رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

راحلون وعائدون

بقلم: محمود حسونة

2021، عام لا يشبه غيره من الأعوام، فقد جاءنا على استحياء والعالم في حالة إغلاق نتيجة انتشار فيروس كورونا اللعين، استقبلناه صامتين، وأهل الفن بيننا يائسين ومحبطين، بعد أن ودعوا العام الأسوأ سينمائياً وغنائياً ودرامياً ومسرحياً، حيث دور السينما وقاعات العرض المسرحي مغلقة، والحفلات الغنائية ممنوعة، وصناع الدراما في حالة توقف إجباري خوفاً من الفيروس، وبعد أشهر معدودة فتحت مصر أبوابها، ليعود الفنانون للتصوير والغناء والإبداع، وأعادت فتح قاعات السينما والمسرح بشروط، وسمحت بعودة المهرجانات والفعاليات ومعها الصخب الفني، وامتلأت الاستوديوهات بالفنانين، وتنافس كل صاحب موهبة في التعبير عنها من خلال أعمال استمتع بها الجمهور، سواء على شاشات التليفزيون أو عبر المنصات الإليكترونية وخشبات المسارح ومسارح الغناء.

عادت الحياة إلى كل ألوان الفنون، ولكنها العودة المصحوبة بالوجع على من فارقوا حياتنا من الفنانين وصناع البهجة والفرح، وخصوصاً أن معظمهم رحل إثر إصابته بكورنا ونتيجة عجز جسمه عن مقاومة هذا الفتاك الملعون، ولذا فلو أردنا أن نطلق اسماً على هذا العام، سنجد أنه يستحق أكثر من اسم بعد أن تعددت ملامحه الفنية، فهو عام الحزن على الراحلين عن حياتنا، وعام الصخب الفني الذي عاد بعد غياب مرتفع الصوت ومثيراً للجدل، وعام الأزمات المسببة لبعض الصخب الذي عشناه وأجبرنا على التعايش معه ولعل الأزمة الكبرى خلال هذا العام، هى أزمة ما أسموه أغاني المهرجانات.

عند الحديث عن 2021، لا يمكن أن نتجاهل أنه العام الذي عادت خلاله النجمة شريهان، بعد 19 عاماً من الغياب بسبب المرض، عادت على مرحلتين، الأولى من خلال إعلان في شهر رمضان لصالح إحدى شركات الموبايل في مصر، لتلخص من خلاله رحلتها مع المعاناة ولتثبت أنها فنانة واجهت بإرادتها القوية العديد من التحديات، لم تقتصر على المرض اللعين فقط، ولكن سبقته تحديات أخرى واجهت خلالها الموت أكثر من مرة بفعل المؤامرات التي حيكت لها، وكانت إرادة المتآمرين عليها تحويلها إلى مقعدة عاجزة، ولكنها بالإرادة انتصرت وعادت للفن، ثم أجبرها المرض على الغياب الطويل لتعود منه كما لو كانت لم تغب، رشيقة الحركة، ثابتة البنيان، قوية الإرادة، متألقة تمثيلاً واستعراضاً. وبعد الإعلان أطلت علينا من خلال مسرحية (كوكو شانيل) عن حياة سيدة الموضة الفرنسية كوكو شانيل والتي تعرضت خلالها لتحديات ومؤامرات لا تقل عن ما تعرضت له شريهان، ومثلما بقي اسم شانيل يتردد، سيظل اسم شريهان حياً بين عشاق الفن الحقيقي.

أيضاً خلال  العام الذي ودعنا أمس الأول عادت المطربة عفاف راضي بصوتها المميز، عادت طاغية الحضور كما كانت قبل أن تختفي منذ 11 عاماً، وكأن هذه السنوات زادت صوتها حلاوة وزادتها ألقاً، ولأنها تنتمي لزمن الفن الجميل، وزمن الوفاء، فقد عادت لتحيي ذكرى أستاذها وأستاذ النغمات الخالدة بليغ حمدي على مسرح دار الأوبرا، وبعد الترحيب الذي لاقته من جمهور سيظل وفياً للطرب والأصالة، وعدت بعدم الانقطاع، ونتمنى أن يشهد العام الحديد تنظيم أكثر من حفل لها.

