رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

طوني عيسى .. فنان لبناني امتلك المفتاحين : الموهبة والإطلالة

بقلم : محمد حبوشة

تجادل بعض الدراسات التي تتناول التمثيل بأنه ليس موهبة، وإنما عبارة عن نظريات يمكن تدريسها ومن ثم تطبيقها كما يجب، كما يتضمن التمثيل مجموعة واسعة من المهارات التي تعتمد بشكل أساسي على قدرة الشخص على تطويرها، مثل الخيال والتقمص العاطفي واستخدام لغة الجسد، بالإضافة إلى وضوح مخارج الحروف والقدرة على فهم الدراما، وفي المقابل، يجادل آخرون بأن ولادتك مع موهبة القدرة على عرض المشاعر وتقمص الأدوار، إلى جانب دراسة التمثيل والتدريب والممارسة، يزيد فرصك بأن تصبح ممثلا بارعا ورائدا في هذا المجال.

وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع الفنان متعدد المواهب (طوني عيسى)، هو من الفئة الثانية حيث ولد يحمل جينات الموهبة من والده الفنان والمنتج (ناظم عيسى)، لذا فهو ممثل بارع يجيد لعب دوره بشكل طبيعي ودون اصطناع واضح، لكن الحقيقة، وفقا للمخرج والمشرف الفني (ماركوس)، أن أداء الدور بعيدا عن الاصطناع أمر مفروغ منه، ولكن التميز يكمن باستطاعة الممثل على مفاجأة الجمهور بردود فعله وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما سيقوم به، وهو ما يفعله (طوني) في كل دور جديد يقدمه، وما يساعده على ذلك أن هنالك عدد كبير من الانفعالات الإنسانية التي يمكن أن يتقمصها في هذه اللحظة، ولكن تبقى مهمة الممثل الجيد فهم هذا الطيف الواسع من الانفعالات وإدراك عمق كل منها وعلاقتها بالشخصية التي يؤديها، ومن ثم اختيار الأداء الأنسب، عدا ذلك يتحول الممثل إلى شخصية مملة تكرر انفعالاتها بشكل مبتذل.

فنان ذو مواهب عديدة تعلم الغناء والعزف على العديد من الآلات الموسيقية المختلفة

وتعد من أصعب المهارات المتوقعة من جانب (طوني عيسى)، هى قدرته على الانكشاف العاطفي أو كما يسميه البعض (التعري العاطفي)، والذي يعني استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة، وتختلف الأسباب الناتجة عن ذلك، منها أنهم لا يريدون رؤية أنفسهم ومشاعرهم الحقيقية في هذا المشهد أو هذه القصة أو عدم قدرتهم على خوض الجوانب المظلمة جدا من النفس البشرية أو أنهم ببساطة لا يريدون الظهور بمظهر غير جذاب، وكل هذا يدفع الممثل إلى تزييف ردود فعله واختلاق مشاعر غير حقيقية وتقديمها للجمهور، مما يضع حاجزا بين الشخصية التي يؤديها والمشاهد، عوضا عن التأثير به وسحبه إلى عالم القصة، على العكس تماما مما يبديه (طوني) في تجسيده الحي للشخصيات التي يقدمها.

يحتاج الممثل أو الممثلة إلى الوقت والممارسة بالوقوف على المسرح أو أمام الكاميرا، حتى يصلا إلى مرحلة الراحة بالوجود أمام مجموعة كبيرة من الناس، أما في حالة ضعف الثقة بالنفس عند الوقوف أمام الكاميرا، فإن الممثل يدفع إلى ما يمكن تسميته (حماية أنفسهم) من الانكشاف العاطفي، عند تأدية الممثل دوره وفقا لمزاجه الخاص، سيجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية مثلما يفعل (طوني عيسى) في كل حالاته مهما كان الدور صعبا أو مركبا، وهذا ما يميز الممثل المخضرم عن الممثل الصاعد، إذ يساعد تراكم الخبرة لدى الممثل اللبناني الشاب بزيادة ثقته بعمله حتى إن أخطأ في بعض الأماكن أو تعرض للمعوقات في أثناء العمل، على عكس الممثل الصاعد الذي يمكن لأي مطب صغير أن يوقعه بالارتباك.

