التجار المستغلين الذين يأكلون حقوقهم ويستفيدون من كل شيئ بلا مجهود حقيقي، ومعتمدين على أن هؤلاء “الحرافيش” الصعاليك أضعف من أن يثوروا طلبا لحقوقهم، وهنا بالضرورة يظهر دور “الفتوة” من بين هؤلاء “الحرافيش”، وهذا “الفتوة” هو جماع لعدة قيم ومبادئ أولها قوة الشجاعة والشرف ثم الإيمان بالعدل، الذي يفرضه “بالنبوت”، وهو نموذج شعبي أفرزته الحارة المصرية في ظروف خاصة للبطل أو الزعيم وفيه من “روبين هود” الذي يأخذ من الغني ليعطي للفقير، وله معان ودلالات وتفسيرات واسعة جدا.

سكر تحاول أن تضمد جراح حسن بعد تأخر طويل

حدوتة الفتوة

يهرب مسلسلنا “الفتوة” إلى الماضي من مواجهة الواقع الحاضر، دون سبب واضح لهذه العودة، ليقدم نفس المشاكل المكررة التى أجترتها الأعمال الفنية التى قدمت من قبل عن الفتوات، حيث كنا نشاهد مجموعة من الـ “معلمين” بجلاليب يلفون رءوسهم بملايات السرير!، ويمسكون بالشوم الغليظ، وكلما فاز أحدهم بالفتونة صاح بعض وجوه الكومبارس القبيحة التى لا تصلح إلا لتجار المخدرات “اسم الله عليه .. اسم الله عليه”.

وفى مسلسل “الفتوة” تدور الأحداث بين ثنائية الخير والشر، بين “حسن الجبالي” الطيب المؤمن بالعدل والخير والجمال، وبين “عزمي” الشرير القاسي الذي يفرض الإتاوات على الفقراء، والذي يزأر ويكشر عن أنيابه طول الوقت، وبجانبهما شخصيات أخرى تظهر لكل منها تفاصيل درامية مؤثرة وخطوط فرعية تتلاقى جميعا داخل مملكة الفتوة المتمثلة في الحارة، فهناك ليل “مي عمر” التي تبحث عن أمها الغائبة، وصراعها مع طليقها “سيد اللبان” فتوة المدبح “رياض الخولي” الذي يحاول الرجوع إليها، وهناك أيضا جميلة “نجلاء بدر” المطرودة من حي “الجمالية”، والتى تسعى للرجوع إليها، مما يتركنا مع العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الخطوط الدرامية ومدى ارتباطها معا.

وبمرور الحلقات نتعرف إلى مجموعتين تمثلان أطراف صراع قديم داخل المسلسل، هما “العربجية”، و”كسر الفتوات” المطرودون من مملكة الجمالية، ويكنون العداء لأهلها ويتوعدون بالرجوع للحارة، تظل ظروفهم مجهولة لكنها خلفيات لأحداث المسلسل وشخصياته تكفي لإثارة تساؤلات المشاهد وفضوله حول تاريخ الشخصيات والأحداث التي ينجح الكاتب “هاني سرحان” في طرحها ببطء يجذب انتباه المشاهد للتعرف عليها.

وببطء أيضا، يفصح المسلسل عن إجابة تساؤلات يثيرها في الحلقات الأولى، حول أسباب اختفاء “أم ليل”، وأسباب طرد “جميلة” وكيفية عودتها وزواجها من “عزمي” الفتوة، بعد أن رفض “حسن الجبالي” حبها أو الارتباط بها، لكن تظل هناك أسئلة لم تتم الإجابة عنها مثل أسباب طرد مجموعات “كسر الفتوات” و”العربجية” خارج الحارة، التي شهدت الحدث الفاصل داخل المسلسل أو ما يمكن اعتباره إعادة التجميع بعد الابتعاد.

