رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب : الدراما أكثر إنباءً من الإعلام والكتب

بقلم : محمود حسونة

(العمل الدرامي بألف كتاب وبألف ساعة حوار).. كلمات قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي ولم يقلها أحد من قبله، اختصر فيها خلاصة جدل طويل دار على مدى سنوات وسيمتد إلى سنوات عن الأكثر تأثيراً في الناس، الكتاب أم الإعلام أم الفن؟.

المثقفون ومعهم المدّعون الذين قرأوا القليل القليل من الكتب يعتبرون الكتاب هو القلعة المحصنة للثقافة وهو أمر لا نجادل فيه ولا نختلف عليه، ولكن بعضهم أيضاً يعتبره المصدر الوحيد للمعرفة والاستنارة والتحضر والوعي وأنه الأكثر تأثيراً على سلوكيات الناس والأكثر تغييراً لاتجاهات الرأي العام.

الإعلاميون لهم رأي آخر وهو أن الصحف والمجلات والدوريات والبرامج التليفزيونية والإذاعية هى التي تقود الرأي العام وتحرك الجماهير وتغير في قناعاتهم وتنشر الوعي بينهم.

أهل الفن والإبداع بأشكاله المختلفة يرون أن العمل الفني هو صاحب التأثير الأعلى في نشر الوعي وتصحيح المغلوط والتغيير المجتمعي.

من حق كل طرف أن ينحاز لمجال تخصصه، ويرى نفسه يعمل في المجال الذي يقود ويغيّر ويصحح ويكشف الحقائق، ولكن الرئيس عبدالفتاح السيسي لم يكن يوماً إعلامياً ولا فناناً ولكنه من المؤكد مثقف وقارئ ومطلع ورجل صاحب موقف ووجهة نظر في كل قضايا الوطن واحتياجات المواطن، بل إنه صاحب موقف واضح وصريح تجاه القضايا العالمية المختلفة، وهو الأمر الذي نلمسه جميعاً من خلال مواقفه وتصريحاته وخطاباته والسياسات التي ينتهجها داخلياً وخارجياً، وهو ليس صاحب مصلحة في أن ينحاز لمجال ضد الآخر، ولكن باعتباره رئيس جمهورية يحلم بأن يكون شعبه الأكثر وعياً والأكثر إدراكاً لما يحاك للنيل من استقرار بلاده، والأكثر قدرة على التمييز بين من يريد الخير لمصر ومن يريد لها الانهيار ولأهلها التشرد والجوع، وبعد سنوات وهو يتحمل المسؤولية الكبرى للنهوض بهذه الدولة والخروج بها من المستنقع الذي وقعت فيه إلى بر السلام وشاطئ الأمان، فقد أعلنها صريحة واضحة أن الفن أكثر تأثيراً من الإعلام والكتاب.

الاختيار 3 دراما توثيقية كاشفة لقوى الشر

لم ينطق الرئيس هذه الكلمات إلا بعد أن خاطب الإعلام مراراً مطالباً إياه أن يكون على مستوى التحديات، ولكن لم يجد الصدى المفترض، ووجد الإعلاميين محلك سر، وكأنهم لا يستوعبون ما يقوله، وطَرَق أبواب برامج تليفزيونية من خلال مداخلاته المختلفة، تحدث وطالب وأشار إلى ما ينبغي أن يكون، ولكن بعض الإعلاميين لم يستوعبوا الرسالة، واكتفوا بالتباهي والتفاخر أن رئيس الدولة أجرى مداخلات في برامجهم واختارهم دون غيرهم ليتحدث إليهم!

وبالنسبة للكتاب فكلنا نعرف أن عدد القارئين محدود وأن البعض قد لا يستوعب الرسالة المستهدفة من الكتاب وقد يفهمها بعكس ما أراد مؤلفه، ولا يمكن أبداً انكار أن الكتاب الذي وضع فيه عظماؤنا خلاصة أفكارهم سيظل مرجعاً ومؤثرا وفاعلاً أما الكتب التي تملأ الأرصفة فكثيرها لا يقرؤه سوى من كتبه وأن معظمها لا يحمل لارؤية ولا موقف ولا قيمة.

