رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أسمهان.. قصة الميلاد والموت في الماء

بقلم : سامي فريد

حكاية اسمها أو حكاياتها أكثر وأكبر من أن نحصرها أو نتوقف عند واحدة منها.. منها حكايتها مع الماء يوم ولدتها أمها الأميرة علياء المنذر، على ظهر الباخرة العائدة من سالونيك إلى بيروت. في ذلك اليوم قالت العرافة على ظهر السفينة أن هذه الطفلة “إيميلي فهد فرحان الأطرش” ولدت على الماء.. وستموت في الماء.. لكنها قبل موتها بليلة كانت على موعد من الموت محترقة في الاستوديو، عندما اشتعلت النار إلى جوارها ولاحظها عمال الاستوديو فأسرعوا إلى إطفائها وفرت هي مذعورة لتموت بعد ذلك في الماء.

طفلة صغيرة مسكونة بالموهبى
صبية صغيرة فاتنة

وظلت نبوءة الموت تردد في ذهن أسمهان.. وهو الاسم الفني الذي اختاره لها الموسيقار داود حسني بعد ذلك.

ظلت هذه النبوءة المخيفة تطارد أسمهان حتى أنها فكرت أكثر من مرة في الانتحار لتنهي حياتها بيدها، لكن محاولالتها جيمعا باءت بالفشل..

ولا ننسى حكاية أسمهان مع الملكة نازلي التي كانت تكرهها، وكانت هى أيضا تبادلها هذه الكراهية.. وقصتها مع صاحبة الجلالة ف

كانت تبكي بكا مرا قبل موتها بليلة وكأنها تنعي نفسها

ي فندق الملك داود بالقدس يعرفها كل من عاصرها عندما أصرت جلالة الملكة على طردهاـ ولم يستطع تدخل الأمير محمد علي توفيق، أن يقنع الملكة نازلي بنسيان هذه العداوة.. 

واستطاعت أسمهان أن يكون حفل الاستقبال من ترتيبها لتسمح بدخول المدعوين بمعرفتها بعد أن طلب الكومودور باس، مسئول المخابرات البريطانية أن تكون أسمهان هي المسئولة عن الحفل نكاية في الملك فاروق وأمه!

ولم تطق الملكة نازلي الموقف فكان أن اتصلت برئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت حسين سري باشا، لتصدر إليه الأمر وهو أحد باشوات لقصر التابعين لابنها بطرد أسمهان وكان قراره لوزارة الداخلية باتخاذ هذه الخطوة، فحثت الداخلية حتى توصلت إلى أن عقد أسمهان مع ستوديو مصر قد انتهى فابلغوها بهذا، لكنها رفضت مغادرة مصر واتصلت بكل من تعرفهم من كبار المسئولين لوقف القرار، لكن أحدًا منهم لم يستطع أن يفعل شيئا.. حتى الصحفي الكبير محمد التابعي اعتذر عن التدخل رغم علاقته الوثيقة بها.

ولجأت اسمهان إلى الحل الذي أشار عليها به بعض المقربين إليها.. الذين نصحوها بأن تتزوج مصريا ليسمح لها القانون المصري بالإقامة.

تشدو بطلاقة وصوت عذب

وكانت زيجاتها الكثيرة.. منها كانت أول زيجاتها بالمخرج أحمد بردخان بعد فيلمها انتصار الشباب لكن بدرخان طلقها بضغط من زوجته الأولى روحية خالد.. ثم كانت زيجتها الثانية بالمطرب فايد محمد فايد، ثم الفنان المخرج الطيار أحمد سالم، الذي تزوجها بأمر من المارشال تايدر قائد سلاح الجو البريطاني، والذي أطلق عليها الرصاص في لحظة من لحظات غيرته الشديدة لولا أنها قفزت من النافذة لتستجند بالأميرالاي محمد إبراهيم إمام، الذي تدخل ليقنع أحمد سالم بتسليمه المسدس، لكن رصاص انطلقت منه بالخطأ أو كانت مقصودة لتصيب رئيس المباحث.

ثم لابد أن نتوقف طويلا أمام علاقتها بالمخابرات الإنجليزية أشارت إليها أصابع الاتهام رغم عمالتها لها بدعوى التخلص منها ومما تعرفه من أسرار المخابرات الانجليزية.

