رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب : (المرفهاتي) .. والأزمة المفتعلة

بقلم : محمود حسونة

العلاقة بين مصر والسعودية لا يمكن أن يهزها، لا شعبياً ولا رسمياً، حالة من الغضب الطارئ على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمكن أن تنال منها شطحات مغردين أو ناشطين يبحثون لأنفسهم عن مكان على خريطة التأثير الاجتماعي، فيصيبون أحياناً ويجنحون غالباً من دون وعي بعواقب كلماتهم التي تؤذي مشاعر ولا تنال من علاقات شعوب ودول راسخة، شكّلها التاريخ واللغة والدين والتقارب الاجتماعي والترابط الإنساني عبر قرون وعقود.

ولكن ثقتنا في أن جبل العلاقة المصرية السعودية المتميزة لا يهزه ريح عابر، لا يعني تجاهل الأزمة الحالية، بل أن الحرص على عدم تكرار ذلك يفرض علينا التوقف عند هذه العاصفة المفتعلة وتحليلها لعلنا نحرص على عدم تكرارها مرة ثانية؛ ولعل أهلنا في السعودية يدركون أننا كمصريين وغيرنا من الأشقاء العرب سعدنا كثيراً بحالة التغيير التي تشهدها المملكة، ونتابع بفرح حالة النشاط الفني، وكنا أكثر سعادة بتنظيم أول مهرجان سينمائي هناك والذي حمل اسم مهرجان البحر الأحمر السينمائي والذي وضع المملكة على خريطة السينما العالمية، كما تابعنا باهتمام موسم الرياض بحفلاته ومسرحياته وصخبه وما أفرزه من غضب عبر عنه قطاع من أهل المملكة عبر مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة بعض التجاوزات الاجتماعية والأخلاقية التي صاحبت الحفلات، واستوعبنا أن كل تغيير لا بد أن يفرز بعض التجاوزات في بدايته حتى يستوعب الناس الجديد الوافد إليهم والذي لم يعتادوه عبر تاريخهم.

تركي آل شيخ

سعادتنا بالتغيير الذي يحدث في السعودية، يعود إلى إدراكنا أنه تغيير مستحق يتوافق وطبيعة الزمن الذي نعيش فيه، وأن ذلك في صالحنا جميعاً. فحالة النشاط الفني قد تنجح في محاصرة بذور التطرف الديني والعنف الاجتماعي التي كانت ولازالت تخرج من المجتمعات المنغلقة وتنتشر في الأرض العربية لتنبت إرهاباً عانينا منه طويلاً ونتمنى ألا يعاني منه أولادنا وأحفادنا في المستقبل، وندرك أن من أهم أدوات محاصرته الفن الهادف والحقيقي، بينما المبتذل فقد يفرز تطرفاً أكثر شراسة من التطرف الذي عانيناه خلال العقود الماضية.

وطالما أن كل الأمور سارت على مدار أشهر بشكل طبيعي، والمملكة تبذل جهودها ليكون لها مكان على خريطة الابداع بعد أن كانت تحرمه وتمنعه وتحاربه.. فما المشكلة؟!

المشكلة بدأت من الحفل الذي أطلقوا عليه (جوي أوورد، أو جائزة الفرح) والتي تمنيناها جائزة لنشر الفرح في الربوع العربية وتكريم من يستحقون، ولكن بعض المراقبين وجدوها غير ذلك، فرغم أنني شخصياً كتبت في هذا المكان من قبل مشيداً بمسلسلي (رشاش، واختطاف) السعوديين وبأداء أبطالهما وبالتطور الذي تشهده الدراما في المملكة، إلا أنني كنت أفضل تخصيص جوائز للممثل المفضل والممثلة المفضلة والمسلسل المفضل في السعودية وحدها، وأن تكون هناك جوائز لنفس الشرائح عربياً حتى لا تكون هناك أي شبهة، خصوصاً أننا جميعاً نعلم أن جوائز التصويت الاليكتروني غير المعلن عنه مسبقاً لا تكون حقيقية، حيث غالباً ما يجلس صاحب القرار ويقررها بنفسه ولا دخل للجمهور فيها، وللأسف أن جميع فنانينا يعلمون ذلك ولكن بعضهم أصبح يجري وراء أي دعوة وأي تكريم كما لو كان يعاني حرماناً ويسعى لتعويضه.

