رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب : كلام الحكومة … و أفعالها !

عصام السيد يكتب : كلام الحكومة ... و أفعالها !
الرئيس يحرص على تشجيع القوى الناعمة

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

غريب أمر حكومتنا ، تتحدث فى أمر بكل اهتمام و صدق و تفعل عكسه بكل جرأة و اندفاع ، و تتصرف و كأنها تسير إلى الأمام و فى حين أنها تتجه إلى الخلف ، وكأنها فقدت البوصلة ،  بل إنها تخالف التوجهات الرئاسية و تعمل ضدها ، برغم إيمان رئيس الحكومة بكل هذه التوجهات و عمله على تنفيذها فى مجالات كثيرة ، إلا فى مجال الثقافة و الفنون ، فالتوجهات الرئاسية فى وادٍ و الحكومة فى وادٍ آخر ، و لست وحدى صاحب هذا الرأى ، بل إن بعضا من كبار الكتاب علقوا فى مقالات صحفية و برامج تليفزيونية على هذا الأمر ، و نبهوا الحكومة إلى أنها تهتم بتنفيذ تعليمات الرئيس فيما يخص تشييد الحجر و لا تهتم بتنفيذ تعليماته فيما يخص البشر . و دعونا نتكلم فى بعض التفاصيل :

رأينا اهتمام السيد الرئيس باستعادة دور مصر على كافة المستويات و من بينها ريادة مصر فى المجالين الفنى و الثقافى ، و الإصرار على أن تعود مصر إلى مكانها و مكانتها ، كأكبر القوى الناعمة فى المنطقة العربية . ظهر هذا الاهتمام جليا فى عدة خطابات و أحاديث للرئيس لو حصرناها لما اتسع لنا المجال ، و لملأنا صفحات طوال ، و لم يتوقف الأمر على الحديث فقط بل تمت ترجمته فى تصرفات السيد الرئيس أيضا من خلال حضوره عدة مسرحيات و اهتمامه بالإشادة بمبدعيها ، هذا عدا الاحتفاليات الفنية التى حضرها فى مناسبات عدة ، كأعياد الشرطة و موكب المومياوات و افتتاح طريق الكباش و غيرها – فكم من رؤساء جمهوريتنا اهتم بحضور المسرح ، و كم منهم شاهد هذا الكم من المسرحيات ؟

انظروا إلى اهتمام الرئيس بزيارة مدينة الفنون التى تُنشأ حاليا داخل العاصمة الادارية الجديدة ، و الاطمئنان على سير العمل بها ، بل انظروا إلى مداخلته التليفزيونية  ليحث الكاتب الكبير عبد الرحيم كمال على تقديم أعمال لها أهداف قومية و إنسانية و يقول له نحن معك فيما تريد تقديمه ، و بالطبع كانت المداخلة تحمل رسالة إلى كل كتابنا و مبدعينا ، و أعتقد أنها وصلتهم ، فكم من رؤساء الجمهورية تصرف بهذه الطريقة ؟

عصام السيد يكتب : كلام الحكومة ... و أفعالها !
في احتفالية المومياوات الملكية

تلك هى طريقة الرئيس ، أعمال تتسق مع خطاباته و اهتمام يعكس توجهاته و يخدم أهداف الجمهورية الجديدة التى يسعى إلى إرساء دعائمها ، أما حكومتنا التى تتعاون عدة وزارات و أجهزة تنفيذية و بحثية فيها فى مناقشة جوانب القوة الناعمة المصرية و كيفية تعظيم تأثيرها و استغلال مواطن القوة فيها ،  فإنها فى نفس الوقت تطبق على الفنون قرار وزير المالية بمنع التعاقدات من خارج الجهاز الحكومى ، فإذا علمنا أن معظم فنوننا تقوم على التعاقد مع فنانين و مؤديين علمنا حجم المعوقات التى توشك أن توقف الإنتاج الفنى الحكومى ، و إذا أفلتت جهة من ذلك الحظر لأن تعاقداتها سابقة على القرار أصابها قرار آخر فى مقتل يقضى بتخفيض المصروفات ، فذلك القرار يمنع إقامة المهرجانات الفنية و المؤتمرات الثقافية ، و المطبوعات غير الدورية ، و أيضا الدعاية لكل الأنشطة الفنية و الثقافية و أنشطة أخرى كثيرة .

أفهم أن تقوم حكومتنا بالإبطاء فى بعض المشروعات ، أو تأجيل بعض الأبنية أو الطرق ، و لكنها لا تستطيع بحال من الأحوال أن تبطئ فيما يخص الغذاء ، فلماذا لا تهتم بغذاء العقل و الروح كما تهتم بغذاء المعدة ؟!، ألا تعلم أن الملايين التى ستخصصها للأعمال الثقافية و الفنية ستكفيها مليارات لمكافحة الإرهاب ؟ .

