رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: أنا ومنير.. قفص العصافير (8)

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

الليله التي أحرق فيها جنود الأمن المركزي، كنت في شقة محمد منير، الجيش أصبح في كل مكان حتي في أقسام الشرطة، لا يوجد غيري وغيره في الشقة.. منع التجول مفروض علي القاهرة.. رائحة البارود تسيطر علي كل مكان في مصر.. أعلنت حالة الطوارئ.. أرتدي جلابية منير.. بعض العصافير الهاربه من الرائحه تنادي علينا بنغمات محببة، وكأنها تعرف أن هذه الشقه ليس فيها إلا شاعر ومطرب مع من يقومون بخدمته وكلهم من الجنوب.

تكلمنا عن العصافير.. وهل تقوم بتربيتها يا إبراهيم؟، قلت له: نحن لا نربيها بل نعذبها بالحبس، وحكيت له حكايتي مع أول شاعر يصدر ديوانا مشتركا بالعامية مع العظيم (فؤاد حداد) الشاعر (متولي عبد اللطيف) الذي قضي كل حياته في سجون ومعتقلات مصر، ويقيم في شربين.. كنت أتمنى أن أراه ومنعني خوفي من أن يكون لا يعرفني.. نشرت صحيفة (الميدان) تحقيقا صحفيا كبيرا عنه.

كان كل ما في بيت منير نوبيان حتى الخدم

وعندما سألوه: لمن تقرأ، قال: لا أقرأ إلا للشاعر إبراهيم رضوان، فرحت جدا واتصلت بصديقي (السيد بسام زينة) ليحدد لي موعدا معه.. رفض الرجل تحديد موعد وترك لي حرية تحديد الموعد.. ذهبت إليه بصحبة صديقي السيد بسام.. ظننت أننا سنزوره في منزله.. فجأه دخل بي علي محل يبيع العصافير فيها.

قدم لي صاحبه: الشاعر رائد العاميه المصريه (متولي عبد اللطيف).. احتضنني الرجل لأكتشف أنه فقد الجزء الكبير من سمعه نتيجة التعذيب في كل معتقلات وسجون مصر.. خطر في بالي هذا السؤال الغريب الذي وجهته له: كيف يا عم متولي وأنت من جرب وجع السجن.. كيف تتحول إلي سجان لهذه المخلوقات الرقيقة؟

أعدت عليه السؤال كثيرا حتي يسمعه فأجابني: لو أعطيت لهذه العصافير الملونه حريتها فستموت على الفور، لأنها تعودت على هذا القفص الضيق

قلت له: دعها تموت من أجل الحرية!

ضحك الشاعر (متولي عبد اللطيف) وهو يقول لي: يظهر انت جاي تقابلني علشان تخرب بيتي، المهم اتفقت معه أن يجمع لي أشعاره حتي أسلمها لإدارة النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة حتي تقوم بطبعها وقد كان.

العصافير في قفص تطلب الحرية

سألني منير: ألم تكتب شيئا عن ذلك، أسمعته قصيدتي التي أقول فيها:

قفص العصافير

ما اقدرش يا حبيبتى

أرسملك الفضا

وفيه عصفور وحيد

ها ارسم عصفورته جنبه

بتقاسمُه فى الغدا

وتحبه من جديد

ما اقدرش يا حبيبتى

جربت الغربة يا ما

باحب النسمة جدا

وباكره الغمامة

باحب حبيبتى دايما

ترجعلى بالسلامة

لذلك مش هاجيب

فى عشنا الحبيب

غير كل حاجة حلوة

لون قلبك الحليب

هاجيب عصافير كتير

فوق الشجر تطير

وتِصَوْصَوْ للأميرة

وتِصَوْصَوْ للأمير

لكنى عمرى ما اقدر

فى  عشنا الصغير

أجيب قفص يِكسَّر

فى جناح العَصافير

ما اقدرش يا حبيبتى

اندهش منير من كلمات متولي عبد اللطيف

قال لي منير: دي مش قصيده دي غنوة.. بس فعلا زي ما قال الشاعر (متولي عبد اللطيف): انت عايز تخرب بيت آلاف الآلاف اللي بيسترزقوا م المهنه دي، علي الأقل يا (أبو رضوي) دول أرحم من اللي بياخد بندقية بخرطوش علشان يصطاد بها عصافير وأول ما العصفوره تقعيجري عليها ويفصل راسها عن جسمها وهو بيتشاهد.

