رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

نجوم رمضان يتنافسون على العنف والبلطجة والسرقة !

كتب : محمد حبوشة

لقد أصبحت دراما العنف و(البلطجة) ظاهرة واقعة في قلب مسلسلات رمضان وفرضت نفسها كلون جاذب للشباب، ومن ثم حقق منها كثيرون من الفنانين والكتاب والمخرجين مكانتهم وشهرتهم وثروتهم أيضا، وقد استفزت تلك الظاهرة بكل تأكيد القائمين على شؤون المجتمع، مع قناعتهم بالتأثير الكبير للدراما في تشكيل وجدان المشاهد، وتحديدا الأطفال والشباب، بما تسببه من تدمير للقيم الإيجابية ونشر ثقافة العنف وتجاوز القانون، وفي حين كان الهجوم قاسيا من علماء النفس والاجتماع ضد دراما العنف و (البلطجة) اختلف حولها النقاد والفنانون أيضاً، باعتبار الدراما مرآة للمجتمع، وإن لم ينكر كثيرون دور الدراما والفن عموماً بالتأثير في المشاهدين، ولم ينكروا مسؤولية الفنان عن اختيار صورته وأهمية رسالته.

ويبدو لي أن التأثير السلبي لدراما العنف في بنية المجتمع السلوكية والأخلاقية، لايلفت نظر صناع الدراما على مستوى المؤلف والممثل والمنتج معا بدليل انتشار تلك الظاهرة في الأونة الأخيرة، بل إن عدد من النجوم ذهبوا في غيهم نحو التحليق في عالم الجريمة والعنف والبلطجة تارة على جناح السرقة وتارة على جناح إثبات القوة واللياقة البدنية للبطل في سبيل استقطاب شرائح الشباب الذين يجدون فيهم المثل والقدوة، وعلى رأس هؤلاء الممثل (محمد رمضان) الذي دشن عصرا جديدا في هذا الفن الردئ، ورغم أنه لم يلجأ لهذا الأسلوب صراحة هذا العام في مسلسله (المشوار) إلا أنه وجد في السرقة وتجارة الآثار سبيلا جديدا، ومن المؤكد أن الأحداث القادمة ستعودبه إلى مربع العنف والبلطجة بعد مرور 15 حلقة – على الأكثر – من المرواغة التي حتما ستؤدي به إلى انتهاج البلطجة في سبيل الحصول على حقوقه المنهوبة وغير المنطقية.

عمرو سعد دأب على البلطجة في أعماله

وعلى درب المنافسة الحامية على ظاهرة العنف والبلطجة التي دشنها (محمد رمضان) جاء في دراما رمضان  2022 مسلسلات مثل (توبة، بابلو، ملف سري) في ظل مباراة قوامها الأكشن المبني على استعراض عضلات النجوم (عمرو سعد، محمد دياب، حسن الردراد، ماجد المصري، هاني سلامة، محمود حجازي)، وذلك في شبيل إثبات قدراتهم البدنية بأداء خارج السيطرة يستقطب فئة الشباب الذي يجنج نحو الخروج على القانون بأسلوب أخذ الحق بالدراع، وهذا ما يستلزم أن يعي صناع الدراما أن أعمالهم تدخل البيوت وتؤثر في الأسرة وكل الأجيال، كما أن الدراما لها تأثير كبير في البنية العقلية لغير المتعلمين في مجتمع به نسبة كبيرة من الأمية.

وللاسف فإن العنف أسلوب (معدي) وقلة الأدب (معدية)، وقد تابعنا حوادث في الأحياء الفقيرة والشعبية تحديدا التي يقل فيها الوعي، تؤكد أنها كانت بتأثير مباشر من أعمال درامية شهيرة حققت انتشارا كبيرا في الفترة الأخيرة مثل مسلسل (الأسطورة) لمحمد رمضان، فالدراما سلاح ذو حدين، إما أن تقتل وتدمر وتحبط، وإما أن تبني وترسخ القيم الأخلاقية السليمة، وعلى صناع الدراما من كتاب ومخرجين ومنتجين قبل الفنانين أن يعوا خطورة ما يقدمونه خاصة في ظروف مجتمع هش يتعرض لإعلام مدمر من الخارج، ودور الفن هنا يجب أن يكون أشبه بمضاد حيوي يقاوم تلك الفيروسات المدمرة، وعليه أن يلطف وينقي وينعش القيم الإيجابية.