تحدث المسلسل عن علاقة الأقوياء بالضعفاء ليقول أن الضعفاء هم الذين أصبحوا كذلك حين ارتضوا الذل والخضوع لجبروت “الفتوات” دون أن يحاولوا التمرد تحت وهم الخوف واستحالة تغيير الواقع، وفى الوقت الذي أكد فيلم مثل “الجوع” للمخرج “علي بدرخان ” دارت أحداثه فى نفس الفترة أو بعدها بحوالي 37 سنة على أن “ميكانيزم السلطة” أو صعود البطل الشعبي الذي اختاره الناس ليحقق لهم العدل فى مواجهة الظلم والقهر، سرعان ما يحول هذا البطل الشعبي نفسه إلى ديكتاتور بمجرد أن تنتقل مصالحه من الفقراء الذين خرج منهم إلى الأغنياء الذين انضم إليهم، نجد مسلسل “الفتوة” لا يوجد به هذا البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهو جعل البطولة الشعبية والزعامة تدور في فراغ، ومجرد حكي حكاية لطيفة مسلية تنال إعجاب وتغازل البسطاء من الناس.

أحمد صلاح حسني تعامل مع الشخصية من الخارج

أخطاء وقع فيها الفتوة

1 ــ شارع “عماد الدين” لم يكن عام 1850 عرف بعد بشارع الفن، حيث بدأ نشاطه مع بداية القرن العشرين ومع بزوغ جذوة النهضة الفنية تركز النشاط الفني كله حول شارع عماد الدين، فأنشئت التياتروهات والسينمات والمقاهي.

2 ــ فى أحد المشاهد يعزم “عزمي” ” صديقه اللدود حسن على “البيرة”، التى كانت معروفة في العالم، لكنها ليست معروفة فى مصر، حيث تأسست صناعة البيرة الحديثة في مصر من قبل رجال الأعمال البلجيكيين في عام 1897 مع إنشاء مصنع “الجعة كراون” في الإسكندرية ، ثم بيراميد الهرم في القاهرة.

3 ــ لم يستفد المسلسل من شخصة “أبو أحمد” التى جسدتها الفنانة ” فريدة سيف النصر”، وكان يمكن أن يبرز دورها بشكل أكبر، لكن ظهورها عبر مشاهد قليلة جاءت مبتورة، لم توضح أهمية الشخصية، ولا لماذا استعانوا بفنانة قوية الأداء مثل “فريدة” كان يفضل الاستعانة بكومبارس، خاصة أن المشاهد التى ظهرت فيها كانت قليلة للغاية، رغم أن هذه الفترة لم تخل دنيا الفتونة من سيدات تربعن على عرشها سنوات طويلة، وكان لهن باع طويل وأساليب مختلفة، تختلف عن أساليب الرجال من الفتوات فى عالم المجدعة، من هؤلاء “عزيزة الفحلة” فتوة حي “المغربلين”، و”سكسكة” فتوة الجيزة، و”أم حسن” المشهورة بـ “أم جاموسة” فتوة حى السيدة، و”نعيمة” فتوة الجمالية، وكان يمكن أن يزداد العمل ثراءا وقوة بالتركيز على “أبو أحمد”.

وبالمناسبة كان إسم “أبو أحمد” أو “أبو الأحمدات” يطلق على فتوات الإسكندرية وليس القاهرة.

4 ــ شخصية ” أحباب” أم “ليل” التى كانت محور كلام “ليل” في الحلقات الأولى، وتبحث عنها، كان لابد من الاستعانة بنجمة كبيرة لها طلة على الشاشة لتجسيدها كضيفة شرف بدلا من ظهور ممثلة ثانوية لم تخدم الدور، وجاء أداءها باهتا، ولم تشفي غليل المتفرج الذي كان ينتظر بفارغ الصبر ظهور “أم ليل”، وتوقعنا جميعا أن تكون “فريدة سيف النصر”، خاصة وأن ظهور “أبو أحمد” لأول مرة كان لافتا وجميلا.

