بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
ملاحظة مهمة استوقفتني في ثنايا المسلسل المكسيكي (نساء في الزي الأزرق) أو (Women in Blue) حسب اسمه بالإنجليزية أو (Las Azules) كما ينطق بالأسبانية التي هى لغة المكسيك، والذي لا يزال يعرض حاليا على منصة آبل المدفوعة.
الملاحظة تكمن في انتشار ثقافة ازدواجية المعايير التي تكون الخطوة الأولى للفساد في أي مجتمع، وهى لا تقتصر على التفرقة حسب الجنس أو الدين أو حتى درجة الثراء لكنها تمتد لتشمل العديد من السلوكيات اليومية دون أن ينتبه المجتمع انه يمارسها.
عادة ما يكون هذا الخلل في المعايير هو الخطوة الأولى لنشأة وتنامي الفساد في أي مجتمع، لأن المعايير التي تطبق على بعض الأفعال ولا تطبق على أفعال أخرى مشابهة تساهم في شيوع احساس لدى العامة بغياب القانون وبالتالي يكون كل شيء مباح.
يقدم مسلسل (نساء في الزي الأزرق)، حالة الشرطية فالنتينا (لعبت دورها ناتالي تيليز) الناشطة النسوية الحانقة بشكل مستمر على غياب المساواة بين النساء والرجال في المجتمع المكسيكي، لكن نفس الناشطة تطارد حبيبها السابق حتى ينفصل عن حبيبته الجديدة ويعود لها.
معيار حقوق المرأة
أي أن فالنتينا لم يكن لديها مشكلة في كسر معيار حقوق المرأة إذا كان ذلك يحقق لها مرادها وهو استرجاع حبيبها، وهنا واحد من أبرز المعايير المزدوجة التي يروج لها مسلسل (نساء في الزي الأزرق) أو يرصدها باعتبار انه يستقي احداثه من وقائع حقيقية.
هناك معيار الخيانة.. فالبطلة ماريا (لعبت دورها الممثلة بربارا موري) أقدمت على الانضمام للشرطة نكاية في زوجها المهندس الناجح بعدما اكتشفت خيانته لها.. تصرف مبرر تماما، ولا يحق للزوج ابداء اعتراضه عليه حتى وان كانت نزوة امتنع عن الاستمرار فيها.
لكن الدراما تتسامح مع ماريا نفسها حين ترتكب نفس الخيانة باقترابها من رئيسها الشرطي أوكتافيو (ميجيل رودارتي) والتصرف بطريقة فهم منها، إنها تغازله قبل أن تتطور الأمور بينهما لتصل إلى قبلات ساخنة بمبادرة منها.
الواقعة الثالثة هى العنف، فالدراما في (نساء في الزي الأزرق)، تبرز عنف المدنيين وتدينه لكنها في نفس الوقت توجد المبررات لرجال الشرطة في ممارسة نفس العنف مع الابرياء حتى لو كانوا مجرد شهود، وهو منطق يعزز الاحتقان المجتمعي ضد الشرطة ويذكر بممارساتها القبيحة.
مسلسل (نساء في الزي الأزرق) المأخوذ عن قصص واقعية يحكي عن بداية التحاق النساء في الشرطة المكسيكية حين تم تكوين أول وحدة للشرطة النسائية عام 1971، وذلك من خلال التركيز على قصص 4 نساء التحقن بالشرطة بموجب اعلان نشرته وزارة الداخلية المكسيكية.
إلى جانب (ماريا وفالتنينا) هناك (أنخيليس) الخجولة المعقدة بسبب مقتل والديها امامها وهي طفلة، وجابينا أبنة قائد الشرطة وشقيقة 3 من الشرطيين والتي تتعرض للاضطهاد منهم جميعا بسبب إصرارها على العمل في الشرطة.
سرعان ما تدرك الشرطيات أن الواقع يختلف تماما عن الإعلان، حيث يقتصر دورهن على القيام بدوريات في الحدائق، دون أن يكون من حقهن حمل سلاح وإنما فقط صفارة لطلب المساعدة في حال مواجهة أي طارئ.
الطريقة المهينة للشرطة
يرصد مسلسل (نساء في الزي الأزرق)، الطريقة المهينة التي يتعامل بها الشرطيون الرجال مع الضابطات حيث يكلفهن بمهام تافهة داخل مركز الشرطة مثل تقديم القهوة والرد على مكالمات الهاتف، ويتكون لدى النساء يقين أن رؤسائهن الذكور ليس لديهم أي نية لإعطائهن أي سلطة حقيقية.
تتمرد النساء الأربعة على هذا الوضع خصوصا مع فشل الشرطة برجالها في القبض على سفاح يستهدف النساء أطلق عليه لقب (المعري)، وهو ليس قريبا لأبي العلاء المعري بالمناسبة، لكنه اكتسب لقبه لأنه ينزع عن ضحاياه ملابسهن بعد قتلهن ويبقيهن بالملابس الداخلية فقط.
رغم نجاح السيدات الأربعة في تحقيق بعض التقدم في التحقيقات التي أجرينها سرا إلا أن ذلك لم يشفع لهن في نيل الاحترام، أو حتى التعامل بجدية مع المعلومات التي حصلن عليها حين عرضن تلك المعلومات على قادة الشرطة.
لهذا تضطر الشرطيات لمواصلة تحقيقاتهن سرا دون دعم من قادة الشرطة ،اللهم إلا (أوكتافيو) المتعاطف معهن دون أن يوضح السيناريو ما إذا كان تعاطفه نابعا من ايمانه بما يحققنه أم بسبب مشاعره المتعاظمة تجاه (ماريا).
رغم الملاحظات إلا أن المسلسل الذي نجح في تقديم صورة جذابة عن المجتمع المكسيكي في بداية سبعينات القرن الماضي، يستحق الثناء سواء من حيث التكثيف أو التشويق، حيث يصحح الصورة السلبية عن مسلسلات الصابون المكسيكية التي انتشرت في بداية القرن الحالي.