كتب : أحمد السماحي
من الأصوات السورية القوية العذبة، التى أطلق عليه أكثر من لقب منها صوت الجبل الأشم، ومطرب الرجولة (فهد بلان)، الذي استطاع بصوته الجبلي وأدائه الفني نقل تراث وبيئة بلاده إلى العالم العربي بأكمله ليجعل الأغنية السورية مألوفة ومنتشرة بشكل واسع وغير متوقع، وقد برز اسمه في زمن عمالقة الطرب العربي، وعندما حضر إلى مصر رمى (حجر) في البحيرة الراكدة فأشعل الساحة الغنائية المصرية بلونه الغنائي الجديد المختلف وطريقة غنائه على المسرح التى ألهبت خيال الفتيات والنساء، خاصة أنه كان يمتلك صوت رجولي عريض (باريتون) والقرار عنده مثل الجواب فكان يؤدي كل المقامات بسهولة ويسر.
غنى (فهد بلان) لكثير من الملحنيين المصريين مثل (بليغ حمدي، سيد مكاوي، خالد الأمير، محمد الموجي)، وكان يحلم بالغناء من ألحان الموسيقار (فريد الأطرش)، وفي عام 1971 مر بأزمة عاطفية شديدة، ونشرت الصحف والمجلات الفنية تفاصيل هذه الأزمة، وأثناء ذلك قابل (فريد الأطرش) في لبنان وطلب منه أن يلحن له، واستجاب الموسيقار الكبير لطلب مطرب الرجولة خاصة أنه من المعجبين بلونه الغنائي، وطريقة أدائه، وتواعدا على اللقاء.
وفي اليوم التالي ذهب (فهد بلان) وهو يحمل معه كلمات عدة أغنيات، لكن كانت كلها كلمات مليئة بالدموع والهجر واللوعة والضعف والهوان، وعرضها على (الأطرش) الذي قرأها جميعا ووجد أنها جيدة جدا، لكنها لا تصلح لمطرب الرجولة، وقال له كما جاء في مجلة (الموعد) عام 1971: نفسيتك يا (فهد) انعكست عليك أنت الآن تعيس في الحب وتريد أن تعبر عن تعاستك بمثل هذه الأغنيات ولذلك انتقيت كل الأغاني التى تتحدث عن اللوعة والأسى والهجر والتى تحمل الكآبة والشكوى والدموع والحنين، إن كل الأغاني التى قرأناها حتى الآن هى أغاني اللوعة!.
فرد عليه (فهد) ولكنها أغاني عاطفية كتبها شعراء كبار!.
فقال له (فريد الأطرش): صحيح ولكنها ليست لك، فأنت بنيت شهرتك على أساس أنك مطرب الرجولة، هل نسيت أنك الذي قلت في إحدى أغنياتك (عليم الله، ما قلت الآه، ولا مرة)؟، هل نسيت أنك انطلقت أيضا من أغنية (أنا صياد داير بالبراري)؟، هل نسيت محاورة (آه يا قلبي) أنك في تلك المحاولات أو الأغنيات التى بنيت من خلالها شهرتك؟، لم تستعطف ولم تبك ولا كانت الشكوى طريقك إلى الغناء.!
فصمت (فهد) وسأله بحزن يناسب حالته العاطفية: يعني مش هتلح لي؟! فرد عليه (الأطرش) : سألحن لك ولكن ضمن إطار شخصيتك، وضمن إطار لقب مطرب الرجولة الذي كسبته بأغانيك، ورغم أنك تعيش حالة نفسية معينة فهذه الحالة يجب أن تكون ضمنك أنت، جواك، ولا يدفع جمهورك ثمنها، إن حياتك الخاصة لا يجب أن تطفو على فنك، وعلى أغانيك، ويجب أن تبقى كما عهدك الناس لا تتغير أبدا وإلا فقدت شخصيتك.
وهز (فهد بلان) رأسه موافقا، وقال له (فريد): أنني أرفض أن أرى (فهد بلان) يبكي أو يتذلل لأنثى! وأنا سأدفعك في أغنيتك الجديدة، وسأمنعك من البكاء، وسأبحث لك بنفسي عن كلمات مبهجة مليئة بالحب والرجولة تلهب خيال النساء والفتيات.
وبعد أسبوع اتصل (فريد الأطرش) بمطرب الرجولة وقال له: وجدت لك الكلمات المناسبة، تعال اسمع وقولي رأيك!، وبالفعل حضر المطرب السوري وسمع كلمات أغنية (مقدرش على كده ومقام السيدة) التى كتبها بتميز شديد كعادته الشاعر العبقري (صلاح جاهين)، وطار (فهد) فرحا بالأغنية، وفي نفس الجلسة بدأ (فريد) يلحن الموال الذي في بداية الأغنية، وبعدها بأيام قليلة انتهى من تلحينها وكانت أغنية (مقدرش على كده) أول لقاء بين العمالقة الثلاثة (صلاح جاهين، وفريد الأطرش، وفهد بلان)، وحققت الأغنية نجاحا ساحقا، وطبعتها شركة (صوت لبنان) على اسطوانات أكثر من طبعة، وبعدها لحن (الأطرش) للمطرب السوري أغنية (وشوي يا شوي يا بنية).
وتقول كلمات مقدرش على كده:
ضيعت قلبي، ومالي قلب تاني سواه
أوهب حياتي ونور عيني لمين إلّاه
م الشرق للغرب، دورت أسأل على قلبي
أتاري بنت العرب، طول عمرها مالكاه
ما أقدرش على كده، ومقام السيدة
يا بنات بلدي يا نوارة، يا كايدين العدا
أنا، أنا، أنا، ما أقدرش على كده
ما أقدرش على الدلال، والرقة والجمال
خليتوا حالي حال، محتار بين ده و ده
وأنا يا ولاد الحلال، أنا يا ولاد الحلال
ما أقدرش على كده، ومقام السيدة
يا غزلان الفلا، يا زايدين في الحلا
أشهد على الملا، إني لكم فدا
وخلاصة المسألة، ما أقدرش على كده
وأنا يا ولاد الحلال، أنا يا ولاد الحلال
ما أقدرش على كده، ومقام السيدة