يملك طيفا واسعا من الأصوات التي يمكن إصدارها من الحنجرة

يملك البشر طيف واسع من الأصوات التي يمكن إصدارها من الحنجرة، ولكننا نستخدم عددا محدودا جدا منها، والممثل الجيد يعمل على تدريب حنجرته ولسانه على أداء أكبر عدد ممكن من هذه الأصوات، خصوصا أن الصوت أداة رئيسية في مهنة التمثيل، وبالذات عند صاحب الصوت الطربي (طوني عيسى) وبالتالي القدرة على التحكم بالصوت تعني عنده القدرة على ضبط إيقاع كلمات النص بما يناسب اللحظة الدرامية لكل منها، ولعل أحد أهم الأسباب التي تدفع (طوني) إلى تصنع دوره عوضا عن تقمصها بشكل جيد، تمثيله الدور كما يراه من دون تطبيق أي من نظريات التمثيل، وأشهرها نظرية  ستانسلافسكي، وهى نظرية تحتوي على مجموعة من التقنيات التي تساعد الممثل على الانتقال بوعيه إلى الشخصية التي يؤديها، وبالتالي تفعيل أفكار وأحاسيس وانفعالات الشخصية عوضًا عن مشاعره الشخصية.

ربما يلبى التمثيل الحاجة إلى الدفء والحماية والامتلاء، فالكثير من الممثلين يشعرون بالفراغ بعد انتهائهم من التمثيل، ذلك لان أعماقهم تصبح خاوية أو مستنزفة، من جهة أخرى لابد أن الممثل يتملكه خوف من العزلة لكى يتوق الى الأضواء الساطعة ويرغب فى أن يكون محور الاهتمام والرعاية، ولأن الظلام رفيق العزلة، من هنا تأتى الحاجة الملحة لدى (طوني عيسى) لأن يكون مرئيا كما ألمح ذلك من خلال متابعتي لكثير من أعماله الدرامية الأخيرة، فالحجب ينفى وجوده، إنه شكل من أشكال الدفاع عن النفس عنده، لكن الأضواء تعنى أيضا الشهرة والثراء والنجاح: مجالات مغوية وذات اشعاع خاص، الممثل فى حالة عزوف دائم عن الآخر، إنه يسعى إلى ذات جديدة كى يكونها ليغيرها فيما بعد.

يملك الخبرة الثقافية، الخيال، الذاكرة، الرصد والملاحظة

يقول الممثل الأمريكي الكبير (هنري فوندا): (حين أصبحت ممثلا، اكتشفت أن التمثيل ممتع وعلاجى، التمثيل كان قناعا لشاب خجول مثلى، عندما أمثل أتخلص من الخجل وأكون شخصا آخر)، بينما ترى الممثلة الفرنسية (إيزابيل هوبير) فى التمثيل: (نوعا من العلاج النفسى، وطريقة لتحرير الذات من هموم معينة)، وربما يكمن الباعث للتمثيل فى إرضاء أو إشباع الميول النرجسية عند الممثل أو الممثلة، أن يكون فى البؤرة مرئيا ومرغوبا فيه مثل (طوني عيسى) الذي يثير الإعجاب من خلال الإشباع النرجسى، الذي يستلزم بالضرورة نزوعا استعراضيا، فالتمثيل لايتحقق إلا عبر المواجهة مع الجمهور، بشكل مباشر كما فى المسرح أو غير مباشر كما فى السينما والدرما التلفزيونية، وإلا لاكتفى الممثل بالتمثيل أمام مجموعة صغيرة من الأقارب والاصدقاء أو أمام نفسه عبر المرآة، إن (طوني) بحاجة دائمة إلى استجابات (ردود فعل، إعجاب، تقدير، تعاطف، حب) كما يبدو لنا من مختلف أدوراه التلفزيونية.

عديدة هى مصادر الممثل (طوني عيسى) في أدئه لأدواره، مثل التجربة الحياتية، الخبرة الثقافية، الخيال، الذاكرة، الرصد والملاحظة، كل ممثل يحتاج الى هذه المصادر، أو يبحث عن مصدره الخاص، لأن ذلك يعزز طريقته فى الأداء ويثرى تجربته ويساهم فى تطوير إمكاناته وأدواته التعبيرية، يقول (روبرت دى نيرو): (يتعين على الممثلين أن يعرضوا أنفسهم لما يحيط بهم، أن يخلقوا نوعا من الاتصال، ويحتفظوا بأذهانهم مفتوحة لتلقى كل ما يحدث فى هذا المحيط عاجلا أم أجلا، سوف تنسل فكرة الى رأسك : شعور، مفتاح، أو ربما حادثة، هذه الأمور ستفيد الممثل فيما بعد، ويستطيع أن يربطها بالمشهد عند التنفيذ)، وهذا ما لاحظته في حالة (طوني)، فهو ممثل لايستطيع أن يعزل نفسه عن المحيط، إنه يتأثر ويتفاعل مع ما يراه وما يحدث وما يزخر به الواقع من نماذج وعادات وسلوكيات، وردود الفعل التى عادة تكون عفوية وسريعة عند الفرد، لكنها عند (طوني) تصبح مدروسة وخاضعة للتحليل، وذلك بالتركيز عليها وتمديدها ومنحها خاصية استثنائية.

يجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية

الممثل (طوني عيسى) لايكف عن تأمل الآخرين، دراستهم تحليلهم، ومحاكاة حركاتهم وأصواتهم إذا اقتضى الأمر ذلك، فممثل مثل (دوستين هوفمان) يستمد مصادره غالبا من مراقبة الآخرين فى أماكن تواجدهم وهو يرصد فى المقام الأول، ايقاعهم الخاص، وكما هو معروف فإن لكل فرد ايقاعه المميز، ليس هناك تشابه بين ايقاعين، ومن هذ المنطلق فإن (طوني) يجد أولا الإيقاع الخاص للشخصية التى يخلقها، وأفضل وسيلة هى متابعة الشخص عبر الشارع، التقاط طريقة مشيته، محاكاتها فيما تفعل ذلك، لاحظ ما يحدث لك بالتركيز على ايقاعهم الشخصى ستجد انك قد اصبحت شخصا مختلفا.

(طوني عيسى) فنان ذو مواهب عديدة تعلم الغناء والعزف على العديد من الآلات الموسيقية المختلفة، منذ ولادته في مدينة (عمشيت) وترعرع فيها، وكانت سببا في تنمية موهبته وحسه الفني، لذلك أصبح فنانا متنوعا يحب الرسم والتمثيل والغناء والموسيقى، ودرس في (مدرسة الفرير) حتى العام الثاني من المرحلة المتوسطة، وانتقل لمدرسة أخرى حتى تخرج من المدرسة الثانوية، واختار دراسة إدارة الفنادق في (معهد قرطباي)، ثم اختار أن يبدأ في دراسة الموسيقى بعدها، رغم أن دراسته للموسيقى جاءت منذ أن كان في الثامنة من عمره، ومعروف أن (طوني عيسى) من عائلة فنية، حيث كان والده (ناظم عيسى) ممثلا ومديرا إنتاجيا، وكان يأخذ (طوني) دائما معه للمسرح وأثناء التصوير، وهذا جعل حب الفن يكبر بداخله، خاصة وأن لديه صوتا جميلا عذبا جعل والده يفكر في أن ينضم إلى الكونسرفتوار.

طوني شاب في بدايات حياته الفنية

هذا ما فعله بالفعل انضم الكونسرفتوار وكان عمره 8 سنوات فقط ليدرس العزف على الآلات الموسيقية المختلفة ويتعلم الغناء والموسيقى والإيقاع وغيرها من مواد الفن المختلفة، ولأنه رافق والده منذ الصغر فقد أصبح معاصرا للمسرح القديم، منها (مسرح نبيه أبو الحسن) وغيره، ثم أكمل المرحلة المتوسطة في الليسة عمشيت، ومنها إلى ثانوية عمشيت، درس الصولفيج والإيقاع في جامعة (الروح القدس الكسليك)، بعد تمكنه من العزف والغناء بدأ الظهور في الحفلات الخاصة، لكن أصبح حلمه هو الدخول لعالم التمثيل، وأن يصبح ممثلا، وكانت البداية عندما ظهر على خشبة المسرح حيث قدم وقتها أغنية (على أرض الغجر) مع آل الرحباني، ليقدم أولى أعماله كممثل في مسلسل (يا مالح يا بحر).

بدأ (طوني عيسى) التمثيل بالدراما التلفزيونية، من خلال مسلسل (مطلوب عروس) عام 2006، ثم في 2007، من خلال (للحب وجه آخر)، مالح يا بحر، الشيخة الأمريكية – 2008، مسلسل “صحن يومي” عام 2009.

مسلسل (الغالبون)
مسلسل (علاقات خاصة)
مسلسل (مذكرات عشيقة)
مسلسل (خرزة زرقا)

وتألق نجمنا أكثر مع الوقت، في مسلسل (طماشة الجزء الثاني – 2010، (من أجل عينيها – 2011، وظهرت موهبته التمثيلية عندما أدى دور (علي) في الغالبون عام 2011،  وهى دراما لبنانية اجتماعية وإنسانية مشوقة، مستوحاة من البيئة الشعبية والجهادية للمقاومة في ولادتها وبداياتها المثقلة بالتعب والمعاناة ، كردة فعل على الاحتلال الإسرائيلي عام 1982، لذا فهو القائل: (من لا يريد أن يكون مع المقاومة وما قامت به خلال تلك الفترة فهو إنسان خائن وغير مثقّف).

