رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ثورة الفضائيات لطرد المستأجرين في قانون الإيجارات القديمة !

كتب : محمد حبوشة

يعد قانون الإيجارات القديم في المساكن من القوانين الشائكة التي أثارت جدلا في الشارع المصري خلال الفترة الأخيرة بما أحدثه من ثورة وضجيج مدو على الفضائيات، ويتجه مجلس النواب حاليا إلى مناقشة مشروع قانون بهذا الخصوص، لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، بحسب القانون رقم 136 لسنة 1981، لإحياء الثروة العقارية المهدرة، وجاء مقترح التعديل لـ 6 مواد فقط في قانون 136 لسنة 81، تسمح بإضافة حالات لإخلاء الوحدة المؤجرة حال غلقها لمدة 3 سنوات لغير غرض السفر، أو مرور المدة نفسها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المستأجر أو زوجته أو أولاده القصر، أو استفادته من الحصول على مسكن من برامج الإسكان التي تقدمها الدولة.

وعلى أثر حديث الرئيس السيسي في أغسطس 2021، جاء مقترح التعديل لتحرير العقد الأصلي بعد مرور 50 عاما على بدء العلاقة الإيجارية الأصلية للعين المؤجرة، بما يعنى تقييد حق امتداد العلاقة الإيجارية بهذه المدة، مع تحديد حد أدنى للأجرة 200 جنيه للوحدات السكنية، و300 جنيه للوحدات الإدارية، أو 50% من قيمة الأجرة القانونية المتخذة أساسا لحساب الضريبة العقارية لوحدة المثل، ما يعنى أن ترتفع الأجرة مع تحسن مستوى معيشة الساكن أو حال الوحدة ذاتها، فضلا عن زيادة تدريجية للأجرة بنسبة 10% سنويا، ويشمل تعديل قانون الإيجار القديم على إنشاء صندوق لدعم المُستأجر غير القادر، تكون حصيلته من حصيلة الضريبة العقارية التي تترتب عن الوحدات المخلاة وفقا للقانون ولمدة 5 سنوات، وهو المقترح نفسه في تعديلات وزارة الإسكان التي كانت منذ سنوات طويلة.

قالها الرئيس واضحة جلية حالكوا تتكعبلوا في الشقق

لكن كرة الثلج كبرت كثيرا خلال الأسابيع القليلة الماضية بفعل بعض الإعلاميين الذين كانوا ومازلوا ينفخون في النار لإشعال الفتنة بين شعبي المستأجرين والملاك، وارتفع سقف الطموح لدى الملاك بالفعل في طرد كل المستأجرين بدعوى أنهم استفادوا بما فيه الكفاية خلال العقود الماضية، وفهموا فهما خاطئا فحوى حديث الرئيس في أغسطس 2021، رغم اقتراح الرئيس السيسي عندما تحدث عن أهمية تكثيف المعروض من الوحدات السكنية لحل أزمة الإيجار القديم، حيث قال في حفل إفطار الأسرة المصرية في أغسطس من العام الماضي: (كيف توجد شقق في وسط البلد إيجارها 20 جنيها وقيمتها ملايين، من حق المواطن يقعد فيها، لكن من حق صاحبها أيضًا الاستمتاع بقيمتها) ووجه الرئيس السيسي حديثه للمواطنين قائلا : (هخلي الناس تمشي تتكعبل في الشقق).

ومع أن الرئيس السيسي فى حديثه عن قانون الإيجارات القديمة حل ألغازا كثيرة سعى البعض إلى محاولة فرضها بالأمر الواقع، فلم يقصد أو يوجه بتغير القانون، حتى أنه قال بالحرف الواحد (ليس لدى توجه معين)، وإنما أراد توجيه رسالة طمأنينة لكل من المالك والمستأجر من خلال حلول عملية يسعى هو بنفسه لتحقيقها على أرض الواقع من قبيل (هيحل حجم المعروض من الشقق المشكلة من جذورها)، مشيرا إلى أن قيمة الإيجار رخيصة كما أن القانون الجديد يفرض إيجارات غالية فوق طاقة البسطاء من أبناء هذا الوطن، لذا لجأ إلى حلول جذرية تتحملها الدولة عندما قال بالحرف الواحد (هخلى الناس تمشى تتكعبل بالشقق).

ماذا يفعل القانون مع بسطاء هذا الوطن

وإذا تأملنا كلام الرئيس جيدا – والذي تجاهله إعلاميوا الغبرة من أصحاب المصالح – سنجد أن راعى المصلحة لكلا الطرفين (المالك والمستأجر) ووأد نار الفتنة الذى كانت على وشك الاشتعال والتي يسعى إليها البعض بفعل تسخين ممثلى الملاك المستفيدين فى غرفة مجلس النواب قبل أيام، لقد أوقف الرجل الجدل الدائر القائم خلال السنوات الخمس الماضية دون أن يلمح لأى من كان أنه أصدر تعليمات بإلغاء القانون لأية جهة تشريعية أو دستورية فى مصر، على عكس ما يصوره البعض فى فيديوهات وتعليقات وصفحات على السوشيال ميديا فى شكل تفسيرات غريبة وعجيبة تبعد عن الواقع، خاصة القانون القديم محمى بحكم دستورى لا يمكن إلغائه، وأيضا (ولولة) بعض المستأجرين والتلويح بأن إلغاء القانون سوف يطرد أكثر من 30 مليون فى الشارع أمر آخر مرفوض.

