رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حكايتي مع ديزني (2)

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

البداية

لمدة ساعة تقريبا جلس أمامى صديقى الملحن والموزع الموسيقى “سمير حبيب” يحاول أن يلتقط انفاسه بعد أن صعد إلى شقتى بالدور الخامس ليهنئنى بميلاد ابنى أحمد، لم يكن بالعمارة التى أسكن بها أسانسير ولم يتخيل أننى بالدور الخامس، ومضى يصعد كل دور على أمل أن شقتى به، و طرق أبواب شقق العمارة كلها سؤالا عنى، ومن الغريب أن جميع السكان فى تلك الليلة لم يكونوا متواجدين ليدلوه، ويبدو أن ذلك كان أفضل، فلو علم منذ البداية أننى فى الدور الخامس لما صعد .

وصل إلى شقتى وهو فى حالة يرثى لها، وعندما فتحت له الباب دخل بلا كلمة ليرتمى على اقرب مقعد، و برغم شتاء يناير القارص جلس يتصبب عرقا و لا يستطيع أن يتكلم ….

 وبعد معاناة شديدة و أكواب من الماء قال: يالا عشان هنبتدى.      

سألته مندهشا: هنبتدى ايه ؟

قال : دوبلاج فيلم لوالت ديزنى.

لم يكن لدى أى فكرة عن المشروع، فمضى يشرح لى كيف اقتنص فرصة تقديم أفلام والت ديزنى باللغة العربية، فى سابقة لم تحدث منذ الستينات، فهناك فيلم وحيد لديزنى تمت دبلجته لينطق بالعربية هو “الاقزام السبعة” وأخرجه الراحل أحمد كامل مرسى، وضم أساطين من الفنانين الكبار وقتها “سميحة ايوب – عبد الوارث عسر – فاطمة مظهر – محمد السبع، لكن المشروع توقف بعد هذا الفيلم الوحيد برغم دقته و جمال الأصوات المشاركة فيه .

و عندما وجد “سمير” أنى لم أتحمس للمشروع قال إن المشروع برمته كان فى طريقه إلى التنفيذ فى بيروت، وأن بين يدى الآن سمعة القاهرة فنيا، فلو فشل الفيلم ستصبح سبة فى جبين الفنانين المصريين – هكذا كان يرى الأمور – إلى جانب أن المشروع  سيفتح مجالا فنيا جديدا يستفيد منه مئات الفنانين والفنيين.

و مضى يتحدث …

و”سميرحبيب” لمن لا يعرفه يستطيع إقناعك بأى شيئ يريده ، فله طريقة فى الإقناع لا تخيب ، تلعب على الأوتار النفسية لمن يحاول اقناعه، و لهذا فهو ناجح جدا فى العمليات التجارية إلى جانب الفن، و بالفعل لمس أوتارا كثيرة فى نفسى، خاصة حين قال: اعتبر المشروع هديتك لأحمد إبنك ، مش إنت شايف إن الأعمال اللى بتتقدم للأطفال مش كويسة، إدى نفسك فرصة تعمل له حاجة كويسة، فيه إيه أحسن من ديزنى فى شغل الأطفال .

فى الحقيقة كانت لى أسبابى فى عدم اهتمامى بالمشروع ، فلم يكن الدوبلاج يستهوينى ، وأراه عملا يستهان به بسبب سوء مستوى الأعمال التى رأيتها فى هذا المجال، كانت هناك حلقات يذيعها التليفزيون المصرى مدبلجة وبرغم نجاحها وانتشارها كنت أراها ضعيفة فنيا، يكفى أن تحس أن كل الشخصيات يؤديها ممثل واحد أو اثنين ويحاولوا تغيير أصواتهم .

كما أن تقديم عمل للأطفال كان أمرا مخيفا بالنسبة لى و كثيرا ما اعتذرت عن الإخراج لمسرح الطفل الذى كان – و مازال – يعامل فى مصر على أنه “درجة تانية “، فأجور العمل للأطفال فى المسرح و التليفزيون (نصف أجر)، والميزانيات (نصف ميزانية) فتكون النتيجة أعمالا أغلبها هزيلة لا ترقى إلى مستوى جموح خيال الطفل و بكارته وابتكاره الذى بلا حدود، فالطفل يملك خيالا يفوق الكبار، فقط الذى يكبل خيالهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية وأيضا الإمكانات المادية .

بالإضافة إلى أننا نتعامل مع الطفل على أنه ساذج وسيصدق خيالنا القاصر بسبب ضعف الامكانيات و نقص الميزانيات، وتستمر معاملتنا الخاطئة للأطفال، و تتجلى فى التعامل معه على أنه طفل وأن نتكلم مثله: أنظر مثلا كيف كانت المذيعات المصريات يخاطبن الأطفال وستعرف على الفور سبب نفورهم من تلك البرامج، وأرجو ألا تقارنها بالبرامج الأجنبية فسوف تصاب بالاكتئاب.

وعلى الجانب الآخر قفزت صورة الى مخيلتى، إنها صورة عائلة صغيرة من أربعة أفراد يقودها الأب صبيحة كل يوم جمعة إلى “سينما مترو” فى وسط القاهرة لحضور الحفلة الصباحية التى لاتعرض إلا أفلام الكارتون من إنتاج ديزنى ، عادت إلى مشاعر البهجة والسعادة التى كنت أشعر بها وأنا أجلس متحمسا لمشاهدة “توم وجيرى، و دونالد دك”، ومشاعر انتظارى ليوم الجمعة بكل شوق ولهفة ، كم كان أبى رائعا فى اهتمامه باقتطاع ساعات من يوم راحته ليسعدنا، بل أضاف إلى السعادة من خلال أعداد “مجلة ميكى” التى كان يحضرها لنا كل أسبوع . هل من الممكن أن أقدم ساعات من السعادة مثل ما حصلت عليه من أبى لإبنى أحمد ؟

استطاع سمير بذكائه أن يجعل فى داخلى كفتين، ولكن برغم تلك الكفة الأخرى، فكرت أن أعتذر، خاصة أننى لا أملك الوقت، ولا يمكننى أن أقدم عملا يسيئ إلى اسمى الذى صنعته بكد و تعب حتى احتل “نصف افيشات المسرح فى البلد” على رأى أحد الحاسدين ….

ولكن كيف أعتذر وأنا  لا أحب أن أرفض طلبا لصديقى العزيز “سمير حبيب”، إذن لابد من البحث عن طريقة لبقة للاعتذار!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.