5 ــ ظهر في الحلقة الثالثة مشهد للأسدين الشهيرين على مدخلي كوبري قصر النيل الواصل بين القاهرة الخديوية، ومنطقة الزمالك، إلا أن القاهرة الخديوية والكوبري الشهير لم يكونا موجودين في زمن أحداث المسلسل عام 1850، إذ اكتمل بناء الكوبري عام 1871، أي بعد 21 عاما من زمن المسلسل.

6 ــ دور ” كادني الهوا” الذي كان يغنيه “عزمي” وذكر أنه للمطرب “سي عبده الحامولي” هو أشهر أدوار الملحن “محمد عثمان”، وظهر بعد أحداث المسلسل بحوالي 50 عام.

7 ــ كل الأزياء التى أرتدتها “نجلاء بدر، ومي عمر” لم تكن أزياء الفترة، ولكنها أزياء ظهرت بعد أحداث المسلسل بحوالي 100 عام، وإلا كانت الست “هدى شعراوي” والسيد “قاسم أمين” ما قاما بثوارتهما ولا دعواتهما لتحرير المرأة، طالما المرأة تلبس” المجسم والملزق” الذي يبرز تفاصيل جسدها بهذا الشكل.

8 ــ لغة الحوار لم تكن مناسبة على الإطلاق فسمعنا جمل من عينة “أنا آسفة، يلا أدخلي أوضتك، عجز الميزانية” وغيرها الكثير.

9 ــ فى الوقت الذي يعتبر الديكور والصورة أقوى عناصر المسلسل يمثل “المونتاج” أبرز نقاط ضعف “الفتوة”، إذ يغيب التسلسل الزمني لأحداثه بين مشاهد ليلية تتحول لنهار وأخرى نهارية تكتمل في الليل، وأحداث يطول زمنها أكثر مما ينبغي والعكس كذلك، مما تسبب في بعض الارتباك والتشتيت أثناء المشاهدة.

10 ـــ للتدليل على كلامي السابق مشهد قتل “حسن الجبالي” بعد مرور حلقة وأحداث كثيرة “تكتشف” سكر “جسده”، وكان الأصح أنه بعد قتله مباشرة تكتشف جسده، وتأخذه معها لعلاجه، لكن صناع العمل أحبوا لعبة “الساسبنس”، فوقعوا في خطأ فادح.

الإخراج

في المسلسل أشياء جيدة جدا ومحترمة من الناحية التكنيكية، مثل اختيار أجواء التصوير وزواياه وقيمة الجمالية الشعبية والتاريخية والحارات الضيقة، وتحريك المجموعات وقيادة الممثلين كل هذا فى أحسن حالاته، وإن كان مخرج العمل “حسن المنباوي” يبدو طيبا لأنه سمح لنجماته أن ترتدي ما ارتدوا من ملابس ضيقة مجسمة تبرز أنوثتهم، وأطلقن شعورهن الحرير على الخدود تهفهف وترجع تطير!، ويضعن ما وضعن من مكياج، وحواجب على الموضة، وضحكة هوليود تضيئ وجوههم، ونفس الحال مع “حسن وعزمي” فكلاهما خارج حالا من “الجيم” وفى أفضل حالاته البدنية، وهذا طبعا لا يتناسب مع فتوات هذه الفترة التى كان يغلب عليهم السمنة ويتمتعن “بكروش” عظيمة وأسنان صفراء من مضغ المكيفات!

اهتم جلال بتفاصيل الشخصية من الداخل أكثر من الخارج

ياسر جلال

رغم الأخطاء الموجودة فى “الفتوة”، قدم “ياسر جلال” برهانا جديدا على قوته التمثيلية التى تهب كالطوفان وتخترق كل ما حولها، حيث قدم دوره بوعي شديد، وهنا يمثل دور الإنسان القلق المعذب، الذي يبحث فى البداية عن قاتل والده، ويداهمه ماضيه، ويؤرقه حاضره، شخصية مليئة بالمشاعر االمتعددة ما بين الحب العارم، والشك القاتل فى البحث عن قاتل والده، والحيرة والتردد، تناقضات كثير هامة استطاع الإلمام بها، وعبر عنها “ياسر” فى بساطة أخاذة وإبداع مذهل، بحركة شفته، أو لمعة شاردة من عينيه، أو إيماءه أو تعبير صوتي، ونجا من تكرار نفسه رغم تكرار المشاهد والمشاعر.