في نفس العام شارك في مسلسل (الشحرورة) في دور عادي، لكنه أثبت نفسه أكثر في (الأرملة والشيطان) عندما أدى شخصية (وسام)، ومع بداية عام 2012 شارك في مسلسل (عندما يبكي التراب) كما أستطاع أن يكمل دوره في الجزء الثاني من (الغالبون)، ومسلسل (كيندا)، وقدم أول فيلم فيعام 2013 بعنوان (24 ساعة حب) في شخصية (مانو)، و نال دور البطولة في (ولاد البلد) سنة 2014، وأيضا مسلسل شارك في مسلسل (اتهام) بدور (وليد) في نفس العام، أما في 2015 شارك فيما يقرب من 6 أعمال: (العراب وبنت الشهبندر وحارة المشرقة وحصاد الزمن وعلاقات خاصة وعين الجوزة، وفي عام 2016 (سمرا، مدرسة الحب، صرخة روح 4 (وجع الصمت)، وفي عام 2017 شارك في بطولة مسلسل (خاتون) وفيلم (مذكرات عشيقة سابقة، ومحرومين)، واستطاع الحصول على أدوارا أقوى منها (حدوتة حب وسايكو)، ونوع في تقديمه للأعمال كما نراه في مسلسلات (الحب جنون و50 ألف) عام 2018، الحب جنون الجزء الثاني ، وصانع الأحلام – 2019، لاحكم عليه، خرزة زرقا، 2020، صالون زهرة 2021،  العين بالعين 2022.

مسلسل (لا حكم عليه)
مسلسل (صالون زهرة)
مسلسل 2020
مسلسل (العين بالعين)

وقدم (طوني عيسى للسينما أفلام (شباب ضائعة عام 2019، شرعوا الحشيشة – 2019، كذبة بيضا – 2018، تلتت – 2016، 24 ساعة حب – 2013، وللمسرح قدم مسرحيات (على أرض الغجر، دونك شوت، أرض الغجر، كلنا تقلا، الأندري، وشارك في شهر نوفمبر 2015 في برنامج مميز يسمى (ديو المشاهير – الموسم الرابع) وحاز فيه على اللقب في أبريل 2016، كما أنه قد أطلق أغنيته الأولى التي كانت بعنوان (كانوا القمر)، كما قدم أيضا برنامج خاص بالمسابقات وكان يسمى (أهلية بمحلية) على قناة الجديد في عام 2016، كما شارك الفنانة العراقية (شذى حسون) في كليب أغنية شهيرة كانت تحمل اسم (مزيون) في عام 2015، وشارك الفنان جورج وسوف في كليب يسمى (أصعب فراق) في  عام 2012.

في ديو المشاهير

هذا وحصل (طوني عيسى) على جائزة تكريمية في النبطية في جنوب لبنان، عن دوره في مسلسل (الغالبون) عام 2011، جائزة أفضل ممثل دور ثاني مناصفة مع الممثل اللبناني وسام حنا، عام 2014، ولكنه انسحب من جائزة (الموريكس دور) ورفض استلام الجائزة إلى جانب وسام واعترض على النتيجة، حصل على جائزة أفضل ممثل لبناني عن دوره في مسلسل (عشق النساء) عام 2015.

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان متعدد المواهب (طوني عيسى)، الذي يعد من الممثلين الشباب الموهوبين، لم تخف الأدوار البسيطة التي بدأ بها رحلته في التمثيل، فالقدرات التمثيلية هى التي مكنته من تحقيق نجاحات مهمة في عالم الدراما اللبنانية، أدواره تحاكي المرمى، ويستطيع التسديد من مسافات بعيدة، إنها الموهبة الملحقة بالوسامة، يضع نفسه في خدمة شخصياته ويمنحها بعضا منه، يفضل التنويع، فلا يكون خيّراً طوال الوقت ولا شريرا دائما، وتليق بطوني عيسى أدوار البطولة لامتلاكه المفتاحين: الموهبة والإطلالة، يتصالح مع نفسه حين يرى النعمة بعين شاكرة، عندها يقول: (يا الله، لا أريد من الحياة سوى البساطة.. الويلات لا تمنع الامتنان.. لدي عائلة والأحوال ستتغير، أؤمن دائما بالأفضل).. متعه الله بالصحة والعافية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.