عصام السيد يكتب : كلام الحكومة ... و أفعالها !
وزارة الثقافة تئن بأوعجاعها

ثم ألا ترى حكومتنا أنها حين تنتج أعمالا فنيه و لا تروج لها فإنها  تهدر أموالا تم صرفها على ثقافة لا تصل إلى أحد ؟ ، ألم تفكر حكومتنا بدلا من إهدار المال العام أن تدعو موظفيها – و لو مجانا – لمشاهدة تلك الأعمال بدلا من معاناة الفنانين من المقاعد الخالية ؟ ألا تعلم حكومتنا أن الدعاية فى أهمية العمل نفسه ؟ ، ثم ألا تعلم أنها تملك وسائل دعاية مجانية لن تكلفها شيئا ؟ فلماذا لم تقدم إعلانا واحدا خلال قنوات الشركة المتحدة الكثيرة لنشاط وزارة الثقافة ؟ ، أليس من الأجدى إلى جانب برامج اكتشاف المواهب أن ترعى المواهب الموجودة بالفعل ؟ و تضع خلال البرامج كثيفة المشاهدة تنويها عن أعمال موهوبين قاربوا على الاكتئاب بسبب قلة الدعاية ؟ .

و لعل أحد الأمثلة الصارخة لتصرفات الحكومة – التى هى عكس كل ما يقال عن اهتمامها بدعم الثقافة و الفنون حفاظا على قوة مصر الناعمة – ما يحدث مع صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة و التى تشبه حواديت جحا ، فهذا الصندوق الذى أنشأه الوزير السابق فاروق حسنى و جعله ذو طبيعة خاصة ، بحيث يتحرر من كثير من التعقيدات البيروقراطية و اللوائح و القوانين العتيقة ، ليصبح شريكا أساسيا فى نشاط الوزارة فى كثير من مشروعات البنية الأساسية كإنشاء المكتبات و فى تمويل المهرجانات الفنية و المؤتمرات و الندوات الفكرية و تحويل الاماكن الأثرية إلى مراكز إبداع و تقديم الدعم للجهات الأهلية ذات الأنشطة الثقافية . و فى سنوات قليلة حقق الصندوق نجاحا كبيرا بما يملك من أموال و قدرة على التنفيذ و حرية فى الحركة ، فأقام سومبوزيوم أسوان الدولى للنحت و ملتقى الأقصر للتصوير و المهرجان القومى للسينما و آخر للمسرح و مسابقة المواهب الذهبية لذوى القدرات الخاصة ، ويعمل حاليا على أحد المشروعات الهامة و هو مشروع (صنايعية مصر) الذى يهدف للحفاظ على الحرف التراثية عن طريق تعليمها و تسويق منتجات خريجيها ، إلى جانب مشروع توثيق و تنمية المأثورات الشعبية التى تساهم دولة الكويت فى تمويله.

و لكن الصندوق يواجه المشاكل منذ عام 2011 ، فقد كان تمويل الصندوق يعتمد منذ إنشائه على 10 % من حصيلة إيرادات الأماكن الأثرية و المتاحف ، و مع فصل الآثار عن وزارة الثقافة و إنشاء وزارة لها انقطع دعم الصندوق . و برغم أن بعض وزراء الثقافة فى فترة ما بعد ثورة يناير أعلنوا أن الميزانيات لا تكفى ، و أن توقف تمويل صندوق التنمية أضاف أعباء على ميزانية الوزارة  إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تستجب و لم تورد وزارة الآثار منذ انفصالها النسبة المقررة ، برغم قرارات متعددة بعودتها ، و لم توفر الحكومة للصندوق تمويلا بديلا . و على طريقة جحا تطالب حكومتنا ذلك الصندوق بتسديد دين يقارب 140 مليون جنيه !!! ، بل لكى يزداد العبث يتم تحميل الصندوق بمشروعات ليس لها تمويل !!!.

عصام السيد يكتب : كلام الحكومة ... و أفعالها !
مدينة الفنون

و الآن يبحث الصندوق عن وسائل تمويل لأنشطته ، ليعود الى ممارسة دوره فى إثراء الحركة الثقافية و نشر و تبادل الثقافات و توثيق الروابط بين مصر و الدول العربية و الأجنبية و المساهمة فى تنشيط الحركة السياحية و الثقافية (كما تقول الحكومة نفسها ) ، فهل ستسعى إلى تحقيق ما تقول أم أنه مجرد كلام ؟ أم أن حكومتنا تسعى إلى خلق كيانات بديلة و قتل كيانات قائمة بالفعل ، و سترتكب نفس الخطأ الذى قامت به فى الإعلام عندما أنشأت الشركة المتحدة و تركت اتحاد الإذاعة و التليفزيون يعانى من المشاكل و الأمراض حتى صار أقرب إلى الوفاة ، فنجد بعد قليل اهتمام مطلق بمدينة الفنون الجديدة و إهمال تام لوزارة الثقافة ؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.