 وقد اهتم “جلال” بتفاصيل الشخصية من الداخل أكثر من الخارج أو من مظهرها الخارجي،  وإن كان الدور غلب عليه المثالية والشهامة أكثر من اللازم، فـ “حسن” رمز العدل والقوة، “الملاك الملثم” الذي يعطي في جنح الليل للفقراء حقوقهم، والذي يجنح دائما للسلام حتى لو على حساب حبه، أو على حساب نفسه، كما حدث عندما حاول عمه سرقة محله، أو تعرض محله للتهشيم.

وقد غابت عن “ياسر” بعض التفاصيل الهامة، مثل عدم ظهوره أثناء تأديته مهنته كمبيض نحاس إلا على استحياء ولثواني معدودة في حلقة واحدة، وظهر طوال الحلقات بجلباب غالي الثمن نظيف، وبوسامته وصدره العريض، وذقنه موضة 2020، وشعره الناعم اللامع حتى بعد دخوله أعنف المعارك، كما كان يأكل بطريقة النجم “ياسر جلال” وليس بطريقة “حسن الجبالي” الفتوة، وعليكم ملاحظة أكله في حلقات المسلسل وإن كان تحسن أكله فى النهاية.

حاول تصنع الشراسة والقوة بجحوظ في عينيه

أحمد صلاح حسني

على عكس مثالية شخصية “حسن الجبالي” جاءت شخصية “عزمي” التى جسدها “أحمد صلاح حسني” مليئة بالتناقضات، فعزمي يمتلك وجهين، الأول الطاغية المستبد الذي يكرهه جميع من في الجمالية، والوجه الثاني الرقيق بحساب مع شقيقته من الأب “ليل”، والدور مركب مليئ بالتفاصيل الإنسانية والجسدية المعقدة، التى كانت تحتاج لممثل “تقيل” محترف، لكن النجم “أحمد صلاح حسني” تعامل مع الشخصية من الخارج، وقدم أدائا باهتا في كثير من المشاهد الهامة بسبب فهمه الخاطئ للدور وللشر، حيث حاول تصنع الشراسة والقوة بجحوظ في عينيه، وتكشيرة طفولية، وكان يضحكنا عندما يغير صوته، ونشعر فجأة أنه يشبه صوت شاب في الإعدادية “بلغ لتوه” فخشن صوته، كما أنه لم يستطع المحافظة على “اللزمة” التى كان يرددها في بداية الحلقات وهى “الله” التى رددها فى البداية ونساها فى منتصف الحلقات.

رياض الخولي .. كان له وجود عميق وإشعاع قوي، يبتسم ابتسامة تقطر لؤما وشرا

رياض الخولي

واحد من الخمسة الذين أنقذوا المسلسل من السقوط، بتقديمه دور المعلم “سيد اللبان” فتوة المدبح، وأثبت أنه طاقة فنية هائلة، أدى الدور بإتقان يصل إلى حد الروعة، يؤدي بفهم داخلي للشخصية، كان له وجود عميق وإشعاع قوي، يبتسم ابتسامة تقطر لؤما وشرا، وبجانب عينيه، ينظر نظرة تفيض بالحقد، وتوحي بالخطر، إنه يجمع بين الثعلب والنمر، ويدبر المكائد بعقل بارد، هذا الذئب الماكر عبر من خلال ضحكته الكريهة، وبتلوين مدروس لصوته، وعضلات وجهه والتماعة عينيه عن أدق المشاعر التى تفيض بها نفسه.