جائزة (Joy Awards)

بعيداً عن الشبهات التي صاحبت العديد من الجوائز والخلط بين تكريم المبدعين وتكريم الموظفين في الهيئة المعنية بالترفيه وتكريم المطبلاتية وحاملي الصاجات لصاحب القرار، فقد كانت الطامة الكبرى في جائزة أفضل لاعب كرة قدم، والتي تجاوزت كل منطق وكل معقول، وجاءت عبثية لا يقبل بها سوى حاملي الصاجات، بل جاءت مهينة لكل لاعب كرة ومشجع حول العالم، إذ كيف يتم الزج باسم محمد صلاح وهو أفضل لاعب في العالم والمصنف الثالث عالمياً في مسابقة عربية لينالها لاعب سعودي؟!

خطيئة كبرى كشفت أن الجائزة بجميع فروعها لا تعبر عن أي قيمة وأنها ليست سوى محاولة للركوب على أكتاف أصحاب المواهب الحقيقية، وكأن القائمين عليها لا يعون أن كل من الفنان واللاعب لا يستمد قيمته من جائزة من هنا أو هناك ولا من هدية يتقاضاها أو مال يحصل عليه أو عرض يقدمه، فالفنان واللاعب حالة تراكمية كما البرج العالي الذي يتم بناءه طوبة طوبة، ليرتفع خطوة خطوة، ويسكن القلوب من إنجاز إلى إنجاز.

تجاوز الناس أمر الحفل الغريب والجائزة المريبة، باستثناء بعض الغضب من هذه البوسي شلبي وهذا الحسن الرداد، وتصريحاتهما التي تعكس غياب وعي لديهم بقيمة مكانتهما ومكانة البيئة التي يعملان فيها وينتميان إليها، ولكن ما حدث مع الفنان محمد صبحي هو ما لم يكن مقبولاً ولا مستساغاً، وهو ما أثار غضب جماهيره التي خرجت لتقول لمن هو جاهل بتاريخ هذا الفنان الملتزم، أن محمد صبحي عنوان الفن الهادف والإبداع الحقيقي، وليس مجرد مشخصاتي كما وصفه المسؤول الأول عن صناعة الترفيه في المملكة، وإن كانت فناننا الكبير لم يبد أي انزعاج من الكلمة.

قد يقول البعض أنه رد على قوله بأنه ليس مرفهاتي، ونعم صبحي ليس مرفهاتي، وليس هو من أطلق على الحاضرين للحفل (مرفهاتية)، بل أن صاحب الحفل نفسه هو الذي أطلق المصطلح الذي أغضبه، فالجهة المنظمة للحفل والمشرفة على الفنون والمستضيفة للفنانين اسمها الرسمي (الهيئة العامة للترفيه)، في حين أن الفن تشرف عليه وترعاه بفخر واعتزاز في معظم دول العالم وزارات الثقافة والفنون أو هيئات الفنون، كما أن الحفل الأزمة أطلقوا عليه بالفم المليان (حفل تكريم صناع الترفيه)، وبالتالي فإن كل من تم تكريمهم فيه بل وكل حاضريه هم صناع ترفيه، أو مرفهاتية، وهي الصفة التي لم يقبلها الفنان محمد صبحي وهو يدرك أن الفن جزء من وظيفته الترفيه وليس الكل، ولكنه قبل الترفيه، هو رسالة وقيمة ونقاش في ثوب إبداعي ودعوة للتفكير وإعمال العقل والتأمل وتشكيل للوجدان وفضح للسلبيات وإضاءة على الايجابيات ومصدر للاستنارة وتشكيل للجمال، ومعاني كثيرة عظيمة لا يدركها سوى من يحترم الفن ويعتبره هادفاً راقياً ولا يعرف طريق الابتذال، ولا يبيع قناعاته الفنية مقابل أي أموال.

الهمجي
تخاريف
وجهة نظر
ماما أمريكا
فارس بلا جواد

محمد صبحي لم يكن مرفهاتي ولا مشخصاتي في (وجهة نظر) ولا (ماما أمريكا) ولا (تخاريف) ولا (الهمجي) ولا (فارس بلا جواد) ولا سلسلة سنبل ولا غيرها. ومحمد صبحي لم يخطئ في تصريحه أنه يفضل أن يترك المجال للسعوديين، فالمملكة بها الكثير من المواهب التي تنتظر هذه الفرصة ولا ينبغي أن يزاحمهم فيها من لا يقبلون أن يكونوا مرفهاتية.

ليست المشكلة في تصريحات رئيس الهيئة العامة للترفيه السعودية ضد محمد صبحي، ولكن المشكلة في الفنانين المصريين الذين التزموا الصمت ولم ينطقوا بكلمة واحدة تعبر عن قناعاتهم في هذه الأزمة حتى لو كانت ضد محمد صبحي، وهم الذين يهبون للدفاع بوعي أو بلا وعي عما يمس البعض منهم عندما يكون الطرف الآخر جمهور بمعناه الواسع، أو شخص مجهول أو (غير مفيد).

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.