واتجهت أصابع الاتهام أيضا إلى المخابرات الألمانية التي كانت قد تعاملت معها فترة بعد أن سلمت أحد هم عملائها وهو الصحفي الأمريكية جون فورد إلى الإنجليز فقرروا قلتها انتقاما منها وكان أن ارسلوا أحد عملائهم الذي كان يتابع تحركاتها فقرر قلتها خلال نزهة لها في البحر الميت مع صديق فلسطيني نبهها إلى أن هناك من يتابعها.. وبالفعل لاحظت اسمهان من يتابعها.. بل ويطلق عليها الرصاص بقصد قتلها لولا أنها أخرجت من حقيبة يدها مسدسا كانت تحمله لتطلق منه الرصاص على العميل الألماني الذي قرر الفرار لما رآه من دقة تصويبها..

أسطورة في الغناء لن تتكرر

أما حكاية الكراهية بينها وبين الملكة نازلي، التي وصلت إلى حد التحدي المعلن، فكان سببه فيما يقول بعض العارفين يرجع لعلاقة أسمهان بأحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي، وكان زوجا للملكة نازلي..

والحكاية أو الحكيات الأشد إثارة في حياة أسمهان فهي كثيرة.. منها الإجازة التي طلبتها خلال تصوير فيلم غرام وانتقام لتقضي إجازتها في رأس البر، فنصحها بعض الساهرين معها قبل سفرها لتسافر إلى الإسكندرية.. في تلك الليلة قبل وفاتها سهرت أسمهان تغني مقاطع من بعض أغانيها ثم تتوقف لتبكي.. ثم تستأنف الغناء لتوقف وتبكي، وكأنها كانت تنعي نفسها.

لكنها كانت قد اختارت رأس البر لأكثر من سبب.. منها أنها تريد رؤية محمد التابعي، في بيت أسرته في المنصورة، ولم تكن تعلم ما حكاه لي الدكتور محمد فتحي البطوطي ابن شقيقة التابعي من أن خاله كان قد طلب من أمه أن تطرد أسمهان من البيت إذا جاءت لعلمه بعلاقاتها الكثيرة وعملها مع المخابرات.

وفي يوم السفر.. ركبت أسمهان سيارة الاستوديو ومعها سكرتيرتها اللبنانية ماري قلادة، في طريقها إلى المنصورة.. وقرب كوبري طلخا كانت أسمهان قد نامت بعد سهرها الطويل بالأمس.. فنامت معها ماري قلادة وانحرفت السيارة إلى فرع النيل هناك.. ليقفز من السيارة الذاهبة إلى الموت سائقها السوداني الذي اتهم ضمن من اتهموا بقتلها بأوامر من الأخران وتحريض من الإنجليز..

وحكايات وحكايات.. مع أول أزواجها ابن عمها الأمير حسن الأطرش، الذي كان يشتعل غيره عليها ولا يكف عن سؤالها أين ذهبت ولماذا تأخرت وأين كانت؟، فاتفقت مع صديقتها تحية كاريوكا أن تحاول أن تتصل به تليفونيا دون أن تفصح عن شخصيتها لتواجه أسمهان بما تعرفه عن علاقته بإحدي النساء ليتوقف هو عن سؤالها.

مع شقيقها فريد الصديق الحنون

ولم يكن لأسمهان من صديق سوى شقيقها فريد الأطرش الذي كانت تحبه لحنانه ورقته ومواساته لها.. كما كانت تخشى شقيقها فؤاد الأطرش الذي كان مواجهها بأخطائها وبكل شدة..

ثم كانت الخاتمة التي اختارها يوسف وهى لفيلمه غرام وانتقام، عندما علم بوفاتها المفاجئة.. فكان المشهد الأخير في الفيلم وهو يعزف لحنه الأخير وهو يردد اسمها في الفيلم “سهير”.. لحن لم يتم!

وكانت أسمهان بالفعل ذلك اللحن الجميل الذي لم يتم .. والذي يعلق عليه الصحفي الفني الراحل كمال النجمي، قائلا: “إنه من رحمة الله بها أن تتوقف حياتها عند هذا الحد بعد أن ظل صوتها يفقد نصاعته وبريقه بسبب حياتها المسرفة التي عاشتها..

وقد توفيت اسمهان ولها من العمر 32 سنة من العذاب والتخبط”.

أما كل ما تركته لنا كفنانة فهو 48 أغنية فقط من تحلين شقيقها فريد الأطرش وفريد عصن ومحمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وزكريا أحمد ومحمد القصبجي، وربما لا تذكر منها سوى “ليالي الأنس في فيينا، ويابدع الورد، ودخلت مرة في جنية، ويا طيار من قيس وليلى أمام عبدالوهاب، ويا حبيبي تعالى الحقني” وغيرها.

أما باقي الثمانية والأربعين أغنية فقد تاهت عنا أو تهنا عنها.. يرحمها الله.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.