إنعام سالوسة ..تألق وتوهج فى مشاهدها فكانت جوهرة حقيقية ذات اشعاع قوي

إنعام سالوسة

تتألق وتتوهج فى مشاهدها التى تظهر فيها كجوهرة حقيقية ذات اشعاع قوي، فهى قادرة على التلوين والتنويع والتغيير، وتستطيع بليونه الإنتقال بسلاسة من مدرسة فى الأداء إلى مدرسة آخرى، وقدمت مشاهد كثيرة بشكل رائع خاصة التى كانت تجمعها مع ابنها “حسن”، ومع ابنتها وحفيدتها، وعليكم مراقبة تعبير وجهها وعينيها، وهى تنظر لـ “جميلة” التى كانت تريد أن تتزوج من “حسن” فهذه مشاهد لا تصنعها إلا المبدعة القديرة ” إنعام سالوسة”.

أحمد خليل .. أداء هادئ رزين، أعطى للمسلسل ثقل ومذاق الحقيقة

أحمد خليل

بفهم ومعلمة قدم النجم الكبير “أحمد خليل” دور “صابر أبو شديد” فتوة الجمالية، أداء هادئ رزين، أعطى للمسلسل ثقل ومذاق الحقيقة، ويقنع المتفرج أن ما يراه أقرب إلى الصدق، لهذا ترك أثرا في نفس المتلقي يتمثل فى الإقتناع بأن “الفتوات” لا تسيرهم عواطفهم بقدر ما تسيرهم مصالحهم، في لحظات تنعكس على ملامحه كل معاني الاضطراب، ولحظات إحساس حاد بالذنب، ولحظات شعور بالندم، كل هذا قام بأدائه “أحمد خليل” بشكل فني رائع.

نجلاء بدر .. جرأتها وجمالها الغامض.. وضعفها، وأنوثتها كان لهم حضور طاغ

نجلاء بدر

بعيدا عن ملابسها وأزيائها غير المناسبة، ومكياجها الصارخ، فقد كانت “جميلة” بجرأتها وجمالها الغامض، وكبرياءها وضعفها، وأنوثتها وحضورها الطاغي، وطريقة نطقها بالكلمات التى تتحول بين شفاها إلى نغم هامس أو إلى صرخة طافحة بالغضب.

مي عمر .. إحساسها الداخلي وتعبيراتها المدروسة أنقذت الشخصية من نمطيتها المعهودة

مي عمر

لعبت دور” ليل” بشكل ميلودرامي عزفت فيه بنوتات موسيقية خافتة على سلم العواطف، وحاولت أن تعتمد على إحساسها الداخلي وتعبيراتها المدروسة لكي تنقذ الشخصية من نمطية كانت تهددها.

ضياء عبد الخالق .. لعب دوره بمعلمه و حرفنه تعطي إنطباعا بأنه شخص صلب

ضياء عبدالخالق

لعب دوره بمعلمه و” حرفنه” وتفوق في مشاهد كثيرة على “عزمي”، وساعده وجه الواضح المعالم، المفعم بالإرادة الذي يعطي إنطباعا بأنه شخص صلب.

الديكور

ابدع مهندس الديكور “حسن البلبيسي” في بناء هذا الديكور الرائع لحارة مصرية كاملة من حواري القاهرة فى منتصف القرن الثامن عشر، بكل هذه التفاصيل الدقيقة وبهذا التفاني من “البلبيسي” الذي جعل من الديكور بطلا أساسيا من أبطال المسلسل وجزءا عضويا من بنائه لا يمكن تخيله بدونه، ثم هناك هذا المنهج الجديد فى استخدام الإضاءة استخداما دراميا وفنيا ينبع من فهم الموضوع، و”الاضاءة” بالمناسبة غير “الانارة” .

الملابس

على عكس الديكور الذي جاء متقنا ورائعا فشلت “منية فتح الباب” مصممة الأزياء فى تقديم أزياء هذا العصر، الذي كان يغلب عليه الملابس الفضفاضة، وعدم ظهور أي جزء من المرأة، وإلا ما كان طالب “قاسم أمين” بتحرير المرأة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.