توبة يبرر أعمالة على جناح الصعبانيات

لقد ركن العديد من النجوم الذين ذكرناهم في السطور السابقة  في الغالب لأداة تستخدم لتوصيل رسالة هدامة بهدف الربح القائم على الإثارة والعنف، لكن النجاح لا يعني القيمة لأن هناك أعمالا سيئة تنجح وتحقق نسب مشاهدة عالية،  والحقيقة أن هذه النوعية من الدراما تتجاوز العنف الموجود في الواقع بشكل كبير بما يؤثر سلبياً في الأطفال والكبار أيضا، وحتى لو أن هناك عنفا في الواقع، فإن على مؤلف الدراما أن يقننه ويرشده من منطلق المسؤولية الاجتماعية للمبدع، ولو أن المؤلف والمخرج والمنتج أدركوا أن ما يقدمونه سيراه أبناءهم لأدركوا خطورة الأمر ولا يكون الهمّ والهدف هو تحقيق أعلى نسبة مشاهدة، لأن الأفلام الإباحية تحقق أيضا نسب مشاهدة عالية، فهل نبررها؟!

حقيقة الأمر أن العنف في الدراما المصرية تحديدا أصبح ظاهرة في السنوات الأخيرة بعد ثورة 25 يناير 2011 وصارت نوعية دراما العنف والبلطجة تمثل جرعات زائدة، بدليل أن شهر رمضان الماضي شهد عدد من  مسلسلات ركزت فيها الدراما على الصراع بين الضابط والمجرم، وأصبحت تلك النوعية هي الوجبة المفضلة للمؤلفين الشباب، يقدمونها للنجوم من الجيل الجديد تحت تأثير الرغبة في النجاح السريع دون مراعاة للمسؤولية تجاه المجتمع، وصارت تلك النوعية أشبه بفيلم أمريكي طويل غريب عن مجتمعنا، لكنه يؤثر فيه سلبياً، وتلك نوعية مدانة لأنها لا تعبر عن الواقع وتزيد المشكلة بغياب جيل الكبار عن الدراما.

بابلو يقدم المثال الرديء في أخذ الحق

وبكل تأكيد فإن الفن له تأثيره في المجتمع، ومع الرسالة الترفيهية لا بد أن يعي الفنان مدى خطورة ما يقدمه للمجتمع، حيث يتأثر به الأطفال والشباب، ويزيد خطورة ذلك مع نجومية الفنان، وعليه أن يختار ما ينفع المجتمع ويؤثر بشكل إيجابي، لذلك أتمنى عودة أصحاب الأعمال الجادة لمواجهة موجة الفن الرديء الذي يهدم القيم والأخلاق، فالدراما والفن عموما لهما تأثير قوي في المجتمع، وخاصة الأطفال والشباب المراهقين، لذلك على صناع الفن الانتباه لكل عناصر العمل الفني حتى على مستوى الألفاظ، لأن ما نراه على الشاشات يدمر المجتمع وأخلاقياته، ولم يكن هذا موجوداً في فن أيام زمان، حيث كانت الأفلام تؤكد الرسالة الإيجابية وتنحاز للقيمة والأخلاق وتبني الوعي السليم.

وقد اعتدنا أن يكون شهر رمضان من كل عام موسما لعرض الأعمال الدرامية التى يتنافس مبدعوها فى الوصول للمستمعين والمشاهدين لاجتذاب أكبر قدر من المتابعين للمحطة أو القناة التى تقوم بعرض العمل الدرامى، لكن الجدير بالملاحظة هو أن بعض الأعمال الدرامية – وعلى مدى العشر سنوات المنصرمة – كانت تزداد هبوطا وانحدارا بمرور الوقت، سواء على مستوى المضمون  – أو على مستوى الشخصية أو اللغة المستعملة فى الحوار وطبيعة الدور الذى تؤديه الشخصية، أو على مستوى القضايا التى يتم اصطناعها والقضايا التى يتم عرضها والتى يتم إبرازها وكأنها الشغل الشاغل لنا وأهم أولوياتنا ومن أخطرها قضية (البلطجة) التى باتت ضيفا ثقيلا علينا يزورنا كل عام بالإكراه رغم تناقضها مع طيبة المصريين وتسامحهم وكراهيتهم للعنف.