تذكرت علي الفور قصيدتي المكتوبه منذ فترة طويلة والتي أقول فيها:

كان ضوء البطارية..

نايم بين الشجر

وعيون البندقية..

بتبص ع القمر

فجأة.. خرجت رصاصة..

بانت صرخت شراسة

صاب الخرطوش فؤادي..

قبل فؤاد العروسة

عصفورتي يا عروسة..

يا نايمة ع الرصيف

نام الصياد عليكي..

وحطك في الرغيف

ومشيت والدم فوقي..

و قزاز ما بين عروقي

وجع رهيب في قلبي..

ومراره جوه ريقي

يا صيادين يا صحبة..

دي روح ماهش جسد

وان كان الصيد دا غية..

في الكون مليون أسد

في الكون مليون أسد

شبابيك منير

ولأن منير مثقف وتربية يوسف شاهين ناقشني: بتقول يا أبو رضوي: (نام الصياد عليكي.. وحطك في الرغيف)، يعني انت هنا بتدي تبرير للصياد.. يعني اصطادها لأنه جعان وحطك في الرغيف هنا الغايه تبرر الوسيلة.. بعدين نهايتها سياسية.. يعني فيها تحريض.. يعني بدل ما تتشطروا على العصافير الضعيفة اتشطروا ع الأسود اللي بتنهش الناس في كل حتة.

ظل النقاش بيننا فترة طويلة حتى عادت العصافير مرة أخري لتشقشق علي شبابيك محمد منير:

من ألبوم الذكريات

شديت رحال الروح

شدِّيت رحال الروح يمِّك ..

 يا ام الضفاير صفصافى

جوه الوريد شايل دمك ..

يا ام القمر فى السما صافى

يا اللى انتى فى الأصل حدودي

حالف بحبك لا تعودى

أصل انتى فى الأصل حبيبتى..

يا حبيبتى من قبل وجودى

………………………..

فوق الحصان شايفك سارحه ..

يا ام الملامح سلطانة

أرسم على قُورتك طرحه ..

 يا عيون كحيلة ونعسانة

وأغير عليكى من النسمة..

وارسم عليكى ميت رسمة

يا اللى انتى فى الأصل حدودى..

حالف بحبك لا تعودى

أصل انتى فى الأصل حبيبتى ..

يا حبيبتى من قبل وجودى

………………….

جايلك بروحى القلقانة..

من خطوة السكه الجايّه

إنسان بينده إنسانة..

علشان يعيشوا فى حريه

وبيقسم اللقمه ما بينكم ..

 لاجل الشيطان يبعد عنكم

يا اللى انتى فى الأصل حدودى..

حالف بحبك لا تعودى

أصل انتى فى الأصل حبيبتي..

يا حبيبتى من قبل وجودى

………………….

فى الخنقه بيجينى نسيمك..

ويزورنى طيفك على سهوه

فى مرايتى ألمح تقاسيمك..

تشاركنى فنجان القهوه

يا شايله صورتى فى ألبومك ..

بالحب يسعد أيامك

يا اللى انتى فى الأصل حدودىي..

حالف بحبك لا تعودى

أصل انتى فى الأصل حبيبتي..

يا حبيبتى من قبل وجودى

………………….

ولا حد غيرك وَنِسنى..

ساعة هروب الصوت منى

نزل القمر لاجل يبوسنى ..

شافنى معاكى.. بِعد عنى

واستنى لما انتى مشيتي..

بعدين نزل يحضن بيتي

يا اللى انتى فى الأصل حدودي..

حالف بحبك لا تعودى

أصل انتى فى الأصل حبيبتى ..

 يا حبيبتى من قبل وجودي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.