لم يعي إعلاميوا إشعال النار أن الرئيس لايمكن أن يخالف الدستور الحالى الصادر عام 2014، والذي أكد على ولاية المحكمة الدستورية العليا، بنظر المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها وقراراتها، والتى تحوز حجية مطلقة بالنسبة للكافة ولجميع سلطات الدولة، إذ نص الدستور في المادة (192) منه على أن (تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية والفصل فى  المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها والقرارات الصادرة منها، كما نصت المادة (195) من الدستور، فى فقرتها الأولى على أن (تنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم).

ومعروف أن المحكمة الدستورية العليا، تستمد ولايتها فى مباشرة هذا الاختصاص من الدستور والقانون معا، لا تشاركها فى مباشرته جهة قضائية أخرى، باعتبار أن الدستور الحالى، حرص على تحديد الولاية القضائية لكل جهة فى صلب أحكامه، منعاً من تدخل المشرع العادى فى هذا التحديد، أو افتئات جهة قضائية على الأخرى، فى مباشرة ولايتها القضائية، التى حددها المشرع الدستورى، باعتبار أن الاختصاص المقرر دستوريا لأية جهة من جهات القضاء، ليس محض حق لهذه الجهة أو تلك، وإنما هو ولاية خولها إيّاها الدستور، والتى قدر من خلال أحكامه، أنها الأجدر بنظر المنازعات التى عينها).

ولا مراء أيها الغافلون فيما تقدم، ذلك أن هذه المحكمة – فى حدود ولايتها – لها قول الفصل فى التفسير النهائى لأحكام الدستور، وأحكامها فى ذلك نهائية لا يراجعها أحد فيها، فإذا عطل تنفيذ أحكامها عائق من عوائق التنفيذ – وحجية أحكامها متعدية إلى الناس كافة، وإلى السلطة بكل تنظيماتها – دل ذلك على إفراغ ولايتها – فى مجال الرقابة الدستورية – من مضمونها، باعتبار أن هذه المحكمة تمسك بيدها – وحدها – زمام الرقابة الدستورية، كى تصوغ بنفسها – وعلى ما جرى به قضاؤها – معاييرها ومناهجها، وتوازن من خلالها، بين المصالح المثارة على اختلافها، وتتولى – دون غيرها – بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها، ويحول دون تفرق وجهات النظر من حولها، وتباين مناحى الاجتهاد فيها.

عمارات وسط البلد هدف مافيا العقارات

وترتيبا على ذلك لابد أن تتسم الرؤية الوطنية المصرية فى مخاطبة تلك الأزمة بالمعالجة الجيدة والذكية، خاصة في طريقة التناول الإعلامي، أملا فى التخلص من تلك الفجوة بين المواطن الذى يفتقر إلى امتلاك مسكن ولو بسيط وبين المواطن الذى يمتلك مسكنا فاخرا أو حتى أكثر من مسكن، وتعزيز فكرة تملك المسكن وتحقيق الأمان لكل أسرة مصرية، فأولا: بدأت الدولة المصرية بالتخلص من العشوائيات والمجتمعات غير الصحية والتى لا يصح وجودها فى وجود مدن ذكية متطورة جديدة، وأقامت مجتمعات عمرانية جديدة، تملك المواطنين وحدات سكنية نالت إعجابهم ورضاهم عن تلك التى كانت تفتقر حتى إلى الأكسجين وإلى أبسط أنواع الحياة الآدمية، وبالفعل نجحت فى إنقاذ شريحة كبيرة من المجتمع كادت تندثر تحت أنقاض عشوائيات تنهش فى جسد الوطن وتكون بؤر الفساد والتطرف الفكرى وتقع تحت طائلة مثلث الفقر والجهل والمرض.

وثانيا: الاقتراب من ملف الإيجارات وخاصة الإيجار القديم، ذلك القانون الذى ولد فى خمسينيات القرن الماضى ولم يضع له من صممه آليات تطوير خاصة فى ظل التضخم السكانى والمالي، فأصبح مثل قطعة الثوب البالية التى من المفترض أن يرتديها أحد!، ذلك القانون الذى يظلم المالك والمستأجر، ملف شائك لا يمكن الاقتراب منه بمشروع قانون مقدم من مجلس النواب أو الحكومة والحل – بالفعل – صعب للغاية، ولكن يأتى هنا ذكاء الرؤية الوطنية، فبدلا من الصدام وتغيير الواقع بالورق، بدأت الدولة المصرية تغيير الواقع على الأرض، وطرح وحدات سكنية بتسهيلات كبيرة وتوقيع مذكرات تعاون مع شركات الإسكان، ولا سيما عن مبادرة البنك المركزى عن التمويل العقارى أو مبادرة الـ 3 % .