ورغم إيماننا بأن الموت علينا حق وأن (لكل أجل كتاب)، فإن أنباء الرحيل في العام المنقضي كانت أكثر وجعاً، سواءً نتيجة عدم توقع بعضها أو نتيجة أنها بفعل كورونا اللعين وبعد معاناة من آثاره المزعجة. ففي الأيام الأولى من العام صدمنا خبر وفاة السيناريست العظيم وحيد حامد، والذي جاء بعد أيام من تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن رحلته السينمائية الأكثر ثراءً وإبداعاً، وبعد أن أبكى الفنانين وعشاق السينما ومحبي أعماله  بكلماته التي لم يتخيل أحد أنه يودع بها محبيه والدنيا، حيث قال (أشكر فرسان وقفوا بجانبي في مشواري الطويل، أسماء عظيمة في التمثيل والإخراج، أشكر كل من تعلمت منهم، حبيت أيامي في السينما الجميلة)، كلمات شكر وعرفان لأصحاب الفضل، وكلمات اعتزاز بمهنة اختارها وأبدع فيها وأصبح أهم فرسانها، مهرجان القاهرة السينمائي الدوليولكن جمهوره لن ينسى (البريء وضد الحكومة واللعب مع الكبار والراقصة والسياسي والإرهاب والكباب والنوم في العسل والمنسي) وغيرهم من الأعمال التي شكلت وجدان وملامح أجيال.

وفي ثاني أشهر العام، رحل الفنان الكبير عزت العلايلي صاحب الرحلة الفنية المليئة بالأعمال الهادفة، ومنها (الأرض والسقا مات والتوت والنبوت واسكندرية ليه والطوق والأسورة) وغيرها.

بلغ الوجع حدته عند عشاق الكوميديا برحيل صانع البهجة في حياة المصريين الفنان سمير غانم متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، ليبكي عشاق الكوميديا حزناً عليه وألماً للمعاناة التي كانت تعيشها زوجته الفنانة الجميلة دلال عبد العزيز في غرفة العناية المركزة غير عالمة بوفاة زوجها بعد أن قررت ابنتيهما دنيا وإيمي إخفاء خبر وفاته عليها حتى لا تنهار نفسياً، ولكن يبدو أن دلال فضلت اللحاق بحبيب العمر، وهى لا تدرك أنه قد سبقها ولكنها تحس أن الحياة من دونه لن تكون حياة.

ومن الراحلين في عام الحزن بكورونا، (أحلام الجريتلي وهادي الجيار وفايق عزب ويوسف شعبان وأحمد خليل، وملكة المسرح الكوميدي وصانعة الضحك الكبيرة سهير البابلي).

الصخب والأزمات خلال 2021 وجهان لعملة واحدة، فالصخب الذي صاحب عودة المهرجانات الفنية أفرز أزمات، ومن ذلك حالة الصخب التي صاحبت انعقاد (مهرجان الجونة) والذي أحدثته فساتين الممثلات شبه العارية ليفرز أزمة حول هوية هذا المهرجان ويطرح تساؤلاً أكبر حجما من مدينة الجونة، وهو هل هذا المهرجان هدفه دعم السينما وتشجيعها أم الترويج السياحي للمنتجع الساحلي، وهل استفحال ظاهرة العري عفوية أم مقصودة لإثارة الجدل عن المهرجان وبالتبعية عن المدينة السياحية، ناهيك عن الجدل الذي أثاره عرض بعض الأفلام فيه وعلى رأسها فيلم (ريش)؟.

الصخب أيضاً صاحب انعقاد (مهرجان القاهرة السينمائي الدولي) ليثير أزمة حول هوية المهرجان ورئيسه محمد حفظي وأسلوب إدارته للمهرجان الذي يحمل اسم القاهرة والمهرجان الأقدم في المنطقة والمهرجان السينمائي الرسمي للدولة المصرية.

أما أزمة أغاني المهرجانات الصاخبة فستستمر خلال العام الجديد وقد تمتد بعده عاماً أو أعوام، وستظل مصدر انقسام مجتمعي، حيث سيبقى لها مؤيدون وداعمون يريدون للغث أن ينتشر ويسيطر، ورافضون يحلمون بيوم يعود فيه للغناء رونقه وضوابطه المفقودة.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.