وفي المقابل فمنذ 3 سنوات وبعض المسلسلات في مصر تفعل في الناس فعلاً غير مسبوق، تجذبهم وتمتعهم وتثيرهم وبجانب ذلك تعلّم وتصحح المغالطات وترد على الشائعات وتكشف الحقائق، وتقدم للناس نماذج من أبطال قدموا حياتهم فداءً للوطن وضحوا بأرواحهم كي تظل رايته خفاقة، ويظل أبناءه يعتزون به تاريخاً وحضارة وحاضراً ومستقبلاً.

الرئيس قال هذه الكلمات أول أيام عيد الفطر، مخاطباً أبطال مسلسل (الاختيار 3) ومسلسل (العائدون) ومخاطباً من خلالهم أبطال الجزءين الأول والثاني من الاختيار وأبطال كل الأعمال التي تم تقديمها خلال الفترة الأخيرة والتي ساهمت في رفع الوعي لدى المصريين وخلّدت أسماء الشهداء وكشفت بعضاً من المؤامرات التي تحاك ضد مصر، وأضاءت على دور الأبطال والمخلصين في منع سقوط هذا الوطن، ومخاطباً أيضاً كل فنان يعتبر الفن رسالة وأداة يمكن أن نبني بها وعي المجتمع، كما يمكن أن يكون أداة هدم وتخريب للعقول وإفساد للذوق وتضليل للناس لمن يريده كذلك.

بالأمس كان الإعلام هو الذي يقود الرأي العام ويغير القناعات ويبني الوعي ويصحح الخطايا ويكشف الحقائق، أما اليوم فقد أصبح منزوع القيمة بعد أن سمح القائمون عليه أن يحولوه إلى وسيلة خاوية، تكتفي بأن يعتلي منبرها حفنة من الإعلاميين الذين لا يقدمون ولا يؤخرون، ولذا فليس مستغرباً انخفاض توزيع الصحف وانصراف الناس عن مشاهدة المحطات التليفزيونية بعد أن استباح نجومها لأنفسهم السطو على وقت الناس بمَكلمات لا تحمل فائدة ولا تتضمن جديداً، وأصبح مصدر أخبارهم مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الصحف الإلكترونية.

العائدون ترجم بطولات مهة في تاريخ مصر

ألم يسأل أحدهم نفسه، لماذا اختارت الدولة أن تكشف مستور الجماعة الإرهابية غير مسلسل (الاختيار) وتضع في نهاية حلقاته التسريبات المسجلة التي تفضح مواقفهم تجاه الدولة والشعب، وهى تسريبات مكانها الطبيعي البرامج التليفزيونية؟

السبب ببساطة أن الدراما أصبحت أكثر إنباءً من الإعلام والكتب، وأن البرامج لم يعد لها وجود في الشارع ولم يعد لها تأثير على الرأي العام، وبالتالي فإن عرض هذه الوثائق المهمة عبرها هو قتل لها وإفراغ لمحتواها المهم، نعم الرسالة وصلت عبر (الاختيار) وستظل تؤلم تجار الدين وستظل وثيقة ضد هذه الجماعة الضالة، ولو تم إرسال هذه الرسالة عبر البرامج التليفزيونية لكانت ضلت الطريق.

نعم قيمة العمل الدرامي الهادف والمتقن تفوق قيمة ألف ساعة إعلام خالي المضمون ومنزوع القيمة وليس فيه من يقنع الناس ولا ما يفيد الدولة، ونعم (الاختيار٣) تفوق قيمته ألف ساعة حوار وألف كتاب وآلاف الساعات من البرامج التي تحتل شاشاتنا اليوم.

وهذا لا ينفي عن بعض الأعمال الدرامية المبتذلة أنها لا تساوي في قيمتها سوى قيمة المخدرات والمسكرات التي تغيّب العقول وتضلل الرأي العام وتقود الناشئة إلى حافة الهاوية.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.