حسن الرداد نموذج سيئ لاسترداد الحقوق

ولا أدرى لمصلحة من يروج للبلطجة ويسوق لها ويتم الترويج للبلطجى على أنه الشخصية الأبرز والأكثر لفتا للنظر؟، ما هى الرسالة التى يراد لها المرور إلينا عن طريق مشاهد العنف والصراخ والسب والشتم والرقص بالسنج والمطاوى وممارسة عمليات قتل لا يجيدها حتى الشياطين؟، لمصلحة من يسمم وجدان الجمهور المصرى والعربى بالحقد والحسد والضغينة والعنف؟، هل يراد هدم المجتمع باستبدال الفضيلة بالرذيلة والتسامح بالحسد والحب بالكره؟ لننظر قليلا فى بعض مسلسلات رمضان هذا العام، فسوف نلحظ أن هتالك قدر من التخويف، وبعض التنفيس، وكثير من التحريض، هذا هو الشعار الذي يرفعه صناع الدراما التليفزيونية حاليا، وذلك بهدف تبرير أهداف تلك الجرعة العالية من العنف التي نشاهدها هذه الأيام على الشاشة الصغيرة.

حتى أننا يمكننا القول بأن الدراما الرمضانية ليست سوى مرآة لوضع راهن ومحيط يزداد دموية ووحشية، بعد أن صارت دراما العنف و(البلطجة) ظاهرة واقعة، حقق منها كثيرون من الفنانين والكتاب والمخرجين مكانتهم وشهرتهم وثروتهم أيضا، وقد استفزت تلك الظاهرة بكل تأكيد القائمين على شؤون المجتمع، مع قناعتهم بالتأثير الكبير للدراما في تشكيل وجدان المشاهد، وتحديدا الأطفال والشباب، بما تسببه من تدمير للقيم الإيجابية ونشر ثقافة العنف وتجاوز القانون عبر رسائل سلبية يومية من خلال مسلسلات رمضان هذا العام.

كانت صورة البطل في الدراما العربية القديمة – قبل عقدين من الآن – تركز على ذلك الشخص الذي يدافع عن حق مهدور، أو يسعى لاستعادة حياة ناعمة نزعتها الظروف الاجتماعية منه، وكانت تلقى تلك الشخصية الإشفاق وتحظى بالتعاطف بين جمهور المتلقين قديما، واليوم نشاهد في الكثير من الأعمال الدرامية نفس البطل الذي يمارس أعمال البلطجة في الحارة بقوته الجسدية وألفاظه التي تجافي الذوق، وقدرته على الخروج على القانون، والاتجار في المخدرات، والعنف ضد المرأة، والعنف اللفظي.. صور كثيرة لنماذج في العديد من المسلسلات تجرح المشاهد وتشوه صورة المجتمع.

هاني سلامة .. القاضي الذي تورط في الجريمة

ولا يتوقف الحديث عن العنف الموجود في مسلسلا رمضان 2022، كما جاء في مسلسل (توبة، بابلو، ملف سري) الذين يزدحمون بالمشاهد العنيفة التي ليس لها أي مبرر درامي سوى استعراض القوة حيث يعيش أبطالها طوال الوقت في مشاحنات واجترار ذكريات الدم والثأر الذي دار للأسف في أسرة واحدة، أو عبر مشاهد مستمدة من قلب الشارع المشحون بالغضب – غير المبرر في غالب الأحيان – ولست أدري ما القيمة الإنسانية المضافة للمشاهد جراء قصة تحمل كل هذا القدر من العنف والغضب والضغينة بين الأشقاء وأبناء العمومة الذين يتصارعون على حفنة من العامة والدهماء الذين يسكنون الحارات الشعبية؟، بينما هم يسكنون القصور الفخيمة التي تتفوق في ثرائها على كل قصور وفيلات العاصمة في جاردن سيتي والزمالك، والمدن الجديدة ببهائها، وحتى العاصمة الإدارية والعالمين والسخنة وغيرها من قصور رواد المجتمع المخملي.