ولا تقتصر تلك المبادرة على فكرة التمويل العقارى فقط بل شروطها تتماشى مع رؤية الدولة فى التقنين وإنهاء الفوضى العقارية باختيار الوحدات السكنية المسجلة فى الشهر العقاري، فمثل تلك المبادرات تشجع بائعى الوحدات لتسجيل وحداتهم وإدخال مرافق جيدة، ومن ثم أقول لكل الأطراف المتنازعة على قانون الإيجارات القديم اهدأو قليلا، فإن الصدام مع القانون لم يكن ليحل ذلك الملف الشائك، وأيضا لطالما عانى المواطن من قانون الإيجار الجديد، لذا فإن تطرق الرئيس لتلك الأزمة خلق مسارات من أجل تحقيق العداله المجتمعيه، من خلال فكرته العبقريه عن توفير وحدات لحل هذه الأزمه وليس طرد المستاجرين حسب تلميحات الملاك الذين تجددت أحلامهم تعديل هذا القانون فى سبيل الحصول على ميراثهم الثمين.

ربما لا يكون الإيجار مناسبا .. ولكن الملاك استفادوا كثيرا على مدي أكثر من 50 سنة

الحقيقة أن أزمة قانون الإيجارات القديم هى أزمة قديمة وباقية حتى الآن ولم يتم حلها بلاشك طال، رغم أن هناك حقوقا خاصة بالملاك يكفلها الدستور وينظمها الشرع وكافة الأعراف والمفاهيم الإنسانية، لكن فى نفس الوقت لابد أن نكون متدبرين لأصحاب القدرات المالية المحدودة من قاطنى تلك الوحدات، ويبقى حل تلك المشكلة من الصعوبة بمكان، أقصد حال جذرى بطريقة متدرجة وليس دفعة واحدة كما يروج لذلك أصحاب المصالح من مافيا العقارات في الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية، وقد جاءت فكرة الرئيس السيسى بهذا الحل السحرى ليرضى كافة الأطراف من خلال طرحه الأخير بأحقية المواطن بسكن ملائم وآمن، وهو ما ينم عن إلمامه الكامل بكافة أطراف القضية وإدراكه للمخاطر، وكيف يمكن أن تحدث مثل تلك المشكلات فتنة مجتمعية داخل مصر التى يسعى إلى جعلها شامخة بين كافة الأمم.

جاءت أفكار الرئيس لحل قضية من أبرز قضايانا المصرى وسط حديث حكومى على أعلى مستوى بضرورة تعديل قانون الإيجارات القديمة فى مصر، لكن بدأت مؤخرا نغمة الحديث عن تعديل القانون فى الارتفاع، مع نية برلمانية لمناقشة مقترحات حالية بتعديل القانون من أجل السماح برفع قيمة الإيجار، والذى سيؤثر على الملايين من شاغلى الوحدات السكنية، كما أن النية تبدو واضحة داخل مجلس النواب من أجل مناقشة تعديلات قانون الإيجارات القديم خلال الأيام القادمة، وذلك رغم أن التعديلات تخضع لحوار مجتمعى موسع مع المستأجرين وأصحاب العقارات، ففى الوقت الذى لم يعد فيه من المنطقى أن يستمر إيجار بعض الوحدات السكنية فى أرقى الأحياء بالعاصمة المصرية عند 10 جنيهات، لا ينبغى المساس بحقوق المستأجر الضعيف فى ظل ظروف اقتصادية ضاغطة، يضاف لها عبئ آخر من خلال مافيا العقارات الذين يطمحون للكسب على جثث البسطاء من أبناء هذا الوطن.

لميس الحديدي تنفخ في النار لإشعال الفتنة

يا نواب المجلس الموقر، ويا أصحاب الضمائر الخربة من الإعلاميين المأجورين، الرئيس لم يشر من قريب أو بعيد ولم يعطى ضوا أخضر ولا أحمر ولا برتقالي، هو قدم مقترحات عملية لحل أزمة قديمة كانت على وشك الانفجار فى وجه (المالك والمستأجر) كل على حد سواء، ومن ثم ينبغى علينا أن نسمع أكثر مما نتحدث وألفت نظركم إلى حكمة (زينون) الفيلسوف الصينى العظيم عندما قال: (لكل منا أذنان ولسان واحد فيجب أن نسمع أكثر مما نتكلم)، كما يجب أن نشكر الرئيس على حسن تعامله بأفكار عملية تراعى مصالح المواطن لا أن ترهبه بتصريحات تنزع فتيل الأزمة التى تمثل بركان يغلى منذ سنوات طويلة، حتى جاء الرجل وقدم حلا سحريا لأزمة مستحكمة، وليس له هدف سوى أن ينعم المواطن المصرى بسكن ملائم وحياة كريمة يسعى إلى أن للوصول لحد الأمان في كل مناطق مصر فى الريف والحضر على حد سواء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.