وهكذا وبكل وقاحة، تعلن شركات الإنتاج والمؤلفين والمخرجين والممثلين موت المشاعر والعلاقات الإنسانية لتحل محلها عوالم الجريمة والأجواء البوليسية ضمن أوساط اجتماعية محرومة من كل ما تشاهده من رفاهية على الشاشة وحالمة بالثروة، وتحسد ما يتمتع به السارق من ذكاء وسرعة بديهة، بجانب قدرته على رفع مستوى (الأدرينالين) لدى الجمهور؛ الأمر الذي يزيد من التعاطف مع اللصوص، وتبرير انسياقهم وراء الجريمة، كما أن النساء صرن بدورهن أشبه بفتيات جيمس بوند: جمال بملامح شريرة، غواية لا حدود لها، ومنافسة للذكور في حب المال والسطوة، فلا رقة ولا مشاعر ولا حنان ولا من يحزنون.

ماجد المصري أداء مافياوي لا يرسخ سوى للعنف

يا صناع الدرما المصرية: مصر في حاجة لإعادة تشكيل وبناء الشخصية القومية بعد كل التشويه الذي تتعرض له من خلال آليات تشكيل البطل المضاد، القائم على العنف والبلطجة والفساد، ربما يكون المجتمع المصري قد حظي بعدة جرائم مروعة وقعت في الفترة الأخيرة، ومن ثم يجب أن تشغل تلك الظاهرة علماء الاجتماع والدراسات الإنسانية، وفي الواقع كانت العديد من الأصوات قد حذرت من شيوع نموذج البلطجي معتاد الإجرام في الدراما التلفزيونية والسينمائية المصرية خلال السنوات الماضية، والتي وصلت لذروتها العام الماضي في رمضان بخمس مسلسلات على الأقل، وأثر ذلك على سيكولوجية العنف الجماعي وشيوعها في المجتمع المصري، لكننا وجدناه راسخة حاضرة بقوة في موسم رمضان 2022.

وخاصة أن هذه الأعمال تعتمد على المنطق الاجتزائي، أو سرقة مقطع محدود من الحياة الاجتماعية الواسعة وتحويله لمحور ومركز للكون في مصر، على عكس الواقع المفعم بالتدافعات وحلم معظم الطبقة الوسطى بالقيم الإنسانية العليا، ولهذا تربط العديد من الدراسات العلمية بين الفن وصورة البطل التي تظهر به، وبين تشكيل وعي وثقافة الإنسان/ المشاهد، فقديما كان الإنسان يكتسب معارفه وثقافته عن طريق الأسرة والعائلة والأصدقاء والجيران والمدرسة بالخبرة والممارسة والاحتكاك، لكن الدراما المصورة والأعمال السينمائية أصبحت من أكثر الآليات الاجتماعية المعاصرة إلحاحا وتكرارا وقدرة على تشكيل الوعي الجماعي، وربما يصف البعض العملية بغسيل المخ الجماعي وتوجيه السلوك المجتمعي.

تفجير ونسف وبلطة واضحة في ملف سري

وأخيرا وليس آخرا: لم يخلق الفن للتسلية والإثارة والمتعة فقط، وإنما لغرس القيم النبيلة وطرح الأفكار المتجددة المنعشة للرأى العام من أجل الحفاظ على الثوابت الأخلاقية المتوارثة وحمايتها من الموجات العارضة، التى تهب من حين إلى حين – بسبب العولمة – على وجدان المصريين والعرب وتؤثر سلبا على مستوى التلقى بالنسبة للفرد أو المجتمع، والدراما في نهاية المدى تعد رافد مهم من روافد الفن الذي يلعب دورا محوريًا فى التأثير على الوعى والذوق، لما للدراما من قدرة فائقة على الوصول للجماهير والسيطرة على وجدانهم وعقولهم بما تحويه من فكرة متميزة وشخصيات وحوار وديكور وطبيعة سلوك وتصرفات وشكل أداء وملابس… إلخ، ويبقى الهدف المفترض من أى عمل درامى هو توعية الجماهير بالسلبيات والإيجابيات وترغيبهم فى عمل الخير ونبذ العنف وابتعاث ما فى داخلهم من طاقات إبداعية خلاقة ومنتجة تدفع تجاه التغيير والتطور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.